التقسيم الدولي للمهام المنوطة بعملية “تحضير الشعوب” ومنذ القرن الثامن عشر لا زالت مستمرة كما كانت عليه في السابق، والشيء الوحيد الذي انضاف إلى هذه العملية هو التحاق الإخوان المسلمين بالركب المتعلق ب”تحضير الشعوب” المتخلفة والغارقة في خصوصياتها الإثنية، الجهوية والمحلية. عملية التبشير المسماة عملية “تحضير الشعوب” المتخلفة والغارقة في ثقافاتها المحلية والدونية، منذ القرن الثامن عشر وهي تسير بقوة دافعة واحدة هي قوة الإخوان المسيحيين أما اليوم فهي أصبحت تسير بقوتين دافعتين، هما قوة الإخوان المسيحيين وقوة الإخوان المسلمين.الإخوان المسيحيون والإخوان المسلمون أصبحوا يشتغلون على قدم وساق من أجل دمغنة céphalisation شعوب شمال إفريقيا وذلك بواسطة آليتين هما آلية النمذجة Modélisation وآلية التنميط Panurgeation. الإخوان المسيحيون يقومون بإنجاز مهام النمذجة التربوية للأنظمة والمناهج التربوية لدول شمال إفريقيا، والإخوان المسلمون يقطفون ثمار هذه النمذجة التربوية ويحولونها إلى تنميط سياسي ووجداني للأفراد والجماعات. النمذجة التربوية للقارة الإفريقية، وضمنها النمذجة التربوية لمنطقة شمال إفريقيا، اعتمدت على نمذجة الحشود الصاعدة المكونة من الأطفال والتلاميذ والشباب اليافع والتنميط السياسي هو الآخر اعتمد على التنميط الدقيق والمتحكم فيه للآراء السياسية والميولات الفكرية والاجتماعية للراشدين و العاقلين. ترتكز عملية النمذجة التي تم الاعتماد عليها في مجمل الأنظمة التربوية لدول القارة الإفريقية و لدول منطقة شمال إفريقيا على نفس الخطاطة والأهداف، ويمكن حاليا تصفح عشرات المناهج التربوية في منطقة القارة الإفريقية وضمنها منطقة شمال إفريقيا، لتجدها تخضع لنفس النموذج ونفس التصاميم الخاصة بصياغة الكفايات والأهداف، في حين كل دول الاتحاد الأوروبي التي يحميها القانون الإنساني الأوروبي المتميز بقيت بعيدة عن المؤثرات السلبية والخطيرة لأساليب النمذجة والتنميط؛ لأن الشعوب الأوروبية منذ الحرب العالمية الأولى إلى نهاية الحرب العالمية الثانية، وهي تعاني من أساليب النمذجة والتنميط بل وكانت هذه النمذجة والتنميط من بين الأسباب الرئيسية التي أدت إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية... كل هذه الشعوب التي عانت من الآثار الوخيمة لأساليب النمذجة والتنميط قامت في ما بعد بداخل نص قانونها الإنساني الذي صادقت عليه يوم السابع من دجنبر سنة 2000 بمنع كل أشكال النمذجة والتنميط في جميع التداولات الفكرية والتربوية وغيرها. هذا القانون الإنساني الأوروبي الذي دمج الحقوق المدنية، السياسية والاجتماعية -الاقتصادية للمواطنين الأوروبيين في نص حقوقي واحد يقر بالحرية الفردية وبالحس النقدي العقلاني ويعتبر النمذجة والتنميط سلوكان يستهدفان أساسا التحكم والسيطرة من أجل احتكار الثروة. الرجل الذي قام بنمذجة وتنميط حوالي مائة منهاج تربوي عبر إفريقيا بما فيها كل مناهج دول شمال إفريقيا هو خريج المدرسة الطبيعية للقديس سان طوماس ببروكسيل ببلجيكا سنة 1977 وهو كذلك الرجل الأستاذ المحاضر منذ سنة 1993 بالجامعة الكاثوليكية للوفان ببروكسيل ببلجيكا و هذه الجامعة، هي تقريبا المقابل الحضاري لجامعة القرويين بفاس لو أن جامعة القرويين قامت بنفس التحديث المعرفي والمنهاجي الذي قامت به الجامعة الكاثوليكية للوفان عبر قرون ومنذ سنة 1425 التي هي سنة تأسيسها. كل فروع العلوم الإنسانية وكل فروع العلوم العقلية والمعرفية عرفت تطورها بداخل هذه الجامعة وبداخل الجامعات التاريخية لأوروبا وهذه الجامعات هي التي ساهمت بشكل كبير في التقدم الحضاري لأوروبا في حين الجامعات التاريخية لشمال إفريقيا بقيت عبارة على جامعات هوياتية منغلقة لتفريخ الأفكار اللاتاريخية واللاعقلية. بفضل هذه العلوم استطاع كزافيي روجرس، مدرس مستوى ابتدائي وخريج المدرسة الطبيعية للقديس سان طوماس أن يصبح في ما بعد من اكبر المنمذجين و المنمطين للأنظمة التربوية للدول الإفريقية ولدول شمال افريقيا، بل وحتى لبعض دول أمريكا اللاتينية وبعض الدول العربية كلبنان بالخصوص، وذلك بفضل توظيفه لبعض مكتسبات هذه العلوم و هذه المعارف، فعلوم التقويم مثلا les sciences docimologiquesمنذ سنة 1923 التي هي سنة وضع الأسس العلمية والمعرفية لمفاهيم القياس من طرف الفرنسي Jean Perrin، منذ ذلك التاريخ و مفاهيم القياس بقيت على شكل مفاهيم علمية خالصة و لم يستطع أي من المفكرين التربويين تحويلها إلى مفاهيم إجرائية بسيطة قابلة للفهم والتطبيق إلى أن جاء المدرس مستوى ابتدائي و خريج المدرسة الطبيعية للقديس سان توماس السيد كزافيي روجرس وحولها إلى مقاييس تؤجرئها و تتحكم فيها تقريبا كل الأنظمة التربوية لدول القارة الإفريقية؛ لم يقم فقط بنشر وتعميم وتبسيط أدوات القياس بداخل الأنظمة التربوية للقارة الإفريقية بل قام كذلك بتحديد نوعية النصوص التي يجب على تقريبا كل تلامذة القارة الإفريقية إنتاجها حسب كل مستوى بدون الأخذ بعين الاعتبار الفوارق الفردية والاجتماعية والثقافية وغيرها. يتدرج عدد الجمل التي يجب على تلامذة القارة الإفريقية إنتاجها حسب كل مستوى من اجل الإجابة على تعليمات ما يسمى ب”الوضعيات الإدماجية”، ما بين ثلاثة جمل للمستوى الأدنى، بمعدل جملة واحدة لكل تعليمة إلى عشر جمل للمستوى الأعلى، أي المستوى المؤدي مباشرة إلى التعليم الإعدادي. النمذجة المنهاجية للأنظمة التربوية لمعظم دول القارة الإفريقية، تكفل بها الإخوان المسيحيون والتنميط السياسي للمواطنين تكفل به الإخوان المسلمون، وعلى المستوى الجيوستراتيجي تعتبر النمذجة والتنميط عبارة على كوابح لعملية التحرر والإنعتاق من التخلف وهي في نفس الوقت ضبط من الخارج لعملية التقدم الذاتي للمجتمعات، لأن المجتمعات التي تتقدم ذاتيا تفاجئ، كما حصل لدولة الصين الشعبية و كما حصل كذلك لدول المنطقة السكندنافية.