الدرك الملكي بمولاي عبد الله ينقذ قاصراً تائهاً بعد انتهاء موسم مولاي عبد الله    فاس تواصل جذب السياح وتحقق نموا مستمرا في النشاط الفندقي    "البيجيدي" يدعو الحكومة إلى استحضار الدستور والاختيار الديمقراطي في إعداد برامج التنمية الترابية    الذهب يستقر قُبيل "جاكسون هول"    بتعليمات ملكية .. المغرب يرسل دفعة جديدة من المساعدات الإنسانية إلى غزة    مهرجان "أصوات نسائية" يختتم مرحلته الأولى وسط أجواء احتفالية    ترامب: أمريكا ضالعة في أمن أوكرانيا    الجزائر تتأهل إلى ربع نهائي "الشان"    مقر "المينورسو" بالعيون يتحول إلى وجهة لوفود دبلوماسية بشأن الصحراء                سعد لمجرد يعود لمعانقة الجماهير المغربية عبر منصة مهرجان القنيطرة في سهرة استثنائية    "بي دي اس": وضع أسيدون تحت جهاز التنفس الاصطناعي وحالته الصحية خطيرة رغم استقرارها    اصطدام مروع قرب القصر الصغير: وفاة شخصين وإصابة 20 بجروح متفاوتة    إيقاف لص سيارات بمكناس نفذ 20 عملية سرقة.. آخرها حقيبة بها 14 مليون سنتيم    البكوري ينقذ المغرب التطواني بدعم مالي جديد تبلغ قيمته حوالي مليار سنتيم    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    مؤسسة المهرجان المتوسطي للثقافة الأمازيغية بطنجة تنعي الروائي الكبير صنع الله إبراهيم    المغرب.. حين تُحلّق الطائرات محمّلة بالحياة نحو غزة    سبتة ومليلية تشهد جدلاً حول حظر النقاب.. وفاطمة هامد تعلق    نجم المنتخب الوطني يلتحق رسميا بالدوري السعودي    تحذير من موجة حر مصحوبة ب"الشركي" وزخات رعدية ورياح قوية من الاثنين إلى الأربعاء بعدد من المناطق    مسؤول بحماس: الحركة أبلغت الوسطاء بموافقتها على أحدث مقترح لوقف إطلاق النار بغزة    مهرجان الشواطئ يواصل جولته ويشعل مرتيل والناظور والسعيدية    إنجاز طبي.. خلايا بنكرياسية تُنتج الأنسولين لمريض السكري    دراسة علمية تكشف وجود علاقة بين المعدة والصحة النفسية    الأزمة تضرب السوق العقار بالمغرب.. ركود كبير في المبيعات والأسعار ظلت مستقرة    بما في ذلك الناظور.. 19 مدينة مغربية تتجاوز 40 درجة وموجة حر استثنائية مستمرة    دراسة: حماية الحاجز الدموي الدماغي قد تحد من التدهور الإدراكي لدى المسنين    لفتيت يوجه الولاة والعمال لإعداد جيل جديد من برامج التنمية الترابية    الهزيمة أمام خورفكان تنهي مسيرة الحسين عموتة مع الجزيرة    الواجهات الزجاجية للمكاتب تفاقم معاناة الموظفين في ظل موجات الحرارة        احتياطي المغرب من العملات الصعبة يسجل رقما قياسيا جديدا    المغرب ‬الواثق ‬المطمئن ‬الصامد ‬والجزائر ‬المذعورة ‬المصدومة ‬            فتيان الدراجة المغربية يعودون بفضية من ليبيا    نبيل فهمي يقترب من خلافة أبو الغيط في منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية        الإفراط في ممارسة ألعاب الفيديو يُعرض المراهقين للتوتر والاكتئاب    "خيرونا" يجهّز عرضًا جديدًا لأوناحي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    ابتسام لشكر وإشكالية الحرية...    دراسة: العنف يرفع خطر إصابة المرأة بأمراض القلب والأوعية    فيدرالية اليسار الديمقراطي بتيسة تدق ناقوس الخطر بشأن الأوضاع الاجتماعية وتنتقد المنع والتهميش    كأس آسيا لكرة السلة: المنتخب الأسترالي يتوج باللقب على حساب نظيره الصيني    الصحافة من بوابة الثقافة في ذكرى رحيل غلاب    "سينما الشاطئ" تحل بطنجة وتحتفي بالإبداع المغربي في الهواء الطلق    مؤرخان إسرائيليان ‬يقارنان المحرقة.. ‬والإبادة في‬ غزة!‬    دموع الأم ووفاء الوطن.. لحظات استثنائية في حفل كزينة بالرباط    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلسلة "أغنية تحت المجهر": أغنية "هادي ماشي رجولة".. عندما يتيه اللحن وتسقط الكلمة في النمطية
نشر في الأحداث المغربية يوم 22 - 04 - 2016

هي محاولة للتوقف لحظة والإنصات بإمعان لأنين الأغنية المغربية المصابة هذه الأيام بحمى،نتمنى أن تكون عارضة،شوهت جسمها،وجب عرضها على أطباء أخصائيين وإدخالها إلى غرفة العمليات لإستئصال الورم الذي نخر قواها.
وهي كذلك إصرار على وضع بعض الأغاني المثيرة للجدل تحت المجهر ورؤيتها بشكل واضح وجلي ومعرفة تفاصيل جزئياتها ،وإخضاعها للتشريح،ومن تم التأكد من مدى احترامها لمعايير الإحساس الصادق و قدرتها على النهل من التراث المغربي الأصيل واختيار الكلمة الهادفة واللحن المفعم بالجمل الموسيقية الصحيحة.
هذه الأغاني بعينها خلقت نقاشا داخل الساحة الفنية المغربية،واعتبرها البعض منتوجا فنيا دخيلا وهجينا، أصاب أغنيتنا في مقتل،وزج بها في حسابات نسب المشاهدة والإعجاب،وهي مقاييس أريد بها باطل.
مجملا هي محاولة نقدية،الغرض منها النهوض بمنتوجنا الموسيقي والرقي به إلى مستواه العالي،وإعادة الإعتبار للفن الراقي المبني على أسس متينة،وتصليب عوده في إطار مقاربة تشاركية مع جميع المكونات الفنية ، بعيدا عن لغة الخشب.
سوف لن نضع قبعة المراقب الذي يبحث عن الأخطاء.ولن نجعل من عملية النقد هاته عملية ذات صفة شخصية.مهمتنا ستنحصر أساسا في تحليل الظاهرة الفنية واستشعار الصفات الإبداعية في الأعمال الفنية،وكشف النقاب عنها، مع الإشادة بالأغاني المتفوقة.
يبدو ان النهر الجارف الذي يجر بين ثناياه الأغنية المغربية،بعدما نخر تربتها الخصبة،لن يتوقف أبدا، مادام الكل صامتا يضع يده على قلبه وينتظر حدوث "تسونامي" حقيقي يأتي على الأخضر واليابس،ويخنق عروق وشريان الأحاسيس والمشاعر الجياشة التي بداخلنا،ويحطم أمالنا في سماع منتوج فني راقي.
إن ما نسمعه اليوم من "بريكولاج" موسيقي، يؤثر ويعرقل عملية دخول الأغنية المغربية إلى فضاء الإبداع ،ويسهل ولوجها مرحلة العبث واللامبالاة والشرود الفني.
هل هي مرحلة فراغ ياترى؟ أم مجرد سحابة صيف عابرة؟ أم هو أستبلاد واستصغار لأذواقنا؟
من يريد طمس معالم زمن أغنيتنا الجميل؟ ومن يحاول توسيع الهوة التي تفصلنا معه؟.
بعثرت كل الأوراق وأصبح من الصعب جمعها ،لتوضيح الرؤية. من المفروض أن تخضع أغنيتنا لمعايير حسية،اعتادت أذاننا على سماعها،وتفاعلت معها جوارحنا،وعشنا معها قصصا رائعة ولا في الأحلام،استمدنا منها قوة التعبير الصادق ،من خلال اللحن الجميل الموزون والكلمة الهادفة الجادة والتوزيع المبني على أسس علمية،بالإضافة إلى الأداء المميز.
ليس عيبا أن نساهم جميعا في تطوير الأغنية المغربية والرقي بها إلى الأحسن، وإلى العالمية ،وليس جرما أن ننتقل بها إلى نمط شبابي خفيف،شريطة عدم المساس بمقوماتها الأساسية ألثابتة المحددة في اختيار الكلمة الشاعرية واللحن الموسيقي الصحيح،المستنبط من تراثنا وموروثنا الثقافي،واستعمال الإيقاعات المنتقاة بإمعان وذكاء. وإذا امتزجت كل هذه المقومات،سيكون لامحالة الموضوع موحدا ومجتمعا في موضوع فني راق،سواء طالت مدة الأغنية أو قصرت.
مادامت فنانة مغربية كأسماء لمنور التي نحترمها،تتوفر على إمكانات صوتية رائعة،غنت لأم كلثوم،وتسيدت مع القيصر كاظم الساهر من خلال أداء أغنية "المحكمة"،ومثلت المملكة المغربية في إحياء ذكرى سيدة الطرب العربي.(مادامت هذه الفنانة) رغم كل هذا التراكم،تنجرف مع التيار،وتقبل مايقدم لها من أغاني من مثيل (الطيارة،صافي،وماشي رجولة).وقد كنا قد اعتبرنا من خلال ورقة نقدية بعنوان "أسماء لمنور،من المحكمة إلى الطيارة"، أنها مجرد تجربة عابرة لاغير،تدخل في إطار تشجيع المبدعين الشباب،رغم أن تاريخها وتراكماتها لا تسمح لها بالدخول إلى هذا العالم الصغير المحدود جدا،والمليء بالمغامرات ،غير محسوبة العواقب.
يكفي أن تسمع أغنية "هادي ماشي رجولة" لتصاب بدهشة تخنقك إلى حد الإغماء، ويكفي أن تطلع على عنوانها لتشعر بالغرابة.
كلمات مباشرة،فجة،الغرض منها استفزاز مشاعر الجمهور،مرتكزة على موضوع عادي جدا وقديم،يحكي قصة فتاة تعرضت للغدر والخيانة،بعدما قضت زهاء خمس سنوات بجانب حبيبها،الذي عصف بأحلامها،متعذرا بعدم قدرته على الزواج،لتقرر مصارحته بلغة صريحة وقوية،وتذكره بأنها مصدومة لتصرفاته غير الرجولية،كأن الوفاء من شيم الرجال فقط،" هادي ماشي رجولة،مخليني عليك معولة،في الأخير تقول اللا الزواج متقدرش عليه،خمس سنين رابطني حداك ،صابرة أو كنتسناك،كلشي شايفني معاك………جاي تقول لي سمح لي،خلينا أحسن خوت..ذيك الهضرة ديال الأفلام العربية،كولها وسير تموت………هاوجهي إلى طفرتيه…".
كلام عادي جدا، وهو عمل بخس بدراهم معدودات (50.000 درهم)، بخس حسا ومعنى في كلفته وفي قيمته خال من روح شاعرية،لم يبذل صاحبه سمير المجاري أدنى مجهود يذكر. حاول أن ينقل لنا مايقال في الشارع العام. كلام سطحي، بعيد عن الشاعرية والذكاء في التصوير، واختيار الكلمات الموزونة التي تخاطب العاطفة والفؤاد. هو فقط كلام في كلام، محادثة بين مخاطب ومخاطبة، كما لو أننا نتفرج على حوار بين اثنين، يتبادلان اللوم والعتاب،بلغة الشارع البسيطة.
خمس سنوات من الحب والهيام، كانت بالنسبة للحبيبة مجرد "هضرة" خاصة بالأفلام العربية، تؤكل وتمضغ فقط.
نهاية أرادها المتحدث أن تكون غير سعيدة كما في (الأفلام العربية)،وصارمة كقوة جملتها الأخيرة،حينما ودعت بطلة (القصة) حبيبها،قائلة" ها وجهي الى طفرتيه".يالها من شاعرية أخاذة، وياله من إحساس جياش.
أين الزمن الجميل الذي كانت فيه الأغنية المغربية تؤدي رسالتها المجتمعية بامتياز.
كانت الكلمة هي الفيصل،تطوعنا وترمي بظلالها على أفئدتنا، حينما يتعلق الأمر بقصة حب شاعرية، وتزرع فينا تلك الحماسة، عندما يكون السياق وطنيا أوسياسيا. الفرق شاسع إذن.
من الناحية التقنية اللحنية، يلاحظ جليا من خلال سماع أول جملة موسيقية إلى اخرها أن ملحن أغنية "هادي ماشي رجولة" مهدي مزين، لم يبذل مجهودا يذكر واكتفى باختيار المقام العربي (المينور) على درجة " ري"،أو ما يصطلح عليه في الموسيقى العربية ب "مقام فرح فزا" الذي تتقنه أسماء لمنور وتجد فيه راحتها. ولم يتكبد عناء الخوض في عمق المقام، بل كانت له نظرية محدودة جدا، مبنية على الراحة الجسدية للعازفين. كأن لحن الأغنية من أول جملة موسيقية غنائية إلى اخرها، لم يتعدى استعمال النوطات التالية (ري،مي،فا،صول،لا)، وهو سلم موسيقي سهل العزف، ومقدور عليه من طرف تلاميذ السنة الأولى في المعاهد الموسيقية، والذين سيكونون على استعداد تام لمرافقة أسماء لمنور.
هي تقنيات سهلة وعادية، أصبحت مألوفة لدى ملحني أغاني مثل "الأول" "لمعلم" "صافي صافي" "إنت" "الطيارة""هاكاوا" وغيرها.
نفس كتاب الكلمات،ونفس الملحنين والموزعين، يتبادلون الأدوار فيما بينهم، اتفقوا على خلق نموذج خاص بهم، استحسنه جهمور عريض، يكتفي بالجلوس أمام الكومبيوتر، لتفحص المواقع الالكترونية الاجتماعية ،ويبذل قصارى جهده للضغط على أزرار J AIME ،PARTAGER ، COMMENTER لإعطاء رأيه في عمل فني ما،بدون دراية ولا حتى إلمام، يصلون إلى الملايين، وهي مع الأسف نسب وهمية من جمهور افتراضي، يستغلها الفنانون ويخلقون "البوز" .
نسب عالية للمشاهدة خادعة،يسقط بعض الفنانين في شراكها، ويدخلون إلى عالم النجومية الوهمي، بتواطئ مع جمهور تحت الطلب، يمتهن لغة التصفيق والصفير والإعجاب، فتكون بذلك العملية برمتها خداع في خداع. ويكون الجمهور المتتبع السميع والمتعطش لسماع منتوج فني راقي هو الضحية الأول، و تصاب معه الأغنية المغربية بخلل في عمودها الفقري، يشل جميع أعضائها، وتفقد هويتها. وبهذه الصورة يضيع اللحن الجميل، المبني على الإحساس الصادق، وتتيه الكلمة الشاعرية المعبرة، ويفتح الباب على مصراعيه أمام التفاهة والتيه الموسيقي. ولا غرابة إذن لظهور أغاني (مسخ)، غريبة كل الغرابة عن تراثنا الثقافي.
هي إذن جريمة نكراء في حق أغنيتنا المغربية، تحاك مع سبق الإصرار والترصد، من طرف أناس، هدفهم الوحيد الشهرة، مقابل الربح المالي.
صدق من قال "الأسماك الميتة فقط تنجرف مع التيار"..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.