بوريطة يتباحث بالرباط مع نظيره الغاني    تفكيك شبكة لترويج المخدرات بطنجة وتوقيف ستة من أفرادها    الحاجب يستقبل محطة جديدة لمعالجة المياه العادمة بجماعة أيت نعمان    إطلاق المنصة الوطنية لرصد وفيات الأمهات والمواليد الجدد لتعزيز الجودة والحكامة في المنظومة الصحية    الرابور PAUSE FLOW أمام القضاء بتهمة إهانة هيئة منظمة    ( الحب المر)... فيلم يكشف الوجه الخفي للنرجسية داخل الأسرة المغربية    المحكمة الابتدائية بأصيلا تنظم مائدة مستديرة حول "قراءة في قانون المسطرة الجنائية بالمغرب"    "الأحرار" يصادق على تصوره للحكم الذاتي تمهيداً لرفعه إلى الملك    جدل داخل البرلمان حول مقترح حلّ الأحزاب التي لا تشارك في الانتخابات    تتويج أشرف حكيمي بجائزة أفضل لاعب إفريقي.. إشادة واسعة من قبل وسائل الإعلام الفرنسية    بوريطة يستقبل رئيس الجمعية الوطنية لجمهورية تنزانيا المتحدة    نبيل باها: "اللاعبون مستعدون لمواجهة البرازيل والفوز بالمباراة"    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء سلبي    ملف إسكوبار الصحراء .. النيابة العامة تكشف اختلالات خطيرة في العقود الموثقة    تنسيقية الأطباء تحذّر مجلس المنافسة من سعي "أكديطال" لاحتكار القطاع الصحي عبر الاستحواذ على Rochaktalim    في مداخلة له خلال الدرس الافتتاحي للجامعة الشعبية بمكناس .. وسيط المملكة: الإنصاف أعلى من القانون حين يُظلم المواطن    الكاف يتجاهل المدرب محمد وهبي    الحكومة تكشف حصيلة المستفيدين من الدعم المباشر لمربي الماشية    تكريم فريق جمعية الأوائل للأطفال للأطفال في وضعية إعاقة إثر ظفره بكأس العرش لكرة القدم داخل القاعة    المغرب يترأس المجلس الدولي للزيتون    تحقيق إسباني يكشف استعمال النفوذ للحصول على صفقات في المغرب وخلفيات ذكر اسمي اعمارة ورباح    أجهزة قياس السكر المستمر بين الحياة والألم: نداء أسر الأطفال السكريين لإدماجها في التغطية الصحية    الحكومة تقر "تنظيم مهنة العدول"        المغرب يحل ثالثا وفق مؤشر الأداء في مجال التغير المناخي (CCPI)        جمعية "السرطان... كلنا معنيون" بتطوان تشارك في مؤتمر عالمي للتحالف الدولي للرعاية الشخصية للسرطان PCCA    السكتيوي يعلن الجمعة لائحة الرديف    الفنان المغربي إِلياه والنجم المصري محمد رمضان يجتمعان في أغنية جديدة    في الحاجة إلى فلسفة "لا"    ناسا تكشف عن صور جديدة للمذنب 3I/Atlas القادم من خارج النظام الشمسي    منظمة الصحة العالمية تحذر من الزيادة السريعة في استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية    غوغل تطلق أداة جديدة للبحث العلمي    وزارة الاقتصاد والمالية تصدر ميزانية المواطن لسنة 2026    الإنصاف أخيرا لأشرف حكيمي..    تدشين غرفة التجارة المغربية بإيطاليا في روما    مناورات مشتركة بين قوات المارينز الأميركية ونظيرتها المغربية تختتم في الحسيمة    منتخبات ‬وفرق ‬وطنية ‬تواصل ‬التألق ‬وتخطيط ‬متواصل ‬يجعل ‬من ‬كرة ‬القدم ‬رافعة ‬تنموية ‬كبيرة    مونديال 2026.. جزيرة كوراساو الضيف المفاجأة    أمريكا تقدم "خطة السلام" في أوكرانيا    أوكسفام: "ثروات الأثرياء" في ارتفاع    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    تقرير: نصف عبء خدمة الدين الطاقي في إفريقيا تتحمله أربع دول بينها المغرب    كأس ديفيس: المنتخب الايطالي يتأهل لنصف النهاية على حساب نظيره النمساوي    منظمة الصحة تحتاج إلى مليار دولار    معمار النص... نص المعمار    لوحة لغوستاف كليمت تصبح ثاني أغلى عمل فني يباع في مزاد على الإطلاق    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يعلن عن تشكيلة لجنة التحكيم    "صوت هند رجب" يفتتح مهرجان الدوحة السينمائي2025    مهرجان الناظور للسينما والذاكرة المشتركة يخلد اسم نور الدين الصايل    الأكاديمية الفرنسية تمنح جائزة أفضل سيرة أدبية لعام 2025 إلى الباحث المغربي مهدي أغويركات لكتابه عن ابن خلدون    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    الإنعاش الميداني يجمع أطباء عسكريين‬    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تنظيم الإضراب ومفهوم الإصلاح الشامل
نشر في الأحداث المغربية يوم 24 - 05 - 2012

يطرح موضوع الإضراب بحدة شعبيا وإعلاميا في الآونة الأخيرة، بالنظر إلى أن حركة الإضرابات آخذة في التوسع لتجتاح مختلف المرافق العمومية الحيوية التي لها تأثير واتصال مباشر بمصالح المواطنين وحاجياتهم اليومية، كالنقل والصحة والتعليم والعدل والجماعات المحلية...إلخ، وقد أظهرت الإحصائيات أن هذه الظاهرة ما فتئت تتطور بشكل تصاعدي، حيث ارتفع عدد الإضرابات في القطاع العمومي لوحده بشكل قوي ليصل إلى 400 إضراب خلال سنة 2011 .
إلا أن تنظيم الإضراب لوحده يعتبر غير كاف، لذلك سنعرض لماهية الإضراب والأضرار الناتجة عنه، ثم نخلص إلى التدابير التي يجب أن ترافق هذا التنظيم، وتساهم في القضاء على أهم مسبباته، ومن شأنها أيضا وضع حد لأحد أهم أشكال الريع التي أفسدت الحياة العامة.
فالإضراب هو القرار المتخذ من طرف مجموعة من الأجراء مؤطرين، أم لا من قبل منظمة نقابية بالتوقف الجماعي عن العمل، وذلك بهدف ممارسة الضغط على المقاولة، أو السلطات العمومية من أجل تلبية مطالبهم المهنية.
ويعتبر الإضراب حقا دستوريا في المغرب، وتحدد شروط ممارسته بواسطة القانون التنظيمي الذي يجب أن يصدر طبقا للمادة 29 من الدستور الجديد للمملكة، والإضراب ليس غاية في حد ذاته، بل هو مجرد وسيلة تلجأ إليها الشغيلة قصد الضغط لدفع الطرف الآخر للاستجابة لمطالبها ، إلا أنه قد يترتب عن ممارسة هذا الحق تعسفيا العديد من الأضرار كما سنرى للمضربين أنفسهم، وللمقاولة ، وللمواطنين والاقتصاد الوطني .
نجد أن أول ضرر يلحق بالمضرب نفسه، وهو الحرمان من الأجر، لأن الإضراب طبقا للقواعد العامة للقانون وطبقا لمقتضيات الفقرة الرابعة من ( المادة 32) من مدونة الشغل يوقف مؤقتا عقد العمل عن إنتاج آثاره بين الطرفين والتي منها استحقاق الأجر.
فإذا كان الأجير يرتبط بمشغله بعقدة الشغل، وتحكم العلاقة التعاقدية بينهما مدونة الشغل، فإن الموظف العمومي تجمعه علاقة نظامية بإدارته والتي يحكمها قانون الوظيفة العمومية، وسواء تعلق الأمر بالأجر، أو الراتب الذي يتقاضاه كل من الأجير أو الموظف من المشغل في الحالة الأولى، أو من المال العام في الحالة الثانية، فهو مقابل الخدمات المقدمة، سواء أكانت مادية أو فكرية أو فنية لفائدة المقاولة أو لتحقيق المنفعة العامة حسب الأحوال .
كما أن تحصيل الأجر مقابل العمل، هو ما يميزه عن مفهوم الريع الذي يعني الحصول على المال، أو غيره من الامتيازات دون أي استحقاق موضوعي أو مسوغ قانوني، ودون بذل أي مجهود ذهني أو جسدي، يعطي المستفيد الحق في الاستفادة وهو ما كان من وراء المبدأ الفقهي والقضائي المعروف (الأجر مقابل العمل) .
وإذا كان رب العمل يلجأ الى الاقتطاع من الأجور بصفة تلقائية عند قيام أجرائه بالإضراب لأي سبب من الأسباب، فإن القيام بالاقتطاع خلال الإضرابات الحاصلة بالوظيفة العمومية يعد إجراء استثنائيا ومزاجيا بين إدارة وأخرى لأسباب يعلمها كل المتتبعين .
أما بخصوص الضرر الذي يمكن أن يلحق المقاولة من جراء النزاعات التي تتطور إلى إضراب عن العمل فيتصف غالبا بالخطورة وقد يهدد المؤسسة في وجودها واستمراريتها، وبالخصوص إذا كانت النزاعات ناتجة عن صعوبات اقتصادية أو مالية لن تزيدها التوقفات عن العمل دون سلوك الحوار المسؤول إلا تفاقما، لأن توقف عملية الإنتاج يتسبب أيضا في توقف المداخيل،وقد يحمل المؤسسة تكاليف إضافية إذا تعلق الأمر بمواد قابلة للتلف، أو بظروف خاصة أخرى كما أن شبح الإفلاس والإغلاق يظل متربصا في حال فقدان الزبناء بسبب عدم الانتظام في تزويدهم بالمنتوجات لمدة قد تطول، وبالتالي تتدهور العلاقة مع الأبناك التي سرعان ما تعمد إلى قطع التسهيلات المالية في حالة اهتزاز الوضع المالي للمؤسسة.
ويصعب التقييم الدقيق للآثار الاقتصادية للإضرابات على الاقتصاد الوطني وذلك لعدم توفر إحصائيات رسمية في هذا الباب ثم لوجود عدة عوامل متداخلة فيها بينها، وحسب ما نتوفر عليه ونأخذه كمثال، فإن وزارة العدل تكبدت لوحدها بسبب الإضرابات خسائر بلغت 18 مليارا و470 مليون سنتيم، بالإضافة إلى أداء الأجر بدون عمل بمقدار 305 آلاف و213 يوما في سنة 2011، وهذا لا يشمل بطبيعة الحال تقييم خسائر المواطنين بسبب الأضرار الاقتصادية المادية والمعنوية التي لحقتهم من جراء تعطيل المحاكمات والمعاملات ووقف المساطر والإجراءات القانونية التي قد تصل إلى المس بالحرية الشخصية.
ولنا أن نتصور بعد إضافة باقي القطاعات التي لا تقل إن لم تزد أهميتها بسبب تعلقها بصحة المواطنين ومستقبل أبنائهم ومعاملاتهم اليومية ، الحجم الإجمالي للخسائر التي تلحق بالاقتصاد الوطني ككل من جراء ارتفاع وتيرة الإضرابات دون إيجاد الحلول الناجعة لهذه الظاهرة.
لذا فالإضراب يجب أن يظل آخر ورقة تستعمل لفض النزاعات، بعد استنفاد كل الوسائل والسبل السلمية المتاحة، وخاصة الجلوس على طاولة المفاوضات بكل حسن‪ نية لأجل الحوار الجاد والمسؤول، والكفيل وحده ببلوغ التوافق المطلوب بين الفرقاء الذين يشكلون طرفي العلاقة وفقا للمسطرة التي يجب أن تحدد بدقة في القانون التنظيمي دون المساس بجوهر حق الإضراب.
وهكذا تتضافر جميع هذه العوامل لتصب في وجوب إصدار القانون التنظيمي للإضراب، إلا أن اتخاذ هذا الإجراء لوحده يظل قاصرا عن تحقيق الحل الشامل المطلوب، ما دام سيستهدف الأسباب دون مسبباتها.
لأجل ذلك نقترح تدابير مواكبة ومصاحبة من شأنها إقامة التوازن وإعادة الثقة، والحد من الأسباب التي تقف من وراء توسع ظاهرة الإضرابات كما يلي:
من خلال استقراء وتحليل المعطيات المتوفرة نجد أن النسبة الأكبر من النزاعات التي تتطور إلى إضرابات بالمؤسسات الخاصة، تقع لمجرد المطالبة بتطبيق المقتضيات القانونية الواردة في مدونة الشغل، إذ بالرغم من مرور أكثر من ثمان سنوات على صدور مدونة الشغل واكتسابها الصفة الإلزامية، وذلك بعد مخاض عسير، واكبه اهتمام كبير على أعلى المستويات، لم تجد هذه المدونة بعد طريقها إلى التنفيذ، لأن تطبيقها على أرض الواقع لم يلق نفس الاهتمام لإصدارها، وكأن هذا الإصدار يعد غاية في حد ذاته.
وتقف عدة أسباب وراء هذا الخلل من بينها، عدم التعامل بالجدية المطلوبة مع الآليات المستحدثة في إطار المدونة لحل النزاعات الجماعية من الأطراف المعنية، عدم تفعيل العقوبات التي أتت بها المدونة والتي لا يستهان بها في حق المخالفين لنصوصها، لأن القاعدة القانونية ليست مجرد نصيحة أو توصية ولكنها أمر وتكليف للمخاطبين بها، المجبرين على احترام مقتضياتها، ولكي تكون ملزمة ومتبعة ومطاعة، لابد من ترتيب الجزاء الرادع على المخالفين لأحكامها .
ثاني تدبير مواكب للإصلاح نراه ضروريا ومستعجلا، وقد كثر في هذه الأيام الحديث عن الريع، واستنزاف موارد الدولة هو المواجهة الجدية لظاهرة الموظفين الأشباح، وقد اتفق الجميع على وجودهم بالآلاف موزعين على الإدارات والجماعات الترابية بالخصوص التي تعاني في بعض الأحيان من الزبونية والحزبية الضيقة، رغم تعذر الإحصاء الدقيق لكون هؤلاء الأشباح غير مرئيين بطبيعة الحال، إلا أن حوالات الخزينة بقدرة قادر لا تخطئ طريقها إلى جيوبهم، مكلفين المالية العامة الشحيحة أصلا، اعتمادات ما أحوجها إليها لمواجهة المشاكل الحقيقية للدولة، والموظفون الأشباح في الغالب يلتحقون بالوظيفة العامة من خلال استغلال النفوذ ضربا على مبدأ تكافؤ الفرص، كما أن عدم حضورهم إلى العمل يتم إما لتوفرهم على أعمال أخرى، أو‪ لاستغنائهم أصلا عن هذا العمل، وتطبيق المساطر الإدارية كفيل بفضحهم، علما أن التوظيف الوهمي هو فعل جرمي يعرض مرتكبه للعقاب، وقد تابعنا ما حصل في دولة‪ متقدمة، حيث تعرض الرئيس المنتخب للعقاب بعد انتهاء ولايته لتورطه في توظيفات وهمية.
ولنا اليقين في الختام من أن تحقيق إنجاز في هذا الموضوع سيعطي المصداقية اللازمة لتحقيق الإصلاح المنشود، وسنجنب تعريض الرأي العام لخيبة أمل عميقة، لكون انتظارات المواطنين ارتفع سقفها بفعل الحراك العام وصدور دستور حداثي جديد للدولة، مما أصبح من اللازم معه ترجمة الأقوال إلى أفعال .
مفتش الشغل من الدرجة الأولى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.