تراجع أسعار النفط مع تزايد المخاوف بشأن الطلب على الوقود    حجيرة يدعو الشركات المغربية إلى التوسع في الأسواق العالمية والاستفادة من الفرص التجارية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الإرتفاع    الإبادة مستمرة.. إسرائيل تقتل 37 فلسطينيا بهجمات متفرقة على غزة    الأمم المتحدة.. الجوع وسوء التغذية بلغا مستويات غير مسبوقة في غزة    رسميا.. الوداد يعلن عودة أبو الفتح بعقد يمتد لموسمين    أجواء حارة في توقعات طقس الثلاثاء        92 مؤسسة للرعاية الاجتماعية للمسنين في المغرب تستقبل 7900 نزيل    لجنة التعليم والثقافة والاتصال تصوت بالأغلبية على مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة    لجنة التعليم والثقافة والاتصال تصادق بالأغلبية على مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة        بطولة انجلترا: الكاميروني مبومو ينتقل لمانشستر يونايتد    منظمة الصحة العالمية تقول إن "هجوما" استهدف مقرها بوسط غزة        السكتيوي يكشف عن قائمة "الأسود المحليين" الأربعاء استعدادًا ل"شان 2025″    عمر الهلالي: من يُسيء في أوروبا يجب أن يُرحّل… واختياري للمغرب نابع من جذوري    دعم دولي متصاعد لمغربية الصحراء ومبادرة الحكم الذاتي: توافق عالمي لإنهاء النزاع الإقليمي    مقدونيا الشمالية تشيد بالإصلاحات المغربية والمبادرات الأطلسية الملكية لتعزيز التنمية والاستقرار في إفريقيا    مقدونيا الشمالية تنضم لدينامية الدعم الدولي للمغرب: دعم واضح لمبادرة الحكم الذاتي وتأكيد على الشراكة الاستراتيجية    بنسعيد يرفض اقتراع اللائحة في "مجلس الصحافة"... وشهيد يحذر من "وأد" الوزير للنقابة الوطنية للصحافة    نائب برلماني يسخر من وزير الصحة: "ChatGPT أجابني أفضل منك"    "اللبؤات" يختمن الإعداد لمواجهة غانا    البنك الإفريقي يدعم الفلاحة التضامنية    إسرائيل ترفض دعوة 25 دولة لإنهاء حرب غزة.. وغوتيريش "مستاء"    طاطا.. إحباط محاولة للتهريب الدولي للمخدرات وحجز 598 كيلوغراما و 500 غراما من مخدر الشيرا    التهراوي: الوزارة تروم ضمان العدالة في الولوج إلى الدواء عبر مراجعة التسعيرة    وفاة وعدة جرحى في حادث مأساوي خلال موكب زفاف بإقليم الدريوش    غوتيريش: "آخر شرايين الحياة" لسكان قطاع غزة على شفا الانهيار    وزير الصحة: التوصل إلى صيغة توافقية لمرسوم جديد سيسمح بخفض ملموس لأسعار الأدوية    المنتخب المغربي يتوج ببطولة إفريقيا ويتأهل إلى بطولة العالم للتنس    تنفيذ المرحلة الثالثة من حملات الإغاثة المغربية لغزة    احتضن فعاليته المخيم الحضري الأميرة لالة مريم بعين الذياب .. أطفال جمعية «أمل لذوي الاحتياجات الخاصة الذهنية» يودعون منتداهم الصيفي المنظم في الدارالبيضاء    الأرجنتين تؤكد أن المغرب يتموقع ك»سوق استراتيجية» لتدويل منتجاتها    ليلة العيطة تجمع نجوم التراث الشعبي على منصة واحدة بالعاصمة    الطالب الباحث سمير عثمان يناقش أطروحة الدكتوراه حول أثر اعتماد معايير IFRS في السياق المغربي    المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تدين الاعتداءات العنصرية على المغاربة في إسبانيا    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على وقع ارتفاع طفيف    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    "سوبر مان" يواصل تصدر شباك التذاكر في أمريكا الشمالية    روما الإيطالي يعلن تعاقده مع المغربي نائل العيناوي    مجموعات تراثية في فن لوناسة تضيء سماء تارودانت    ما حقيقة إصابة الفنانة أنغام بسرطان الثدي؟..بيان رسمي يوضّح    العرائش تخرج عن بكرة أبيها… وتصرخ: "أعيدوا لنا شرفتنا!"    "المهرجان السوسيو ثقافي لمقريصات في دورته التاسعة..منصة لإبراز تنوع وغنى الموروث الثقافي للمنطقة "    نبيل الأيوبي يتوَّج بلقب "نجم العيطة" في أولى محطات مهرجان العيطة المرساوية بالجديدة    "يوم الصفر".. الولايات المتحدة الأمريكية تتعرض لهجوم سيبراني غير مسبوق    مصرع 18 شخصا بسبب الأمطار الغزيرة والانهيارات الأرضية    أولمبيك آسفي يتعاقد مع عماد عسكر        دراسة تكشف العلاقة بين سمات الشخصية والرياضة المناسبة    لماذا تختلف القدرة على تحمل الألم من شخص لآخر؟    ترامب يغيّر وصفة "مشروب القمامة" وسط تحذيرات من مخاطر "كوكاكولا"    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



" صور" المدرس المغربي (ج2).
نشر في أخبارنا يوم 30 - 04 - 2015

عود على بدء؛ففي جولتنا الأولى من هذه المقالة، كنا كتبنا بالحرف العريض:" من الملاحظ أنه كلما طفا على السطح حدث/سلوك يسيء لشخص "المدرس" ؛سواء من جهة تموقع هذا الأخير في مكان "الفاعل" أو "المفعول به" ،إلا و تراءت لنا، من وراء الخرجات الكلامية أو الكتابية، "الصور" المستبطنة و المُتَمثَلة حول هذا الشخص/المدرس. صور/تمثلات بألوان مختلفة، و من زوايا التقاط متعددة ، و بعدسات فكرية مختلفة".
وكذلك كنا فصلنا القول عن الصورة الأولى، من تلكم الصور، التي نعتنا أصحابها بأنهم صنف يرون ذات "مدرس المستقبل في الماضي".أي أن معايير الحكم عندهم مستمدة من صور مخزنة و محفوظة في "برادة" التاريخ المغربي القريب.
وجدير بالذكر، أنه إذا كان حال هذه الفئة هو ما أسهبنا في وصفه وتحليله،فثمة فئة أخرى متمايزة عن هذه الأولى.فئة عنونا ، من ذي قبل ،صورها عن المدرس ب: صُور ترى " المستقبل في حاضر الآخر".
ولكي نفهم دلالة الألوان التي أنتجت لنا صور هذه الفئة،دعنا ننصت لبعض ما تبوح به صور هذه الفئة من تمثلات، ليس عن شخص المدرس فقط،بل عن تصورها لمفهوم التقدم بصفة عامة.
إن المسألة ،بكل بساطة ،تكاد تختزل في قول لطالما لهج به منتقدو التراث العربي الإسلامي كلما وجهوا سهامهم "النقدية" لهذا التراث الجريح.ومضمونه-أي القول- أنه مادام "جديدنا هو قديمهم و قديمهم هو جديدنا"؛فمسألة الإلحاق هي الحل.وهنا الإلحاق بمعناه الإرادي ،ليس القسري.تقول هذه الفئة.
ترى من هم أولئك؟ و بمن سنُلْحق؟.
في إحدى تبويبات ابن خلدون لمقدمته الخالدة- خلود الدنيا-نجده يقول ب:أن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه و نحلته و سائر أحواله و عوائده".
وعليه،يمكننا أن نستلهم نص ابن خلدون السالف ذكره ؛كي نجيب عن السؤالين اللذين سبق طرحهما.
إن المقصود "بأولئك" هم:الغالبون لنا (الغرب الحالي).وبالغالبين وجب إما اللحاق أو الإلحاق.
وللإشارة،فالغلبة هنا ليست غلبة قوة فقط،بل هي غلبة عموم مجالات الحياة.إذ نجد أن "جديدنا هو قديمهم و قديمهم هو جديدنا" ؛دائما السبق لهم و التأخر لنا.
وأكبر من ذلك، و مما قيل،فالدولة التي نتغنى نحن بوطنيتنا لها، هي في مجملها منتوج أنتجه "أولئك الغلبة" إبان مرحلة "الاستعمار" أو ما بعدها. و بالتالي، فليس فيما يقوله أنصار هذه الصور ،فيما يخص مسألة الإلحاق ما يستدعي الغرابة ؛مادام ما يقال من إلحاق (المدرس/التعليم) ليس إلا إلحاقا أصغر داخل مُلحَق أكبر(الدولة).
هذا،ويضيف كذلك أنصار هذا الصنف "التصويري" إلى التبريرين السالفين – تبرير الغلبة و الدولة الملحقة- تبريرا آخر مستنده التاريخ؛حيث يقولون أن التنكر للذاكرة هو أحد أعطابنا المزمنة؛فالآخر الذي ننادي اليوم للحاق به، هو نفسه فَعَل نفس الفعل الذي ننادي به اليوم؛ ففي ظل قرون العصر الوسيط، كنا نحن ذلك الآخر الذي يجب اللَحاَقُ بِهِ،بينما كان الآخر هو نحن في الحاضر الذي يتوجب عليه اللحاق بالركب.أترون، إنها مسألة تدوير و انعكاس تاريخي.أو إن شئت قلت هي قضية "تلاقح الحضارات" إثر عمليتي الأفول و السطوع.
هكذا تصور لنا هذه الفئة تبريرها الثالث لمسألة اللحاق "بأولئك الغلبة".
وتأسيسا على ما مر بنا من "الصور" المتمثلة لتلك الفئة،يمكننا القول أن نعتنا لهم بالصنف الذي يرى:المستقبل في حاضر الآخر، لم يكن وصفا اعتباطيا؛بل كانت له أصوله التي هي اليوم ،في نظرنا،من المسلمات عندهم.
إذا هم كذلك يقولون.ولكي لا نقف عند خطوة الوصف و التأريخ لهذه الفئة "التصويرية"،دعونا نحاول مُساءلة التبريرات التي تقدمها هذه الفئة،و التي أشرنا إلى أهمها في ما مر بنا من حديث.
في إحدى "مواقفه" نجد المفكر محمد عابد الجابري يقول:"إني أعتقد،بل أؤمن بأن الثقافة،أيا كانت عربية أو غير عربية،لا يمكن أن تتجدد إلا من داخلها.إن التجديد الثقافي قد يقع بفعل تأثيرات خارجية،هذا لا شك فيه.ولكن التأثيرات الخارجية لا تنشئ ثقافة،وإنما قد تساعد على عملية التجديد و التطوير،إما بسرعة أكبر،وإما باتجاه دون آخر......إن تجديد الثقافة العربية هو كامن في تجديد تراثها...فإذا سحبنا التراث ووضعناه جانبا فلا يبقى هناك شيء يسمى الثقافة العربية..."
ونجد أيضا ،في نفس السياق المذكور، المقاوم الهندي" ألمهاتما غاندي" اشتهر عنه أنه قال:مرحبا بكل الثقافات التي تطرق علينا بابنا،لكن دونما أن تذهب بثقافتنا".
وفي استشهاد ثالث، نَلْفي المفكر الراحل المهدي المنجرة يذكر في كتابه "حوار التواصل" أن:"...الغرب لا يقبل ما برهنت عليه التجربة اليابانية، وهو أن الحداثة/ التقدم يمكنها أن تتبلور بواسطة قيم أخرى غير القيم اليهودية /المسيحية /الغربية.وهذا مثل مهم جدا،يعاكس ما يذهب إليه بعض المثقفين في بلداننا من أن وسيلة تقدمنا،هي:تقليد الغرب و السير على نهجه و ليس انطلاقا من قيمنا."
و بناء عليه،يمكن اعتبار الاستشهادات الثلاثة المذكورة أعلاه، بمثابة تصور لحدود التلاقح الثقافي بين الحضارات و الانسلاخ الثقافي من حضارة إلى أخرى.إنها –أي الشهادات- محددات تنتقد التبريرات التي قدمت بها الفئة ،التي تقول بأنا مستقبلنا هو كامن في حاضر الآخر، صورها عن مسمى التقدم بصفة عامة، و شخص المدرس المرغوب فيه بصفة خاصة.
إن مبرر الوقوع في موقع المغلوب،وكذا أن تكون الدولة المنتمى لها في وضعية الإلحاق، حسب هذه الاستشهادات الآنفة،ليسا مصوغا للارتهان الثقافي و التبعية الإرادية؛إنك لست مهزوما مادمت تقاوم.
علاوة على ذلك، فمبرر أخذ الآخر/الغرب للعلوم و التقنيات عن العرب و المسلمين إبان مرحلة "النهضة" و اعتباره كدليل على أن العلوم و التقنيات مشاعا إنسانيا؛إذ هو "كالشعلة التي تنتقل من يد إلى يد أخرى"،هو مبرر يجب إخضاعه لتشريح تحليلي؛ حتى تتبين مصداقيته التاريخية .
يقول منير شفيق – بتصرف- في كتابه "الإسلام في معركة الحضارة":في الواقع آن الأوان لأن ندقق في هذا الأمر – أي أخذ الغرب للعلوم و التقنيات من المسلمين- و لا يؤخذ على علاته.....فرغم ما يحمله من إغراء للمسلمين حينما يقال لهم أن الغرب أخذ عنهم العلوم و التقنيات و بنى عليها ما نراه من حضارة مبهرة...يجب التساؤل عن الذي أخده الغرب و ماذا لم يأخذه؟....فمثلا في فلسفة ابن رشد أخذ الغرب الجانب الأرسطي/الإغريقي ورموا بعيدا بكل ما هو وليد الحضارة الإسلامية.أي أنهم استعادوا أرسطو و استعادوا الفلسفة اليونانية من خلال ابن رشد....ولذلك فيلزم المسلمين أن يضعوا علوم و تقنيات الآخر ضمن خصوصيات نسقهم الحضاري؛ لتلبية دوافعه و مصالحه و حاجياته و أهدافه، كما فعل الغرب سابقا"
إذا ،هكذا يشرح لنا الاستشهاد أعلاه مسألة الاقتباس/التلاقح التي حدثت في التاريخ مابين الحضارة الأوربية و الحضارة العربية الإسلامية،.وكذلك هو في نفس الآن هو انتقاد ضمني للفئة التي تتخذ من هذه المسألة ذريعة للارتماء في الحض الثقافي للآخر ؛حيث يجب التفرقة ما بين اقتباس حضارة من حضارة أخرى لما يوافق خصوصياتها و تصوراتها للحياة ، ومابين اقتباس نمط حضاري تام يولج المُقْتبس في قفص التبعية و "المسخ الحضاري".
وبالجملة،وأخذا بعين الاعتبار للملحوظات التي غطت هذا المقال.يسعنا حصر مكمن العطب لدى تلكم الفئة التصويرية في عنصر الانتماء .إذ أن انتماء أولئك الصنف"التصويري" لدولتهم/أمتهم "الملحقة" ليس انتماء "هوياتيا" بما تحمله هذه الكلمة الأخيرة من دلالات عميقة،بل هو مجرد انتماء "ترابي" لا غير.أي أنهم يفكرون بمنطق و تراث الآخر الذي تم اللحاق/الإلحاق به؛ ماداموا من نتاج هذا الآخر أو مستلبون بمنجزاته.ولذلك فهم يعتبرون المستقبل المنشود هو في حاضر من لحقوا/ ألحقوا بهم.
ملحوظة:
دفعا للالتباس،فقد يجدنا القارئ – الكريم- عممنا "صور" الحديث لدى هذه الفئة على مسألة التقدم عامة دونما الاقتصار على الشخص المحوري الذي يهمنا و الذي هو "المدرس". ونحن نرجع طبيعة هذا التناول لطبيعة الموضوع ؛ فالمدرس، أو قطاع التعليم بعمومه، داخل إشكالية التقدم ،هو لا يمكن تناوله دون ذكر قطاعات الحياة الأخرى.وكذلك حينما نذكر تلك القطاعات الأخرى لوحدها ،فقطاع التعليم هو حاضر ضمنيا بينها؛فنموذج و رؤية التقدم المقترحة لابد أن تكون بصيرتها هي التعليم، وبذكر التعليم يذكر المعلم/المدرس معه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.