تقرير: غوتيريش يوصي بتمديد ولاية "المينورسو" في الصحراء    جيل Z اخترق الشارع، والإعلام .. ودهاليز الحكومة        من النت إلى الميادين: لماذا خرج جيل Z؟    اجتماع اللجنة التحضيرية والمجلس الوطني للحزب يوم الجمعة 17 أكتوبر ببوزنيقة    حركة "جيل زد" تلجأ إلى سلاح المقاطعة للضغط على أخنوش    ارتفاع الذهب إلى مستوى قياسي جديد وسط الطلب على الملاذ الآمن    مباحثات إسرائيل و"حماس" "إيجابية"    انطلاق "دوري الملوك" في السعودية    عمدة مدينة ألمانية يقترح إشراك التلاميذ في تنظيف المدارس    طقس حار في توقعات اليوم الثلاثاء بالمغرب    مجلس جهة الشمال يصادق على ميزانية 2026 ومشاريع تنموية كبرى    جدل بتطوان حول ميزانية 2026 بين الأغلبية والمعارضة    هذا الموريسكي .. سر المخطوط الناجي (2)    دراسة: التدريبات الرياضية تقلل الإحساس بالجوع        منتخب المغرب يبدأ التحضير للبحرين    الخلايا التي تمنع أجسامنا من مهاجمة نفسها.. نوبل الطب 2025 تكرّم اكتشاف "فرامل المناعة"    الوزير التهراوي يوضح: ما أوقفته هو "طلبات" مصحات خاصة كانت بصدد الحصول على الدعم        بالصور.. مناورات جوية مغربية- فرنسية بالمنطقة الشرقية للمغرب    أداء بورصة البيضاء يسجل الارتفاع    أهم نصائح التغذية لشهر أكتوبر    برلماني "البام" التويمي بنجلون يسحب استقالته من مجلس النواب بعد ضغط من حزبه    قناة RTL Info البلجيكية: الاتحاد الأوروبي يدمج رسمياً الصحراء المغربية في اتفاقاته التجارية مع المغرب    استقالة رئيس الحكومة الفرنسية بعد أقل من 24 ساعة من تعيينه تعمّق الأزمة السياسية بفرنسا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء                دار الشعر بمراكش تنظم الدورة السابعة لمهرجان الشعر المغربي            وزارة الصحة تحيل ملف وفيات بمستشفى أكادير على القضاء    نادية صبري مديرة جديدة لمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    عنوان وموضوع خطبة الجمعة القادمة    الدوري الإسباني.. الزلزولي يقود بيتيس للفوز على إسبانيول    جدول أعمال مجلس الحكومة الخميس    "الأشبال" أمام كوريا في ثمن "المونديال"    98 منظمة حول العالم تطالب بالإفراج عن نشطاء أسطول الصمود.. ودعوات لتدخل رسمي من أجل حماية عزيز غالي    دراسة: فحص بسيط يكشف عن خطر الإصابة بالخرف قبل عقود من ظهور الأعراض    منتخب U17 يستعد للمونديال في السنغال    غالي وبنضراوي واعماجو: سفراء مغاربة للضمير الإنساني.. تحرك يا بوريطة    المغرب ضمن أكثر عشر دول استقطابا للاستثمارات الأجنبية في إفريقيا    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب    منح جائزة نوبل في الطب لثلاثة علماء عن أبحاثهم في مجال التحكم في الجهاز المناعي    حين تنحسر حرية التعبير... يسهل قلب المفاهيم    الذهب يتجاوز 3900 دولار للأوقية    من أصول مغربية.. نعيمة موتشو تتولى وزارة التحول والوظيفة العمومية في فرنسا    الصين تفعل استجابة طارئة بعد اجتياح الإعصار "ماتمو" لمقاطعتين جنوبيتين    التصعيد ‬يشتد ‬بين ‬الصيادلة.. ‬ الكونفدرالية ‬تهدد ‬الفيدرالية ‬باللجوء ‬للقضاء ‬        مدرب آيندهوفن: "أنس صلاح الدين لاعب ممتاز ويقدم أداءً رائعا"    العلماء يدرسون "التطبيب الذاتي" عند الحيوانات    وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



واحة تيغمرت.. جمال تسنم سعف النخيل وتفرق في الأرض بين الظلال
نشر في أخبارنا يوم 19 - 01 - 2016

لما يزيد عن ألفي عام، وقت الواحات بجنوب المغرب الإنسان الهلاك والموت من فرط الحر أو البرد أو من جوع أو ظمأ. واحة تيغمرت، الواقعة على بعد 15 كلم شرق مدينة كلميم، واحدة من تلك الواحات التي صمدت في وجه تقلبات المناخ وقاومت جدب الأرض وفيض السماء.
حافظت تيغمرت لقرون على ظلالها ممدودة في وجه العابر وابن الدار. ماء نمير وخضرة وظلال وارفة وتمور دانية وزرع ورمان، تعيد من وطأ أرضها إلى قصة البدء، يوم أحب الإنسان الأرض وخاف عليها، بفطرته، من الضياع دون حاجة لمواثيق ومؤتمرات وتقارير تحذره من عواقب ما صنعت يداه.
"لو حصلت على مال الدنيا لا أغادر تيغمرت، هنا أفنيت عمري وهنا عاش أجدادي واقتاتوا مما تنبت هذه الحقول الممدودة أمامك وبنوا فيها البيوت. أنا الواقف أمامك، يا بني، سليل أسرة استقرت بها قبل ألف عام أو يزيد"، بهذا الكلام تحدث الشيخ إبراهيم زعبول لوكالة المغرب العربي للأنباء عن مسيرة أسرته المتجذرة في الواحة.
عدøد إبراهيم، الذي كان يرتدي دراعية زرقاء تنتهي بزركشات بيضاء في الأكمام وسفائف ملولبة على الصدر ويلف رأسه بعمامة سوداء، أسماء 17 جدا من أجداده ممن تسعفه ذاكرته بعد في سردها، دلالة على عراقة أسرته التي استقرت في الواحة قبل ألف عام.
بالنسبة لهذا الرجل الذي يقترب من ذاكرة تمشي على قدمين، فإن "تيغمرت" وهي كلمة أمازيغية تعني "الركن أو زاوية المكان"، حملت اسمها هذا منذ أن قرر مجموعة من الرحل الأمازيغ في زمان بعيد الاستقرار بها، فقالوا، حسب ما وقع في سمع زعبول من القصص المتداولة بين شيوخ الواحة، "لنستقر هنا بهذا الركن"، ومن ثم صار الركن/ تيغمرت اسما للواحة.
ولعقود استطاع هذا الركن الساحر بجنوب المغرب أن يجذب الزوار والسياح من داخل وخارج المملكة. كما أن بعض الأجانب شيدوا دورا تنهل من المعمار المحلي الأصيل في تصميمها وتعتمد مواد البناء الحديثة، وتضم إحدى هذه الدور حديقة نباتية بها أنواع من الصبار ومشاتل وأصناف من الطيور المغردة. هذه الدور لا تتصل كلها بالسكن السياحي الخاص، بل بعضها تعد مشاريع سياحية.
وتزاحم هذه الدور دور الضيافة التي افتتحها أبناء الواحة خلال السنوات الأخيرة في إطار جهود مشتركة مع الدولة للنهوض بالسياحة ودعم الاقتصاد المحلي.
لحسن طهورو، صاحب دار ضيافة بالواحة، واحد من الذين استفادوا من تكوين في مجال السياحة والفندقة والضيافة التقليدية وتلقوا دعما لوجيستيا في إطار برنامج تنمية واحات الجنوب الذي أطلقه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووكالة تنمية الأقاليم الجنوبية في 2006 لأهداف في مقدمتها النهوض بالاقتصاد الواحي والمنتجات الواحية والسياحة الإيكولوجية.
يقول طهورو، في حديثه لوكالة المغرب العربي للأنباء عن طبيعة مشروعه، إنه "يربح أكثر مع الزبناء المغاربة، لأنهم يمثلون النسبة الأكبر من زبناء دار الضيافة التي يديرها عكس ما يعتقده الكثيرون من أن أغلبية الزبناء تتشكل من السياح الأجانب".
ويفسر ابن المنطقة هذا الإقبال المحلي بكون "المغاربة يزورون الواحة لسبب آخر غير السياحة، وهو ما يجعلهم زبناء أوفياء، وهذا السبب هو المطبخ الطبيعي الذي نقدمه لهم"، فمثلا، يمضي طهورو في تفسيره ، "تتكون وجبة الإفطار من مواد طبيعية من مثل زيت الأركان، أملو، العسل الحر، زيت الزيتون، السمن البلدي وخبز القمح.. والوجبات الأخرى كلها طبيعية بدورها وتطهى على الجمر تماشيا مع عادات الطبخ بالواحة".
وعادات الواحة عموما تبدو جلية داخل دار الضيافة هذه، فمن ممر ضيق علقت على جداريه أواني وأدوات وفوانيس قديمة ينفتح المشهد على فناء فسيح تنتصب حوله ثلاث خيم صحراوية كبيرة مفتوحة على السماء والنخيل، بسطت داخلها زرابي مديدة ، وتحفها جذوع نخل صغيرة كأنها كراسي. وبالقرب من كل واحدة موقد نار يوقده طهورو في المساء أحيانا وخاصة خلال بعض الأمسيات الاحتفالية التي تقام بالدار على نغم الموسيقى الحسانية وضوء القمر.
وتوجد بواحة تيغمرت مجموعة من دور الضيافة التي يديرها أبناء الواحة وتقدم خدمات مشابهة لتلك التي يقدمها طهورو لزبنائه. وحسب معطيات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي فقد تم إلى غاية 2014 صرف حوالي 7 ملايين دولار ضمن برنامج تنمية واحات الجنوب الذي يشمل واحات كلميم وآسا وطاطا.
ووفقا لمعطيات قريبة، استقتها (و م ع) من وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية، فإلى غاية 2015 تمثلت المنجزات الرئيسة في إطار هذا البرنامج في وضع عرض سياحي يتكون من 40 مشروعا وخدمة سياحية، بينها 26 وحدة إيوائية بطاقة استيعابية تفوق 260 سرير، وتأسيس مكتب للإعلام والتوجيه خاص بالسياحة الواحية، وإحداث الجمعية السياحية لواحات الجنوب التي تعمل من أجل النهوض بالمنتجات السياحية والحفاظ على الهوية الثقافية والمعمارية للمنطقة.
ومن بين هذه المنجزات أيضا إحداث خمسة تجمعات بيمهنية (سياحية فلاحية) تتكون بدورها من 130 مشروعا صغيرا تهم التهيئة وتجهيز البنيات التحتية، وتثمين المنتجات المحلية، والنقل البيئي.
غير أن الحديث عن واحة تيغمرت بالذات لا يستقيم دون ذكر أحد معالمها الرئيسة التي شكلت أول نقطة جذب للسياح منذ سبعينات القرن الماضي. إنه متحف تيغمرت الذي يتخذ من قصبة شيدت قبل ثلاثمائة عام وسط الواحة مقرا له.
ويعرض صاحب المتحف، جميل العابد عبدو، جلودا وخيما وأواني وأوتادا وأحجارا وصناديق خشبية لحفظ المدخرات وأدوات تعود إلى فترات زمنية مختلفة، لعل أغربها عظام الحيتان العملاقة والدلافين التي لفظها البحر وغطتها رمال الصحراء إضافة إلى عظام الجمال النافقة.
عبدو عبر، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، عن شغفه بكل ما يتصل بذاكرة الصحراء المغربية. وذكر حادثا طريفا عاشه عندما عانى الأمرøين يوما من أجل رفع ضلع ثقيل من فقرات حوت نافق تحت الرمال ونقله إلى متحفه هنا بتيغمرت.
واحة تيغمرت لها مؤهلات قوية، في البشر والطبيعة، لكنها تواجه رهانات وتتهددها أخطار لا تقل صعوبة. رهانات تتطلب تعبئة أكبر من طرف الفاعلين الرسميين والمدنيين، خاصة ما تعلق بالأضرار الناجمة عن آثار الفيضانات التي غمرت المنطقة قبل سنتين، وتهالك بعض القصبات الثمينة، والحاجة إلى تجويد خدمة النقل بين تيغمرت وكلميم على الخصوص ونقاط أخرى عموما، وتمكين السكان من مزيد من الفرص لخلق مشاريعهم الخاصة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.