بداية شهر نونبر الجاري، أفرجت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية عن كم ضخم من وثائق زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، التي تم التحفظ عليها خلال عملية تصفيته في مقر إقامته بمدينة أبوت آباد الباكستانية في عام 2011. الدفعة الحالية وهي الرابعة بالمناسبة، تضم 470 ألف ملف تشمل مستندات ومقاطع فيديو تم تخزينها في أكثر من 5 أجهزة كمبيوتر، وعشرات الأقراص الصلبة، وتتضمن مذكرات كتبها "بن لادن" أو أملاها على أحد أبنائه، وتحوي 228 صفحة، وقد حملت عنوان "مذكرات خاصة لأبو عبدالله.. جلسة مع العائلة". الوثائق الجديدة كشفت ارتباط زعيم القاعدة فكريًّا بالإخوان المُسلمين خلال مرحلة التنشئة بقوله: "لقد كنت ملتزمًا مع جماعة الإخوان المسلمين رغم مناهجهم المحدودة"، مشيرا إلى تأثره بمؤسس تنظيم الجماعة في اليمن "عبدالمجيد الزنداني" القيادي بحزب التجمع اليمني للإصلاح باليمن، والمصنف من جانب الولاياتالمتحدة ضمن الشخصيات الإرهابية. وكشفت ذات الوثائق عن ارتباط زعيم القاعدة بالتيارات الدينية في تركيا منذ مراحل مُبكرة، إذ أن أول "رحلة جهادية" له كانت إلى تركيا عبر سوريا، حيث التقى قيادات "حزب نجم الدين أربكان" الزعيم الروحي للإسلام السياسي في تركيا في عام 1976، والذي يُعد "رجب طيب أردوغان" ضمن جيله الثاني، واعتبر بن لادن أن أردوغان "يقوم بعمل طيب" في إشارة إلى تدخل تركيا في الصراع الدائر في ليبيا والذي سيدعم صفوف التنظيمات المتشددة. كما كشفت الوثائق وجود تحالف مصلحي بين القاعدة وإيران في ظل تلاقي المصالح بين التنظيم وطهران فيما يتعلق بالعداء للولايات المتحدةالأمريكية، كما حذر أسامة بن لادن تنظيم "القاعدة" من تهديد إيران، واعتبرها "الشريان الرئيسي للأموال، والموظفين، والاتصالات" لتنظيم القاعدة، مفصحة عن إستعداد إيران دائما إمداد القاعدة بكافة احتياجاتها مثل "المال والسلاح والتدريب في معسكرات حزب الله في لبنان" في مقابل استهداف "المصالح الأمريكية في السعودية والخليج العربي"، مع توفيرها ملاذا آمنا للقيادات وعائلاتهم. وبخصوص قناة الجزيرة القطرية، وصف "بن لادن" "الجزيرة" بأنها "حاملة لواء الثورات"، وأشار إلى أن القاعدة استغلت القناة كمنبر يساعد في نشر أخبارها وأفكارها، مؤكدًا أن القاعدة تجنبت التدخل في الثورات العربية لعدم تأزيم موقف "الجزيرة". وفي تفسيره لتجنب "الجزيرة" تغطية الاحتجاجات في بعض الدول العربية، أشار بن لادن إلى أن "الجزيرة" تجنبت الإشارة للاحتجاجات بسبب المخاوف من الهجوم عليها، إلا أنها حينما تحتدم الاحتجاجات تقوم بتكثيف التغطية. وأشاد "بن لادن" باستضافة "الجزيرة" لقيادات التيارات الدينية المتشددة، خاصة يوسف القرضاوي المصنف على قوائم الإرهاب في عدد من الدول العربية، قائلًا: "القرضاوي عندما يتكلم عن الثورات يزيد ثقة الناس في أن الثوار على حق". إصدار وثائق "أبوت آباد" في هذا الوقت بالذات أرجعه محللون لسعي الولاياتالمتحدة للضغط على إيران، وفرض حزمةً جديدةً من العقوبات ضد الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، وسعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإعادة التفاوض حول الاتفاق النووي الإيراني، مع إعادة ترتيب الأولويات بالتركيز على محاربة تنظيم القاعدة وفروعه المنتشرة على المستوى العالمي في ظل انحسار ميداني واضح لتنظيم داعش في معاقله الأساسية في سوريا والعراق.