الفريق الاستقلالي في مجلس المستشارين: مؤشرات البطالة في المغرب غير مرضية    التقدم والاشتراكية: احتجاج آيت بوكماز تأكيد على ضرورة النهوض بالعدالة المجالية والاجتماعية    إحداث نحو 49 ألف مقاولة بالمغرب مع نهاية ماي منها أزيد من 15 ألفا في البيضاء    وزارة الثقافة الفرنسية: المغرب خزان فني في ازدهار مستمر    الجائزة الدولية لأدب الطفل العربي تستقبل مشاركات دورتها السابعة عشرة حتى نهاية غشت المقبل    ارتفاع كمية مفرغات الصيد البحري بميناء طنجة    الاتحاد الدولي لكرة القدم يكشف عن برنامج بيع تذاكر كأس العالم 2026    بينهم أطفال.. إسرائيل تقتل 13 فلسطينيا بغزة منذ فجر الأربعاء    خامنئي: هدف الحرب إسقاط النظام    إسرائيل تقصف رئاسة الأركان السورية    جدل برلماني حول تمثيليات "مجلس الصحافة" وآليات إعداد التقرير السنوي    اختتام برنامج "تجديد المعارف" لفائدة الأطر الحاصلين على رخصة "كاف برو"    رسميا.. ريال مدريد يعلن رحيل لوكاس فاسكيز وإقامة حفل وداع خاص بحضور بيريز    القضاء الكندي ينتصر لمحام مغربي في مواجهة "تيكتوكر" متهم بالتشهير    رئيس جنوب أفريقيا الأسبق يستحضر لقاءه التاريخي مع الملك محمد السادس    أحزاب إسبانية تقاضي زعيم "فوكس" بتهمة التحريض على الكراهية ضد المهاجرين المغاربة    مسلسل "سيفيرانس" يتصدر السباق إلى جوائز إيمي بنيله 27 ترشيحا    دراسة: تناول البيض بانتظام يقلل خطر الإصابة بمرض الزهايمر لدى كبار السن    حصيلة مواجهات السويداء ترتفع إلى 248 قتيلا    توقعات أحوال الطقس لليوم الأربعاء    هيئة أطباء الأسنان الوطنية تدعو إلى تعزيز الثقة في ممارسة المهنة    ارتفاع جديد في اسعار المحروقات في محطات البنزين بالمغرب    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الارتفاع        لامين يامال يواجه عاصفة حقوقية في إسبانيا بعد حفل عيد ميلاده ال18    مشروع القرن ينطلق من المغرب: الأنبوب العملاق يربط الطاقة بالتنمية الإفريقية    قمة أورومتوسطية مرتقبة في المغرب.. نحو شراكة متوازنة بين ضفتي المتوسط    مقتل مهاجر مغربي طعنًا في اسبانيا    باريس سان جيرمان يضم الموهبة المغربية محمد الأمين الإدريسي    كيوسك الأربعاء | معالجة نصف مليون طلب تأشيرة إلكترونية خلال ثلاث سنوات    إسبانيا.. قادة الجالية المغربية في توري باتشيكو يدعون للتهدئة بعد اشتباكات مع اليمين المتطرف    زوما يصفع من الرباط النظام الجزائري: ندعم مغربية الصحراء ونرفض تقسيم إفريقيا تحت شعارات انفصالية    لقجع: المداخيل الجبائية ترتفع ب25,1 مليار درهم حتى متم يونيو 2025    فضيحة دولية تهز الجزائر: البرلمان الأوروبي يحقق في "اختطاف" للمعارض أمير دي زاد    دراسة: المشي اليومي المنتظم يحد من خطر الإصابة بآلام الظهر المزمنة    تعاون جوي مغربي-فرنسي: اختتام تمرين مشترك يجسد التفاهم العملياتي بين القوات الجوية    مشروع ضخم لتحلية المياه يربط الجرف الأصفر بخريبكة لضمان استدامة النشاط الفوسفاطي    الدفاع الجديدي يرفع شعار التشبيب والعطاء والإهتمام بلاعبي الأكاديمية في الموسم الجديد …    طنجة ضمن المناطق المهددة بحرائق الغابات.. وكالة المياه والغابات تدعو للحذر وتصدر خرائط تنبؤية    مطار طنجة: إحباط محاولة تهريب أزيد من 32 كيلوغرام من الحشيش داخل حقائب سفر    لقاء تنسيقي بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة استعداداً للدخول المدرسي 2025-2026 واستعراضاً لحصيلة الموسم الحالي        مجلس النواب يصادق على مشروع القانون المتعلق بإحداث "مؤسسة المغرب 2030"    الاتحاد صوت الدولة الاجتماعية    "طقوس الحظ" إصدار جديد للكاتب رشيد الصويلحي"    "الشرفة الأطلسية: ذاكرة مدينة تُباد باسم التنمية": فقدان شبه تام لهوية المكان وروحه الجمالية    "دراسة": الإفراط في النظر لشاشة الهاتف المحمول يؤثر على مهارات التعلم لدى الأطفال    المنتخب المغربي يواجه مالي في ربع نهائي "كان" السيدات    العيطة المرساوية تعود إلى الواجهة في مهرجان يحتفي بالذاكرة وينفتح على المستقبل    الإفراط في النظر لشاشات الهواتف يضعف مهارات التعلم لدى الأطفال    "مهرجان الشواطئ" لاتصالات المغرب يحتفي ب21 سنة من الموسيقى والتقارب الاجتماعي        زمن النص القرآني والخطاب النبوي    تواصل ‬موجات ‬الحر ‬الشديدة ‬يساهم ‬في ‬تضاعف ‬الأخطار ‬الصحية    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأملات وجودية في حضرة الحجر الصحي
نشر في أخبارنا يوم 28 - 03 - 2020

شعور مخيف، لكنه آمن، الجلوس الرتيب في البيت، وهذا الفائض الكبير من الوقت يولد سيل كبير من القلق الفكري والهم التساؤلي، فعلا الإحساس باللامعنى يتعمق يوما بعد يوم، الموت أصبح يتلحف العالم، والمنقذ الوحيد هو الاختباء منه، أن نقفل علينا بيوتنا وننتظر الخلاص، في ظل هذه الظروف يتشبث الانسان بأي أمل، حتى لو كان على شكل وصفة شعبية، الوباء يهددنا فعلا، الجائحة يلتحفها الغموض، هل هو قدرنا الذي صنعناه بأيدينا؟

بالنهاية ها هو الانسان اليوم يعود من جديد الى وضعه البدائي في الخوف من الطبيعة الى حد الهلع والرعب الكوني، بعد المغامرات العلمية التقنية التي خاضها وخال بمقتضاها ان سلطانه لا يقهر، ها هو اليوم عاجز أمام كائن لا متناهي في الصغر، انّه اللامرئي الذي اضحى متحكما في المرئي، مبرزا حقيقة الضعف الانساني ووهم تطويع الطبيعة. فخوفنا البدائي من الظواهر الطبيعية هو ما جعل الانسان يبحث عن حلول ليقي نفسه في البداية، ثم تطورت المفاهيم ليصبح مصطلح الوقاية أكبر ليصل لمرحلة السيطرة، وهذا مفهوم خاطئ، فالطبيعة تبرهن للعالم انها أكبر مخاوف الإنسان وستبقي.

يقول "ميشيل سير" في "العقد الطبيعي" (1990) لقد أصبحنا، بحكم تحكُّمنا المفرط في الطبيعة ضعفاء أمامها، حتى إنها تهدّدنا هي بدورها لتسيطر علينا. فمن خلالها ومعها وداخلها نقتسم القدر نفسه. وأكثر من كوننا نملكها، ستملكنا هي بدورها، كما في القديم، عندما كنّا نخضع للضرورات الطبيعية، لكن مع فارق نوعي: في الماضي، كان الخضوع محلياً، أمّا اليوم فسيكون عالمياً. لماذا ينبغي لنا، منذ الآن، البحث عن التحكّم في تحكّمنا؟ لأن تحكّمنا لم يعد منضبطاً ولا مقنّناً، ويتجاوز هدفه، بل أصبح ضد الانتاج. لقد انقلب التحكّم الخالص على نفسه.

المغامرة الحضارية للتحكم في الطبيعة تحولت في رمشه عين الى أسوأ كوابيسنا، غالبية البشر لازالوا يعيشون مرحلة الذهول، وكأننا نشهد إحدى أفلام الخيال العلمي، النبوءة تحققت وأصبحنا فعلا ممثلين رغما عنا في الدوامة الوجودية، في حبكت لا يعرف نهايتها سوى ظهور عقار أو مصل يعكف العلماء على انتاجه، قبل أن يقضي الفايروس على الانسان وكبرياءه الحضاري، الاتحادات الإقليمية أغلقت الحدود على نفسها، والدول الأضعف اقتصاديا فيها تركت في عزلة، رئيس الوزراء الإيطالي يبكي والصربي ينتقد، والأوكراني مذهول، والاسباني يستجدي السماء، في أوروبا وأمريكا توجد حرب فعلية حول لفائف ورق الحمام بسبب الرعب من الفيروس، المعقمات أصبحت مثل العملات النادرة، والركض خلف تكديس المواد الغذائية حول النمط الاستهلاكي الى صراع للوجود، التضامن الذي نراه حول العالم سرعان ما سوف يتحول الى فوضى عدمية، اذا ما جفت المؤن وشحت السلح لتتحقق نبوءتي عالم الاحياء والطبيعيات "داروين" وعالم الاقتصاد والديموغرافيا "مالتوس".

العالم الان يعيش أزمة اقتصادية وركود سيكون طويل الأمد، فبالأمس خفض الفيدرالي الامريكي سعر الفائدة الى الصفر وضخ 700 مليار لتحفيز الاسواق بدون نتيجة، استجابة السوق كانت صفر، النفط فقد خلال 48 ساعة الماضية خمسة بالمئة من سعره، لذلك اعتقد اننا في بداية تشكل نظام عالمي اقتصادي جديد.

كل هذه المؤشرات تدعونا للتأمل فيما كتبه آرثر شوبنهاور في "معاناة العالم" بأننا كالحملان في حقل، تلهو فيه تحت ناظر الجزار الذي ينتقي منها واحدًا يليه آخر كفريسة له. وهكذا هو الأمر، فإبّان أيامنا الحلوة، نكون جميعًا غير وعاه بهول وشرّ المصير الذي ينتظرنا كالمرض، والفقر، والتشوه، وفقدان البصر أو العقل. لكن أيّ جزء طفيف من تبريح هذا الوجود لا ينطوي في هذا، فالزمان يحيط بنا أبدًا، ولا يدعنا نأخذ نفسًا واحدًا، بل يطاردنا بلا كلل، كمراقب متعسّف يحمل سوطًا معه. وإن أمسك الوقت في لحظة ما، فلا يكون ذلك إلّا عندما نُساق إلى رفقة البؤس الذي يبعث به الضجر.

في خضم هذه اللاجدوى، نكون مثل ذلك العدمي الذي يتأرجح تفكيره بين القنوط والأمل، بين كورونا والنيزك، فالعدمي يكره الوجود، لكنه يحب الحياة، وهنا تكمن مفارقة العبقري "هايدغر"، أو ربما نكون أمام درس علمي في نظرية التطور، أو تكريس لنظرية "تأثير الفراشة" وهي نظرية فلسفية فيزيائية تعني أن أي حدث يحدث في الكون يكون ناتجًا عن مجموعة أحداث صغيرة لم يلاحظها أحد، فلو رفرفت فراشة على الأرض في وقت مناسب وزمان مناسب قد يسبب اعصار مدمر على الجهة الأخرى من الكوكب، نظرية مجنونة لكن نعيش مثال كبير عليها الآن، رجل يأكل خفاش بأمان الله يسبب حجر صحي على نصف الكوكب.

نحن أمام تحدي وجودي، والمعالجات العالمية الحالية تفتقر الى الفعالية، ربّما العالم يجب أن يتوّج بحكومة كونيّة من الباحثين والعلماء يشتركون في إدارة العالم ورسم معالم العيش المشترك بين بني البشر. بعد ضبط موقع الإنسان وتشييد أنطولوجيا مشتركة تضبط موقع الإنسان في الكون وتحدّد معالمه المعرفيّة والرّوحيّة، وعلاقته بباقي الكائنات الّتي نرتبط بها مثلما نرتبط بهذا الكون. وما الوباء الّذي خيم على العالم إلاّ تنبيه للإنسان، ولقيمه وعلاقته ببعضه. مثلما هو تنبيه إلى الغفلة والنّرجسيّة الّتي نعيشها في علاقتنا بالطّبيعة أو ببعضنا البعض. فقد ثبت بالدّليل أنّ الإنسان عبر أجياله المتلاحقة معني بتشييد علاقة انسجام ورعاية، سواء تعلّق الأمر بالعلاقات الإنسانيّة، أو بالطّبيعة ومع باقي الكائنات.

لقد جاء الوباء، ليذكّرنا ربّما بأنّنا تربينا على الاقتراب كثيرا من بعضنا في المكان، لكنّنا لم نتعلّم بعد القرب القيمي. هكذا، جاءت اللّحظة التّاريخيّة لتثبت مدى هشاشة القرب الّذي نزعمه من بعضنا، إنّه قرب مزيّف. قرب هشّ وفارغ، معطّل من ناحية الغايات الإنسانيّة الكبرى. ربّما هو قرب غير مكتمل، لا يتجاوز القرب بمعناه الغريزي، أما القرب القيمي والأخلاقي فهو ما نحتاج لبنائه من الأساس.

ان الجشع والتكالب على المصالح والطيش الرأسمالي والإتجار بالدين، كل ذلك قد أدى إلى ظهور الإنسان الأدنى حسب تعبير الفيلسوف اللبناني "على حرب" بدلاً من الإنسان الأعلى كما كان يحلم به "نيتشه"، ومن هنا يجبُ إدراك حقيقة أنَّ البشرية عندما تصلُ إلى مفترق الطرق لا ينفعها إلا التضامن والعودة إلى المشترك الإنساني، وما يردمُ الفجوة بين البلدان والتجمعات البشرية. ومن الأفضل التعامل مع الوضع باعتباره فرصة للتصالح مع الحياة.


فالطبيعة تجبرنا اليوم على أن نصغي لها في تواضع، وأن نختار بين الوجود أو الجحود، مع العلم أن الجحود يتبعه الأفول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.