من وجدة إلى بريتوريا.. المغرب يستعيد ذاكرة التحرر الإفريقي: زوما يدعم مغربية الصحراء ويستحضر احتضان الرباط لمانديلا    نقاش مفتوح حول إشكالية نزع الملكية والاعتداء المادي: محكمة الاستئناف الإدارية تسعى لصون الحقوق وتحقيق التوازن.    شراكات إقليمية قوية ورابحة تدعم التنمية المشتركة إقليميا وتفتح آفاقاً جديدة للتعاون الاقتصادي والدولي    بورصة الدار البيضاء تبدأ التداولات بالارتفاع    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    إسبانيا.. قادة الجالية المغربية في توري باتشيكو يدعون للتهدئة بعد اشتباكات مع اليمين المتطرف    باريس سان جيرمان يضم الموهبة المغربية محمد الأمين الإدريسي    توقعات أحوال الطقس لليوم الأربعاء    كيوسك الأربعاء | معالجة نصف مليون طلب تأشيرة إلكترونية خلال ثلاث سنوات    جثة مجهولة تستنفر الأجهزة الأمنية بجماعة أيت يوسف وعلي    تناول البيض بانتظام يقلل خطر الإصابة بمرض الزهايمر لدى كبار السن    تقرير: المغرب بين أكبر 3 مصدّري الفواكه بإفريقيا.. ويحافظ على حصته في السوق الأوروبية حتى 2034    ارتفاع أسعار النفط وسط مؤشرات على زيادة الطلب العالمي    لقجع: المداخيل الجبائية ترتفع ب25,1 مليار درهم حتى متم يونيو 2025    فضيحة دولية تهز الجزائر: البرلمان الأوروبي يحقق في "اختطاف" للمعارض أمير دي زاد    أزيد من 4 ملايين أسرة استفادت من التأمين الإجباري عن المرض وما يقرب منها استفادت من الدعم المباشر    زوما يصفع من الرباط النظام الجزائري: ندعم مغربية الصحراء ونرفض تقسيم إفريقيا تحت شعارات انفصالية    دراسة: المشي اليومي المنتظم يحد من خطر الإصابة بآلام الظهر المزمنة    قراءة في التحول الجذري لموقف حزب "رمح الأمة" الجنوب إفريقي من قضية الصحراء المغربية    تعاون صحي متجدد بين المغرب والصين: لقاء رفيع المستوى يجمع وزير الصحة المغربي بعمدة شنغهاي    تعاون جوي مغربي-فرنسي: اختتام تمرين مشترك يجسد التفاهم العملياتي بين القوات الجوية    مشروع ضخم لتحلية المياه يربط الجرف الأصفر بخريبكة لضمان استدامة النشاط الفوسفاطي    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بمجلس المستشارين تنتقد الحصيلة الاقتصادية للحكومة وتدعو إلى إصلاحات جذرية    الدفاع الجديدي يرفع شعار التشبيب والعطاء والإهتمام بلاعبي الأكاديمية في الموسم الجديد …    لقاء تنسيقي بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة استعداداً للدخول المدرسي 2025-2026 واستعراضاً لحصيلة الموسم الحالي    طنجة ضمن المناطق المهددة بحرائق الغابات.. وكالة المياه والغابات تدعو للحذر وتصدر خرائط تنبؤية    ميناء أصيلة يسجل تراجعاً في مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي خلال النصف الأول من 2025    مطار طنجة: إحباط محاولة تهريب أزيد من 32 كيلوغرام من الحشيش داخل حقائب سفر            إشادة فلسطينية بدور جلالة الملك في الدفاع عن القضية الفلسطينية    المهاجرون المغاربة في مرمى العنف العنصري بإسبانيا    "أكسيوس": أمريكا طلبت من إسرائيل التوقف عن مهاجمة القوات السورية    وسط إشادة المؤسسات المالية الدولية.. أخنوش يعبر عن فخره بوضعية الاقتصاد الوطني وتدبير المالية العمومية    مجلس النواب يصادق على مشروع القانون المتعلق بإحداث "مؤسسة المغرب 2030"    الاتحاد صوت الدولة الاجتماعية    "طقوس الحظ" إصدار جديد للكاتب رشيد الصويلحي"    "الشرفة الأطلسية: ذاكرة مدينة تُباد باسم التنمية": فقدان شبه تام لهوية المكان وروحه الجمالية    مورسيا تحقق في "جرائم الكراهية"    "دراسة": الإفراط في النظر لشاشة الهاتف المحمول يؤثر على مهارات التعلم لدى الأطفال    لامين جمال يثير تفاعلاً واسعاً بسبب استعانته ب"فنانين قصار القامة" في حفل عيد ميلاده    حكيمي يختتم الموسم بتدوينة مؤثرة    المنتخب المغربي يواجه مالي في ربع نهائي "كان" السيدات    قارئ شفاه يكشف ما قاله لاعب تشيلسي عن ترامب أثناء التتويج    العيطة المرساوية تعود إلى الواجهة في مهرجان يحتفي بالذاكرة وينفتح على المستقبل    "فيفا": الخسارة في نهائي مونديال الأندية لن يحول دون زيادة شعبية سان جيرمان    الإفراط في النظر لشاشات الهواتف يضعف مهارات التعلم لدى الأطفال    "مهرجان الشواطئ" لاتصالات المغرب يحتفي ب21 سنة من الموسيقى والتقارب الاجتماعي        الذّكرى 39 لرحيل خورخي لويس بورخيس    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    مهرجان ربيع أكدال الرياض يعود في دورته الثامنة عشرة    تواصل ‬موجات ‬الحر ‬الشديدة ‬يساهم ‬في ‬تضاعف ‬الأخطار ‬الصحية    وفاة الإعلامي الفرنسي تييري أرديسون عن عمر ناهز 76 عاما    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النهضة وتعثر الإصلاح: أين يكمن الخطأ..؟ (2)
نشر في أخبارنا يوم 24 - 11 - 2014

في مثل هذه الأيام من سنة 1955 كان الشعب المغربي يعيش لحظات تاريخية مهمة في حياته، لقد كانت الفرحة والبهجة والغبطة والسرور وما شئت من الكلمات المعبرة عن مشاعر وأحاسيس شعب ناضل وجاهد من أجل الحرية وهو في لحظة من لحظات الزمان يشعر بنشوة الانتصار.
إن الحلم الذي عاشه طيلة عقود حلم الحرية والاستقلال تحقق أو كاد فما هي إلا ساعات معدودات ورمز الحرية والوحدة والكرامة، يطل على أرض الوطن ويستنشق عبير وأريج أرض معطاء، ويلوح بيديه وهي ممسكة بخطاب إعلان انتهاء عهد الحجر والحماية ويزوغ فجر الاستقلال والحرية لتردد الحناجر من كل الأعمار ومن كل الشرائح ومن كل جبال ووهاد ووديان وسهول هذه الأرض الهاشة والباشة والمتجاوبة مع البشارة من فم المجاهد والقائد محمد الخامس طيب الله ثراه.
إن استحضار هذه اللحظات وتلك الأمواج البشرية الهادرة في كل أزقة وشوارع وساحات وقرى وجبال وسهول الوطن المغربي لهو أمر لا يمكن أن يعتريه النسيان أو ينال منه مرور الأيام والشهور والأعوام، لقد كانت لحظة شعر فيها الناس إن مرحلة العدل ونيل الحقوق وإلغاء ما عرفه الناس من محن وأهوال وظلم وغطرسة من طرف الأجنبي واذنابه قد انتهى وانتهى معه كابوس الخوف.
إنها ثورة قد انتصرت وثورة ملك وشعب من أجل هدف مشترك ومعلن من لدن طرفي الثورة ضد الاستعمار وما تفرع عنه من تحقير وتهميش لمقومات الشعب وثوابت الوطن لقد كان الحكم الاستعماري متجبرا وطالما لكل المقومات التي عاش لها ومن أجلها المواطن والإنسان المغربي طيلة قرون وقد جاءت اللحظة لكي تنصف هذه الثوابت والمقومات.
ألم يكن الإسلام وشريعته مطاردة في التشريعات والقوانين والضوابط وكل ماله علاقة بالحياة العملية للمواطن، واللغة الم تكن هدفا للإبعاد والإقصاء، والوحدة الوطنية ألم يسع هذا الاستعمار لدق اسفين الفرقة وافتعال تشريعات وقوانين من أجل هذه الغاية، والأرض الم تنهب من أصحابها وتعطي للمستعمرين ينعمون بخيراتها ويعيش أهلها في ضيق العيش وقسوة الحياة، والعامل ألم يحرم من أجره المناسب ومن حقه في التنقب والدفاع عن مصالحه كبقية العاملين وكما يعامل العمال الأجانب معه في نفس المؤسسات، والصانع والتاجر والشاب والرجل والمرأة لقد كانت حقوق الجميع مهضومة وضائعة وقد كانت مطالب الشعب منذ 1934 تسعى لتحقيق جزء من هذه الحقوق.
واليوم في منتصف نونبر 1955م استحضر الناس هذا كله، ورأوا في عودة محمد الخامس وانتصار الثورة: ثورة الملك والشعب، سبيلا وطريقا لتحقيق مطالبهم وان تأسيس نظام ديمقراطي للحكم في إطار ملكية دستورية كما أعلنت وثيقة 11 يناير 1944 هو الطريق الأمثل للوصول إلى ذلك..
لقد كان ذلك حلم الثورة والثوار وقائدهما، ولكن الواقع كان واقعا آخر، لقد تفاءل الناس كثيرا لأن ما كانوا يريدون وما كانوا يحلمون به تطلب منهم الكثير والكثير من الجهد والنضال هذا الجهد الذي تفهمه القائد حين أعلن إننا رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر؟ وقد كان على حق.
واليوم وبعد تسع وخمسين سنة أين نحن؟
إن هذا السؤال ليس سؤال المغاربة وحدهم ولكنه سؤال كل الشعوب التي ثارت ضد الاستعمار وانتصرت ولكن حلم الثورة بقي حلما بعيد المنال وذلك لأن من اعتقدنا إننا انتصرنا عليه اعتبر نفسه خسر معركة ولم يخسر حرب استمرار نفوذه وقوته بعنفوان أكثر.
وحديث الجمعة يروم استعراض مظاهر التآمر على انتصار الشعوب وثوراتها ويذكر بمخططات استمرار التجزئة والتقسيم وأحكام السيطرة على شعوب ترفض القيود والاستبداد وتقاوم الظلم والطغيان.

***********
انتفاضة أم ثورة
الاهتمام بالنهضة الإسلامية العربية والعراقيل التي تعترض طريقها، والصعوبات التي تواجهها مما اهتم به كثيرون ولا يزالون وقد اشرنا إلى هذا في حديث سابق، وقد جاءت الأحداث التي انطلقت في نهاية السنة العاشرة من الألفية الثالثة وما تلاها من انتفاضات هنا وهناك في الأقطار العربية والإسلامية، مما جعل الغرب المتربص والمراقب يطلق على ما حدث عنوانا خداعا وبراقا ومثيرا وهو "الربيع العربي" ولم يترك هذا الغرب المراقب والمتربص هذه الانتفاضات تمر بسلام وتواصل طريقها لتحقيق الأهداف التي أعلنها القائمون والمحركون لهذه الانتفاضات، التي أبى البعض إلا أن يطلق عليها اسما آخر "الثورة" وربما كان هذا أكثر من حجمها ومن إمكانيات القائمين عليها، والمتحركين في إطارها، وذلك أن "الثورة" التي فضل البعض أن يسمي بها ما حدث لم تكن واردة في واقع الأمر.
إجهاض الثورة
ولكن مع هذا وذاك، فإن الغرب المتربص، دخل بسرعة فائقة في "المعركة" حتى لا تفلت الخيوط من بين أصابعه، هذا إذا لم نساير النظرية أو الرأي القائل بأن الأمر كان مرتبا لغاية إجهاض (الثورة الجنين) التي كانت شعوب ما يسميه مالك بن نبي محور (طنجة جاكرتا) حبلى بها وخشي الغرب أن تولد ولادة طبيعية فسارع إلى إجهاضها قديما.
الديمقراطية المزيفة
وذلك ان هذا المحور الذي فشل في تجاوز التركة الاستعمارية، وتركه ما قبل الاستعمار في أنظمة الحكم التي رغم ما يحاول البعض إضفاءه على واقعها من مظاهر الديمقراطية الشكلية والمزيفة فالاستبداد هو الذي لا يزال يهيمن على الواقع الذي تعيشه شعوب هذا المحور.
النموذج الخطر
ويمكن النظر إلى نموذج الحكم في الباكستان: الغربية والشرقية (باكستان) (بانكلاديش)، والنموذج الهندي الذي استقر فيه الأمر واستتب النظام الديمقراطي الغربي، بحيث استقرت الأحوال في هذه الدولة الأصل ولم تستقر في الدولتين المنفصلتين عنها، والمنبثقتان عما كان يسمى الباكستان الشرقية والباكستان الغربية وذلك لا يمكن أن نفسر على أنه اختلاف طبائع الناس فالهنود هنود في الدولتين المنفصلتين وفي الدولة الأصل، ولكن العلة هي في أن المستعمر القديم كما ناهض المسلمين والإسلام في الهند وهي مجتمعة، ولا يزال يواصل الدس والكيد في الباكستان بشطريها لأنها مسلمة، ولأنها خطر على النموذج الذي يريد الغرب أن يقدمه عن الإسلام والمسلمين وهو أنهم لا يمكن أن يعيشوا في ظل نظام ديمقراطي لأن الإسلام يمنعهم من ذلك.
الفوضى الخلاقة
والذي يدركه من يتبع الأحوال يعرف أن الأمر ليس على هذا المنوال ولكن هناك من يسعى باستمرار للحيلولة بين المسلمين وبين الاستقرار والعيش تحت نظام حكم فيه مجال للحرية والتداول على السلطة واحترام حقوق الإنسان، وتوزيع ثروات البلاد توزيعا عادلا، هذا أمر لا يمكن أن يقبله الغرب الاستعماري القديم ولا الإمبراطورية الجديدة التي حلت محل الإمبراطوريتين الاستعماريتين انجلترا وفرنسا.
لأن هذا في نظرهم قد يفضي إلى المس بمصالحهم وبناء دول قوية تحرص على مصالحها ومصالح شعوبها، ومن هنا خلق عناوين لما حدث ويحدث ومنها الفوضى الخلاقة.
عراب التجربة
وقد عبر "لويس برنارد" على هذا في كثير مما كتب ولكنه كان أوضح وأكثر دقة في التصريح الذي أدلى به في شهر مايو 2005 والذي اقتبسنا فقرة منه نقلا عن كتاب «الثورات العربية بين المطامح والمطامع (ص: 62–63). وبرنار كما هو معروف عراب التجربة في الوطن الإسلامي.
في الحديث الأخير ولكن لا باس من الرجوع إليه للتركيز على بعض مضامينه التي لها علاقة بما أشرنا إليه أعلاه في هذا الحديث. إن الكاتب الباحث المستشار الداهية المتمكن من تاريخ الإسلام والشعوب الإسلامية يصدر الأحكام التالية على العرب والمسلمين فهو يرى:
أمة لا تتحضر
1- "أن العرب المسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون لا يمكن تحضيرهم" هكذا يصرح بأن العرب والمسلمين لا يمكن (تحضيرهم) ومعنى ذلك واضح فهذه الشعوب التي تقترب من مليار ونصف من البشر والتي تمتد على رقعة مهمة في دنيا الناس والتي تحتوي على ثروات ومواقع إستراتيجية مهمة، وذات التاريخ التليد في الحضارة والتقدم هذه الشعوب الذي سود الكاتب عشرات الكتب وآلاف الصفحات في إحصاء أمجادها وحضارتها، ومع ذلك فهو يرى أن هؤلاء لا يتحضرون ولا يتمدنون إلا بفعل فاعل وهذه مقولة الدول الاستعمارية القديمة وأبواقها، والكاتب من بقية تلك الأبواق القديمة.
2- أن الكاتب لا يقف عند هذا بل هو يزيد قائلا:
موجات إرهابية
"وإذا تركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات وتقوض المجتمعات" لا شك أن المطلع على إنتاج هذا الكاتب يلاحظ كيف يتخلى الإنسان الغربي عن كل مقاييس النزاهة والموضوعية عندما يتعلق الأمر بالإسلام والمسلمين" ولا شك أن هذه الفتوى والتوصيف الذي أطلقه الكاتب على الإسلام والمسلمين هو الذي يتبناه قومه الحاليون "أمريكا" كما كان عليه قومه الأولون الإنجليز فحيث القوة والقدرة خانت بريطانيا بفعل ثورات الشعوب ومقاومة تحكمها واستعمارها فإن من يملك القدرة حاليا هم الأمريكيون ولا بأس بالاستعانة بغيرها من الدول الاستعمارية القديمة وهو يقترح حلا جذريا للأمر لحسم أمر هذه الشعوب البربرية الإرهابية التي تقوض المجتمعات البشرية، وفي هذه الحالة ما هو الحل في نظر هذا المنظر الحل هو:
إعادة الاحتلال
3- "إن الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية".
ولاشك أن هذه النصيحة والاقتراح الذي يريح من هذه الشعوب وثقافتها الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية هو ما يتم بالفعل العمل على تحقيقه، ولو لم يتم الاحتلال المباشر لهذه الشعوب، فالتشويه الذي يتم من خلال مجموعة من الناس أهلتهم بعض الأنظمة العربية بما يسرت لهم من تكوين علمي منحرف عن الأصول الحقيقية للدين من عدل ومساواة وتسامح والدعوة بالتي هي أحسن.
التشويه والتكفير
ولم يقتصر الأمر على هذا الانحراف فقط بل مع الانحراف ينضاف تكفير لجميع المسلمين شرقا ومغربا وأحرى من يتبع الديانات الأخرى هذا الأسلوب من التشويه والانحراف الذي يتم القيام به هو في الواقع إجهاز على الثقافة الدينية الحق وتطبيقاتها الاجتماعية فهذا عمل تقوم به حكومات هذه الشعوب نيابة عن الدول الاستعمارية التي فرت من الحكم المباشر ولكنها تحكم حكما غير مباشر بما تمليه من تعليمات وتوجيهات وما تفرضه من إصلاح المناهج التعليمية وتقويم الخطاب الديني وغير ذلك من المصطلحات التي تروجها والشعارات التي يرددها الكثيرون ظنا منهم أنهم يقومون بدعوة إصلاحية، وما هم في الواقع الأمر الامرددون دون ما تدعو إليه وتسعى لتحقيقه الدول الاستعمارية لتصفية الحساب مع هذه الثقافة التي كانت أساس انبعاث الحركات التحررية في العالم الإسلامي.
وصية قيد التنفيذ
4 – أما الوصية التي تقدم بها هذا المفكر الاستعماري فهي التي يجري السعي لتحقيقها على قدم وساق من لدن الدول الاستعمارية فهو يوصي بما يلي:
وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور «دور الاحتلال والاستعمار» فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة لتجنب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان».
الدعوة إلى التقسيم
وكيف تتجنب أمريكا أخطاء هاتين الدولتين ذلك ما يوضحه الكاتب فيما يلي:
5 – انه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر وردود الأفعال عندهم اما الشعار فيجب أن يكون: اما أن نضعهم تحت سيادتنا أو لندعهم يدمروا حضارتنا».
إن ما يجري في العالم الإسلامي هو تنفيذ للمخطط الذي وضعه هذا المستشرق المثار الحاقد في التقسيم والتجزئة، والولايات المتحدة ومن يتحالف معها من الدول الاستعمارية إنما تسعى إلى التجزئة وإعادة الشعوب العربية والإسلامية إلى عصور ما قبل البعثة المحمدية حيث تتقاتل شعوبا وقبائل ولا رابط عن دين أو ثقافة يجمعها.
التمويه بالتدريب
6 – اما برنامج ما بعد الاحتلال وانجاز هذه المهمة فهو ما يشير إليه الكاتب في الفقرة التالية:
ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية. وخلال هذا الاستعمار الجديد لا مانع من أن تقدم أمريكا بالضغط على قيادتهم الإسلامية –دون مجاملة ولا لين ولا هوادة –ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية الفاسدة، ولذلك يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها واستثمار التناقضات العرقية والعصبيات القلبية والطائفية فيها قبل أن تغزو أمريكا وأوروبا لتدمر الحضارة فيها».
تذكير
هذه الخلاصة التي انتهى إليها الكاتب في هذه الفقرة هي تذكير بمشروعه الذي وضعه سنة 1983 بطلب من وزارة الدفاع الأمريكية، وفي العام 1983، أقر الكونغرس الأمريكي بالإجماع، في جلسة سرية، "مشروع لويس"، وتم بذلك حفظ هذا المشروع واعتماده وإدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الإستراتيجية للسنوات المقبلة.
ولعله من المناسب التذكير بنص التصريح الذي حللناه وإن كنا قد نشرناه في الحديث السابق:
«إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون لا يمكن تحضيرهم، وإذا تركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات وتقوض المجتمعات. ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية. وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة لتجنب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان. إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم. ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك «إما أن نضعهم تحت سيادتهم أو ندعهم ليدمروا حضارتنا». ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية. وخلال هذا الاستعمار الجديد لا مانع من أن تقدم أمريكا بالضغط على قيادتهم الإسلامية –دون مجاملة ولا لين ولا هوادة- ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية الفاسدة، ولذلك يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها واستثمار التناقضات العرقية والعصبيات القلبية والطائفية فيها قبل ان تغزو أمريكا وأوروبا لتدمر الحضارة فيها».
صدام الحداثة
هذا الكاتب الذي يقترح هذه الخطة الجهنمية هو الذي نلقي نظرة على كتابه الذي عنونه أين يكمن الخطأ؟ وتحت هذا العنوان العبارة التالية "صدام الإسلام والحداثة في الشرق الأوسط" وقد ترجم الكتاب إلى العربية عماد شيحة وسنقف اليوم مع حملة من الأفكار والواقع التي أوردها الكاتب وهو يحلل ويرصد اللقاء الإسلامي مع الحضارة الغربية أو ان شئت الدقة علاقات الشعوب الإسلامية مع بوادر الاستعمار والاحتلال الأوروبي للبلدان الإسلامية وتصفية الحساب مع الدول والحكومات القائمة في هذه البلدان والتي كان أغلبها تابعا للدولة العثمانية دون أن ننسى الدولة الصفوية في إيران والدولة المغربية التي كان لها نفوذها الممتد إلى جنوب الصحراء.
التنكر للحقائق
إن الكاتب والباحث الذي صرح بهذا ووضع مخطط التجزئة هو نفسه الذي أورد كثيرا من الحقائق التاريخية في شان الحضارة الإسلامية ومكانتها بين التاريخ وخوفا من استعادة هذه الحضارة مكانتها يقول ما قال مع ما في ذلك من التنكر لحقائق التاريخ وعلى أي حال فهو في كتابه يتحدث عن لقاء الإسلام مع الحداثة الغربية ولكن مهد لذلك بما كانت عليه علاقات القوة بين الإسلام والغزو فهو يتحدث عن السلطان والإمبراطورية العثمانية ما يشكل الذي يحلو للمستشرقين امثاله الحديث عنها يقول في صدد وجود منافس للدولة العثمانية وانتقادة الغرب من هذا الصراع.
الممالك
ولم يكن السلطان العثماني، مثله في ذلك مثل نظيره ومنافسه الإمبراطور الروماني المقدس، خاليا من منافسين سياسيين وتحديات طائفية داخل عالمه الديني نفسه، ومن بين الاثنين، فقد كان السلطان أكثر نجاحا في التعامل مع تلك التحديات، ففي منعطف القرنين الخامس عشر والسادس عشر، كانت تحكم لدى العثمانيين جاران مسلمان، أقدمهما سلطنة المماليك في مصر، وكانت تحكم في عاصمتها القاهرة عموم سوريا وفلسطين، والأكثر أهمية الأراضي الإسلامية المقدسة في غرب الجزيرة العربية.
ظهور الصفويين
أما الآخر، فهو بلاد فارس وقد توحدت حديثا تحت حكم سلالة جديدة عبر كفاح ديني جديد، كان شاه إسماعيل الصفوي (حكم بين العامين 1501و1524) مؤسس السلالة، وهو شيعي من اذربيجان يتكلم التركية، قد جعل لأول مرة منذ الفتح الإسلامي في القرن السابع كل أراضي إيران خاضعة لسيطرة حاكم أوحد، وقد جعل كزعيم ديني، مثلما كان، وربما أكثر، كحاكم عسكري وسياسي- من المذهب الشيعي دين الدولة الرسمي، وهكذا ميز مملكة المسلمين في إيران عن جيرانها السنة في كلا الجانبين، شرقا في آسيا الوسطى والهند، وغربا في الإمبراطورية العثمانية.
فرق تسد
إن السياسة الأوروبية مبنية منذ وصية أحد الفلاسفة الإغريق بمقولة فرق تسد ولذلك سعى الأوروبيون إلى الإستفاذة من هذا الصراع بين العثمانيين والصفويين لكسر شوكة العثماني وإيقافهم عن الجهود التي يبذلونها للتوغل في أوروبا أكثر ولا يزال أمر أوربا على حاله في شأن أشغال المسلمين بعضهم ببعض يقول الكاتب:
ولفترة من الزمن، تحدي هو وخلفاؤه شاهات الأسرة الصفوية دعوى سلاطين العثمانيين بالسيادة والزعامة الدينية. أطلق السلطان العثماني سليم الأول (المعروف بالرهيب) والذي حكم بين العام 1512 والعام 1520، حملات عسكرية على جاريه الاثنين. وقد أحرز نجاحا أساسيا وإن كان غير مكتمل على الشاه، ونصرا مؤزرا على سلطان المماليك في مصر. وتم دمج مصر والدول التابعة لها في ممالك العثمانيين، أما فارس فقد بقيت دولة منفصلة ومنافسة وعدوة في أغلب الأحوال.
كيف كنا وكيف كانوا
ويعدد الكاتب مزايا الأتراك وعيوب الأوروبيين على لسان السفير ياسبيك الذي يمثل الإمبراطورية المقدسة وكان الزمان دار وصار ما كان من مميزاتنا من مميزات .... وما كان من عيوب خصمنا صار من عيوبنا يقول:
وقد مضى باسبيك السفير الإمبراطوري في اسطنبول بعيدا إلى حد القول إن التهديد الذي تشكله فارس هو وحده من أنقذ أوروبا من غزو الأتراك الوشيك: «في جانب الأتراك تكمن موارد الإمبراطورية العظمى، التماسك القوى وتعود الانتصارات وتحمل المشاق والوحدة والانضباط والتقشف واليقظة.
هكذا يصف السفير حال الأتراك المسلمين أثناء الصراع.
الادقاع العام
وأما الأوروبيين فيقول عنهم:

«أما في جانبنا، فليس سوى الادقاع العام والرفاه الخاص، استحكام الفساد، معنويات مسحوقة، افتقار للتحمل والتدريب، جنوب متمردون و ضباط جشعون، هنالك ازدراء للانضباط وشيوع للتهرب والإهمال والعربدة والفسوق، أما الأكثر سوءا فهو اعتياد العدو على الظفر واعتيادنا على الهزيمة. هل لدينا شك في ما ستكونه النتيجة؟ وحدها فارس تتدخل لصالحنا، فعلى العدو أن يبقى عينه على ذلك التهديد في جبهته الخلفية بينما يستحث هجومه. إلا أن فارس لم تفعل سوى تأخير مصيرنا وليس بوسعها إنقاذنا، إذ حالما يسوى الأتراك أمر فارس سينقضون على حناجرنا تؤازرهم قوة الشرق كله، لا أجرؤ على القول كم كنا غير مهيئين!». ثمة كثير من المراقبين الغربيين الأكثر حداثة تحدثوا عن الصين والاتحاد السوفياتي يضيع مشابهة وتبين خطؤهم على حد سواء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.