نهائي مونديال الشيلي.. جيسيم: "عازمون على انتزاع اللقب العالمي"    مباراتان وديتان : المنتخب المغربي النسوي يواجه اسكتلندا وهايتي ضمن تجمع إعدادي من 19 إلى 28 أكتوبر    حسن واكريم.. الفنان المغربي الذي دمج أحواش والجاز في نيويورك    ملايين في أميركا يحتجون ضد ترامب تحت شعار "لا للملوك"    نتانياهو يعلن عزمه الترشح مجددا لرئاسة الوزراء في الانتخابات المقبلة    استدعاء كاتب فرع حزب فدرالية اليسار بتاونات بسبب تدوينة فايسبوكية    الجيل الرقمي المغربي، قراءة سوسيولوجية في تحولات الحراك الإفتراضي وإستشراف مآلاته المستقبلية.    باكستان/أفغانستان: اتفاق على "وقف فوري لاطلاق النار" بعد محادثات في الدوحة    إسرائيل تتعرف على هوية جثة رهينة    طقس الأحد: أجواء حارة بالجنوب الشرقي وسحب بالسواحل    ارتفاع مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي ب 64 في المائة عند متم شتنبر في ميناء طانطان    بعد توقف ثمانية أيام.. حركة "جيل زد" تستأنف احتجاجاتها في أكثر من مدينة وسط أجواء سلمية    "مرحبا بيك".. إينيز وريم تضعان بصمتهما الفنية في كأس العالم النسوية بالمغرب    الصحافة الأرجنتينية: قيمة فريق "التانغو" تفوق خمس مرات "أشبال الأطلس".. لكن الحسم سيكون فوق العشب    مدرب بركان: "لن نخجل من الهزيمة"    "الأشبال" ينهون التحضيرات للقاء الأرجنتين    "جيل زد" بطنجة تجدد انتقاد الحكومة    نتنياهو: معبر رفح بين غزة ومصر سيظل مغلقا حتى إشعار آخر    انتقادات تطال وزيرة المالية وسط صمت حكومي وتأخر في عرض مشروع قانون المالية على الملك    رعاية ملكية لمستقبل الماء في إفريقيا.. مؤتمر عالمي يجمع الخبراء من القارات الخمس بالمغرب    البطولة: المغرب الفاسي ينفرد بالصدارة والزمامرة يعود بالنقاط الثلاث من أكادير    هل هو انقسام داخل "جيل Z"؟.. جدل داخل الحركة بسبب تصريحات متضاربة من الشرق تعلن الانسحاب    شباب جهة الشرق يعلنون القطيعة مع "جيل زاد": انسحاب جماعي يكشف أزمة الثقة داخل الحركة    إدريس لشكر يؤكد أن تجديد ولايته على رأس "الاتحاد الاشتراكي" جاء بإرادة القواعد الحزبية    شركة يابانية تختار تطوان لبناء مصنع ضخم للسجائر    حادث اشتعال بطارية يحول مسار طائرة صينية    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    الوداد يكمل الاستعداد للتنافس بأكرا    جشع الباعة بالتقسيط ينفخ أسعار "اللحوم البرازيلية" في مجازر المغرب    فتح بحث قضائي لتحديد ظروف وملابسات وخلفيات إقدام موظف شرطة على محاولة الانتحار    الهندسة رافعة التنمية... سودو يؤكد أن المهندس المغربي في قلب مشروع مغرب 2030    المحكمة "الجنائية الدولية" تؤيد مجددا مذكرات توقيف مجرمي الحرب نتنياهو وغالانت    أشبال الأطلس في موعد مع التاريخ أمام الأرجنتين لانتزاع المجد العالمي    الفنان فؤاد عبدالواحد يطلق أحدث أعماله الفنية    خريبكة تحتضن الدورة 16 للمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بمشاركة دولية ومحلية واسعة    انتقاء أفلام المهرجان الوطني للفيلم.. جدلية الاستقلالية والتمويل في السينما    ارتفاع المداخيل الجبائية إلى 258 مليار درهم خلال الأشهر التسعة الأولى من 2025    الإحصاء المدرسي ينطلق في المغرب    الدفاع المدني ينعى 9 أشخاص في غزة    مشروع "ميهادرين" الإسرائيلي لإنتاج الأفوكادو بالمغرب يثير جدلاً وسط أزمة المياه وتزايد الدعوات لوقف التطبيع    لشكر يواصل قيادة الاتحاد الاشتراكي    "جيل زد الأمازيغي" يعلن التمسك بقرار الانسحاب ويرفض "الوصاية الفكرية"    باحث روسي: مؤشرات الاقتصاد المغربي تؤهله لشراكة استراتيجية مع موسكو    "الحال" يفتتح فعاليات الدورة 25 من المهرجان الوطني للفيلم في طنجة    وفاة الفيزيائي تشين نينج يانج الفائز بجائزة نوبل    الدرك الملكي بالجديدة يلقي القبض على شخصين قاما بالتبليغ عن عملية سطو مفبركة    غموض لافت في مشروع قرار مجلس الأمن حول الصحراء: بين دعم الحكم الذاتي وضمان حق تقرير المصير    مغربيان ضمن المتوجين بجائزة كتارا للرواية العربية    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    414 مليار درهم قيمة 250 مشروعا صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمار    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الريسوني يكتب: العلماء والمجتمع (الحلقة 6) رسالة العلماء
نشر في العمق المغربي يوم 05 - 03 - 2019

تطرقتُ من قبل إلى علاقة العلماء بالأمراء، أو علاقة العالم بالحاكم، وما يجب التزامه وما يجب اجتنابه فيها..
وفي هذه الحلقة أتناول علاقة العلماء بمجتمعاتهم ومحيطهم الاجتماعي..
مما يعتز به كل عالم من علماء الشرع: أن “العلماء ورثة الأنبياء”، وأنه يرجو ويَسعد أن يكون من هؤلاء.. وقد أوضحت في الحلقة الأولى ماذا يعني أن يكون العالم من ورثة الأنبياء.. وحلقتنا هذه هي جزء من ذلك المعنى، ومقتضى من مقتضياته.
جميع الرسل يمشون في الأسواق
من الصفات الأساسية الثابتة في حياة كافة أنبياء الله ورسله، صلى الله وسلم عليهم أجمعين، أنهم كانوا (يمشون في الأسواق). وقد عاب المشركون العرب على خاتم الرسل والأنبياء كونَه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان: 7]. فجاءهم الرد المفحم الحاسم في قوله سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان: 20].
وكونُ المرسلين يمشون في الأسواق يعني أنهم يخالطون الناس، ويتواصلون معهم، ويطَّلعون على أحوالهم، فيبلغونهم ويرشدونهم، ويستمعون إليهم ويبينون لهم.. فمشيُهم في الأسواق هو مشيُ الدعاة الناصحين المصلحين، المندمجين في واقعهم وزمانهم وأقوامهم. ومن شمائل خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم أنه كان “يجالس المساكين ويمشي في الأسواق” .
وبهذا يكون مشيُ الأنبياء والرسل في الأسواق جزءا من نهجهم وأخلاقهم ومتطلبات رسالتهم ووظيفتهم، وليس لمجرد كسب المعاش أو إظهار التواضع. يؤكد ذلك ويوضحه ما جاء في بعض القراءات للفظ (ويمشون).. قال ابن عطية: “وقرأ جمهور الناس «ويَمْشُون»، بفتح الياء وسكون الميم وتخفيف الشين، وقرأ علي وعبد الرحمن وابن مسعود: «يُمَشَّوْن»، بضم الياء وفتح الميم وشد الشين المفتوحة، بمعنى: يُدعَون إلى المشي ويُحْمَلون عليه” .
وإذا كان جميع الأنبياء والرسل على هذا النحو وهذا النهج، فلا يبقى عذر لأحد من “ورثة الألنبياء” في إيثار العزلة والتنائي عن المساكين وأهل الأسواق وجمهور الناس.
والعجيب المؤسف هو أن بعض العلماء كلما زاد علمهم ومكانتهم، زاد بعدهم عن الناس وهجرهم لأسواقهم وشؤونهم، بينما الواجب هو عكس ذلك. فالمفروض أن العالم كلما ازداد علما، أن يزداد قربا من صفة الرسل ومسلكهم في مخالطة الناس ودخول أسواقهم ومجامعهم، سواء أكانوا صالحين أو طالحين، موافقين أو مخالفين.
قبل نحو عشرين عاما سألت صديقا جزائريا عن الرئيس الشاذلي بنجديد وأين يعيش بعد الإطاحة به؟ قال: إنه يعيش في مدينة وهران التي هي مدينته. قلت: وماذا يفعل؟ قال: يأكل الطعام ولا يمشي في الأسواق..
وإذا كان الرئيس بنجديد – رحمه الله – قد أمضى فترة من حياته يأكل الطعام ولا يمشي في الأسواق، فقد كان مجبرا على ذلك، أما بعض علمائنا فيفعلون ذلك اختيارا وطواعية وهروبا من المسؤولية المنوطة بهم. بل يعتبرون البعد عن عوامّ الناس وأسواقهم وشؤونهم مما يحفظ لهم هيبتهم وجلالة قدرهم، ولهم في ذلك عبارة قديمة تقول: “اعتزال العامة مروءة تامة”. فليت شعري ما موقع الأنبياء في هذا؟ هل كانت مروءتهم منقوصة أو مضيعة، حين كانوا يمشون في الأسواق ويخالطون العوام صباح مساء؟
العلماء الربانيون والعلماء الرهبانيون
ما أكثر الأوصاف الشرعية الجليلةَ التي قُلبت معانيها وحرفت عن مواضعها، ومنها صفة “العالم الرباني، والعلماء الربانيون”. وهو وصف يختزن في ضمنه صفات عديدة، تشير إليها الآيات الكريمة:
– في قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ} [المائدة: 44]،
– وقوله عز وجل: {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة: 62، 63]،
– وقوله: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: 79].
قال شيخ المفسرين، الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري:
“وأما قوله:(كونوا ربانيين)، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله.
فقال بعضهم: معناه: كونوا حكماء علماء…
وعن مجاهد قال:الربانيون: الفقهاء العلماء، وهم فوق الأحبار.
وقال آخرون: بل هم ولاة الناس وقادتهم.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال عندي بالصواب في (الربانيين) أنهم جمعُ رباني، وأن الرباني المنسوب إلى الرَّبَّان، الذي يربُّ الناسَ، وهو الذي يُصْلح أمورهم ويربُّها ويقوم بها.
و(الربّانيُّ) هو المنسوب إلى من كان بالصفة التي وصفتُ، وكان العالم بالفقه والحكمة من المصلحين، يَرُبّ أمورَ الناس، بتعليمه إياهم الخيرَ، ودعائهم إلى ما فيه مصلحتهم، وكان كذلك الحكيم التقيّ لله، والوالي الذي يلي أمور الناس على المنهاج الذي وَليه المقسطون من المصْلحين أمورَ الخلق، بالقيام فيهم بما فيه صلاحُ عاجلهم وآجلهم، وعائدةُ النفع عليهم في دينهم ودنياهم، كانوا جميعًا يستحقون أن يكونوا ممن دَخل في قوله عز وجل:(ولكن كونوا ربانيين).
فالربانيون إذًا: هم عمادُ الناس في الفقه والعلم وأمور الدين والدنيا. ولذلك قال مجاهد: وهم فوق الأحبار، لأن الأحبارَ هم العلماء، والرباني: الجامعُ إلى العلم والفقه، البصرَ بالسياسة والتدبير والقيام بأمور الرعية، وما يصلحهم في دُنياهم ودينهم” .
ولكن هذه المعاني الدعوية التربوية، الإصلاحية القيادية، السياسية الاجتماعية، قد ضمرت وانطمست، وانقلبت إلى ضدها، سواء عند عامة المسلمين أو خاصتهم، فأصبح “العالم الرباني” في مفهومهم هو ذلك المنقطع لكتبه وكراريسه، العاكف على أوراده وعباداته، المتفرغ لخويصة نفسه، لا يريد أن يرى الناس ولا أن يروه.. حتى صار وصفُ: “وكان منقطعا عن الناس” مفخرة ومنقبة تُتَوج بها تراجم بعض العلماء “الربانيين” .
قال العلامة المؤرخ طاش كبري زادة في ترجمته لأحد العلماء: “العالِم الفاضل الكامل المولى… وكان فاضلا محققا، منقطعا عن الناس بالكلية، مشتغلا بالدرس والعبادة. وكان انقطاعه بمرتبة لا يقدر على الحضور في المجالس، وحشةً من الناس واستحياء منهم. وبالجملة كان عالما ربانيا مباركا” .
ومن الواضح أن هذه الحالة – وهي مجرد عينة – تبدو أقرب إلى الرهبانية منها إلى الربانية.
فاللهم أصلح بالنا وسدد فهمنا.
1 دلائل النبوة، للعلامة إسماعيل لأصبهاني، الملقب ب(قِوام السنة) ص: 138
2 المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 4/ 205
3 تفسير الطبري 6/543- 544
5 على سبيل المثال: ورد هذا الوصف – وبهذا اللفظ فقط – ثمان عشرة مرة، في كتاب (الشقائق النعمانية في تراجم علماء الدولة العثمانية) لطاش كبري زادة
6 الشقائق النعمانية، ص351
1. وسوم
2. #أحمد الريسوني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.