الوكالة المغربية للأدوية تخطط لتعزيز الرقابة الاستباقية والتدقيق الداخلي لضمان استقرار السوق    السكتيوي: النجاعة الهجومية والتنظيم الدفاعي مفتاح الفوز بلقب كأس العرب    مونديال 2026.. "فيفا" سيوزع 727 مليون دولار على المنتخبات المشاركة    1019 عقوبة تأديبية و8 إحالات للقضاء تطال موظفي الشرطة خلال 2025    أمطار رعدية وثلوج وطقس بارد من الأربعاء إلى السبت بعدد من مناطق المغرب    ارتفاع المخزون المائي بالعديد من السدود مع استمرار ضعف ملء سد الخطابي بالحسيمة    ترامب يعلن رسمياً تصنيف نوع من المخدرات "سلاح دمار شامل"    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    مقاييس التساقطات الثلجية المسجلة بالمملكة    مجلس النواب ينظم غدا الخميس المنتدى الدولي حول الرياضة    انتخاب الاستاذ بدر الدين الإدريسي نائبا لرئيس الاتحاد العربي للصحافة الرياضية    السكتيوي: التتويج باللقب يبقى الأهم    فرحات مهني يكتب: الحق في تقرير مصير شعب القبائل    لماذا تراهن بكين على أبوظبي؟ الإمارات شريك الثقة في شرق أوسط يعاد تشكيله    الصين تسجل رقماً قياسياً في رحلات السكك الحديدية خلال 11 شهراً من 2025    سعر صرف الدرهم يرتفع أمام الدولار    ماجد شرقي يفوز بجائزة نوابغ العرب    حريق يسلب حياة الفنانة نيفين مندور    تشابي ألونسو يحذر من مفاجآت الكأس أمام تالافيرا    الحكم السويدي غلين المثير للجدل يدير نهائي كأس العرب بين المغرب والأردن        البنك الألماني للتنمية يقرض المغرب 450 مليون أورو لدعم مشاريع المناخ    هولندا.. توقيف شخص للاشتباه في التحضير لتنفيذ عمل إرهابي    الملك محمد السادس يبارك عيد بوتان    تدخل ينقذ محاصرين بثلوج بني ملال    مطالب بتدخل أخنوش لإنقاذ حياة معطلين مضربين عن الطعام منذ شهر ونصف    لأجل الوطن والأمل    أكادير تحتضن الدورة العشرين لمهرجان تيميتار الدولي بمشاركة فنانين مغاربة وأجانب    وفاة الفنانة المصرية نيفين مندور عن 53 عاما إثر حريق داخل منزلها بالإسكندرية    هجومان للمتمردين يقتلان 4 أمنيين كولومبيين    "ترامواي الرباط سلا" يصلح الأعطاب    مديرية التجهيز تتدخل لفتح عدد من المحاور الطرقية التي أغلقتها التساقطات الثلجية    في حفل فني بالرباط.. السفيرة الكرواتية تشيد بالتعايش الديني بالمغرب    واشنطن توسّع حظر السفر ليشمل عددا من الدول بينها سوريا وفلسطين    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن مقاطعة انتخابات ممثلي المهنيين في مجموعة صحية جهوية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأربعاء    الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط تدين عملية الهدم في حي المحيط والتهجير "القسري" للمهاجرين    تمارين في التخلي (1)    الفدرالية المغربية لمقاولات الخدمات الصحية.. انتخاب رشدي طالب رئيسا ورضوان السملالي نائبا له    محكمة تلزم باريس سان جيرمان بدفع أكثر من 60 مليون يورو لمبابي    القضاء التجاري بالدار البيضاء يأمر بإرجاع المفصولين إلى العمل بفندق أفانتي وأداء أجورهم    منفذ "اعتداء بونداي" يتهم بالإرهاب    خلف "الأبواب المغلقة" .. ترامب يتهم نتنياهو بإفشال السلام في غزة    "بنك المغرب" يراجع فوائد القروض ويحضّر لتغيير طريقة التحكم في الأسعار ابتداء من 2026    عوامل مناخية وراء التقلبات الجوية التي يعرفها المغرب: "لانينيا" تُضعف المرتفع الأزوري والاحتباس الحراري يُكثّف التساقطات    إسبانيا تعتمد مسيّرة بحرية متطورة لتعزيز مراقبة مضيق جبل طارق    الدوزي ينسحب من أغنية كأس إفريقيا    تماثل للشفاء    مركب نباتي يفتح آفاق علاج "الأكزيما العصبية"    التحكم في السكر يقلل خطر الوفاة القلبية    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سلالة إنفلونزا جديدة تثير القلق عالميا والمغرب يرفع درجة اليقظة    المغرب: خبير صحي يحدّر من موسم قاسٍ للإنفلونزا مع انتشار متحوّر جديد عالمياً    "الأنفلونزا الخارقة".. سلالة جديدة تنتشر بسرعة في المغرب بأعراض أشد وتحذيرات صحية    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف الدكاترة: خمس مفارقات مخجلة
نشر في العمق المغربي يوم 13 - 02 - 2024

حقائق أربع كشفت عنها المعركة البطولة التي خاضتها الشغيلة التعليمية ضد "نظام المآسي" انطلاقا من الخامس من أكتوبر2023م:
_1الحقيقة الأولى: إن النقابات التي يسميها الإعلام "أكثر تمثيلية" غدت في أمس الحاجة إلى مراجعة الذات، وإلى إعادة النظر في تنظيمها الداخلي، وفي هيكلتها، وفي آليات اشتغالها، وفي ميكانيزماتها واستراتيجيتها النضالية، مادامت _في كل الأحوال_ تتمتع بالشرعية القانونية التي تخول لها تأطير وتوعية وتنوير ومساندة رجال ونساء التعليم.
_2الحقيقة الثانية: إن "الأستاذ" هو قلادة عقد المنظومة التعليمية بلا منازع، إنها قلبها النابض بامتياز، فعلى نبضاته تتوقف حياتها، إنه الروح التي تسري في كيان الجسد التعليمي كاملا لتعطي الحركة والحيوية لكل أعضائه ولكل مفاصله وأطرافه، والدليل القاطع على هذا الكلام هو حالة الشلل التام التي أصابت كل المؤسسات التعليمية على امتداد الوطن الحبيب بعدما انخرطت هيئة التدريس في الإضراب العام احتجاجا صارخا على ما تضمنه "نظام المآسي" من بنوذ تسعى لاستعباد الأستاذ وإلى تمريغ كرامته في التراب.
_3الحقيقة الثالثة: إنها شكلت صدمة قوية أيقظت رجال ونساء التعليم من حالة الغفلة والتسيب التي عاشوها طويلا، وزادت من نسبة الوعي السياسي والنقابي لديهم، وهذا ما تجسده النقاشات الوازنة والرصينة والعميقة التي صارت تؤثث فضاءات جلسات الشغيلة التعليمية، والتي فرضت عليها التسلح بكثير من الحذر والحيطة، والتخلص من كل أشكال السلبية والحياد ومن كل ألوان التسيب والتفاهة واللامبالاة.
_4الحقيقة الرابعة: أنها حركت المياه الراكدة في شرايين قطاع التعليم لمدة طويلة جدا، كما أنها أزاحت النقاب عن مآسي فئات كثيرة ظلت معاناتها طي التكتم والاستتار طوال عقود، فئات ظلت تعاني في صمت رهيب، كانت تتمزق وتتألم دون أن يشعر أحد من المسؤولين بتمزقها وألمها، ودون أن تجرؤ على التعبير عن مطالبها المشروعة، تتمزق في حسرة صارخة صراخا مرا مراراة لا تعاد لها مرارة.
سأخصص هذه الورقة لتسليط بعض الأضواء على ملف فئوي حارق، هو ملف دكاترة التعليم المدرسي الذي لا يملك المطلع على تفاصيله، والمتتبع لمستجداته، والمنخرط في محطاته النضالية المشهودة، والمدرك لخلفياته وخفاياه التي لم تعد تخفى على أحد، إلا أن يضع أكثر من علامة استفهام، وأكثر من علامة تعجب، وهو يقف على حجم المفارقات الْمُخْجِلَة التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن ثمة أياد خفية في الوزارة الوصية تسعى جاهدة إلى عرقلة حل الملف، وإلى ممارسة كل أشكال التهميش والإقصاء على فئة تشكل نخبة المجتمع المغربي بامتياز.
1_الجودة/الرداءة:
منذ انطلاق مسلسل إصلاح التعليم المغربي، ظل شعار "الجودة" يتردد باستمرار في مختلف المحافل والمنتديات، ويطرح للنقاش في كل الندوات والمؤتمرات، بل إنه شكل بابا من أبواب "الميثاق الوطني للتربية والتكوين"، غير أن مستنقع الرداءة والضحالة الذي تغرق فيه المنظومة باعتراف التقارير الوطنية والدولية يؤكد بالواضح أن "الجودة" مجرد كلام للاستهلاك لا أقل ولا أكثر ... فالتعليم العالي المغربي يعيش أزمة خانقة باعتراف المشرفين على القطاع، أزمة تشمل ثلاث مستويات:
_1المستوى البنيوي _التنظيمي:
_2مستوى المردودية والفعالية:
_3مستوى العلاقة مع المحيط الخارجي:
ويمكن رصد بعض مشاهد هذه الأزمة:
_ارتفاع معدل الهدر الجامعي.
_ضعف المردودية الداخلية والخارجية وعدم تلاؤمها مع متطلبات سوق الشغل.
_قلة الأبحاث والدراسات التي تقدمها الجامعة لفائدة الفاعلين الاقتصاديين.
_قلة طلبات القيام بخدمات من قبل مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية لانعدام الثقة في القدرة البحثية لمؤسسات التعليم العالي.
_ضعف الدور الثقافي للتعليم العالي.
ومن ثمة يحق لنا أن نتساءل بمرارة: لماذا كل هذا التهميش المقصود لهذه الطاقات المتوثبة المستعدة كامل الاستعداد للعطاء والبحث والتفاني في خدمة أجيال الطلبة تأطيرا وتكوينا وتوجيها وإرشادا ؟ ! وما يثير الغثيان فعلا أنه في مقابل هذه الإزاحة غير المفهومة لهذه الكفاءات والقامات العلمية، يصر المسؤولون على فتح أبواب الكليات في وجه الطلبة/الدكاترة الذين يعمدون إلى تأطير أجيال الطلبة الملتحقين بمدرجات الجامعة دون تجربة بيداغوجية ودون عدة ديداكتيكية.
_2المركز/الهامش:
إمعان الوزارة في تهميش كفاءات الدكاترة، ورغم كل المحطات النضالية التي خاضوها وانخرطوا فيها، ورغم عدالة قضيتهم بكل المعايير وبكافة المقاييس، وهذا ما أفرز توزيعا جغرافيا للدكاترة، بحيث صرنا أمام نمطين من الدكاترة:
_دكاترة المركز: هو الدكاترة المحظوظون الذين وجدوا أنفسهم في أماكنهم الطبيعية حيث يجب أن يكونوا في الجامعات، وفي مؤسسات التعليم العالي المعلومة: مركز تكوين المفتشين، مركز التوجيه والتخطيط، المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين... هؤلاء يمثلون الفئة المحظوظة التي يسمح لها بالانخراط في البحث العلمي، وبالتأطير والتوجيه والتكوين والتأليف والعطاء...
_دكاترة الهامش: هم الفئة المغضوب عليها، إنهم الدكاترة المبعدون قسرا من مراكز البحث ومن منارات العلم، وهم في أساتذة التعليم الابتدائي والثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي الذين اختاروا طريق التحدي من أجل الوصول، تحدوا الصعاب كلها، وبذلوا الغالي والنفيس من أجل الحصول على أعلى شهادة أكاديمية تمنحها الدولة.
هكذا أصبحنا أمام مشهد سوريالي بامتياز: قاعات ومدرجات مكتظة بآلاف الطلبة، في مقابل دكاترة "معتقلين" في الهوامش: البوادي وأقاصي الجبال والمدن الهامشية وأشباه المدن... حيث تتضاعف المعاناة، لتتحول إلى ركام من العقد ومن الأزمات النفسية والاجتماعية والاقتصادية ...
_3مكلف/غير مكلف:
من المفارقات المثيرة للانتباه أن نقابات مناضلة مسؤولة تبنت الدفاع عن الملف بكل صدق وبكل تفان، انكبت على التكلفة المادية الخاصة بهذا الملف، وانطلقت من إحصائيات دقيقة، ومن المعطيات المتعلقة بالوضعية المادية لكافة دكاترة القطاع الذين يصنف أغلبهم في خانة الدرجة الممتازة، وقد توصلت إلى نتيجة مفادها أن الملف غير مكلف بالمرة، بل إن ثمة فئات من دكاترة القطاع ستتعرض رواتبها للنقصان من أمثال: الدكاترة المفتشين، والدكاترة المتصرفين الإداريين ... ومعنى ذلك أنه ليس ثمة مبرر موضوعي من الناحية المادية يبرر كل هذا التماطل وكل هذا الإقصاء.
_4التكليف/الترسيم:
من مظاهر عبث المسؤولين في تعاملهم مع هذا الملف، ما يعرف بقضية التكليفات، فقد عودتنا الوزارة الوصية في كل موسم دراسي جديد على إصدار مذكرات خاصة بتكليف أساتذة للتدريس والتأطير في المراكز الجهوي لمهن التربية والتكوين، ولعل المثير للانتياه والاستغراب هو التهميش المقصود للدكاترة في مقابل فتح المجال لأساتذة حاصلين على شهادة الإجازة فقط، وهذه مفارقة غريبة لا تفسير لها إلا أن ثمة من داخل الوزارة لوبيات تُلِحُّ على إبقاء فئة الدكاترة في الظل تتجرع مرارات التهميش والجحود والإقصاء.
_5النزاهة/المحسوبية:
أصرت الوزارة على ضرورة اجتياز المباراة من أجل أن يتمكن الدكاترة من تغيير الإطار "أستاذ باحث"، والحقيقة أن الإصرار على هذه "المباراة" يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن ثمة من يلح على عرقلة حل هذا الملف، ففي الوقت الذي تطالب النقابات بالحل الشامل، وبالسماح لكل الدكاترة بتغيير الإطار دون قيد ولا شرط، ظلت الوزارة تقابل هذا المطلب بالرفض المطلق، وتلح على ضرورة اجتياز المباراة، وهو الأمر الذي يرجع الملف إلى نقطة الصفر، لان الدكاترة عانوا طويلا من عقبة "المباراة" التي كانت مرادفة للمحسوبية والزبونية، كما كانت فرصة سانحة لبروز أمواج الولاءات والانتماءات ولتصفية الحسابات ولإعطاء الشرعية القانونية لكافة الخروقات،، ولعل الفضائح التي رافقت أغلبية المباريات، والتي تعج بها صفحات الجرائد كفيلة بإعطاء أدلة قاطعة على فساد المباريات، من أجل كل ذلك أكد الدكاترة أنهم لا يرفضون المباراة باعتبارها مباراة، بل باعتبارها وسيلة لتكريس الزبونية والمحسوبية، ثم نظرا لغياب شبكة موحدة للمباريات، فكل جامعة تضع ما يخدم رهاناتها وتمثلاتها ورؤاها واستراتيجياتها، ومن ثمة يبقى مطلبهم مشروعا إلى حد كبير، بل إنهم يقترحون أن يتم إدماج هذه الفئة التي عانت طويلا من الانتظار والوعود الكاذبة المعسولة لمدة تفوق عقدين من الزمان بشكل استثنائي، وللوزارة بعد ذلك أن تفرض المباراة على أجيال الدكاترة المقبلين.
إن ما يتعرض له الدكاترة من قبل الوزارة الوصية لهو عين القتل المقصود، وعين الاغتيال المرصود، لأن حرمانهم من الالتحاق بالتعليم العالي يعني حرمان الجامعات المغربية وباقي مؤسسات التعليم العالي من قامات أكاديمية ومن طاقات علمية ومنارات فكرية راكمت سنوات طويلة من الخبرة البيداغوجية والتجربة الديدكتيكية والممارسة التربوية الميدانية الجادة، لأن التعليم العالي في نهاية المطاف حلقة مكملة لحلقات التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي، إنه امتداد طبيعي في إطار نسق تعليمي متماسك الحلقات مترابط المحطات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.