قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية عدد من المقتضيات الواردة في مشروع القانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية، الذي صادقت عليه المؤسسة التشريعية في يونيو الماضي، ضمن القراءة الثانية، وعلى رأسها المادة 17 المثيرة للجدل، التي كانت تتيح للنيابة العامة إمكانية الطعن في أحكام قضائية نهائية. وأكدت المحكمة أن الصيغة المعروضة من هذه المادة تمنح صلاحيات غير مضبوطة للنيابة العامة في التصريح ببطلان مقررات قضائية حائزة لقوة الشيء المقضي به، دون تحديد الحالات التي تبرر هذا الإجراء، مما يشكل مساسا بمبدأ الأمن القضائي المنصوص عليه في الدستور. وجاء في قرار المحكمة أن أحكام الفصلين 117 و126 من الدستور، اللذين يكرسان استقلال القضاء وحجية الأحكام النهائية، تفرض أن يكون أي مساس بهذه الحجية من اختصاص القضاة فقط، وبموجب ضوابط واضحة ينص عليها القانون، وهو ما لم يتوفر في المادة المذكورة. كما طالت الرقابة الدستورية المادة 84، وبالتحديد فقرتها الرابعة، التي تجيز تبليغ الاستدعاءات بناء على تصريحات أو تقديرات شخصية للمكلف بالتبليغ، دون التحقق من بلوغ السن أو وجود مصلحة متعارضة، وهو ما اعتبرته المحكمة تهديدا لمبدأ الأمن القانوني وحقوق الدفاع، وخرقا لمقتضيات الفصل 120 من الدستور. وامتدت المخالفات الدستورية لتشمل مقتضيات أخرى أحالت على نفس الفقرة، من بينها مواد 97 و101 و103 و105 و123 و127 و173 و196 و204 و229 و323 و334 و352 و355 و357 و361 و386 و500 و115 و138 و185 و201 و312 و439، التي قضت المحكمة بعدم دستوريتها كذلك. وزارة العدل ترحب بالقرار وتؤكد التزامها بتكريس دولة القانون وفي أول رد فعل رسمي، رحّبت وزارة العدل بقرار المحكمة الدستورية، معتبرة إياه محطة دستورية مهمة تعكس حيوية المؤسسات وتعزز مسار البناء الديمقراطي وترسيخ دولة القانون والمؤسسات. وأكدت الوزارة في بلاغ لها، احترامها الكامل لاختصاصات المحكمة الدستورية واستقلالها، معتبرة أن القرار يجسد روح التفاعل الإيجابي بين السلط، في إطار احترام مبدأ فصل السلط وسيادة القانون، وكذا حماية الحقوق والحريات المكفولة دستوريا. وأبرزت وزارة العدل أن إعداد ومناقشة مشروع قانون المسطرة المدنية جرى في إطار مقاربة تشاركية موسعة، عرفت انخراطا فعّالا من مختلف الفاعلين في المجالين القضائي والحقوقي، مشددة على حرصها على الإنصات لملاحظات وتوصيات جميع الشركاء المؤسساتيين والمجتمع المدني. كما جددت الوزارة التزامها بمواصلة العمل في إطار الحوار المؤسساتي البنّاء، من أجل ملاءمة التشريعات الوطنية مع مقتضيات الدستور، وتطوير نصوص قانونية تستجيب للتحولات المجتمعية، وتكرّس مبادئ الشفافية، والأمن القضائي، والنجاعة في أداء مرفق العدالة. وفي السياق ذاته، صرّح وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، بأن الرقابة الدستورية تُعد ضمانة حقيقية لدولة القانون، قائلا: "نحن لا نخشى الرقابة الدستورية، بل نشجعها ونراها أساسا للديمقراطية. القرار الأخير للمحكمة يفتح الباب أمام نقاش قانوني رفيع، ويعزز مشروعنا الإصلاحي من داخل المؤسسات وبقوة المؤسسات". وشددت الوزارة على أن احترام قرارات المحكمة الدستورية يمثل جوهر دولة الحق والقانون، مؤكدة أن الملاحظات الواردة في القرار تندرج في سياق تقوية البناء المؤسساتي وتعزيز ثقة المواطنين في العدالة وترسيخ مبادئ الحكامة القضائية. وختم البلاغ بالتأكيد على عزم الوزارة اتخاذ الإجراءات القانونية والمؤسساتية اللازمة لتكييف مقتضيات النص مع ما قضت به المحكمة الدستورية، في إطار الاستمرارية التشريعية، بما يضمن تطوير منظومة العدالة وتحقيق مصلحة المتقاضين.