الدكتور بلال : السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. الدكتور راتب : وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته. الدكتور بلال : سيدي لقاؤنا اليوم حول الموضوع الساخن الذي لابد منه ، والناس دائماً تنتظر العلماء أمثالكم سيدي في الأزمات ليستمعوا إلى الشرع فيه ، نحن اليوم أمام فيروس منتشر بغض النظر عن الأسباب ، وما يجري من تداول حوله ، في النتيجة نحن أمام الفيروس ، وله مضاعفات خطيرة . الدكتور راتب : وله رب . الدكتور بلال : وله رب جلّ جلاله . ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ ﴾ [ سورة الحاقة: 38 39] سيدي الآن النقطة الأولى التي نريد الحديث حولها بعض الناس أصيبوا بالهلع . ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾ [ سورة المعارج: 19] نحن نريد أن نطمئن الناس ، هل المؤمن يهلع ؟ اتصال المصلي بالله صاحب الجمال و الكمال و النوال : الدكتور راتب : الآية: ﴿ إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾ [ سورة المعارج: 22] المصلي له اتصال بالله هناك استثناء . الدكتور بلال : ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً* إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾ [ سورة المعارج: 19 22] لماذا المصلي سيدي ينجو من هذا الهلع؟ الدكتور راتب : المصلي له اتصال بالله ، الله عز وجل صاحب الجمال ، والكمال ، والنوال ، المؤمن المتصل بالله قوي بالله ، متفائل بوعد الله ، ناجح بتوفيق الله ، أي أنت تتصل بذات كاملة ، أسماؤها كلها حسنى ، صفاتها كلها علا ، فأنت ما دمت موصولاً مع القوي إذاً أنت قوي ، مع الجميل جميل ، مع الرحيم رحيم ، مع الحكيم حكيم ، فالفرق الكبير جداً بين مؤمن له صلة بالله وبين إنسان شرد عن الله لا بد من أن نجد بينهما بوناً شاسعاً في علاقاتهم بمن حولهم، و في خوفهم أو في طمأنينتهم ، الآية الفاصلة في هذا الموضوع : ﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ [ سورة الأنعام: 81 82 ] الفرق بين الأمن والسلامة : لا بد من تبيين الفرق بين الأمن والسلامة ، قد تعيش عاماً بأكمله لا يوجد أية مشكلة سلبية ، هذه سلامة ، أما الأمن فعدم توقع شيء سلبي ، الأمن عدم التوقع ، الأمن ليس عدم الحصول ، الحصول سلامة ، الله يقول : لايتمتع بالأمن إلا المؤمن ﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ [ سورة الأنعام: 81 82 ] نتابع ، لا يكفي : ﴿ وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾ [ سورة الأنعام: 82 ] قد يكون الإنسان مؤمناً بالله لكنه ظلم شريكه بالتجارة ، ظلم أخاه أحياناً . ﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾ [ سورة الأنعام: 82 ] لو أن الآية أولئك الأمن لهم ، أي لهم ولغيرهم ، إذا قلت : نعبد إياك فالصلاة باطلة ، لِمَ باطلة ؟ نعبد إياك لا تمنع أن نعبد غيرك ، لكن دقة القرآن . ﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾ [ سورة الأنعام: 82 ] أي لا يتمتع بنعمة الأمن إلا المؤمن ، والأمن ليس السلامة ، السلامة موضوع آخر ، السلامة عدم توقع السلبيات ، أي المؤمن يتمتع بحالة أمن والله لا أبالغ لو وزعت على أهل بلد لكفتهم ، الآية واضحة : ﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾ [ سورة الأنعام: 81 82 ] أريد أن أنفي عن الفهم العام ، هذا المؤمن يصلي ، لا ، لا، هو يصلي ، ويصوم ، ويحج ، ويزكي ، لكن له ألف بند يتميز به ، بدخله ، بإنفاقه ، بعلاقاته بزوجته ، بأولاده ، بالأقوياء ، بمن حوله ، بوالديه ، يمكن أن تفرع حوالي ألف بند يتميز بهذه البنود المؤمن ، الإيمان مرتبة عالية جداً ، مرتبة أخلاقية ، ومرتبة علمية ، ومرتبة جمالية ، المؤمن أسعد إنسان بأي ظرف ، بأي ظرف . الدكتور بلال : ولو وقع بالمرض هذا المرض لا يؤذيه ؟ المؤمن أخلاقي : الدكتور راتب : أبداً، مرتبة جمالية ، وهناك مرتبة علمية : ما اتخذ الله ولياً جاهلاً ، لو اتخذه لعلمه، يوجد مرتبة جمالية ، وعلمية ، وأخلاقية ، المؤمن أخلاقي ، لا يمكن لمؤمن أن يكذب ، ولا أن يغش ، ولا أن يدلس . الدكتور بلال : نعم ، سيدي أنتم لكم كلمة جميلة في موضوع هذه الفيروسات ، تقول : أنت من خوف المرض في مرض ، أي هذا الذي يخاف المرض هو في مرض الخوف ، فقد الأمن ، لكن سيدي في المقابل حتى نكمل الفكرة ؛ نحن لا نخاف إن شاء الله ، لا نهلع ، نحن مؤمنون متصلون بالله إن شاء الله لا نهلع ، لكن ألا ينبغي أن نأخذ بالأسباب التي شرعها الله عز وجل للوقاية ؟ ضرورة الأخذ بالأسباب التي شرعها الله عز وجل للوقاية : الدكتور راتب : هذا واجب ديني ، والواجب يلخص بهذه الكلمة : أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم نتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، هذا شيء دقيق جداً ، لأن المؤمن يعيش حياته، هناك ضغوط ، وظروف ، وأعداء ، وأشخاص سلبيون في حياتهم ، لا بد من أن تكون بحالة من الصحوة ، ومن الاستعداد ، لكن إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ الدكتور بلال : المؤمن بحالة استعداد دوما تبقى مع الله وتأخذ بالأسباب. إذاً سيدي عندما تتخذ الحكومات في العالم العربي والإسلامي قرارات يجب أن تكون ملزمة للأشخاص في تجنب العدوى ؟ اتباع أوامر أولي الأمر لحرصه على سلامة الناس و صحتهم : الدكتور راتب : والله أنا أقول دائماً : ﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [ سورة النساء: 59 ] العدوى موجودة لكن حصولها هو بأمر الله هذا أولي الأمر منكم ، حريص على سلامتنا ، وعلى صحتنا ، وعلى دخلنا ، وعلى الأمن ، هذا منا ، لِمَ لا نطيعه ؟ الدكتور بلال : ما دام يأمر بطاعة لتجنب العدوى ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول : ((لا عَدْوَى )) [البخاري عن عبد الله بن عمر ] الدكتور راتب : هذا موضوع ثان ، العدوى حاصلة ، لكن إياك أن تظن أن العدوى بلا إذن إلهي ، كله بأمره ، لا بد من أن يأذن الله ، فأنت علاقتك مع الله وليس مع العدوى . الدكتور بلال : (( وفِرَ من الْمَجْذُومِ كما تَفِرُّ من الأسد )) [البخاري ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة ] يجب أن نتجنب العدوى . الدكتور راتب : نقول مرة ثانية : أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء . الدكتور بلال : بعض الناس سيدي معسرون ، ومنفرون ، أي لا ينشر إلا الأخبار السيئة في هذه الأجواء ، ما قولكم ؟ ضرورة الموازنة بين التنفير و التبشير : الدكتور راتب : هذا قناص ، يا أخي القرآن منهج ، حدثنا عن المؤمنين ، وعن سعادتهم ، و توفيقهم ، وعن الجنة التي تنتظرهم ، حدثنا عن أهل النار ، هذا الذي يكتفي بالسلبيات ، بالحنش الأقرع بالقبر ، بجهنم ، أقسم بالله هذا إنسان غير داعية ، هذا إنسان أنا أسميه منفراً ، فلا بد من أن توازن بين التنفير وبين التبشير ، لا بد من موازنة بينهما ، الله عز وجل : ﴿ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [ سورة الرحمن: 27] هو عظيم ينبغي أن تخافه ، وكريم ينبغي أن تحبه ، هذا درس لكل إنسان له عمل قيادي ، للأم والأب ، للمعلم والمدرس ، لرئيس الدائرة ، من الخفير إلى الأمير ، هذا الذي معك وأنت فوقه رتبة ينبغي أن يحبك بقدر ما يخافك ، أو اعكسها ، وينبغي أن يخافك بقدر ما يحبك . الدكتور بلال : سيدي إذاً النبي عليه الصلاة والسلام كان يعجبه الفأل الحسن ، ينبغي ألا نتشاءم مع الناس ، نتخذ بالأسباب لا أن نتشاءم . اقتراب التشاؤم و اليأس و القنوط من الكفر : الدكتور راتب : مضطر أتكلم كلمة لكنها حاسمة : التشاؤم ، والكآبة ، واليأس ، والقنوط ، يقترب من الكفر . الدكتور بلال : ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [ سورة يوسف: 87] الدكتور راتب : المؤمن بين الخوف من الله وبين حبه الله موجود ، بيده كل شيء ، والله يغير الموازين بلمحة . الدكتور بلال : سيدي الكريم ؛ الذين ينشرون الشائعات ، أي لا يتثبت من الخبر ، يأتي الخبر على الفيس بوك ، على الواتساب يرسل فوراً لمجموعات عنده فيثير الهلع . التثبت من الخبر قبل إرساله لإثارة الهلع : الدكتور راتب : الجواب : ﴿ إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ﴾ [ سورة الحجرات: 6] أو تثبتوا . الدكتور بلال : لا بد من التثبت أو التبين . جزاكم الله خيراً سيدي ، وأحسن إليكم ، نسأل الله أن يرفع هذا البلاء ، وهذا المرض ونرجو دعاءكم للأمة . التفاؤل من علامات الإيمان : الدكتور راتب : ملك سأل وزيره : قل لي كلاماً إن كنت سعيداً أحزن أو حزيناً أسعد ؟ قال له : كل حال يزول . الدكتور بلال : كله سيزول إن شاء الله . الدكتور راتب : ومن علامات الإيمان التفاؤل . الدكتور بلال : دعاؤكم سيدي ، دعوات ولو في دقيقة للأخوة المشاهدين . الدعاء : الدكتور راتب : اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، اللهم انصرنا على أعدائنا يا أكرم الأكرمين . خاتمة و توديع : الدكتور بلال : جزاكم الله خيراً سيدنا . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته