المغرب ومنظمة "الفاو" يوقعان على وثيقة "مستقبل مرن للماء" بميزانية 31.5 مليون دولار    عقوبات تنتظر اتحاد العاصمة الجزائري بعد انتصار "الكاف" للنهضة البركانية    رئيس وزراء اسبانيا يفكر في الاستقالة بعد فتح تحقيق ضد زوجته في قضية فساد    رئيس الوزراء الإسباني "يفكر" في تقديم استقالته بعد الإعلان عن فتح تحقيق ضدّ زوجته        تسريب فيديوهات لتصفية حسابات بين بارونات بتطوان    اللجنة الجهوية للتنمية البشرية بالشمال تصادق على برنامج عمل يضم 394 مشروعا برسم سنة 2024    تشافي يتراجع عن مغادرة نادي برشلونة    العدو الجزائري يقحم الرياضة من جديد في حربه على المغرب    أخنوش: التحولات الاقتصادية مهمة بالمملكة .. والتضخم تحت سيطرة الحكومة    الجزائر تتوصل رسميا بقرار خسارة مباراة بركان و"الكاف" يهدد بعقوبات إضافية    بطولة فرنسا لكرة القدم.. باريس سان جرمان يفوز على مضيفه لوريان 4-1    ترقب إطلاق خط جوي جديد بين مطار تطوان وبيلباو    القضاء الفرنسي يؤكد إدانة رئيس الوزراء السابق فرانسوا فيون بقضية الوظائف الوهمية    النصب على حالمين بالهجرة يقود سيدتين الى سجن الحسيمة    أخنوش: الحكومة دأبت منذ تنصيبها على إطلاق مسلسل إصلاحي جديد وعميق يحقق نهضة تربوية وثورة تعليمية    الكاف يعلن انتصار نهضة بركان على اتحاد العاصمة الجزائري    بنكيران يهاجم أخنوش ويقول: الأموال حسمت الانتخابات الجزئية    توقعات بتأجيل كأس أمم أفريقيا المغرب 2025 إلى يناير 2026    وزير النقل… المغرب ملتزم بقوة لفائدة إزالة الكربون من قطاع النقل    حملة أمنية غير مسبوقة على الدراجات النارية غير القانونية بالجديدة    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    أخنوش مقدما الحصيلة المرحلية: إجراءات الحكومة هدفها مناعة الأسرة التي هي "النواة الصلبة لكل التدخلات"    أخنوش: ما تحقق في نصف الولاية الحكومية فاق كل التوقعات والانتظارات    صديقي : تحويل النظم الغذائية يتطلب حلولا شاملة ومنهجية    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    جهة طنجة تناقش تدابير مواجهة الحرائق خلال فصل الصيف    خارجية أمريكا: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    المغرب سيكون ممثلا بفريقين في كأس العالم للفوتسال    تهديدات بالتصعيد ضد ّبنموسى في حالة إصدار عقوبات "انتقامية" في حقّ الأساتذة الموقوفين    أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    ما قصة "نمر" طنجة؟    سنطرال دانون تسلط الضوء على التقدم المحقق في برنامج "حليب بلادي" لفلاحة مستدامة ومتجددة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الولايات المتحدة تنذر "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    أفلام متوسطية جديدة تتنافس على جوائز مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    إعلان فوز المنتخب المغربي لكرة اليد بعد انسحاب نظيره الجزائري    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و262 شهيدا منذ بدء الحرب    مقترح قانون لتقنين استخدم الذكاء الاصطناعي في المغرب    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    مبادرة مغربية تراسل سفراء دول غربية للمطالبة بوقف دعم الكيان الصهيوني وفرض وقف فوري للحرب على غزة    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    جلسة قرائية تحتفي ب"ثربانتس" باليوم العالمي للكتاب    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" في ضيافة ثانوية الشريف الرضي الإعدادية بعرباوة    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    الأمثال العامية بتطوان... (580)    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديث فى ذكرى المولد النبوى الشريف(صلى الله عليه وسلم)
نشر في محمدية بريس يوم 23 - 01 - 2013

الحمد لله، نستعينه، ونستهديه، ونتوب إليه ونستغفره، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونُثني عليه الخيرَ كله، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهدِه اللهُ فلا مُضلَّ له ومَن يضللْ فلا هاديَ له.. نشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أنَّ سيدنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وخليلُه؛ بلَّغ الرسالةَ وأدَّى الأمانة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومَن دعا بدعوته واهتدى بهديه وسارَ على سنته إلى يوم الدين.
أما بعد.. يأتي شهر ربيع ويأتي معه الخير، وتأتي معه الذكريات الغوالي التي تُذكِّرنا بميلادِ المصطفى- صلى الله عليه وسلم- وهو ميلادُ أمة، وهو ميلادٌ للحياة، وهو ميلادٌ شرَّف الله عز وجل به هذه الدنيا، وقد سُئل النبي- صلى الله عليه وسلم- من الصحابةِ فقالوا: صفْ لنا نفسك!! فقال صلى الله عليه وسلم: "أنا دعوة أبي إبراهيم، وبُشرى أخي عيسى، ورؤيا أمي آمنة".
أما دعوة إبراهيم عليه السلام ففي قول الله عز وجل: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ(127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ(129)﴾ (البقرة).. أما عيسى عليه السلام وبشراه، ففي قول الله عز وجل: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ (الصف: من الآية 6)، وأما رؤيا آمنة فإنها رأت عند مولده- صلى الله عليه وسلم- أنَّ نورًا خرج منها فأضاء ما بين السماء والأرض.
وسأل النبي- صلى الله عليه وسلم- الصحابةَ: مَن أنا؟ فقالوا: "أنت رسول الله"، فقال صلى الله عليه وسلم: "أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، إنَّ الله لما خلق الخلق فرَّقهم فرقتين فجعلني من خيرهم فرقةً ثم جعلهم قبائل فجعلني من خيرهم قبيلةً، ثم فرَّقهم بيوتًا فجعلني من خيرهم بيتًا، فأنا من أطيبكم بيتًا ومن أطهركم نفسًا".. صلى الله عليه وسلم.
والآية التي معنا وهي دعوة إبراهيم عليه السلام آيةٌ عجيبةٌ تكررت في القرآن في أكثر من مرة، ومنها ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: 164) استجيبت الدعوة.. ادخرها المولى تبارك وتعالى، واستجاب لها في الوقتِ المناسب وفي الظرف المناسب، وفي لحظةٍ من التاريخ كان العالم في أشدِّ الحاجة إلى مَن يأخذ بيده ويهديه الصراط المستقيم، فهي منَّةٌ وهي نعمةٌ وهي فضلٌ وهي كرمٌ من المولى تبارك وتعالى.. ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ(164)﴾ (آل عمران).. وهذه الآية تكشف لنا عن طبيعة الرسالة وعن طبيعة المنَّة، وعن طبيعة النعمة، وعن مدى الفضل الذي تعطَّف به المولى تبارك وتعالى على البشرية.
فنظرة سريعة حول العالم أو إلى العالم قبل أن يتشرف بهذه الرسالة، كان هذا العالم أشبه بمخمورٍ يتخبَّط؛ إذا أفاق لحظةً رجع إلى سُكرِه لحظاتٍ، كل شيءٍ في غير موضعه، تمامًا كما يستولي الطفلُ في البيت على علبة كبريت وتُلقى هكذا كل ثقاب في مكان، عالَم بَشِعٌ لا مكانَ للمرأة، لا مكانَ للرجل، لا مكانَ للعقيدة، لا قِبلةَ، لا كتابَ، لا منهجَ، إنما هي الكهانة والسحر والشعوذة ونبوءة الغيب والتطير إلى آخره، فجاء الإسلام لِيُعيد بناءَ هذا العالم كما أراده المولى تبارك وتعالى، كل شيء يُوضع في محله، كل شيء يُوضع في مكانه تمامًا، كما إذا أتينا بعاملٍ لا يعرف شيئًا عن السيارة وقلنا له أصلحها فجاء بمفتاحٍ وفكَّها وألقاها أمام البيتِ كل جزئيةٍ في مكان، وقال لك هذه هي السيارة، فجاء الإسلامُ ليعيد تركيب العالم، تركيب عقل الإنسان وقلب الإنسان ومشاعر الإنسان، ومكان المرأة، ومكان الرجل، وحقوق الإنسان وكرامة الإنسان.
كان منظر الرق فقط في العالم قبل الإسلام وصل إلى سبعةَ عشرَ لونًا، الناس يَستعبدون بعضًا، ومن ألوان الاستعباد أن يكون لغنيٍّ على فقير دَينًا ويعجز الفقير- لا يستطيع السداد- فيقول له: تعال أنت رقيق عندي بهذا الدَّين أنت عبد لي وتظل رقيقًا وتظل عبدًا وتعمل إلى أن تسدد هذا المبلغ.
إذًا هي منة كما قال عمر: "إنما يعرف الإسلامَ مَن عاشَ في الجاهلية"، الذي ابتلي بنارِ الشر هو الذي يعرف طعم الخير، الذي ذاقَ مرارة البُعد عن الله ومرارة المعصية لله هو الذي يعرف طعم الطاعة والإنابة والإيمان بالله عز وجل.
مهمة الرسول- صلى الله عليه وسلم- كما بينتْها لنا الآية يتلو ويُزكي ويُعلِّم، فالتلاوةُ بمفردِها لا تكفي، لا بد أن يتبع القول العمل، وكلمة يُزكِّي تحتها كل معاني التربية وإخراج الإنسان من دوائرِ المعاصي والذنوب وتطهيره، ونقله إلى الجانب الآخر؛ إلى جانب الطاعة، إلى جانب الطهارة، إلى جانب النقاء.
يقول أحد الصحابة بعد أن أسلم وهو يسخر مِن عَقله يوم أن كان على الشرك، يقول: "كنا نسافر ومعنا خمسة أحجار أو ستة نجعل أربعةً للقِدر، القِدرُ في الصحراء يُوضع فوق أربع أحجار لتُوقد تحته النار، أما الخامس فننصبه ونعبُده ونطوف حوله، فإذا لم نجد حجرًا جمعنا حصوةً من الترابِ، كمية من الرمل ووضعنا عليها شيئًا من الماء أو مِن اللبن ثم عبدناها من دون الله.
الإنسان ما وصل إلى مرتبة الإنسانية إلا بطاعته لله عزَّ وجلَّ إلا بعبادته وعبوديته لله، فإذا عبَدَ الشجرَ وعبَدَ الحجرَ وعبَدَ الترابَ وعبَدَ البقرَ وعبَد الأنصابَ والأزلامَ.. انتهى.. مات، انتهى عقلُه وانتهى قلبه وانتهت مشاعره، انتهى كإنسانٍ لا يصلح لشيء.. ماذا بقي له من الإنسانية إذا قدَّس الأبقار؟! ماذا بقي له؟ ما قيمته؟! ما وزنه ؟!
ولذلك سيدنا جعفر لما وقف أمام النجاشي وسأله النجاشي: "ما هذا الذي غيَّركم؟ وما الذي كنتم عليه؟ قال له: "كنا أهل جاهلية، كنا أهل شرٍّ، نعبد الأصنام، ونأتي الفواحش، ونُقطِّع الأرحام، ونُسيء الجوار، والقويُّ منا يأكل الضعيف، حتى بعث الله فينا نبيًّا منا، نعرفُ نسبه وحسبه، فدعانا إلى الإسلام، دعانا إلى عبوديةِ الله وحده، دعانا إلى حفظِ الأرحام والجوار، دعانا إلى النصفة إلى العدل، فآمنا به وصدقناه فعدا علينا قومُنا وأخرجونا من مكةَ".
فنظر النجاشي وأخذ عودًا من الأرضِ وقال: إنَّ هذا الذي تقول والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاةٍ واحدةٍ، فنفر البطارقة في مجلسه فقال لهم: "وإن نفرتم"- أي وإن لم يُعجبكم هذا الكلام- ثم قال لجعفر رضي الله عنه ومَن معه: "أنتم آمنون، أنتم آمنون، أنتم آمنون، والله لو كان لي جبلاً من ذهبٍ لتمنيتُ أن يذهبَ وأن تبقوا أنتم، مَن ضرَّكم عُذِّب وأُوخِذ، ثم قال للذين جاءوا من مكةَ: "رُدُّوا عليهم هداياهم وأرجعوهم، وأمَّن المسلمين بمجرَّد أن سمع جزءًا من سورة مريم أو سَمِع كلامًا من جعفر- رضي الله عنه- عن طبيعة الشركِ وعن أخلاق الإسلام وأخلاق الإيمان.
رسولنا- صلى الله عليه وسلم- هو النعمة المهداة هو الرحمة لا لنا، لكن لكل مَن به عقلٌ على ظهرِ الأرض.
بالأمس القريب جاء عالمٌ إنجليزيٌّ إلى مصر وحضرَ مؤتمر السيرة، فسمع قولَ الله عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ* وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ (فاطر: 27، 28) قال: أسمعوني هذا الكلام مرةً أخرى فسمعه، قال: أسمعونيه مرةً ثالثة فأسمعوه، قال: هذا في قرآنكم قالوا: نعم.. قال: أشهد أنَّ هذا النبي رسولٌ مِن عند الله، ما الذي يُعْلِمه هذه الأشياء وهو في صحراء؟! هذه الآية فيها علم النبات والثمار المختلف ألوانه وفيها علم الأرض طبقات الأرض، والذي يذهب إلى اليمن إلى صنعاء يجد هذه الآية موجودةً هكذا.. أنت في صنعاء تركب سيارةً وتمشي حوالي ساعة بجوار جبل الجزءِ الأسفل منه على امتدادِ الساعة أسود فحم، والجزء الذي في الوسط أبيض، والجزء الأعلى أحمر كالبساطِ الذي تجلسون عليه، ومن الجبال جُدَدٌ بيضٌ، جديد أبيض مثل القطن، ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، أسود كالفحم تمامًا، ومشيتُ بجوار هذا الجبل وأنظرُ إلى آياتِ الله عزَّ وجل الموجودة في هذا الكون..
قال هذا الإنجليزي: "مَن الذي أخبر محمدًا- صلى الله عليه وسلم- بكل هذا، كيف عرفَ علم النبات وعلم طبقاتِ الأرض؟ وكيف عرفَ ﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ﴾.."؟ علم الحيوان وعلم الإنسان، وبعد ذلك تُختَم الآية ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ﴾ (فاطر: 28)، قال: هذا رسولٌ من عند الله، لا يعلم هذا إلا الله، وليس في الجزيرة العربية يوم أن نزل هذا القرآن من هذا شيء، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، وأسلمَ في مصر، هو رحمة لكل عاقل ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ (محمد: 24) هل أُغلقت القلوب أو هي مفتوحة لكلامِ الله ولكتابِ الله، يُزكيهم ويطهرهم؟!
تقول السيدة عائشة فيما رواه البخاري كان النكاح في الجاهلية على أربع صور:
- الصورة الأولى صورة الفسقة.. البيوت التي يدخلون إليها- أعوذ بالله منها.
- الصورة الثانية صورة الأخدان الرجل يقول لامرأته: اذهبي فاستبضعي من فلان.
- والصورة الثالثة صورة البيوت التي عليها الرايات.
- الصورة الرابعة هي التي عليها الناس اليوم وهي أشرفُ وأطهرُ وأرقى صورةً في علاقةِ الرجل بالمرأة أبقاها الإسلامُ وهذَّبها، وهي الخِطبة والصداق والشهود والعقد والدخول والإيجاب والقبول.. هذه صورة تتناسب مع إنسانٍ كرَّمه الله عز وجل.
طهرهم الرسول وزكَّاهم في علاقةِ الرجل بالمرأة، طهرهم وزكَّاهم في بابِ الاقتصاد من الربا ودنس الربا، وسوء الربا خطير على العقيدة وعلى الإسلام وعلى الإيمان، يجب على المسلمِ أن يجتنب هذا الطريق، وأن يبتعد عنه؛ لأنَّ بعضَ الناس يظنه زيادةً وربنا يُسميه المحق، والذي يظنونه نقصًا هو الزيادة عند الله، الصدقة أنت تظن المال قد نقص والربا تظن المال قد زاد، والعكس عند الله، وميزان الله هو الميزان الصحيح، قال فيما نظنه زيادةً ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا﴾ (البقرة: 276) يذهب جميعًا ويأخذ رأس المال، وقال فيما نظنه نقصًا ﴿وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ (البقرة: 276) إنَّ الله يُربِّي لأحدكم صدقته كما نُربِّي المُهر أو نُربي الفرس ونكبره.
فالصدقة تكون كهذه ك"عقلةِ الصباع" يُنميها المولى تبارك وتعالى حتى إذا جاء يوم القيامة إذا به يجدها كالجبلِ يدفع بها حرَّ جهنم وحرَّ الموقف، وينجو بها من هذا الموقف الشديد.
طهرهم من الربا، طهرهم من العداواتِ والحروب التي بدون سبب، قتال، كراهية فقال لهم أنتم إخوة.. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: 13)، المسلم أخو المسلم، والمؤمن أخو المؤمن، ويسمع- صلى الله عليه وسلم- يُناجي ربه في الليل ويقول: "وأنا شهيدٌ أنَّ العبادَ كلهم إخوةٌ"، كل ولد بني آدم من أبٍ واحد وهو آدم، ومن أم واحدة وهي حواء، فأعاد للناس الأُخوَّة وحق الجار وحق اليتيم، والمظلوم يرد إليه مظلمته، منَّةً ورحمةً وتزكيةً وتطهيرًا ورفعًا لشأن الناسِ ولشأن المسلمين، حتى قال سعد بن أبي وقاص: كُنَّا أذلاء فأعزنا الله، وكنا فقراء فأغنانا الله، وكنا ضُعفاء فقوَّانا الله، وكنا مُتفرقين فجمعنا الله، وأرسل فينا رسولاً من أنفسنا يتلو علينا آيات ربنا.
أيها الإخوة.. ما أحوج العالم اليوم إلى الإسلام، العالم كله الآن يجري من الخوف والرعب من أمراض الزنا، أمراض الفسق بدأت الأمراض والمصائب التي لم تعرف من قبل، لم نسمع من قبل عن مرض الإيدز، الذي يُمسك الإنسان يحلله ويحوله إلى جثة على ظهر الأرض، وهذا من أمراض الزنا والعياذ بالله، والأمراض كثيرة الأمراض السرية وغير السرية يبرأ المسلم منها ويبرأ غير المسلم حين يُحلل ويطهر نفسه ويعتمد على ما أعطاه الله إياه من طريقٍ شريفٍ كريم.. أمراض كثيرة!!
بالأمس لعلكم سمعتم عن زلزال ابتلع واحدًا وعشرين ألفًا وجرح خمسة وعشرين ألفًا، أو خمسين ألفًا؛ إنَّ هذه الأرض المبسطة التي نحن عليها نعمة من نعم الله، ويمكن أن تتحول إلى غير ذلك في أي مكانٍ على ظهر الأرض، فالإنسان يحس بنعم الله فيشكره ويُقبل عليه ويحب رسوله صلى الله عليه وسلم، ويعتقد أن الإسلام هو الشفاء ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ (الإسراء: 82).
أيها الإخوة المؤمنون.. ما أحوجنا إلى القرب من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وإلى الاقتداء به وإلى اتباع سنته وإلى تحليل ما أحل الله وتحريم ما حرم الله.. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (الأحزاب: 56).
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين، اللهم انصر الإسلام ووفق أهله، اللهم انصر الإسلام ووفق أهله، اللهم اشف مرضانا، اللهم اشف مرضانا، اللهم ارحم موتانا، اللهم ارحم موتانا، اللهم تقبل أعمالنا، اللهم تب علينا.
عباد الله.. ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (النحل: 90) اذكروا الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.