الأزمة بين الجزائر وفرنسا تتفاقم..    تدخل سريع يخمد حريقا اندلع بغابة "ازارن" بإقليم وزان والكنافي يكشف حيثياته    قرار المحكمة الدستورية بخصوص مشروع قانون المسطرة المدنية : تمرين دستوري يعيد بعض التوازن للسلط    لجنة عربية تطلق حملة ضد ترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام    فشل الجزائر في قضية الصحراء المغربية يفاقم التوتر الدبلوماسي مع فرنسا    وزارة الخارجية تحتفل باليوم الوطني للمغاربة المقيمين بالخارج    حماس تتهم نتنياهو بالتضحية بالرهائن    حكيمي يرشح لجائزة "الكرة الذهبية" مع 8 لاعبين من باريس سان جرمان    منتخب المحليين يستعد لمواجهة كينيا    الوداد يعقد الجمع العام في شتنبر    الارتفاع يسم تداولات بورصة البيضاء    بني بوعياش.. اطلاق الشطر الاول لمشروع التأهيل الحضري        أول نسخة من "الهوبيت" تجني 57 ألف دولار        وزير الإعلام الفلسطيني : المساعدة الإنسانية والطبية العاجلة سيكون لها أثر إيجابي ملموس على حياة ساكنة غزة    الملك كضامن للديمقراطية وتأمين نزاهة الانتخابات وتعزيز الثقة في المؤسسات    عمر هلال يبرز بتركمنستان دور المبادرة الملكية الأطلسية في تنمية دول الساحل    الماء أولا... لا تنمية تحت العطش    لسنا في حاجة إلى المزيد من هدر الزمن السياسي        تيمة الموت في قصص « الموتى لا يعودون » للبشير الأزمي    «دخان الملائكة».. تفكيك الهامش عبر سردية الطفولة    السرد و أنساقه السيميائية    المغرب.. من أرض فلاحية إلى قوة صناعية إقليمية خلال عقدين برؤية ملكية استشرافية    فرنسا تلغي إقامة مغربي أشعل سيجارة من "شعلة الجندي المجهول" في باريس (فيديو)    زيلينسكي يدعو بوتين مجددا إلى لقاء لإنهاء الحرب في أوكرانيا والرئيس الروسي يعتبر "الظروف غير متوفرة"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    نشرة إنذارية: موجة حر وزخات رعدية قوية مصحوبة بالبرد وبهبات رياح مرتقبة من الخميس إلى الأحد بعدد من مناطق المملكة    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية كوت ديفوار بمناسبة العيد الوطني لبلاده        البنية التحتية للرباط تتعزز بمرآب تحت أرضي جديد    يوليوز 2025 ثالث أكثر الشهور حرارة فى تاريخ كوكب الأرض    ارتفاع أسعار الذهب بفضل تراجع الدولار وسط آمال بخفض الفائدة الأمريكية    "صحة غزة": ارتفاع وفيات التجويع الإسرائيلي إلى 197 بينهم 96 طفلا    سون هيونغ مين ينضم للوس أنجليس الأمريكي    "أيميا باور" الإماراتية تستثمر 2.6 مليار درهم في محطة تحلية المياه بأكادير    وكالة: وضعية مخزون الدم بالمغرب "مطمئنة"    صيف شفشاون 2025.. المدينة الزرقاء تحتفي بزوارها ببرنامج ثقافي وفني متنوع    المغرب يواجه ضغوطا لتعقيم الكلاب الضالة بدل قتلها    تسجيل 4 وفيات بداء السعار في المغرب خلال أشهر قليلة    "دراسة": تعرض الأطفال طويلا للشاشات يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب    من هم الأكثر عرضة للنقص في "فيتامين B"؟    الفتح الناظوري يضم أحمد جحوح إلى تشكيلته        رخص مزورة وتلاعب بنتائج المباريات.. عقوبات تأديبية تطال أندية ومسؤولين بسبب خروقات جسيمة    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    الداخلة.. ‬‮«‬جريمة ‬صيد‮»‬ ‬تكشف ‬ضغط ‬المراقبة ‬واختلال ‬الوعي ‬المهني ‬    الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة التي فرضها ترامب تدخل حيز التنفيذ    المغرب ‬يرسّخ ‬جاذبيته ‬السياحية ‬ويستقطب ‬‮«‬أونا‮»‬ ‬الإسبانية ‬في ‬توسع ‬يشمل ‬1561 ‬غرفة ‬فندقية ‬    قروض ‬المقاولات ‬غير ‬المالية ‬تسجل ‬ارتفاعا ‬بنسبة ‬3.‬1 ‬في ‬المائة ‬    جو عمار... الفنان اليهودي المغربي الذي سبق صوته الدبلوماسية وبنى جسورًا بين المغرب واليهود المغاربة بإسرائيل    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    حين يتحدث الانتماء.. رضا سليم يختار "الزعيم" ويرفض عروضا مغرية    نحن والحجاج الجزائريون: من الجوار الجغرافي …إلى الجوار الرباني    اتحاديون اشتراكيون على سنة الله ورسوله    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حياٌة أدبًا
"الثقافةُ لا تُشرى ولا تُباع" شقيقَتا النُّعمان
نشر في طنجة الأدبية يوم 24 - 06 - 2009


بمَثابَة مَدخَل
شقائقُ النُّعمان، في المُعجَم، نباتاتٌ عشبيَّةٌ مُعَمِّرَةٌ من فَصيلة الشَّقيقيَّات، منها نوعٌ جبليٌّ أزهارُه بيضاء، ونوعٌ ربيعيٌّ أزهارُه لَيلَكيَّة، ونوعٌ مَبذولٌٌ أحمرُ الزَّهر مُنَقَّطٌ بنقطٍ سودٍ ينتشرُ في الحقول وبين الزُّروع.
وأمَّا في الكِتابة الآتِيَة، فَفي سهل الطُّفولة انتصَبَتْ شقيقتان؛ شَقيقَتا نُعمانٍ هما: واحدةٌ حَكيمَة، وأخرى مُحِبَّة، أو هذا ما وَصَفتا نَفسَيهما به؛ وهنا ما دارَ بينهما.
ألشَّقيقةُ-الأمّ
حِكمَة: لاحِظي، مَحبَّةُ، الشَّقيقةَ-الأمَّ كيف تَحْنو على ابنتها، الشَّقيقةِ-المَعوقَة، تلك التي لم يكتَمِلْ نُمُوُّها بَعد. لاحِظي كيف غَدَت مُلتويَةَ الظَّهر، المِسكينةُ، شاخِصَةً إلى ابنتها على الدَّوام.
مَحبَّة: وماذا كنتِ تَنتظِرين، حِكمَةُ، من أمّ؟ تلك هي الأُمومة: حِنَّةٌ وتَضحيةٌ حتَّى الزَّوال.
ألشَّقيقةُ-اليَتيمة
مَحبَّة: إنَّها تَبكي من جَديد. أَسمُعها تبكي. إِسمَعيها، حِكمَةُ، إنَّها تَبكي، الشَّقيقةُ-اليَتيمة. آهِ من اليَتَم. لَيتَني أتمكَّنُ من مؤاساتِها.
حِكمَة: كَفاكِ تَلَوُّعًا، مَحبَّةُ، فجميعُنا، نحن الشَّقيقات، يَتامى؛ وجميعُنا، في الوقت عَينه، والِدون وشَقيقات.
مَحبَّة: وماذا تنفعُ مَعلومَتُك هَذي تلك المِسكينةَ التي تَعتقدُ أنَّها ليست سوى يتيمة؟ هَهْ، ماذا تنفعُها مَعلومتُك؟
حِكمَة: وماذا أفعلُ لها بحَسَبِ رأيك؟
مَحبَّة: صحيحٌ أنَّك تَفوقينَني حِكمَةً، بيدَ أنِّي، ومع عَصْفِ أوَّل ريح، سأَنشُرُ باتِّجاهها نَفحَةً أُعبِّرُ لها فيها عمَّا تفضَّلتِ وشَرَحتِه، وأَزيدُ عليه أنِّي، أنا بالذَّات، سأكونُ شقيقتَها، وأباها وأمَّها.
ألشَّقيقةُ-الجَمال
جَمال: راقِبا كيف أنَّ الشَّقيقاتِ يَرمُقْنَني، كيف يَشتهينَ قوامي، رائحتي، تراقُصي، كيف يقَلِّدْنَني في تصرُّفاتي، فيها كلِّها. إنَّهنَّ يَقضينَ النَّهارَ في مراقبتي وحَسَدي، ولا يَغفَينَ إلاَّ على أمل أن يَرَينَ جَديدي مع إشراقَة الشَّمس الطَّالِعَة...
حِكمَة: عَفوَكِ... هلاَّ تُفَكِّرين في ما عدا هذا؟ ثمَّ، أيَعني لكِ العُمر القصيرُ شيئًا؟ أَفلا يَدعوكِ مثلُ هذا العُمر إلى الإفادة من الحياة والتَّمتُّع بها عِوَضَ الاعتِداد بالذَّات، وإضاعةِ الوقت؟ والشَّيخوخةُ القادِمَةُ مع تكرار اللَّيل والنَّهار، ألا تَدعوكِ إلى التَّفكير في الذُّبول، ومِن ثَمَّ إلى التَّمَتُّع بارتِشاف الحياة بحَسَب مراحلها؟...
مَحبَّة: باللهِ عليكِ، حِكمَةُ، إنِ اكتَفَتْ اعتِدادًا، أفلا تَكتَفين وَعظًا؟ فَلْتَعِشْ كلٌّ منَّا ما أمكنَها في تفهُّم الأُخرَيَين، لا بلِ الأخرَيات على اختِلاف الأمزِجَة؛ باللهِ عليكِ، كَفاكِ وكَفاها.

ألشَّقيقةُ-المَوهِبَة
موهِبَة: ... وللهِ في خَلقِه شؤون... يُعطي مَن يُريدُ ما يُريد، ويَحجبُ عمَّن يُريدُ ما يُريد... نَعَم، له، في خَلقه، شؤون... أنا، مَثلاً، مِثالٌ لشَقيقةٍ مَنَحَها المَواهِب... وها إنِّي، من عَصْف الرِّيح، أُخرِجُ موسيقى، أتمايلُ ألوانًا... ها إنِّي...
حِكمَة: وَيحَكِ، أَتَدَّعينَ استِنباطَ الألحان، الرَّقصَ، خطَّ اللَّوحات، ولستِ سوى شَقيقةٍ عاجِزَةٍ بين شَقيقاتٍ عاجِزات؟! قد أَقبَلُ أنْ نكونَ، نحن الشَّقيقات، إِيحاءَ "نوتَةٍ" لموسيقار، وحركةٍ لمُصَمِّم رَقص، ولونٍ لتَشكيليّ، وأمَّا ادِّعاءُ المَوهِبَة، لا بلِ المَواهِب، فهُراءٌ في هُراء...
مَحبَّة: دَعْكِ منها، حِكمَةُ، ودَعيها... ثمَّ، مَن نَصَّبَكِ على رأس هيكل الحِكمَة؟! دَعْكِ منها، دَعيها...
موهِبَة: ماذا كنتُ أقول؟! إيهٍ! ... إي، ورَبِّي، للهِ في خَلقه شؤون... أنا، مثلاً، مِثالٌ لشَقيقةٍ مَنَحَها المَواهِب... وها إنِّي، من عَصْف الرِّيح، أُخرِجُ موسيقى، أتمايلُ ألوانًا...
ألشَّقيقةُ-العالِمَةُ وجارتُها المَنحوسَة
عالِمَة: ما زِلتُ منذ طلوع الفَجر أَرقُبُ، وأَحسُب. أَرقُبُ خطواتِ حوافر هذا الحيوان الضَّخم وهو يقترِبُ من الحَقل الذي يَجمَعُنا مع شَقيقاتٍ لنا، وأحسُبُ متى سيَحِطُّ حافرُه، وعلى أيٍّ منَّا، نحن غير المُتَحَرِّكات، سيَحِطّ. سيَدوسُ، على الأرجَح، الجارةَ الأقربَ منَّا، الشَّقيقةَ-المَنحوسَة.
ها إنَّه يتحرَّكُ باتِّجاهنا، ها هو يقتَرب، إِحتَرِسي يا حِكمَةُ، إِحتَرِسي يا مَحبَّة...
حِكمَة: وما نَفْعُ الاحتِراس مع اللاَّحَراك؟
مَحبَّة: لا بل، وما نَفْعُ الصَّلاة حتَّى؟...
عالِمَة: إنَّه يقتَرِب، يَدوسُ ويَدوس... حِساباتي لا بُدَّ ناجِحَة، ها... ها هو يَدوسُ المَنحوسَة، يا لَلهَول... قَضَتِ المَنحوسَة؛ ألَم أَقُلْ لكما... حِساباتي لا تُخطِئُ أبدًا.
... وتوقَّفَ الحيوانُ لطَرد ذُبابةٍ حامَتْ حولَ ذَنَبِه، وبَدَّلَ اتِّجاهَ سَيره لتُصبحَ خطوتُه التَّاليةُ قاضِيَةً على الشَّقيقة-العالِمَة التي لم يُفِدْها عِلمُها، هنا، في شَيء.
ألشَّقيقةُ-الفيلسوفَةُ وشَقيقتُها الحالِمَة
فيلسوفَة: ألحياةُ، ما الحياة؟ والمَوتُ، ما المَوت؟ إنَّما الحياةُ...
حالِمَة: بِرَبِّكِ، فيلسوفَةُ، بِرَبِّكِ لا تُمارسي هوايتَك الصُّبْحمَسائيَّة، لا بل وما بَعدَ الظُّهريَّة، عليّ. أَرجوكِ، دَعيني أُبحِرْ، دَعيني أَطِرْ، اِسمَحي لي أن أَحلُم... أَرجوكِ...
حِكمَة (متَدَخِلَةً كعادتها): لا بلِ اسمَحا لي...
مَحبَّة (مُقاطِعَةً حِكمة): ألحِكمَة، لِنَقِفْ ونَسمَعْ...
حِكمَة (مُقاطِعَةً محبَّةَ بدورها، ومحاوِلَةً ادِّعاءَ اللاَّمُبالاة على الرَّغم من نبرةٍ مرتَفِعَةٍ في صوتها): لا بلِ اسمَحا لي أنْ أُعَلِّقَ على الموضوع. أنا مع الفلسفة، مع الفِكر، إذ لا حياةَ، ولا مَوتَ، من دون الفلسفة والفِكر، وأمَّا الحُلُم، وكلُّ ما يُشارُ إليه بالقلب، فَمُجَرَّدُ أوهامٍ لا نَفْعَ منها، لا، ولا منها تَطَوُّر...
مَحبَّة (مُقاطِعَةً حِكمَةَ مجدَّدًا): إنِّي لأَعجَبُ، بعد ما سَمِعْت، إنْ كانت تَسميةُ الفلسفة من كلمة حِكمَة أصلاً، ولأَتساءَل: إنْ كانتِ الحِكمَةُ مُجَرَّدَ فِكر، فما النَّفْعُ منها؟ ما نَفْعُ الحِكمَة إنْ لم تَخرِقْ قلبَ الإنسان، لا بل ما هي إلَّم تَكُنْ من قلب الإنسان، من شعوره، من حُلمه؟ فاحلُمي، شَقيقتي الحالِمَة، أَبحِري، طِيري، خُوضي غِمارَ الخَيال، وما بعدَ الخيال... فما الحياةُ سوى شعورٍ مَحسوس، وما المَوتُ سوى شعورٍ غير مَحسوس...
... وكان أنْ عَمَّ صمتٌ...
ألشقيقةُ-المُسعِفَة
مُسعِفَة: سأُجَنُّ، سأُجَنُّ بالفِعل، حِكمَةُ ومحبَّة، أرى شَقيقاتٍ لي في ضِيق، الرِّيحُ تُهدِّدُ باقتلاعهنّ، ولا أستطيعُ لهنَّ شيئًا؛ والسَّببُ أنَّنا، نحن شقيقاتِ النُّعمان، ليس في مَقدورنا الحَراك. كلُّ ما نَقدُرُ عليه هو التَّمايُل، وبفِعل الرِّيح أيضًا، وفَضلِها. سأُجَنُّ، شَقيقتَاي... سأُجَنّ...
محبَّة: أفهمُكِ تمامًا، عزيزتي، لا بل أشعرُ أحيانًا كثيرةً بمِثل ما تَشعرين به من رغبةٍ في مساعدة الشَّقيقات المُعَرَّضات للاقتِلاع عندَ السَّفح العاصِف، وعجزٍ عن تنفيذ ما أَرغَبُه.
حِكمَة: مَهلَكما، عزيزتَيَّ، وحِلمَكما، لا جُزءَ كاملاً في هذا الكَون، وإنَّما أجزاءٌ تتكاملُ على نحوٍ أو على آخَر: فلا الإنسانُ يَطير، ولا الطَّيرُ يَنظِمُ شِعرًا؛ وكما أنَّ النَّباتَ قد يَتَمَدَّد، ولكنَّه لا يَسير، كذلك الرِّيحُ، تُحَسُّ، ولا تُرى. شعورُكما طَيِّب، ولكن، هل مِن حِيلة؟ لِنَتْرُكِ الرِّيحَ تمارسُ عملَها، فإمَّا تَشتَدُّ فتقتَلِعُ الشَّقيقاتِ المُهدَّدات، وإمَّا تهدأُ فتَسلَمن!
ألشَّقيقةُ-العَذراء
عَذراء: نَذَرتُ نَفسي أنْ لا ذَكَرَ، أنْ لا اتِّصالَ مع ذَكَر، أنْ عَذراءَ أَبقى، أنْ مُكَرَّسَةً للسَّماء أَبقى...
حِكمَة: ولكن، عَذراءُ، نحن الشَّقيقاتُ ثابِتاتٌ بجُذورنا، وإنْ حصلَ أنِ احتَكَّ بعضُنا مع البَعض الآخَر، فَعَرَضًا مع عَصْف الرِّيح، وغَصْبًا. ثمَّ إنَّا نتلاقَحُ أو نُلَقِّحُ أنفُسَنا، فأين نحن من العُذريَّة؟!
محبَّة: وهلِ العُذريَّة، حِكمَةُ وعَذراء، في الجَسَد أم في النَّفس؟ أَتكونُ في استخدام جَسَدٍ وُهِبناهُ طبيعيًّا، وفي حبٍّ صادِق، لِلَذَّةٍ و/أو لِتَكاثُر، أم في إطلاق ألسِنَةٍ مُنحَطَّةٍ بعضُنا ضدَّ البعض الآخَر، ومن أجل الهَدم؟ ما بالُنا، نحن مَعشَرَ النَّبات، نُقَلِّدُ الإنسانَ بَدَلَ أنْ يُقَلِّدَنا... ما بالُنا...
حِكمَة: يَكفي، محبَّةُ، يَكفي!
ألشَّقيقةُ-المُزَيِّنَة
حِكمَة: تأمَّلي شقيقتَنا عند قبر ذاك الإنسان الرَّاقِد؛ تأمَّليها عند قبر ذاك المَجهول الَّذي ربَّما ماتَ قَتلاً، أو قَضى قَهرًا، أو جوعًا... وقد يكونُ قاتِلاً أُعدِم، لستُ أدري... تأمَّليها كَم حياتُها تافِهَةٌ إذ تُضَيِّعُها في اللاَّشَيء، ولِلاَّشَيء.
مَحبَّة: ولِمَ لا تَفترضين أنَّ قبرَ هذا المَجهول مَجهولٌ أيضًا، لا يزورُه أحد. قد يكونُ قبرَ مُجَرَّد عابِر سَبيل، أو قبرَ طِفلٍ لَطالما عامَلَ الزُّهورَ في رِفق، وسَقاها في زَمن العَطَش. إنَّ شقيقتَنا تُزَيِّنُ ذكرى إنسان، أيِّ إنسان، وهي تأنَسُ به وإليه. إنَّها لَشقيقةٌ عامِلَةٌ فيما نحن شقيقتان مُنَظِّرتان، أقربُ ما نكونُ إلى التَّفاهة...
حِكمَة: أَخفِضي صوتَك، مَحبَّةُ، لا بل أَقولُ اصمُتي...
ألشَّقيقةُ-المَرذولَة
مَحبَّة: مَرذولَةٌ هي شقيقتُنا الَّتي، من حُفْنَة تُرابٍ في شَقِّ صَخر، تَقوم. بعيدةٌ هي عن سائِر شَقيقاتِها في السَّفح الشَّرقيِّ لِلتَّلَّة الخضراء، مَرذولَة، ولا ذَنبَ لها في ما هي عليه... أُشفِقُ عليها... مِسكينةٌ هي...
حِكمَة: وما أَدراكِ أنْ مِسكينةٌ هي؟ هَهْ، ما أَدراكِ؟ قد تكونُ سعيدةً وَحدَها، مُرتاحَةً من مُجتَمع الشَّقيقات وكلامهنّ، مُسَلِّيًا كانَ أم مُبكِيًا، طَيِّبًا كانَ أم مُبتَذَلاً. وقد تكونُ ممَّن لا يَتركون جُذورَهم، لا يستبدِلُونها بشَيءٍ في هذا العالَم. وقد تكونُ ناسِكَةً في حُفْنَة التُّراب تلك، في شَقِّ الصَّخر ذاك، على السَّفح الشَّرقيِّ لتَلَّتنا الخضراء، قريبةً أكثَر، بِحَسَبها، من باري الأكوان...
محبَّة: أَقنَعتِني، حِكمَةُ، أَقنَعتِني... تبارَكَ ربُّ الأكوان في ما خَلَق!
ألشَّقيقتان-المُتَخاصِمتان والشَّقيقةُ-القاضِيَة
حِكمَة: قُومي مَحبَّةُ، أَفيقي من سُباتِك، اِسمَعي جِدالَ اليَوم وكلِّ يَوم، لا بلِ اسمَعي ما تنطِقُ به الشَّقيقةُ-القاضِيَةُ في خلاف الشَّقيقتَين-المُتَخاصِمتَين.
مَحبَّة: أُفٍّ منكِ، حِكمَةُ، وألفُ أُفّ! كَم من مرَّةٍ أيقَظتِني لِتُسمِعيني مُشكلةَ المَشاكل التي لا حَلَّ لها؟!
حِكمَة: وأين محبَّتُكِ من مِشاكل الشَّقيقات، هَهْ؟!
مَحبَّة: حَسنًا، أَعيريني صَمتَكِ، ولْنُنْصِتْ...
مُتَخاصِمَةٌ أولى: ... وكما سَبَقَ وقُلتُ لكِ، شَقيقتي-القاضِيَة...
مُتَخاصِمَةٌ ثانية: ... لا بَل وكما سَبَقَ وقُلتُ لكِ أنا، شَقيقتي-القاضِيَة...
مُتَخاصِمَةٌ أولى: ... لا تُقاطِعيني أيَّتها ال...
مُتَخاصِمَةٌ ثانية: ... لا بَل لا تُقاطعيني أنتِ، يا ابنةَ ال...
ألقاضِيَة: إنِ استمرّتْ كلٌّ منكما في مقاطعة الأخرى، وفي مُقاطعتي، سأَتركُكما لمَصيركما ولن...
مُتَخاصِمَةٌ أولى: هي المَسؤولة...
مُتَخاصِمَةٌ ثانية: ... لا بَل هي المَسؤولَة...
مُتَخاصِمَةٌ أولى: هي التي بَدَأَت...
مُتَخاصِمَةٌ ثانية: ... لا بَل هي التي بَدَأَت...
ألقاضِيَة: دُمتُما في سَلام...
مُتَخاصِمَةٌ أولى: أنتِ جَعَلتِها تَذهَب...
مُتَخاصِمَةٌ ثانية: ... لا بَل أنتِ مَن تَسَبَّبَ في ذهابها...
محبَّة: أَسَمِعْتِ، أَرأيْتِ، أَفهمْتِ، أَلَم أَقُلْ لكِ؟ أُفٍّ منكِ، حِكمَةُ، وألفُ أُفّ! كَم من مرَّةٍ أيقَظتِني لِتُسمِعيني مُشكلةَ المَشاكل التي لا حلَّ لها؟!
حِكمَة: عُذرًا، محبَّةُ، ولكن، أين محبَّتُكِ من مِشاكل الشَّقيقات؟!...
ألشقيقةُ-الحَسَد، ومحاميَتُها، الشَّقيقةُ-الكَذِب
حِكمَة: إِسمَعيها تتكلَّم، مَحبَّةُ، إنَّها لا تَنِي تَتكلَّم، تَتكلَّمُ على الشَّقائق، في ما يَحُقُّ لها الكلامُ فيه، ولاسيَّما في ما لا يحقّ؛ في ما هو صحيحٌ، ولاسيَّما في ما هو غيرُ صحيح. إنَّها آلةُ حَسَدٍ لا تَتعَب، وإنْ هي تَعِبَتْ، سانَدَتْها مُحاميتُها، الشَّقيقةُ-الكَذِب...
مَحبَّة: وأنتِ، ألا تَتعَبين، حِكمَةُ، من إبداء الرَّأي في الآخَرين؟
حِكمَة: إِلامَ تُلمِحين، مَحبَّة؟ أَتُقارِنين الحِكمَةَ بالحَسََد، ومُحاميتِها الكَذِب؟
مَحبَّة: مَعاذَ الله، عزيزتي، أَكمِلي.
حِكمَة: إنَّها، لِحَسَدها، وهو غيرُ مُبَرَّرٍ بالإجمال، تَختلِقُ الأمورَ، تَتَخيَّلُها؛ تُطلِقُ الأكاذيبَ، تُصَدِّقُها، تُدافِعُ عنها، لا بل تَظُنُّ أنَّ الجميعَ يَكذِبُ مثلَها؛ وقد تَناسَتْ ما نأخُذُ به، نحن الشَّقائق، من أقوال حكماء بَني البَشَر، وأنبيائِهم، وكتبهم المُقَدَّسَة، مِن مِثل: "إذا رأيتَ مثلُ الشَّمس فاشهَد"، و"شَفَتا الزُّور قبيحتان عند الرَّبّ، والعامِلون بالصِّدق رضاه"، و"مَن ظَنَّ أنَّه مُتَدَيِّنٌ ولم يلجُمْ لسانَه، بل خدعَه قلبُه، كان تديُّنُه باطلاً"...
محبَّة: ... وأُضيفُ، عزيزتي، أنَّ "الإنسانَ الطَّيِّب، من الكنز الطَّيِّب في قلبه، يخرُجُ ما هو طيِّب، والإنسانُ الخبيث، من كنزِه الخبيث، يخرجُ ما هو خبيث"؛ ولكن، أتَظُنِّين أنَّ الكاذِبَ لا يُكشَفُ يومًا؟ ثمَّ، أَليس الصَّادِقون هم الغالِبون؟
حِكمَة: أَدهَشْتِني بمعرفتِك، وحِكمَتِك، مَحبَّةُ، وعليَّ أنْ أعترفَ لك أنْ صَدَقَ مَن قالَ في الحَسَد والحاسِدين: "قُلْ أعوذُ بربِّ الفلَق... من شرِّ حاسدٍ إذا حسَد"، وفي العَدلِ والعادِلين: "وإنْ قلتُم فاعدِلوا، ولو كان ذا قُربى"، وفي الصَّبر والغفران: "إنَّ مَن صبرَ وغفرَ لَمِن عَزم الأمور".
شَقيقَتا النُّعمان
مَحبَّة: هلِ انتبَهتِ، شقيقتي الحِكمَة، إلى أنَّ العُمرَ، عُمرَنا نحن، وهو قصير، يكادُ يَنتهي، ولم نقُم، بَعدُ، بأيِّ عملٍ مُفيدٍ سوى التَّحاورِ والكلامِ على الشَّقيقات، ومعهنَّ، فنَنصَحُ هذه، ونُصَحِّحُ مَسارَ تلك، وكأنَّ ثمَّةَ مَن وَكَلَ إلينا أمرَهنّ. باللهِ عليكِ، أَجيبيني: مَن وَكَّلَنا لِتَفنيد تصرُّفات الشَّقائق، مَن أعطانا الحقَّ في الحُكم على مَثيلاتِنا، هيَّا بنا نفعلُ شيئًا صائِبًا ومُفيدًا.
حِكمَة: أَقنَعتِني، مع أنِّي قلَّما أَقتنعُ من الغَير. ماذا تَقتَرحين؟
مَحبَّة: سآخذُ دورَك هذه المرَّة، حِكمَة. ألَسنا جُزءًا من كلّ؟
حِكمَة: بَلى.
محبَّة: وهلِ الكَمالُ، أو قولي السَّعيُ للكَمال، بالحِكمَة والمَحبَّة فقط، أم بهما وبغَيرهما من الفَضائل، وحتَّى بمُتَضادَّات الفَضائل؟
حِكمَة: بل بهما وبغَيرهما، كما قُلتِ، وحتَّى بمُتَضادَّات الفَضائل... فلا مَحبَّةَ من دون كُرْه، ولا حِكمَةَ من دون جَهل، وهكذا... فالثُّنائيَّاتُ تَتَحَكَّمُ في الوجود، وربَّما تتعدَّاهُ إلى العَدَم... أَفصِحي، مَحبَّةُ، ماذا تَنوين؟
محبَّة: أَتقبَلين زواجي؟
حِكمَة: لَطالما أحبَبتُك، مَحبَّة. ثمَّ، عِلميًّا، وعلى العكس من القاعدة بعامَّةٍ، لا ثنائيَّةَ بين الشَّقائق: فالشَّقيقةُ، كلُّ شقيقة، ذكرٌ وأنثى، وبإمكاننا، بالتَّالي، التَّكاثرُ ذاتيًّا، كما واحدتُنا مع الأخرى، أو مع الغَير. فَلْنَقُمْ بذلك، أنا وأنتِ، ولْنَتَزَوَّجْ! لِتَتَفاعَلْ واحدتُنا مع الأخرى، ولِمَ لا، مع الآخرين، مع الطَّبيعة.
مَحبَّة: فَلْنَتَزَوَّجْ عن جميع الشَّقائق، لا بل لْنَتَزَوَّجهنَّ جميعًا، وَلْنَسْعَ لإلادَة الشَّقيقة-الإنسان.
حِكمَة: أَعطيتُكِ نَفسي بكلِّ حِكمَة.
مَحبَّة: وأنا أُعطِيكِيها بكلِّ مَحبَّة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.