إيران تبدأ هجوماً صاروخياً جديداً على إسرائيل    تصعيد غير مسبوق .. إيران تهدد شريان النفط العالمي!    ريال مدريد بعشرة لاعبين يُسقط باتشوكا في مونديال الأندية    استعمال "Taser" لتوقيف مبحوث عنه هدد المواطنين بسلاح أبيض في سلا    بركان تواجه آسفي في نهائي الكأس    رغم الإقصاء من كأس العالم للأندية .. الوداد يتمسك بأول فوز في المسابقة    إيران تتحدى الضربات الأمريكية: مخزون اليورانيوم والإرادة السياسية ما زالا في مأمن    إجهاض محاولة للتهريب الدولي للمخدرات وحجز 92 كيلوغراما و 900 غرام من مخدر الكوكايين    البرلمان الإيراني يقرر إغلاق مضيق هرمز    الجزائر.. ارتفاع ضحايا حادث انهيار مدرج ملعب 5 جويلية إلى 3 وفيات    على هامش المؤتمر السادس للاتحاد العام للفلاحين بالمغرب..    منظمة التعاون الإسلامي تسلط الضوء على جهود الملك محمد السادس لفائدة القارة الإفريقية    توقيف المتهم في حادثة دهس الطفلة غيثة.. والمحاكمة تنطلق يوم غد الإثنين    البطالة تخنق شباب الحسيمة وفندق "راديسون" يستقدم يد عاملة من خارج الإقليم    المغرب يواجه واقع المناخ القاسي.. 2024 العام الأكثر حرارة وجفافا في تاريخ المملكة    عدد قتلى تفجير كنيسة يرتفع بدمشق        الأبواق الجزائرية تطلق كذبة جديدة        المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي يعلن عن مباراة ولوج موسمه الجامعي الجديد 2025-2026    إدارة مهرجان تكشف أسباب تأجيل "أيام وزان السينمائية"    منظمة التعاون الإسلامي تبرز جهود صاحب الجلالة لفائدة القارة الإفريقية    تجدد المطالب للدولة بالخروج من صمتها إزاء "العربدة" الصهيونية وإسقاط التطبيع    بورصة البيضاء .. أهم نقاط ملخص الأداء الأسبوعي    موجة الحر في المغرب تثير تحذيرات طبية من التعرض لمضاعفات خطيرة    مهرجان مشرع بلقصيري الوطني 16 للقصة القصيرة (دورة أبو يوسف طه)    الكلام عن الشعر بالشعر مقاربة لديوان « في معنى أن تصرخ» لفاطمة فركال    استمرار موجة الحر وأمطار رعدية مرتقبة في الريف ومناطق أخرى    تفاصيل توقيف المتورط في دهس الطفلة غيتة بشاطئ سيدي رحال    بنكيران يعلن دعمه لإيران ضد إسرائيل: "هذا موقف لوجه الله"    مجموعة بريد المغرب تصدر دفتر طوابع بريدية لصيقة تكريماً للمهن ذات المعارف العريقة    شكل جديد للوحات تسجيل السيارات المتجهة إلى الخارج    تأهب دول عربية تزامنا مع الضربة الأمريكية لإيران    جائزتان لفيلم «سامية» في مهرجان الداخلة السينمائي بالمغرب    مشروع لتشييد عدد من السدود التلية باقليم الحسيمة    دراسة تكشف وجود علاقة بين التعرض للضوء الاصطناعي ليلا والاكتئاب    الركراكي يشارك في مؤتمر للمدربين نظمه الاتحاد الملكي الإسباني لكرة القدم    مهرجان كناوة بالصويرة يختتم دورته ال26 بعروض عالمية    تراجع في كميات الأسماك المفرغة بميناء الحسيمة خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2025    التجارة تقود نشاط المقاولات الجديدة في كلميم-واد نون    في مسيرة غزة ضد العدوان..السريتي: المغاربة مع فلسطين ومع المقاومة الباسلة    البطل المغربي أيوب الخضراوي يحقق فوزه الأول في منظمة وان تشامبيونشيب لرياضة المواي طاي الاحترافية في تايلاند"    كأس العالم للأندية: دورتموند يحبط انتفاضة صن دوانز وصحوة متأخرة تنقذ إنتر    إيران تستعمل لأول مرة صاروخ "خيبر"    موجة حر تمتد إلى الأربعاء القادم بعدد من مناطق المملكة    الفوتوغرافيا المغربية تقتحم ملتقيات آرل    "ها وليدي" تقود جايلان إلى الصدارة    سعيد حجي .. اهتمامٌ متزايد يبعث فكر "رائد الصحافة الوطنية المغربية"    الرجاء يواجه ناديين أوروبيين بالصيف    لحسن السعدي: الشباب يحتلون مكانة مهمة في حزب "التجمع" وأخنوش نموذج ملهم    عضة كلب شرس ترسل فتاة في مقتبل العمر إلى قسم المستعجلات بالعرائش وسط غياب مقلق لمصل السعار    وفاة سائحة أجنبية تعيد جدل الكلاب الضالة والسعار إلى الواجهة    ضمنها الرياضة.. هذه أسرار الحصول على نوم جيد ليلا    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حياٌة أدبًا
"الثقافةُ لا تُشرى ولا تُباع" ألدَّيَّان
نشر في طنجة الأدبية يوم 01 - 07 - 2009


إنَّما الدَّيَّانُ في الإنسان،
في شُعورِه العابِقِ أنسَنَةً،
وضَميرِه المُتَطَوِّرِ وتَطَوُّرَ المَزايا الإنسانيَّة

إقتِياد
إقْتَدْتُ نَفْسي، لابِسًا العَراء، ومُكَبَّلاً بأغلال الحُرِّيَّة، خارجَ الزَّمان والمَكان، ووَسْطَ الزَّمَكان، إلى قاعَةٍ بَلَغَ حَجمُها الذَّرَّةَ، كما بَلَغَ الكَونَ، ووَصَلَ بَياضُها النَّاصِعُ حَدَّ سَواد العَتَمَة، فأَدْرَكْتُ أنِّي لا بُدَّ ماثِلٌ في حَضرَة الدَّيَّان.
وأمَّا القاعَةُ فمُغلَقَةٌ بالكامِل في ما عدا ثُغْرَةٍ تُمَثِّلُ مُتَنَفَّسًا ما، ومَفتوحَةٌ بالكامِل في ما عدا الثُّغْرَةِ نَفْسِها بحَيثُ تُمَثِّلُ بابَ سِجنٍ ما. وأمَّا الادِّعاءُ فصَوتٌ لا يُسْمَع، وأمَّا الدِّفاعُ فلِسانٌ لا يَنْطُق، وأمَّا الدَّيَّانُ ففي الثُّغْرَة.
وكانَتْ مُحاكَمَة...
مُختَصَرَتان:
إ : ألإدِّعاء - د : ألدِّفاع
تَعْريف
إ - ما اسمُكَ وشُهْرَتُك؟
د - أنا إنسانٌ ابنُ الإنسان.
إ - ما مِهنَتُك؟
د - أنا أَشْعُرُ، فأُعَبِّر.
إ - وإيمانُك؟
د - أنا إنسانٌ مُنْدَمِجٌ حَياةً ومَوْتًا.
إ - وسَعيُك؟
د - للانْعِتاق.
إ - وهَدَفُك؟
د - هَناءُ البَشَر.
ألجاحِد
إ - أَتُنْكِرُ أنَّك، لحظةَ قَرَّرْتَ الخُروجَ إلى الدُّنيا، تَسَبَّبْتَ لوالدتك بآلامٍ ما بعدَها آلام، ناهيكَ عمَّا تَسَبَّبْتَه لها من انزِعاجاتٍ قبلَ الولادة، وبِداياتِ أمراضٍ حَمَلَتْها بَقيَّةَ أيَّامها؟
د - لَسْتُ أنا مَن قَرَّرَ الخُرو...
إ - صَهْ، أَتُنْكِرُ أنَّك وُهِبْتَ الحَياةَ، فيما مُنِعَتْ عن غَيرِك، أُعْطيتَ قُوَّةَ الإدراك وسُلِّطْتَ على الكَون؟ أَتُنْكِرُ جميعَ هذا أيُّها الجاحِد؟
د - مَهْلَك... وعَفْوَك، هل أَسْتَطيعُ الإجابةَ الآن؟
إ - لا بأسَ، بَدارِ.
د - تَقولُ إنِّي أُنْكِر ما سَبَق، ولَسْتُ لأُنْكِرَه؛ ولكن، هَل أنا فِعلاً مَن قَرَّر الخُروجَ إلى هذه الدُّنيا؟ مشروعَ مَولودٍ كُنْتُ، فجاءَتِ الطَّبيعةُ الإنسانيَّةُ بما تَتَضَمَّنُه من غَريزةٍ تَجَمَعُ اللَّذَّةَ إلى الألم، وإرادةٍ فَرديَّةٍ غالِبًا ما تُسَيِّرُها العاداتُ الاجتماعيَّة، أَقولُ، جاءَتْ لِتُحَوِّلَني مَولودًا قائِمًا في زَمانٍ ومَكانٍ ومن ضِمن بيئةٍ عائليَّةٍ واجتماعيَّةٍ لا يدَ لي في اختِيارها.
أآلَمْتُ بمَجيئي والدتي؟ لا شكَّ في ذلك؛ ولكن، ألَيْسَتِ الحَياةُ تَعاقُبًا بينَ والِدةٍ ووَليد؟ ومَن قال إنِّي لَم أَتَأَلَّمْ يومَها، أو لَم أَتأَلَّمْ قَبلَها وبَعدَها؟
وتَقولُ إنِّي أَتَنَكَّرُ للحَياة الَّتي وُهِبْتُ دونَ غَيري، والكونِ الَّذي سُلِّطْتُ عليه بما أُعْطيتُ من قُوَّة الإدراك، فأنَّى لي أنْ أَتَفَوَّهَ بمِثل هذا وَليدًا؟ ومَتى سَمِعْتَني أَقولُ مثلَ هذا راشِدًا؟ ولكن، بِما أنَّك تُريدُ جَوابًا، فإلَيكَه: الحَياةُ تَهِبُ نَفسَها، وفي جَميع عناصرها، وُجودًا وعَدَمًا، فلا مِنَّةَ في ما تَقَدَّمْتَ به؛ ثمَّ إنَّ الكَونَ الَّذي سُلِّطْتُ عليه، طَوَّعْتُه بقُوَّة الإدراك الَّذي طَوَّرْت، وما زالَ، هو، يُطَوِّعُني أكثر.
وإنْ أَرَدْتَني أنْ أَشْكُرَ الحَياةَ، فلا بأسَ لإنَّها، بدورها، ستَشْكُرُني، فأنا، وهي، وُجودًا وعَدَمًا، واحِد.
ألجاني
إ - أَتُنْكِرُ أنَّك، بالِغًا، شارَكْتَ في سَرِقَة حُبيبات كَرَز، وغَشَشْتَ في امتِحان، وأَفْرَطْتَ، سِرًّا، في ممارَسَة قُدْرةٍ أُعْطيتَ لِتَسْتَمِرَّ الحَياة؟ أَتُنْكِرُ جَميعَ هذا، أيُّها الجاني؟
د - لأمرٌ صَحيحٌ أنْ أكونَ قد قُمْتُ بِما تَفَضَّلْتَ به. وأمَّا أنْ يُحَوِّلَني ذلك إلى جانٍ، فاسْمَحْ لي ببعض تَعليق.
إ - حَسَنًا، ولكن، لا تُطِلْ كما في دِفاعك السَّابِق.
د - أَشْكُرُ الادِّعاء، وأُوضِح:
عندَما شارَكْتُ في سَرِقَة الكَرَز - ولَم أُخَطِّطْ لها لِلمُناسبة، بَل دُعيت - تَمَّ القَبضُ عليَّ، فأَنْكَرْتُ فِعْلَتي، ولم أُفْشِ سِرَّ شُركائي، وأَنْقَذَني حُسنُ سيرتي من القِصاص؛ وعندما غَشَشْتُ في الامتِحان، نِلْتُ قِصاصي دونَ كَثيرين نَجَوْا منه؛ وأمَّا "إفراطي" في ما أُعْطيت، فأمرٌ شَخصيّ، ولا أَظُنُّك تَحْرِمُني، هنا، حُرِّيَّةً أُعْطيتُ هناك. ثمَّ، إنْ وَجَدْتَ في أفعالي البَسيطة جِنايَةً، فما تُراك تَقولُ في مَن جَنَوْا فِعلاً؟
ألعاشِق
إ - أَتُنْكِرُ أنَّك، في حَياتك، قد عَذَّبْتَ، بعِشْقِك أو بتَجاهُلك، كثيراتٍ ممَّن عَرَفْتَ وأَدْرَكْتَ أنَّك عَذَّبْت، وأُخرياتٍ ممَّن لم تُدْرِكْ أنَّك عَذَّبْت، أو لم تَعْرِفْ أصلاً؟
د - أَوَتُدْخِلُ العِشْقَ في لائحة اتِّهاماتك؟ أَتُحَمِّلُني وِزْرَ عَذاب العِشْق الَّذي تَسَبَّبْتُ به وتَنْسى ما عَذَّبَنيه؟ أَوَيَصِلُ بك الحِسابُ إلى مَن لم أَعْرِفْ أصلاً، وعَذَّبْتُ تَجاهُلاً؟ ثُمَّ، هَلِ العِشْقُ إلاَّ عَذاب؟ وماذا يَبْقى من العِشْق لَولا العَذاب؟
ألمُؤذي
إ - أَتُنْكِرُ أنَّك آذَيْتَ الطَّبيعةَ فاسْتَسْهَلْتَ يَومًا إلقاءَ بَقايا الأطعِمة في أحضانها عِوَضَ إلقائها في المُستَوعَبات المُخَصَّصة لها؟
أَتُنْكِرُ أنَّك رَفَضْتَ، ذات نهار، خِدمةً بسيطةً لوالدَين تَعِبا في تَنْشِئَتك؟
أَتُنْكِرُ أنَّك دَوَّخْتَ، في نهارٍ آخَر، ودونَما ذَنْبٍ من المِسكين، حَيوانًا أليفًا رُحْتَ تَجْعَلُه يَدورُ على ذاته إلى ما شِئْت؟
د - أنا أُدْرِكُ أنَّني، اللَّحظةَ، أَدْفَعُ ثمنَ ذُنوبي، وأنْ لا مَجالَ لأفعالي الطَّيِّبَة أنْ تُسَوِّيَ حِسابَها، وإلاَّ لاعْتُبِرْتُ، على الأرجَح، مَليئًا.
ولكن، أفلا تَظُنُّ أنَّه يَحُقُّ لإنسانٍ أنْ يُخطِئَ مرَّةً تجاهَ الطَّبيعة، ومرَّةً تجاهَ والدَيه؟
أفلا تَعْتَقِدُ أنَّ الخَطأَ ضَروريٌّ لإدراك الصَّواب؟
ثُمَّ، أفلا تَرى معي أنَّه يَجوزُ لفَتًى أنْ يُلاعِبَ قِطًّا؟
ألمُسْرِف
إ - أَتُنْكِرُ أنَّك أَسْرَفْتَ حِقْبَةً في مَأكَلٍ ومَشْرَب، وأَطَلْتَ سَهَرًا، فيما لم يَجِدْ جيرانٌ لك ما يَأْكُلون ويَشْرَبون، وقد أَقْلَقَتْهم سَهراتُك الصَّاخِبَة؟
د - كيفَ لي أنْ أُنْكِرَ حِقْبَةً أَسْتَرْجِعُ حتَّى في حَضرَتِك؟ كيفَ لي أنْ أُدافِعَ عن أضْراسٍ طاحِنَةٍ خَسِرْتُ، وقابِليَّةٍ للالتِهام أَضَعْت؟ كيفَ لي أنْ أُنْكِرَ سَهَرًا ما زِلْتُ أَتَمَنَّى اسْتِعادتَه؟ إنِّي أُقِرُّ وأَعْتِرِفُ بِما سَبَق. وأمَّا جيراني، فما كان تَقْتيري، أو إسرافي، لِيَنْفَعاهم بشَيء، أو سَهراتي لِتُضِرَّهم، وذلك لِمَحدوديَّة إمكاناتي ومَعدوديَّة سَهراتي.
ألخائِن
إ - أَتُنْكِرُ أنَّك خُنْتَ ناسَك عندَما، في خِضَمِّ مَعركة وُجودهم، لمْ تَحْمِلِ السِّلاح؟ أَتُنْكِرُ أنَّك شاهَدْتَ ظَليمًا، ولمْ تُقْدِمْ على نَجدَته؟ أَتُنْكِرُ أنَّك عَرَفْتَ حَقًّا وتَغاضَيْتَ عنه؟
د - وأمَّا ناسي فما خُنْتُ، بَل أَعْرَضْتُ عَمَّا كانوا، فيه، واهِمون. ويَومَ عَصَفَتِ الحَربُ، سارَعْتُ لخِدمتهم، وخِدمةِ غَيرِهم، إنسانيًّا؛ ثُمَّ جاءَتِ الأيَّامُ لتُثْبِتَ أنَّهم، وغَيرَهم، كانوا على خَطإٍ، وأنَّ الوَطنَ وَحدَه كانَ على صَواب. وأمَّا الظَّليمَ الَّذي لمْ أُنْجِدْ، والحَقَّ الَّذي تَغاضَيْتُ عنه فلِرجاحَة عَقلٍ بَلَغَتْ حَدَّ الجُبْن.
ألواضِع
إ - أَتُنْكِرُ أنَّك، في كتاباتِك الَّتي لم تَكْتَفِ بوَضْعها، بَل تَجَرَّأْتَ ونَشَرْت، تَدْعو إلى الانعِتاق ليسَ فقط في هذه الدُّنيا، بَل، أيضًا، في الآخِرة، وعن طريق الاندِماج، وكأنَّك لا تَهابُ المَوْت؟ ألَسْتَ تَجْعَلُ الإنسانَ مَثيلاً لله، لا بَل خالِقًا له على صورته ومِثاله؟ أَتُنْكِرُ أنَّه يُشْتَمُّ بينَ حُروف الانعِتاق دِينٌ جَديد؟ أَفَتُدْرِكُ خُطورةَ مِثل هذه الكِتابات، وقِصاصَها؟
د - أنْ أَكْتُبَ تَجربتي وأَنْشِرَها من أبسطِ حُقوقِ الفِكرِ المُعْتَرَفِ بها في أرض الإنسان، فهَل، يا تُرى، أَخْسَرُها بينَ يدَيِّ الدَّيَّان؟
وأمَّا الانعِتاقُ فدَعوَةٌ لمَن يَرْغَب، ويَأْتي بحَسَب حاجاتِ الرَّاغِبِ الشَّخصيَّةَ، وبالأسلوب الَّذي يَجِدُه مُناسِبًا. والانعِتاقُ حَياةً مُمكِنٌ، وإنْ بدَرَجات؛ وأمَّا مَوْتًا، عَبرَ الاندِماج، فأكيد. فكيفَ لي، إنْ هِبْتُ المَوْتَ جَهلاً، وضُعفًا جَسَديًّا، أنْ أَهابَه فِكرًا صافِيًا على الأقلّ؟
وأمَّا التَّمَثُّلُ بالله، فما اللهُ إلَّمْ يَتَمَثَّلِ الإنسانُ به؟ لا بَل ماذا يَغْدو اللهُ إلَّمْ يَتَمَثَّلِ الإنسانُ به؟
وأمَّا الدِّينُ الَّذي يُشْتَمُّ بين حُروف الانعِتاق فليسَ دِينًا بَل منحًى يَخْتَلِفُ من إنسانٍ إلى آخر.
ويَرْتَكِزُ هذا المَنحى على مَدى إدراك الإنسان الدُّنيا ونَوعيَّةِ مَفهومِه لها كما للآخِرة، من ضِمن جَوامِعَ إنسانيَّةٍ يَعْتَمِدُها البَشَر في سُلوكهم في هذه الدُّنيا، على أنْ تَتَغَيَّرَ هذه الجَوامِعُ، وتَتَطَوَّرَ، بحَسب تَغيُّر الإنسان وتَطوُّره. كما يَرْتَكِزُ هذا المَنحى على فِكرة أنَّ البَشَر، مَهما انْعَتَقوا، يَبْقَون مُسَيَّرين أحيائِيًّا، وبالتَّالي، ولَو بدَرَجَةٍ أقلّ، فِكريًّا، أكثرَ ممَّا همُ مُخَيَّرون، فيما يَبْقَى المَوْتُ، مَهما ارْتَقى البَشَرُ في دُنياهم، العدالةَ الوَحيدةَ المُتَمَثِّلَةَ في جَعْلِ آخِرتِهم، كُلِّهم، على أثَر المَوْت، واحِدة؛ إضافةً إلى أنَّ المَوْتَ هو البابُ الوَحيدُ لوُلوج المَعرفة المُطلَقَة، والحَقيقةِ الكُلِّيَّة.
ألإنعِتاقُ مَسارٌ فَرديّ، لا شعائرَ فيه، لا، ولا طُقوس، وَجَدْتُ فيه طَريقي، فتَبِعْتُه ما اسْتَطَعْت؛ وهو لا يُلْزِمُ أحدًا لأنَّه قائِمٌ على اللاَّإلزام، ولا مَجالَ للانقِسامات فيه، أو حتَّى للتَّفسيرات، فلكُلٍّ انعتاقاتُه، وبالتَّالي، تفسيراتُه للدُّنيا والآخِرة.
ألنَّبِيّ
إ - أَتُنْكِرُ قَوْلَك، في إحدى كتاباتِك: "كلُّ إنسانٍ نَبيّ، تَبْدَأُ الحَياةُ به، وتَنْتَهي"؟ ألا يُسْتَشَفُّ من قَوْلك هذا أنَّ ثمَّةَ خِلافًا بينَك وبينَ الآلهة؟
د - لا، لا مُشكلةَ لي مع الآلهة، بَل مع أنصافِها من الَّذين اختَلَقوها ووَضَعوا للبَشَر القَواعِدَ، وأولئك الَّذين يُفَسِّرون تلك القَواعد جيلاً بعدَ جيل. ولَسْتُ أَدْري لِمَ - مَتى زادَتْ سَيِّئاتُ الدِّين، تَطبيقًا، حَسناتِه، وغَدا في مَقدور قَواعد الأنسَنَة الحُلولُ مَحلَّها - أقولُ، لِمَ لا يُمْكِنُ كلَّ إنسانٍ أنْ يَكونَ نَبيًّا؟ ثمَّ، ألا تَنْتَهي الحَياةُ بالنِّسبة إلى كلِّ بَشَريٍّ بانتِهاء حَياتِه؟ فأينَ العَجَب؟ وبَعدُ، أما كانَ عليك أنْ تَفْطَنَ أيضًا لما سَبَقَ لي وكَتَبْتُه: "لا أحدَ يُدرِكُ نَفْسي كما أُدْرِكُها، وكَم أَجْهَلُ نَفْسي"؟
إنْدِماج
إِنْتَهى الادِّعاءُ من ادِّعائه، والدِّفاعُ من دفاعه، ولَمَّا يُسْمَعْ صوتُ الدَّيَّان الَّذي كانَ عليه أنْ يَلْفِظَ بحُكْمَه.
وانْبَثَقَ نورٌ مُظْلِمٌ من الثُّغرَة، المُتَنَفَّسِ والسِّجن، ودَعاني الصَّمتُ إلى التَّعَرُّف، عَبرَ الثُّغرَة، بالدَّيَّان، وسَماعِ حُكمه؛ فاقْتَرَبْتُ من غَير أنْ أَتَحَرَّك، ونَظَرْتُ، وعَينايَ مُغْمَضَتان، فإذْ مِرآةٌ ما صُنِّعَتْ يَومًا تُعَرِّفُني إلى الدَّيَّان، وتَلْفِظُ بحُكمِ ضَميرٍ إنسانيٍّ لا يَعْرِفُ سِوى كلمة: بَراءَة؛ فأَيْقَنْتُ أنَّي في حَضرَة نَفْسي، وأنَّ المُتَناقِضاتِ زالَتْ، والاندِماجَ تَمّ.
وها إنَّي أَلْتَقي الأنبياءَ والأشقياء، وأَنْدَمِجُ معهم وفيهم مع الله-المَحَبَّة وفيه، فللجَميع المَصيرُ عَينُه، وإنَّما الضَّميرُ هو الكَفيلُ بالتَّوازن الإنسانيّ، لا الرَّادِعُ المُتَنَوِّعُ الأساليب.
وها إنِّي أَعودُ إلى القُدْرة الَّتي ما بَرِحْتُ جُزءًا منها، والعَدَجودِ الَّذي ما تَرَكْتُ، لا بَل غَدَوْتُ القُدْرةَ-العَدَجودَ ذاتَه، إذْ لا جُزَيْئاتٍ بعدَ المَوْت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.