طنجة.. توقيف المتورط الرئيسي في سرقة قبعة "كوتشي" بحي بئر الشعيري    "كان فوتسال السيدات" يفرح السايح    عادل الفقير    محمد وهبي: كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة (مصر – 2025).. "أشبال الأطلس" يطموحون للذهاب بعيدا في هذا العرس الكروي    حكومة أخنوش تُطلق أكبر مراجعة للأجور والحماية الاجتماعية    الملك يهنئ أعضاء المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة للسيدات بمناسبة فوزه بكأس إفريقيا للأمم 2025    نواب بريطانيون عن الصحراء المغربية: مخطط الحكم الذاتي محفّز حقيقي للتنمية والاستقرار في المنطقة بأكملها    سيدات القاعة يفلتن من فخ تنزانيا في ليلة التتويج بلقب كأس إفريقيا    افتتاح فندق فاخر يعزز العرض السياحي بمدينة طنجة    ترامب يستقبل رئيس الوزراء الكندي    انطلاقة أشغال المركز الفيدرالي لتكوين لاعبي كرة القدم بالقصر الكبير    منتخب المغرب لأقل من 20 سنة يدخل غمار كاس افريقيا للأمم غدا بمصر    بهدف قاتل.. منتخب السيدات للفوتسال يتوج بلقب الكان في أول نسخة    زخات رعدية مصحوبة بتساقط البرد وهبات رياح قوية مرتقبة بعدد من أقاليم المملكة    جهة طنجة-تطوان-الحسيمة تتصدر تعيينات الأطباء المتخصصين لسنة 2025 ب97 منصباً جديداً    طنجة .. كرنفال مدرسي يضفي على الشوارع جمالية بديعة وألوانا بهيجة    عبد النباوي: العقوبات البديلة علامة فارقة في مسار السياسة الجنائية بالمغرب    الاستيلاء على سيارة شرطي وسرقة سلاحه الوظيفي على يد مخمورين يستنفر الأجهزة الأمنية    خبير صيني يحذر: مساعي الولايات المتحدة لإعادة الصناعات التحويلية إلى أراضيها قد تُفضي إلى نتائج عكسية    تجار السمك بالجملة بميناء الحسيمة ينددون بالتهميش ويطالبون بالتحقيق في تدبير عقارات الميناء    سلطات سوريا تلتزم بحماية الدروز    مأسسة الحوار وزيادة الأجور .. مطالب تجمع النقابات عشية "عيد الشغل"    القصر الكبير.. شرطي متقاعد يضع حداً لحياته داخل منزله    موتسيبي: اختيار لقجع قناعة راسخة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    إدريس لشكر …لا ندين بالولاء إلا للمغرب    المغرب يتلقّى دعوة لحضور القمة العربية في العراق    المغرب يواجه حالة جوية مضطربة.. زخات رعدية وهبات رياح قوية    مُدان بسنتين نافذتين.. استئنافية طنجة تؤجل محاكمة مناهض التطبيع رضوان القسطيط    الإنتاج في الصناعات التحويلية.. ارتفاع طفيف في الأسعار خلال مارس الماضي    الشخصية التاريخية: رمزية نظام    فلسفة جاك مونو بين صدفة الحرية والضرورة الطبيعية    دراسة.. الأوروبيون مستعدون للتخلي عن المنتجات الأميركية    وزارة الأوقاف تحذر من الإعلانات المضللة بشأن تأشيرات الحج    العراق ولا شيء آخر على الإطلاق    إلباييس.. المغرب زود إسبانيا ب 5 في المائة من حاجياتها في أزمة الكهرباء    مسؤول أممي: غزة في أخطر مراحل أزمتها الإنسانية والمجاعة قرار إسرائيلي    انطلاق حملة تحرير الملك العام وسط المدينة استعدادا لصيف سياحي منظم وآمن    العلاقة الإسبانية المغربية: تاريخ مشترك وتطلعات للمستقبل    الإمارات تحبط تمرير أسلحة للسودان    ندوة وطنية … الصين بعيون مغربية قراءات في نصوص رحلية مغربية معاصرة إلى الصين    رحلة فنية بين طنجة وغرناطة .. "كرسي الأندلس" يستعيد تجربة فورتوني    ابن يحيى : التوجيهات السامية لجلالة الملك تضع الأسرة في قلب الإصلاحات الوطنية    فيلم "البوز".. عمل فني ينتقد الشهرة الزائفة على "السوشل ميديا"    المغرب يروّج لفرص الاستثمار في الأقاليم الجنوبية خلال معرض "إنوفيشن زيرو" بلندن    مهرجان هوا بياو السينمائي يحتفي بروائع الشاشة الصينية ويكرّم ألمع النجوم    جسور النجاح: احتفاءً بقصص نجاح المغاربة الأمريكيين وإحياءً لمرور 247 عاماً على الصداقة المغربية الأمريكية    مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تمنح جائزة عبد الرحمن الصديقي الدكالي للقدس    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حياٌة أدبًا
"الثقافةُ لا تُشرى ولا تُباع" ألدَّيَّان
نشر في طنجة الأدبية يوم 01 - 07 - 2009


إنَّما الدَّيَّانُ في الإنسان،
في شُعورِه العابِقِ أنسَنَةً،
وضَميرِه المُتَطَوِّرِ وتَطَوُّرَ المَزايا الإنسانيَّة

إقتِياد
إقْتَدْتُ نَفْسي، لابِسًا العَراء، ومُكَبَّلاً بأغلال الحُرِّيَّة، خارجَ الزَّمان والمَكان، ووَسْطَ الزَّمَكان، إلى قاعَةٍ بَلَغَ حَجمُها الذَّرَّةَ، كما بَلَغَ الكَونَ، ووَصَلَ بَياضُها النَّاصِعُ حَدَّ سَواد العَتَمَة، فأَدْرَكْتُ أنِّي لا بُدَّ ماثِلٌ في حَضرَة الدَّيَّان.
وأمَّا القاعَةُ فمُغلَقَةٌ بالكامِل في ما عدا ثُغْرَةٍ تُمَثِّلُ مُتَنَفَّسًا ما، ومَفتوحَةٌ بالكامِل في ما عدا الثُّغْرَةِ نَفْسِها بحَيثُ تُمَثِّلُ بابَ سِجنٍ ما. وأمَّا الادِّعاءُ فصَوتٌ لا يُسْمَع، وأمَّا الدِّفاعُ فلِسانٌ لا يَنْطُق، وأمَّا الدَّيَّانُ ففي الثُّغْرَة.
وكانَتْ مُحاكَمَة...
مُختَصَرَتان:
إ : ألإدِّعاء - د : ألدِّفاع
تَعْريف
إ - ما اسمُكَ وشُهْرَتُك؟
د - أنا إنسانٌ ابنُ الإنسان.
إ - ما مِهنَتُك؟
د - أنا أَشْعُرُ، فأُعَبِّر.
إ - وإيمانُك؟
د - أنا إنسانٌ مُنْدَمِجٌ حَياةً ومَوْتًا.
إ - وسَعيُك؟
د - للانْعِتاق.
إ - وهَدَفُك؟
د - هَناءُ البَشَر.
ألجاحِد
إ - أَتُنْكِرُ أنَّك، لحظةَ قَرَّرْتَ الخُروجَ إلى الدُّنيا، تَسَبَّبْتَ لوالدتك بآلامٍ ما بعدَها آلام، ناهيكَ عمَّا تَسَبَّبْتَه لها من انزِعاجاتٍ قبلَ الولادة، وبِداياتِ أمراضٍ حَمَلَتْها بَقيَّةَ أيَّامها؟
د - لَسْتُ أنا مَن قَرَّرَ الخُرو...
إ - صَهْ، أَتُنْكِرُ أنَّك وُهِبْتَ الحَياةَ، فيما مُنِعَتْ عن غَيرِك، أُعْطيتَ قُوَّةَ الإدراك وسُلِّطْتَ على الكَون؟ أَتُنْكِرُ جميعَ هذا أيُّها الجاحِد؟
د - مَهْلَك... وعَفْوَك، هل أَسْتَطيعُ الإجابةَ الآن؟
إ - لا بأسَ، بَدارِ.
د - تَقولُ إنِّي أُنْكِر ما سَبَق، ولَسْتُ لأُنْكِرَه؛ ولكن، هَل أنا فِعلاً مَن قَرَّر الخُروجَ إلى هذه الدُّنيا؟ مشروعَ مَولودٍ كُنْتُ، فجاءَتِ الطَّبيعةُ الإنسانيَّةُ بما تَتَضَمَّنُه من غَريزةٍ تَجَمَعُ اللَّذَّةَ إلى الألم، وإرادةٍ فَرديَّةٍ غالِبًا ما تُسَيِّرُها العاداتُ الاجتماعيَّة، أَقولُ، جاءَتْ لِتُحَوِّلَني مَولودًا قائِمًا في زَمانٍ ومَكانٍ ومن ضِمن بيئةٍ عائليَّةٍ واجتماعيَّةٍ لا يدَ لي في اختِيارها.
أآلَمْتُ بمَجيئي والدتي؟ لا شكَّ في ذلك؛ ولكن، ألَيْسَتِ الحَياةُ تَعاقُبًا بينَ والِدةٍ ووَليد؟ ومَن قال إنِّي لَم أَتَأَلَّمْ يومَها، أو لَم أَتأَلَّمْ قَبلَها وبَعدَها؟
وتَقولُ إنِّي أَتَنَكَّرُ للحَياة الَّتي وُهِبْتُ دونَ غَيري، والكونِ الَّذي سُلِّطْتُ عليه بما أُعْطيتُ من قُوَّة الإدراك، فأنَّى لي أنْ أَتَفَوَّهَ بمِثل هذا وَليدًا؟ ومَتى سَمِعْتَني أَقولُ مثلَ هذا راشِدًا؟ ولكن، بِما أنَّك تُريدُ جَوابًا، فإلَيكَه: الحَياةُ تَهِبُ نَفسَها، وفي جَميع عناصرها، وُجودًا وعَدَمًا، فلا مِنَّةَ في ما تَقَدَّمْتَ به؛ ثمَّ إنَّ الكَونَ الَّذي سُلِّطْتُ عليه، طَوَّعْتُه بقُوَّة الإدراك الَّذي طَوَّرْت، وما زالَ، هو، يُطَوِّعُني أكثر.
وإنْ أَرَدْتَني أنْ أَشْكُرَ الحَياةَ، فلا بأسَ لإنَّها، بدورها، ستَشْكُرُني، فأنا، وهي، وُجودًا وعَدَمًا، واحِد.
ألجاني
إ - أَتُنْكِرُ أنَّك، بالِغًا، شارَكْتَ في سَرِقَة حُبيبات كَرَز، وغَشَشْتَ في امتِحان، وأَفْرَطْتَ، سِرًّا، في ممارَسَة قُدْرةٍ أُعْطيتَ لِتَسْتَمِرَّ الحَياة؟ أَتُنْكِرُ جَميعَ هذا، أيُّها الجاني؟
د - لأمرٌ صَحيحٌ أنْ أكونَ قد قُمْتُ بِما تَفَضَّلْتَ به. وأمَّا أنْ يُحَوِّلَني ذلك إلى جانٍ، فاسْمَحْ لي ببعض تَعليق.
إ - حَسَنًا، ولكن، لا تُطِلْ كما في دِفاعك السَّابِق.
د - أَشْكُرُ الادِّعاء، وأُوضِح:
عندَما شارَكْتُ في سَرِقَة الكَرَز - ولَم أُخَطِّطْ لها لِلمُناسبة، بَل دُعيت - تَمَّ القَبضُ عليَّ، فأَنْكَرْتُ فِعْلَتي، ولم أُفْشِ سِرَّ شُركائي، وأَنْقَذَني حُسنُ سيرتي من القِصاص؛ وعندما غَشَشْتُ في الامتِحان، نِلْتُ قِصاصي دونَ كَثيرين نَجَوْا منه؛ وأمَّا "إفراطي" في ما أُعْطيت، فأمرٌ شَخصيّ، ولا أَظُنُّك تَحْرِمُني، هنا، حُرِّيَّةً أُعْطيتُ هناك. ثمَّ، إنْ وَجَدْتَ في أفعالي البَسيطة جِنايَةً، فما تُراك تَقولُ في مَن جَنَوْا فِعلاً؟
ألعاشِق
إ - أَتُنْكِرُ أنَّك، في حَياتك، قد عَذَّبْتَ، بعِشْقِك أو بتَجاهُلك، كثيراتٍ ممَّن عَرَفْتَ وأَدْرَكْتَ أنَّك عَذَّبْت، وأُخرياتٍ ممَّن لم تُدْرِكْ أنَّك عَذَّبْت، أو لم تَعْرِفْ أصلاً؟
د - أَوَتُدْخِلُ العِشْقَ في لائحة اتِّهاماتك؟ أَتُحَمِّلُني وِزْرَ عَذاب العِشْق الَّذي تَسَبَّبْتُ به وتَنْسى ما عَذَّبَنيه؟ أَوَيَصِلُ بك الحِسابُ إلى مَن لم أَعْرِفْ أصلاً، وعَذَّبْتُ تَجاهُلاً؟ ثُمَّ، هَلِ العِشْقُ إلاَّ عَذاب؟ وماذا يَبْقى من العِشْق لَولا العَذاب؟
ألمُؤذي
إ - أَتُنْكِرُ أنَّك آذَيْتَ الطَّبيعةَ فاسْتَسْهَلْتَ يَومًا إلقاءَ بَقايا الأطعِمة في أحضانها عِوَضَ إلقائها في المُستَوعَبات المُخَصَّصة لها؟
أَتُنْكِرُ أنَّك رَفَضْتَ، ذات نهار، خِدمةً بسيطةً لوالدَين تَعِبا في تَنْشِئَتك؟
أَتُنْكِرُ أنَّك دَوَّخْتَ، في نهارٍ آخَر، ودونَما ذَنْبٍ من المِسكين، حَيوانًا أليفًا رُحْتَ تَجْعَلُه يَدورُ على ذاته إلى ما شِئْت؟
د - أنا أُدْرِكُ أنَّني، اللَّحظةَ، أَدْفَعُ ثمنَ ذُنوبي، وأنْ لا مَجالَ لأفعالي الطَّيِّبَة أنْ تُسَوِّيَ حِسابَها، وإلاَّ لاعْتُبِرْتُ، على الأرجَح، مَليئًا.
ولكن، أفلا تَظُنُّ أنَّه يَحُقُّ لإنسانٍ أنْ يُخطِئَ مرَّةً تجاهَ الطَّبيعة، ومرَّةً تجاهَ والدَيه؟
أفلا تَعْتَقِدُ أنَّ الخَطأَ ضَروريٌّ لإدراك الصَّواب؟
ثُمَّ، أفلا تَرى معي أنَّه يَجوزُ لفَتًى أنْ يُلاعِبَ قِطًّا؟
ألمُسْرِف
إ - أَتُنْكِرُ أنَّك أَسْرَفْتَ حِقْبَةً في مَأكَلٍ ومَشْرَب، وأَطَلْتَ سَهَرًا، فيما لم يَجِدْ جيرانٌ لك ما يَأْكُلون ويَشْرَبون، وقد أَقْلَقَتْهم سَهراتُك الصَّاخِبَة؟
د - كيفَ لي أنْ أُنْكِرَ حِقْبَةً أَسْتَرْجِعُ حتَّى في حَضرَتِك؟ كيفَ لي أنْ أُدافِعَ عن أضْراسٍ طاحِنَةٍ خَسِرْتُ، وقابِليَّةٍ للالتِهام أَضَعْت؟ كيفَ لي أنْ أُنْكِرَ سَهَرًا ما زِلْتُ أَتَمَنَّى اسْتِعادتَه؟ إنِّي أُقِرُّ وأَعْتِرِفُ بِما سَبَق. وأمَّا جيراني، فما كان تَقْتيري، أو إسرافي، لِيَنْفَعاهم بشَيء، أو سَهراتي لِتُضِرَّهم، وذلك لِمَحدوديَّة إمكاناتي ومَعدوديَّة سَهراتي.
ألخائِن
إ - أَتُنْكِرُ أنَّك خُنْتَ ناسَك عندَما، في خِضَمِّ مَعركة وُجودهم، لمْ تَحْمِلِ السِّلاح؟ أَتُنْكِرُ أنَّك شاهَدْتَ ظَليمًا، ولمْ تُقْدِمْ على نَجدَته؟ أَتُنْكِرُ أنَّك عَرَفْتَ حَقًّا وتَغاضَيْتَ عنه؟
د - وأمَّا ناسي فما خُنْتُ، بَل أَعْرَضْتُ عَمَّا كانوا، فيه، واهِمون. ويَومَ عَصَفَتِ الحَربُ، سارَعْتُ لخِدمتهم، وخِدمةِ غَيرِهم، إنسانيًّا؛ ثُمَّ جاءَتِ الأيَّامُ لتُثْبِتَ أنَّهم، وغَيرَهم، كانوا على خَطإٍ، وأنَّ الوَطنَ وَحدَه كانَ على صَواب. وأمَّا الظَّليمَ الَّذي لمْ أُنْجِدْ، والحَقَّ الَّذي تَغاضَيْتُ عنه فلِرجاحَة عَقلٍ بَلَغَتْ حَدَّ الجُبْن.
ألواضِع
إ - أَتُنْكِرُ أنَّك، في كتاباتِك الَّتي لم تَكْتَفِ بوَضْعها، بَل تَجَرَّأْتَ ونَشَرْت، تَدْعو إلى الانعِتاق ليسَ فقط في هذه الدُّنيا، بَل، أيضًا، في الآخِرة، وعن طريق الاندِماج، وكأنَّك لا تَهابُ المَوْت؟ ألَسْتَ تَجْعَلُ الإنسانَ مَثيلاً لله، لا بَل خالِقًا له على صورته ومِثاله؟ أَتُنْكِرُ أنَّه يُشْتَمُّ بينَ حُروف الانعِتاق دِينٌ جَديد؟ أَفَتُدْرِكُ خُطورةَ مِثل هذه الكِتابات، وقِصاصَها؟
د - أنْ أَكْتُبَ تَجربتي وأَنْشِرَها من أبسطِ حُقوقِ الفِكرِ المُعْتَرَفِ بها في أرض الإنسان، فهَل، يا تُرى، أَخْسَرُها بينَ يدَيِّ الدَّيَّان؟
وأمَّا الانعِتاقُ فدَعوَةٌ لمَن يَرْغَب، ويَأْتي بحَسَب حاجاتِ الرَّاغِبِ الشَّخصيَّةَ، وبالأسلوب الَّذي يَجِدُه مُناسِبًا. والانعِتاقُ حَياةً مُمكِنٌ، وإنْ بدَرَجات؛ وأمَّا مَوْتًا، عَبرَ الاندِماج، فأكيد. فكيفَ لي، إنْ هِبْتُ المَوْتَ جَهلاً، وضُعفًا جَسَديًّا، أنْ أَهابَه فِكرًا صافِيًا على الأقلّ؟
وأمَّا التَّمَثُّلُ بالله، فما اللهُ إلَّمْ يَتَمَثَّلِ الإنسانُ به؟ لا بَل ماذا يَغْدو اللهُ إلَّمْ يَتَمَثَّلِ الإنسانُ به؟
وأمَّا الدِّينُ الَّذي يُشْتَمُّ بين حُروف الانعِتاق فليسَ دِينًا بَل منحًى يَخْتَلِفُ من إنسانٍ إلى آخر.
ويَرْتَكِزُ هذا المَنحى على مَدى إدراك الإنسان الدُّنيا ونَوعيَّةِ مَفهومِه لها كما للآخِرة، من ضِمن جَوامِعَ إنسانيَّةٍ يَعْتَمِدُها البَشَر في سُلوكهم في هذه الدُّنيا، على أنْ تَتَغَيَّرَ هذه الجَوامِعُ، وتَتَطَوَّرَ، بحَسب تَغيُّر الإنسان وتَطوُّره. كما يَرْتَكِزُ هذا المَنحى على فِكرة أنَّ البَشَر، مَهما انْعَتَقوا، يَبْقَون مُسَيَّرين أحيائِيًّا، وبالتَّالي، ولَو بدَرَجَةٍ أقلّ، فِكريًّا، أكثرَ ممَّا همُ مُخَيَّرون، فيما يَبْقَى المَوْتُ، مَهما ارْتَقى البَشَرُ في دُنياهم، العدالةَ الوَحيدةَ المُتَمَثِّلَةَ في جَعْلِ آخِرتِهم، كُلِّهم، على أثَر المَوْت، واحِدة؛ إضافةً إلى أنَّ المَوْتَ هو البابُ الوَحيدُ لوُلوج المَعرفة المُطلَقَة، والحَقيقةِ الكُلِّيَّة.
ألإنعِتاقُ مَسارٌ فَرديّ، لا شعائرَ فيه، لا، ولا طُقوس، وَجَدْتُ فيه طَريقي، فتَبِعْتُه ما اسْتَطَعْت؛ وهو لا يُلْزِمُ أحدًا لأنَّه قائِمٌ على اللاَّإلزام، ولا مَجالَ للانقِسامات فيه، أو حتَّى للتَّفسيرات، فلكُلٍّ انعتاقاتُه، وبالتَّالي، تفسيراتُه للدُّنيا والآخِرة.
ألنَّبِيّ
إ - أَتُنْكِرُ قَوْلَك، في إحدى كتاباتِك: "كلُّ إنسانٍ نَبيّ، تَبْدَأُ الحَياةُ به، وتَنْتَهي"؟ ألا يُسْتَشَفُّ من قَوْلك هذا أنَّ ثمَّةَ خِلافًا بينَك وبينَ الآلهة؟
د - لا، لا مُشكلةَ لي مع الآلهة، بَل مع أنصافِها من الَّذين اختَلَقوها ووَضَعوا للبَشَر القَواعِدَ، وأولئك الَّذين يُفَسِّرون تلك القَواعد جيلاً بعدَ جيل. ولَسْتُ أَدْري لِمَ - مَتى زادَتْ سَيِّئاتُ الدِّين، تَطبيقًا، حَسناتِه، وغَدا في مَقدور قَواعد الأنسَنَة الحُلولُ مَحلَّها - أقولُ، لِمَ لا يُمْكِنُ كلَّ إنسانٍ أنْ يَكونَ نَبيًّا؟ ثمَّ، ألا تَنْتَهي الحَياةُ بالنِّسبة إلى كلِّ بَشَريٍّ بانتِهاء حَياتِه؟ فأينَ العَجَب؟ وبَعدُ، أما كانَ عليك أنْ تَفْطَنَ أيضًا لما سَبَقَ لي وكَتَبْتُه: "لا أحدَ يُدرِكُ نَفْسي كما أُدْرِكُها، وكَم أَجْهَلُ نَفْسي"؟
إنْدِماج
إِنْتَهى الادِّعاءُ من ادِّعائه، والدِّفاعُ من دفاعه، ولَمَّا يُسْمَعْ صوتُ الدَّيَّان الَّذي كانَ عليه أنْ يَلْفِظَ بحُكْمَه.
وانْبَثَقَ نورٌ مُظْلِمٌ من الثُّغرَة، المُتَنَفَّسِ والسِّجن، ودَعاني الصَّمتُ إلى التَّعَرُّف، عَبرَ الثُّغرَة، بالدَّيَّان، وسَماعِ حُكمه؛ فاقْتَرَبْتُ من غَير أنْ أَتَحَرَّك، ونَظَرْتُ، وعَينايَ مُغْمَضَتان، فإذْ مِرآةٌ ما صُنِّعَتْ يَومًا تُعَرِّفُني إلى الدَّيَّان، وتَلْفِظُ بحُكمِ ضَميرٍ إنسانيٍّ لا يَعْرِفُ سِوى كلمة: بَراءَة؛ فأَيْقَنْتُ أنَّي في حَضرَة نَفْسي، وأنَّ المُتَناقِضاتِ زالَتْ، والاندِماجَ تَمّ.
وها إنَّي أَلْتَقي الأنبياءَ والأشقياء، وأَنْدَمِجُ معهم وفيهم مع الله-المَحَبَّة وفيه، فللجَميع المَصيرُ عَينُه، وإنَّما الضَّميرُ هو الكَفيلُ بالتَّوازن الإنسانيّ، لا الرَّادِعُ المُتَنَوِّعُ الأساليب.
وها إنِّي أَعودُ إلى القُدْرة الَّتي ما بَرِحْتُ جُزءًا منها، والعَدَجودِ الَّذي ما تَرَكْتُ، لا بَل غَدَوْتُ القُدْرةَ-العَدَجودَ ذاتَه، إذْ لا جُزَيْئاتٍ بعدَ المَوْت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.