تارگيست تشهد هزة أرضية دون تسجيل خسائر    الجيش يهزم ريال دي بانجول بثنائية    البرتغال تعلن الاعتراف بدولة فلسطين    انقلاب سيارة يخلف وفاة وإصابات    "حين يزهر الخريف".. الكاتبة آسية بن الحسن تستعد لإصدار أول أعمالها الأدبية    إنتاجات سينمائية عالمية تطرق أبواب القاعات المغربية في الموسم الجديد    بتعليمات سامية من جلالة الملك: أخنوش يترأس الوفد المغربي المشارك في الدورة ال80 للجمعية العامة للأمم المتحدة    وزير الدفاع الهندي يصل المغرب.. مصنع مدرعات جديد يعزز الشراكة الدفاعية بين الرباط ونيودلهي    تواصل البحث عن القارب "ياسين 9" المختفي منذ 7 شتنبر وسط ظروف مناخية مفاجئة    بطولة ألمانيا.. دورتموند يستعيد المركز الثاني    أخنوش.. هناك واقع يعاني منه المواطن في المستشفيات يجب أن يتحسن بتدخل الإدارة    الدولي المغربي صيباري يهز شباك أياكس في قمة الدوري الهولندي    أخنوش: الإجراءات التي اتخذتها الحكومة شملت جميع الفئات    توضيحات بخصوص اعتماد المغرب مسطرة طلب ترخيص إلكتروني للدخول إلى التراب الوطني خلال كأس إفريقيا    وجدة: توقيف شخص متورط في ترويج المخدرات والمؤثرات العقلية وحجز آلاف الأقراص    تساقطات مطرية مرتقبة بالريف وشرق المملكة    "كوباك" تعرض منتجات في "كريماي"    موهوب يسجل في مرمى "أورينبورغ"    هولندا.. مقتل مشتبه به برصاص الشرطة نواحي روتردام    الحسيمة.. نقابة تحذر من انهيار المنظومة الصحية وتطالب بلجنة مركزية للتحقيق    الدوري الدولي لكرة القدم داخل القاعة بالأرجنتين..المنتخب المغربي يتفوق على نظيره للشيلي (5-3)    في بيان المؤتمر الإقليمي للاتحاد بالعيون .. المبادرة الأطلسية من شأنها أن تجعل من أقاليمنا الصحراوية صلة وصل اقتصادي وحضاري    الرجاء ينهي ارتباطه بالشابي وفادلو على بعد خطوة من قيادة الفريق    بريطانيا وكندا وأستراليا تعترف رسميا بدولة فلسطينية    ميناء طنجة المتوسط يطلق مشروع توسعة بقيمة 5 مليارات درهم    رسميا .. لندن تعترف بدولة فلسطين    خط أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي يجسد الرؤية الملكية الاستراتيجية من أجل إفريقيا أكثر اندماجا (أمينة بنخضرة)        الناظور.. اعتقال شرطي اسباني وبحوزته 30 كيلوغرامًا من الحشيش    المغرب يترقب وصول دفعة قياسية من الأبقار المستوردة الموجهة للذبح            دور الفرانكفونية تجدد الثقة بالكراوي    مطارات أوروبية لازالت تعاني صعوبات في برمجة رحلات الأحد بعد هجوم سيبراني    بنخضرة: خط أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي يجسد رؤية الملك للاندماج الإفريقي    إسرائيل تعيد إغلاق معبر الملك حسين    الملك: علاقات المغرب وأرمينيا متينة    عملية بئر لحلو.. إنزال عسكري مغربي مباغت يربك "البوليساريو" ويفضح تورطها مع شبكات التهريب    "اقطيب الخيزران" تدشن موسمها الفني بمسرح المنصور بالرباط    استخدام الهواتف الذكية يهدد الأطفال بالإدمان    نقابة: لن نقبل بالتفريط في مصالح البلاد وحقوق العمال بشركة سامير    بطولة إنكلترا: ليفربول يحافظ على بدايته المثالية ويونايتد يعبر تشلسي    اتحاد طنجة لكرة القدم الشاطئية ينهي المرحلة الثانية بانتصار ثمين ويحافظ على صدارة الترتيب    جريمة قتل تهز جماعة العوامة ضواحي طنجة إثر شجار دموي    الشرادي يتغنى بالصحراء المغربية في قلب موريتانيا    "الغد كان هنا" منجية شقرون تقيم معرضا شاعريا بين الذاكرة والضوء    الانبعاثات الكربونية في أوربا تبلغ أعلى مستوى منذ 23 عاما (كوبرنيكوس)        دراسة.. النحافة المفرطة أخطر على الصحة من السمنة    انفصال مفاجئ لابنة نجاة عتابو بعد 24 ساعة من الزواج    الرسالة الملكية في المولد النبوي    تقنية جديدة تحول خلايا الدم إلى علاج للسكتات الدماغية        تسجيل 480 حالة إصابة محلية بحمى "شيكونغونيا" في فرنسا    الذكاء الاصطناعي وتحديات الخطاب الديني عنوان ندوة علمية لإحدى مدارس التعليم العتيق بدكالة    مدرسة الزنانبة للقرآن والتعليم العتيق بإقليم الجديدة تحتفي بالمولد النبوي بندوة علمية حول الذكاء الاصطناعي والخطاب الديني    رسالة ملكية تدعو للتذكير بالسيرة النبوية عبر برامج علمية وتوعوية    الملك محمد السادس يدعو العلماء لإحياء ذكرى مرور 15 قرنًا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألبُعْدُ التَّاسِعَ عَشَرَ بعدَ شافاط
نشر في طنجة الأدبية يوم 04 - 11 - 2010

أَطَلَّ البُعدُ(1) التَّاسِعَ عَشَرَ بعدَ شافاط(2) والكَونُ ما زالَ يَتَخَبَّطُ في صراع قِوى الخَير والشَّرّ، فدَعا حَكيمُ مانا(3)، المَلِكُ رَيَّان، بعضَ مُقَدَّمي(4) عالَم الخَير إلى لِقاءٍ في جزيرته.
جاءَهُ خَيْمَر من أرض النَّار، مُتَخَفِّيًا من قِوى الشَّرّ، قاطِعًا المسافاتِ ببَقايا من قُوَّةِ الدَّفْعِ فُرْسا(5)، فوَصَلَ مانا آمِنًا.
وجاءَه إيغُر من أرض الجَليد، مُتَخَفِّيًا من قِوى الشَّرّ، قاطِعًا الجِبالَ الوَعِرَة، مُمْتَطِيًا الحِثَوْرَ(6)، راكِبًا القاربَ كأيِّ تابِعٍ(7) بَسيط، فوَصَلَ مانا آمِنًا، وإنْ مُتأخِّرًا شَمسًا وقمرًا(8).
وجاءَتْهُ آما من غابات زُنّ(9)، مُتَخَفِّيَةً من قِوى الشَّرّ، قاطِعَةً المسافاتِ بالتَّفاعُلِ الضَّوْئِيّ، فوَصَلَتْ مانا آمِنةً.
وجاءَهُ ب 8912 م(10) من المدينة الغائِصَة، مُتَخَفِّيًا من قِوى الشَّرّ، قاطِعًا المُحيطاتِ والبِحارَ بقُوَّة الدَّفْعِ فاغا(11)، فوَصَلَ مانا آمِنًا، وإنْ مُحَيِّدًا فِرقةً من مجموعة زُرَيْكا اعْتَرَضَتْه.
وجاءَه فُتْنا من الصَّحراء العائِمَة، مُتَخَفِّيًا من قِوى الشَّرّ، قاطِعًا وادي جَهَنَّم، سائِرًا كمُتَسَوِّل، سابِحًا كبَطَلٍ أسطوريّ، فوَصَلَ مانا آمِنًا، وإنْ مُتَأخِّرًا شَمسًا وقَمرَين.
وإذ طالَ انتظارُ آمِن، مُقَدَّمِ مدينة القَمر الصِّناعيِّ سابِكا-8، تَأَكَّدَ للحاضِرين أنَّ مَركبَتَه فُقِدَتْ في ظروفٍ غامِضةٍ ليسَتْ قِوى عالَمِ الشَّرِّ ببَريئةٍ منها، فعَقَدَ مُقَدَّمو عالَم الخَير جلساتِهم ابتداءً من الشَّمس التَّاسِعة من البُعْد التَّاسِعَ عَشَرَ بعدَ عام شافاط بمَن حَضَر، وعلى جَدولهم شؤونُ الكَون وشجونُه.
***
بَدَأَ المُجتمعون بالتَّأمُّل فُسحَةً(12) أسَفًا على مصير الكَون على أثَرِ شافاط، وحُزنًا على غياب آمِن الَّذي قَضى في سَبيل الخَير. ثمَّ افْتَتَحَ حَكيمُ مانا، ذو السَّحْنة السَّمراء واللِّحيةِ الفِضِّيَّة، الشَّهيرُ بردائه الأبيض الفَضفاض، الجَلسةَ الأولى، فقالَ بالدَّوليَّةِ المُحدَثَة(13):
"يا رِفاقَ الخَير،
"إنِّي دَعَوْتُكم إلى مانا الحَصينة الآمِنة للبَحث في شأن الإنسان بعدَ شافاط.
"لقَد تَلَهَّى البَشَرُ في الألف الأخير قبلَ عام الشُّؤم: إِخْتَلَفوا على المادَّة، فسَقَطَتِ القِيَمُ الإنسانيَّةُ الَّتي ارْتَضَوها على أثَرِ تَعاهُدِهم على إزالة ما يُفَرِّقُ بينَهم، دينيًّا وعِرقيًّا وقَبَلِيًّا؛ ظَلَموا وظُلِموا، قَتَلوا وقُتِلوا، فغاضَتِ الإنسانيَّةُ في عُصورٍ من الدَّيجور، وغَدا أفْتَكُ الأسلحة وأشَدُّها دَمارًا، سِلاحًا فَرديًّا ويَدوِيًّا؛ حَلَّتِ العِصاباتُ مَحَلَّ الدُّوَل الَّتي انْقَسَمَ بعضٌ منها على البعض الآخَر، فباتَتِ الحروبُ خُبزًا شَمسيًّا(14). وإذْ أَضَرَّ البَشَرُ الأرضَ، واسْتَباحوا الفَضاءَ، حَلَّ عامُ شافاط، عامُ انتِقام الكَون من البَشَر.
"لَم يَتَعَلَّمِ البَشَرُ، يا رِفاقَ الخَير، بعدُ. فهَا إنَّا نَراهُم يَسْتَرْسِلون في غَيَّتِهم، لا يَرْتَوون من الشَّرِّ الَّذي أَوْقَعوا أنفسَهم فيه، وهَا إنَّ قِوى الشَّرِّ تَسْعى جاهِدةً للسَّيطرة على ما تَبَقَّى من فُتات العالَم. وما اجتِماعُنا، الشَّمسَ، سِوى للتَّضامن في وَجه قِوى الشَّرّ، لدَحرِها، وللاتِّفاق على إعادة أَنْسَنَة البَشَر، عَساهُم يَعْرِفون عصرًا ذهبيًّا جديدًا كذاكَ الَّذي عَرَفوهُ في الألف الثَّاني قبل شافاط.
"وإليكم يا رِفاقَ الخَير، الكَلام، فتَفَضَّلوا بإِبداء الرَّأي، اِنطِلاقًا من مَفهومَي الحُرِّيَّة والدِّيمُقراطيَّة، وبحَسَب التَّعريف الصَّحيح بهما، الوارِدِ في بعض كُتُب التَّاريخ لدى الأقدَمين".
***
تَكَلَّمَ فُتْنا، المُلَقَّبُ ب "سَواد اللَّيل" لِلَون بَشَرَته، قالَ، مُنْتَدَبًا عن الصَّحراء العائِمة، ومُقَدَّمًا عليها:
"قَد تَكونُ الصَّحراءُ أصعَبَ الأماكِن الَّتي يُمْكِنُ الإنسانَ العيشُ فيها بعد شافاط؛ لِذا، فإنَّ أطماعَ قِوى الشَّرِّ فيها شِبهُ مَعدومَة. غَيرَ أنَّ اكتِشافَ مَخزونٍ من السَّاك(15) في باطِن الصَّحراء سيَجْعَلُ منها مَطْمَعًا لكلُّ راغِبٍ في هذه المادَّة-الطَّاقة. وبِما أنَّ شعبَ الصَّحراء العائِمة لا يَمْلُكُ ما يَكْفي من التِّقنِيَّات والآلات لاستِخراج هذه المادَّة وتَنْقِيَتِها، فإنَّه يَتَوَجَّهُ إلى المُجتمِعين طالِبًا دَعمَ شعوبهم في اتِّجاهَين: المساعَدَةِ في استِخراج السَّاك على أنْ يَتِمَّ تَوزيعُه في عَدل - مَنعًا لتَكرار تَجاربَ سابقةٍ مُميتةٍ في التَّاريخ القديم - وفي مُقابِل بضائعَ ضروريَّةٍ لسكَّان الصَّحراء؛ ودَعمِ شعب الصَّحراء وحمايةِ موارده الطَّبيعيَّة الَّتي هي من حَقِّ جميع الشُّعوب، وذلك بصَدِّ أيِّ اعتِداءٍ مُحتَمَلٍ لقِوى الشَّرِّ على أراضيه".
***
وتَكَلَّمَ ب 8912 م، مُقَدَّمُ المدينة الغائِصَة، عَرينِ الجِنس الأصفَر، قال:
"إنَّ شعبَ المدينة الغائِصَة - على الرَّغم ممَّا عانى منه على أثَرِ شافاط، ومن ضِيق المساحة الَّتي تَشْغَلُها مدينتُه ومُلحقاتُها - قَد حافَظَ على جُزءٍ كبيرٍ من حضارة الخَير الَّتي عَرَفَها العالَمُ قبلَ العام المَشؤوم، لا بَل سَعى لتَطويرها بعدَه، وهو مُستَعِدٌّ لإشراك شعوب عالَم الخَير فيها. بَيْدَ أنَّ أطماعَ قِوى الشَّرِّ في المدينة الغنيَّة، ولاسيَّما أطماع زُرَيْكا وجماعتِه من قَراصِنة البَرِّ والبَحر والجَوّ، قَد جَعَلَتِ الحَياةَ في المدينة أمرًا مُستَحيلاً. لِذا، فإنَّ المدينةَ الغائِصَةَ تُطالِبُ بِشَنِّ حَربٍ مُعلَنَةٍ، لا هَوادةَ فيها، ضِدَّ قِوى الشَّرّ، على أنْ يَقومَ بينَ شعوب عالَم الخَير، بعدَ الانتِهاء من أمر قِوى الشَّرّ، تَعاونٌ في جميع المَجالات؛ ولَسَوفَ تَضَعُ المدينةُ الغائِصَةُ، عندَها، كلَّ تطوُّرها في خِدمة المَجموعة الإنسانيَّة".
***
وطَلَبَتْ آما، الخِلاسيَّةُ المَمْشوقة، ومُقَدَّمَةُ جبال زُنّ، الكَلام. أَذِنَ الحَكيمُ لها، فقالَتْ:
"من زُنَّ آتِيكُم لأؤَكِّدَ لكم أنَّ شعبَنا يَرْغَبُ في الحَياة بحَسَبِ القِيَم الإنسانيَّة الغابِرة، ومن ضِمن عالَم الخَير؛ آتِيكُم لأُشَدِّدَ عليكم أنْ لا مجالَ للبَشَريَّة في أنْ تَحْيا بحَسَب القِيَم الإنسانيَّة الغابِرة، ومن ضِمن عالَم الخَير، إلاَّ إذا وُحِّدَ ما بَقِيَ من قِوى الخَير في هذا العالَم، بعدَ شافاط، في مواجَهة قِوى الشَّرّ؛ آتِيكُم لأوضِحَ لكم أنَّ قِوى الشَّرّ، لَئِنْ اتَّفَقَتْ في ما بينها، فإلى حِين، وفي سَبيل هَدف، إذْ إنَّ التَّصارُعَ بينها هو القاعدة، فيما التَّحالُفُ هو الشَّواذ، بينما على التَّحالُف بين قِوى الخَير أنْ يَكونَ القاعِدة، ولا جَوازَ للشَّواذ عندَها؛ وعلى أيِّ صِراعٍ لاحِقٍ بين مَحمِيَّات(16) قِوى الخَير أنْ يَكونَ في إطار التَّنافُس البَريء، لِما فيه مَصلحةُ الإنسان بعامَّة.
"لقَد أَتَيْتُكم، يا داعِمي الخَير، لأَقولَ لكم إنَّ جِبالَ زُنَّ تَضَعُ إمكاناتِها في خِدمة الخَير، وتَمُدُّ يدَها إلى كلِّ ساعٍ له".
***
وما إنْ أَنْهَتْ آما كلمتَها حتَّى وَصَلَ المُجتمعينَ تَصويرٌ(17) من مدينة القَمر الصِّناعيِّ سابِكا-8 يُؤَكِّدُ أنَّ اندِماجَ(18) مُقَدَّمِها آمِن لأربَعة شُموسٍ خَلَتْ تَمَّ على يَد عِصابة زُرَيْكا فيما كانَ في طريقه إلى مانا. ويُفِيدُ التَّصويرُ أنَّ نائِب آمن، سالِم، قَد تَسَلَّمَ زِمامَ الأمور في سابِكا-8، وأنَّ المُقَدَّمَ الجديدَ يُؤَكِّدُ على تَوجُّهات المُجتمعين في مانا، ويَدْعَمُ مُقرَّراتِهم مُسبَقًا.
وقامَ خَيْمَر، مُقَدَّمُ أرض النَّار، للكَلام، قال:
"إنَّ ما عانَتْه أرضُ النَّار من شافاط هو الأصعبُ على الإطلاق. صَحيحٌ أنَّ مَحميَّاتٍ بشعوبها زالَتْ على أثَرِ ذلك العام، بَيْدَ أنَّ أَلَمَ شعوب تلك المَحميَّات زالَ بزَوالها، في حين أنَّ ما أَصابَ شعبَ أرض النَّار من شافاط ما زالَ ماثِلاً وضاغِطًا، وقَد يَسْتَمِرُّ أجيالاً، وحتَّى، أَبَدًا.
"أُنْظُروا، يا أحبَّاءَ الخَير، إليّ، وخُذوا العِبَر: لاحِظوا لَوني، فهو إلى اخضِرار، وتَأَمَّلوا في شكل رأسي، وأطرافي، وفي طول شَعري، وتوزيعه؛ تَحْلُقُ نِساؤنا ذُقونَها ويُخْفي رِجالُنا أذنابَهم، ولا ذَنْبَ لنا في ما حَصَل.
"إنَّ استِخفافَ البَشَر بالطَّبيعة، بتَوازُن مُكَوِّناتِها، بِما منها وفيها وعليها، قَدِ انْعَكَسَ سَلبًا على البَشَر والحَجَر. وما زالَ البعضُ يُعْمِلُ في الأرض والفَضاء ما فيه مَنفعتُه الآنيَّة، مُبدِلاً نِظامَ الكَون، قاضِيًا على الحَياة نفسِها.
"دَعوَتي إليكم، أيّهُا المَحمِيُّون الخِيار، أنْ نَدَعَ جَميعًا الطَّبيعةَ في مَسارها، فلا نَتْرُكَنَّ الجَهلَ يَفْتِكُ بها، أو العِلمَ يُغَيِّرُ معالِمَها. وتَفَضَّلوا، أيُّها الأحبَّة، بقَبول احتِرامي".
***
وأمَّا إِيغُر، مُقَدَّمُ أرضِ الجليد، آخرِ مَعاقِل الجِنس الأبيض، فقال:
"أرضُ الجَليد تَحْسُدُ أرضَ النَّار، والصَّحراءُ العائِمةُ تَحْسُدُ المدينةَ الغائِصة، وأبناءُ جِبال زُنَّ يَحْسُدونَ أبناءَ مُدن الأقمار الصِّناعيَّة، والعَكسُ بالعَكس صَحيح؛ فالبَشَرُ، يا أهلَ الكَوْن، يَتَحاسَدون. لطالَما حَذَّرَنا الحُكماءُ من كارثةٍ ككارثة شافاط، ولطالَما أَحْسَسْنا بتلك الكارثة تَقْتَرِبُ منَّا، وما حَرَّكْنا ساكِنًا، فبَرِحْنا عاجِزين عن مَنعها عنَّا، مُنتظِرين شَمسَ بِدايتها، ناقِلين وِزْرَها من حِمْلٍ إلى حِمْل(19)، لا بَل إنَّ بعضَ الأنظمة لَم يَتَوَرَّعْ عن اعتِماد آلة فاتِك(20) في تَسَلُّطه، فأَسْهَمَتِ الآلة، عندَ شافاط، بخَرابٍ عظيم.
"إنِّي أَدْعو، كما الحَكيمُ رَيَّان، إلى العَودة إلى الأَنْسَنَة سَبيلاً لخَلاص ما بَقِيَ من البَشَريَّة ومعالِمها، وليَتَمَكَّنَ الإنسانُ من التَّعَلُّق بالحَياة مُجدَّدًا، تَأمينًا لاستِمراريَّتها حتَّى حُلول شَمس الاندِماج(21)، تلك الشَّمس الَّتي تَجِدُها الطَّبيعةُ مُناسِبةً، ويَقِفُ الإنسانُ أمامَها عاجِزًا".
***
خَتَمَ الحَكيمُ رَيَّانُ الجلسةَ الافتِتاحيَّة؛ واسْتَمَرَّتْ مُناقشاتُ مُقَدَّمي المَحْمِيَّاتِ البَشَريَّةِ الدَّاعمةِ الخَيرَ، بعدَها، شَمسَين وثلاثةَ أقمار. وإذْ تَوافَقَ المُجتَمِعون على حَلِّ شُؤونٍ وشُجونٍ عديدةٍ ومُتَنَوِّعَة، خَرَجوا بالمُقرَّرات المُلزِمَة الآتِيَة:
1- مُحاربةُ قِوى الشَّرِّ في مَعركةٍ مَصيريَّة شامِلة، فإمَّا أنْ تَنْتَصِرَ قِوى الخَير وتُرْسِيَ أُسُسَ حَياةٍ إنسانيَّةٍ أَخلاقيَّةٍ مُحتَرَمةٍ لمَن سيَبْقى من البَشَر، وإمَّا أنْ تَنْتَصِرَ قِوى الشَّرّ، ثمَّ يُفْني كلُّ بَعضٍ منها البعضَ الآخر، فتَفْنى البَشَريَّةُ معها. وتُوضَعُ، في هذا السَّبيل، خُطَّةٌ عامَّة، ولَسَوفَ تُعَيَّنُ الشَّمسُ الصِّفر(22) لتنفيذها في وقتٍ لاحِقٍ على أنْ لا تَتَعَدَّى تلك الشَّمسُ نِهايةَ البُعد التَّاسِعَ عَشَرَ بعدَ شافاط، كما سيُعْمَل، في الخطَّة، على تَحييد استِخدام أسلحة الفَناء إذا أَمْكَن، ولاسيَّما أسلحة فاتِك.
2- ألقَضاءُ على العنصريَّة المُستَجِدَّة، وإزالةُ التَّبَعِيَّة الَّتي هي نوعُ الرِّقِّ المُسْتَحْدَث في مَحْمِيَّات قِوى الخَير، وتَعميمُ ذلك القَضاء وتلك الإزالة في جَميع البِقاع المُحَرَّرَة من هَيمنة قِوى الشَّرّ.
3- مُخالفةُ الدِّيانات العصريَّة المُستَخدَمَة، جَهلاً و/أو تَعَصُّبًا، سَبيلاً لإخضاع فَريقٍ دينيٍّ فريقًا آخَرَ، أو لتَحَكُّم قِلَّةٍ من الفَريق في المَجموعة بهَدف تَوجيه أفكارِها وتَصرُّفاتِها.
4- إعادةُ النَّظَر في المَفاهيم الاجتِماعيَّة، وإحياءُ المؤسَّسات القديمة، وضَبْطُها، ولاسيَّما مؤسَّسة الزَّواج، والتَّشديدُ على الأَخلاق العامَّة في مُحاولةٍ لخَلق تَوازُنٍ جديدٍ في حَياة البَشَر.
5- مُحاربةُ الاستِعمار الإِعلاميِّ عَبرَ إعطاء حُرِّيَّةٍ إِعلاميَّةٍ لا حُدودَ لها الشَّبكاتِ الإِعلاميَّةَ المَحلِّيَّةَ الخاضِعةَ لإدارة الجَماعات المُختَلِفة في المَحْمِيَّات، وتقليصُ دَور الإِعلام الشَّامِل المُسَيطِر على الفِكر الإنسانيّ، وإخضاعُ الأحداث الأمنيَّة، قبلَ نَشْرها، لِعَمليَّات تَحَقُّقٍ تُشْرِفُ عليها لجنةٌ مُشتَرَكَة، على أنْ لا يَتَأَخَّرَ التَّحَقُّقُ عن فُسَحٍ عَشر، إذْ يُصْبِحُ الإِعلامُ عن الأحداث، بعدَها، حُرًّا، لا بَل واجِبًا.
6- إعادةُ تَرويض الآلات، وإخضاعُها للإنسان ومُتطَلَّباتِه، بعدما غَدا بعضُها يَتَحَكَّمُ بالإنسان وحَياته.
7- إعادةُ إحياء التَّعاون بين المَحمِيَّات، والتَّوَصُّلُ إلى توزيعٍ أفضلَ لِما بَقِيَ من الثَّروات الكَونيَّة بين البَشَر، مع الحِفاظ على البيئَة ما أمكَن.
8- مُكافحةُ الفَقر والجوع، وتَحسينُ الأَداء الطِّبِّي، ولاسيَّما لجهة مواجَهة مَرَض واكي(23) المُستَحدَث ومرض أَنْفْلو(24) المُزمِن.
9- إعادةُ روح الأُخُوَّة إلى الجَماعات المُختلِفة عَبرَ التَّبادُل الثَّقافيّ، وتَشجيعُ روح التَّنافس عَبرَ اللِّقاءات الرِّياضيَّة بعدَ تَنظيمها والتَّخفيف من قَساوَتها، ولاسيَّما اللِّقاءات الرِّياضيَّة المُتعلِّقة بكُرة الملعب المُرَبَّع(25).
***
هذا، وخَلُصَ المُجتمِعون إلى ضَرورة الاجتِماع مُجدَّدًا في شَمسٍ تُحَدَّدُ لاحِقًا، حِفاظًا على السِّرِّيَّة الأمنيَّة. كما فُضَّتِ الاجتِماعات، ووَدَّعَ الحَكيمُ رَيَّانُ ضُيوفَه مُتَمنِّيًا انبِثاقَ عَصرٍ إنسانيٍّ مُشرِقٍ في أقرب الآجال.
ألحَواشي :
(1) ألبُعدُ هو الفترةُ الزَّمَنيَّةُ الَّتي حَلَّتْ مَحلَّ السَّنة الَّتي كانَ مُتَعارَفًا عليها قبلَ شافاط، وهي تُقْسَمُ إلى مُدَدٍ بَدلَ الأشهُر، وشُموسٍ وأقمارٍ بَدلَ الأيَّام. والبُعدُ والمُدَّةُ والشَّمسُ والقَمرُ تَخْتَلِف، لجهة الفترة الزَّمَنيَّة، عن السَّنة والشَّهر واليوم.
(2) شافاطُ هو العامُ الَّذي شَهِدَ انتِقامَ الطَّبيعة والكَون من أعمال البَشَر بعدَما فَقَدَ مُعظمُهم إنسانيَّتِه، فحَلَّتِ الكوارثُ على أنواعها ومن كلِّ حَدَبٍ وصَوْب، فغاصَتْ مناطقُ شاسِعةٌ وعامَتْ أخرى، وزالَتْ عن الأرض والكَون ملياراتُ البَشَر. وإذْ تَبَدَّلَتْ، منذُها، العوامِلُ الجُغرافيَّة، وتَحَوَّلَتْ حياةُ مَن بَقِيَ من البَشَر تَحوُّلاً كبيرًا، راحَ هَؤلاء يَعْتَمِدونَ تَقْويمًا تَأْريخيًّا جديداً لِما بعدَ عام شافاط، أو عامِ الكَوارث.
(3) ألمُقَدَّمون زُعماءُ الزَّمن الجديد، من ضِمن عالَم الخَير، وقَد قَدَّمَهم مُواطِنوهم لِما وَجَدوهُ فيهم من مَزايا إنسانيَّةٍ وقِياديَّة.
(4) مانا جزيرةٌ نائِيةٌ صَمَدَتْ في وجه عام شافاط، وقَد حَصَّنَها زعيمُها، الحَكيمُ رَيَّان، بهالَةٍ تَمْنَعُ عنها مُعظمَ التَّبَدُّلات الطَّبيعيَّة، والاعتِداءات البَشَريَّة المُمكِنة المَعروفة بتاريخه، كافَّةً.
(5) فُرْسا آلةُ نَقلٍ قامَ بتطويرها عُلماءُ في ما كانَ يُعْرَفُ قديمًا بالولايات المتَّحدة الأمِريكيَّة الَّتي غَدَتْ، في زَمنٍ ما، إمبراطوريَّةً من حيثُ سَيطرتُها على أجزاء كبيرةٍ من العالَم، لكنَّها وَقَعَتْ، في ما بَعد، فَريسةَ التَّسلُّط والانحِطاط والحُروب الدَّاخليَّة. وتَعْمَلُ الآلةُ بقُوَّة دَفْعٍ وَهميَّة؛ وإذْ حوفِظَ على بعض نماذجها في مُستعمَراتٍ سابِقةٍ للولايات المتَّحدة الأمِريكيَّة، اِسْتَمَرَّ استِخدامُها ما بعدَ شافاط.
(6) ألحِثَوْرُ حَيوانٌ مُركَّبٌ ناتِجٌ من اختِلاط ما كانَ يُعْرَفُ بحَيوانَي الحِصان والثَّور، وهو يَتَمَيَّزُ بسُرعة الأوَّل وقُوَّة الثَّاني.
(7) ألتَّابِعُ هو الإنسانُ العاديُّ المُوالي لمُقَدَّمٍ ما.
(8) ألشَّمسُ والقَمرُ فترتان زمنيَّتان حَلِّتا مَحلَّ اليوم، وتَخْتَلِفان عنه لجِهة الوَقت والتَّقسيم.
(9) زُنُّ أَمازُنُّ عَصرِ ما قبلَ شافاط، ولِحُكم النِّساء، فيها، تاريخ.
(10) غَدَتْ تَسميةُ الأفراد في المدينة الغائِصة، بُعيدَ شافاط، تَعْتَمِدُ على الحُروف والأرقام المُرَكَّبة.
(11) فاغا آلةُ نَقلٍ قامَ بتطويرها عُلماءُ مِن كلٍّ من ألمانيا واليابان، وهما دَولتان قَديمتان اشْتَهَرَتا بتِقانِيَّاتِهما. ولَئِنْ زالَتْ ألمانيا، أو كادَتْ، بعدَ دُخولها في حربٍ عِرقيَّةِ الطَّابَع مع جارَتها سلاڤيا الكبرى، فإنَّ أحفادَ اليابانيِّين نَقَلوا نَماذجَ من تلك الآلة، بُعيدَ شافاط، إلى بعض مدنهم الغائِصَة.
(12) ألفُسحةُ فترةٌ زَمنيَّةٌ قصيرةٌ حَلَّتْ مَحلَّ الدَّقيقة في عالَم ما قبلَ شافاط، وهي تَخْتَلِفُ عنها لجِهة الوَقت والتَّقسيم.
(13) ألدَّوليَّةُ المُحدَثَةُ لُغةٌ اعْتُمِدَتْ عالَميًّا فترةً طويلةً قبلَ شافاط. ولَئِنْ ارْتَكَزَتْ هذه اللُّغةُ على الإنكليزيَّة الَّتي كادَتْ هُوِيَّتُها تَضيع، فقَد طُعِّمَتْ بكلماتٍ وعباراتٍ مُختلِفة، وتَمَّتْ بَرْمَجَتُها، وحُدِّدَتْ مَفاهيمُها، وبُسِّطَتْ، وراحَتْ تُلَقَّنُ لُغةً ثانيةً شِبهَ إلزاميَّةٍ في مُختلِف أنحاء الكَون، ولاسيّما في عصر الولايات المتَّحدة الأمِريكيَّة الذَّهَبيّ.
(14) ألمَقصودُ بالخبز الشَّمسيّ، هنا، الخبزُ اليوميُّ بحَسَب مَفهوم ما قبل عام شافاط.
(15) ألسَّاُكُ مادَّةٌ أَفْرَزَها تَكوينُ ما بعد شافاط في باطِن بعض المَناطق الصَّحراويَّة، وهي عِبارةٌ عن مَزيجٍ غَيرِ مَحسوس، مُعقَّدِ التَّركيب، يُؤَمِّنُ، في حال تَنقيته، طاقةً فاعِلةً جدًّا.
(16) ألمَحمِيَّاتُ تَجَمُّعاتٌ أو دُوَيلاتٌ صَغيرةٌ مَحمِيَّةٌ نَشَأَتْ، قبلَ شافاط، وبِعَشَرات الآلاف.
(17) ألتَّصويرُ طريقةُ إرسالٍ بين الأفراد تُؤَمِّنُ الصَّوتَ والصُّورةَ الآنيَّةَ بالحَواسِّ كلِّها والأَبعادِ الأربَعة.
(18) ألإندِماجُ، في المَفهوم المُعاصِر، هو الوَفاةُ وما يُرافِقُها من اندِماجٍ للإنسان الَّذي يَتْرُكُ جَسدَه ويَحُلُّ في القُوَّة العُظمى.
(19) "من حِملٍ إلى حِمل"، أي "من جيلٍ إلى جيل".
(20) فاتِكُ آلةٌ تَتَزَوَّدُ بالطَّاقة ذاتيًّا، ومَهمَّتُها تَنظيمُ حَياة البَشَر وَفْقَ تَصوُّر صانِعها. ولا تَعديلَ لبَرنامَج فاتِك، وفي حال عُمِلَ على تَعطيل الآلة، أو تَفجيرها، تَتَسَبَّبُ بخَرابٍ شامِل.
(21) شَمسُ الاندِماج هو يومُ نِهاية البَشَر، جميعِهم، وحُلولِهم في القُوَّة العُظمى في انتِظار قيام حياةٍ طبيعيَّةٍ جديدةٍ في هذا الكَون.
(22) ألشَّمسُ الصِّفر، أي السَّاعةُ الصِّفر أو اليوم المَنشود.
(23) واكي مَرضٌ خَبيثٌ ناجمٌ عن تَنَشُّق الإنسان هَواءً غَيرَ مُنَقًّى، مُتفاعِلاً مع مياهٍ صِناعيَّةٍ مُبتَذَلَة؛ وهو سَريعُ الفَتْك، يَمنَعُ التَّنفُّسَ، ويَقْضي على الإنسان غَيرِ المُحَصَّن بالأجهزة الواقِيَة في أقلَّ من فُسحتَين.
(24) الأَنْفلو مَرضٌ مُزمِنٌ قَديمٌ حَديثٌ لَم يَتَوَصَّلِ الطِّبُّ، بَعدُ، إلى عِلاجه، ويَشْفى المَرْءُ منه، بدَواءٍ أو من دون دَواء، في غُضون شُموسٍ وأقمارٍ مَعدودة.
(25) كُرةُ المَلعب المُربَّع رِياضةٌ جَماهيريَّةٌ عالَميَّةٌ تَقومُ على ملعَبٍ مُربَّعٍ في مُنتصف كلٍّ من أضلُعه الأربعَة مَرمًى. ويَسْعى اللاَّعبون، بجميع الوسائِل المُتاحَة، رَكلاً بالأرجل وقَذفًا بالأيدي، لإدخال كُرةٍ بَيضَوِيَّةِ الشَّكلِ في المَرمى، مُتَوَسِّلينَ جميعَ أصناف الفُنون الرِّياضيَّة المَعروفَة، المَرِنَةِ منها والشَّرِسَة، من دون أيِّ ضابِطٍ أو رادِع.
مَلحوظَة :
وُضِعَ النَّصُّ الحاضِر، أصلاً، بالدَّوليَّة المُحدَثَة، وقامَ أحدُ هُواةُ اللُّغات القَديمة بنَقله إلى اللُّغة العَرَبيَّة كما كانَتْ مُستَخدَمَةً طويلاً قبلَ شافاط، عِلمًا أنَّ تَغييراتٍ جَذريَّةً أَصابَتْ هذه اللُّغة في الدُّول الكاتِبةِ بها بعدَ ذلك الوقت حتَّى غَدَتِ اللُّغةُ لُغاتٍ ولَهجاتٍ مُختلِفةً قبلَ أنْ تَنْدَثِر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.