رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز يقرر البقاء في منصبه    تفاصيل اتفاق جديد بين النقابات والحكومة .. زيادة في الأجور وتخفيض للضريبة    عاجل .. اتفاق بين الحكومة والمركزيات النقابية بشأن زيادة عامة في أجور العاملين بالقطاع العام    التنسيق النقابي لقطاع الصحة…يقرر مواصلته للبرنامج النضالي    ارتفاع أسعار الأضاحي يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    إدارة السجن المحلي بوجدة تنفي ما نقل عن والدة سجين بخصوص وجود آثار ضرب وجرح على وجهه    إحباط محاولة تهريب كمية كبيرة من المخدرات في جزر الكناري بشراكة مع المغرب    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !    غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    التنسيق الميداني للتعليم يؤجل الاحتجاج    عقوبات ثقيلة تنتظر اتحاد العاصمة بعد انسحابه أمام نهضة بركان    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الإثنين بأداء إيجابي    التقنيون يتوعدون أخنوش بإضرابات جديدة        إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    الروائي الأسير باسم خندقجي يهزم السجان الإسرائيلي بجائزة "بوكر العربية"    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    طلاب مغاربة يتضامنون مع نظرائهم الغربيين الداعمين لغزة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    للمنافسة عالميا.. جهود مغربية لتطوير صناعة الألعاب الإلكترونية    السكوري…المخاطر المهنية يمكن تفاديها بإرساء نظام فعال للسلامة وثقافة وقائية    توقعات أحوال الطقس اليوم الاثنين    مجلس المنافسة: 40 في المئة من الخضر والفواكه بالمغرب تتعرض للتلف    حكيمي يتوج رفقة باريس سان جيرمان بالدوري الفرنسي    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك محمد السادس للقفز على الحواجز بالرباط    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    النفط يهبط 1% مع استمرار محادثات وقف إطلاق النار في غزة    المشتبه فيه فقتل التلميذة "حورية" بصفرو قرقبو عليه بوليس فاس: العملية الأمنية شاركت فيها الديستي وها فين لقاو المجرم    جماهير اتحاد العاصمة معلقة على الإقصاء: تم التضحية بنا في سبيل قضية لا تعنينا    واش يبقى ولا يستاقل. اليوم يتحدد مصير رئيس الحكومة الصبليوني. خدا ويكاند باش ياخد قرارو بعد اتهام مراتو بالفساد    منظمة المطبخ المركزي العالمي تستأنف عملها في غزة بعد مقتل سبعة من عمالها    الصين: "بي إم دبليو" تستثمر 2,8 مليار دولار اضافية شمال شرق البلد    200 مليون مسلم في الهند، "أقلية غير مرئية" في عهد بهاراتيا جاناتا    ماركا: المغرب يستغل الفرصة.. استعدادات متقدمة لنهائيات كأس العالم وسط فضائح الاتحاد الإسباني    تقرير: المغرب وإسرائيل يسعيان تعميق التعاون العسكري رغم الحرب في غزة    إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    "العدالة والتنمية" يندد بدعوات إلى استقالة ابن كيران بعد خسارة انتخابات جزئية    "العدالة والتنمية" ينتقد حديث أخنوش عن الملك خلال عرض حصيلته منددا بتصريح عن "ولاية مقبلة"    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    الأسير الفلسطيني باسم خندقجي يظفر بجائزة الرواية العربية في أبوظبي    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كوكبة من الكتاب والمفكرين العرب في حوار مع فكر الشهيد حسين مروة
نشر في طنجة الأدبية يوم 12 - 01 - 2011

الدكتور حسين مروة شخصية فكرية وسياسية واجتماعية عملاقة، شكلت الكتابة عنده فصلاً ابداعياً وكفاحياً.وقد خاض غمار الكتابة في مختلف الفنون ،السياسية والاجتماعية والأدبية والنقدية والنثرية والوجدانية وأبدع فيها.
اغتالته قوى الغدر الطائفية الوثنية الظلامية في لبنان أمام بيته وعلى مرأى من زوجته العجوز، مستهدفة من وراء هذه الجريمة الدموية النكراء اغتيال وقمع الصوت الديمقراطي الثوري الماركسي الطليعي ، الذي آمن به شهيدنا حسين مروة وتغييب دوره النضالي البارز في معركة الدفاع عن حرية الانسان المظلوم والمقهور ونشر الوعي الانساني الصادق والفكر التنويري العلمي النقدي. ولكن اذا كانت هذه الأيدي الآثمة نجحت في تغييب جسد شيخنا الجليل إلا انها فشلت في تصفية أفكاره التحررية التنويرية ، وها هي شعوبنا العربية بكل تياراتها الفكرية والمذهبية تتسلح بهذه الكتابات في مواجهة كل المعضلات والطروحات والتخريجات البرجوازية وتعمق أفكاره بين الأجيال الصاعدة والقادمة.
قدم الدكتور حسين مروة للمكتبة العربية عدداً من الكتب النقدية والدراسات التراثية ، أبرزها انجازه التاريخي"النزعات المادية في الفكر العربي الاسلامي "الذي شكل قاعدة صلبة للبحث الماركسي في تراثنا الفلسفي العربي.
بعد رحيله تزايد الاهتمام بالتراث الفكري الفلسفي الذي تركه وخلفه لنا ، ونشرت المقالات والدراسات الكثيرة في مختلف الصحف والمجلات والدوريات الثقافية العربية ، تناولت بالبحث والتحليل العميقين نتاجه الأدبي الفكري . وأصدرت دار "الفارابي" كتاباً لكوكبة من الكتاب والمفكرين العرب بعنوان "حوار مع فكر حسين مروة" جاء في 350 صفحة من الحجم الكبير ، وهو عبارة عن مقالات ودراسات وأبحاث شاملة تلقي الظلال والأضواء على مسيرة مروة النقدية والفكرية والميادين التي خاض الكتابة فيها .
يبدأ الكتاب بمقدمة للناقد اللبناني محمد دكروب يؤكد فيها أهمية وقيمة هذا الكتاب لكونه حواراً مع فكر حسين مروة ، أي ان معظم المقالات والدراسات التي يضمها لا تنطلق من الموقع المتفق تماماً وبالكامل مع فكر مروة، بل من المواقع المختلفة معه في جوانب عديدة وأحياناً اساسية في فكره وفي ممارسته لمنهجه، ولأنه يمثل ظاهرة تترسخ وتتطور في مسار الفكر العربي التقدمي وهي حوار الماركسية من داخل الماركسية نفسها.
يقسم الكتاب الى 5 اقسام:
القسم الأول : يتحدث عن حسين مروة في مجالاته المتعددة ، فمهدي عامل رفيق مروة في الكفاح والشهادة ،والذي اغتيل هو ايضاً برصاص الطائفية المجرمة ،يرسم صورة انسانية لحسين مروة فيرى انه في سيرة فكره ونضاله تختلط حياته ضد قوى القهر وأفكار القهر، ومنذ ان طردته من ارض العراق قوات الرجعية والتبعية ثار مع الثائرين على النظام في كتابات يومية هي رصد للواقع بعين الوجدان وموقف سياسي منه، انه موقف من الكلمة عنده قاصدة صائبة ، انه موقف مناضل. ثم يؤكد على "ان لحسين مروة، هذا الكادح من المهد الى اللحد، تاريخ كفاح هو تاريخ حياة بكاملها، حياته أم حياة شعبه؟حياته أم حياة حزبه؟ ويشير الى انه "كان راسخاً في فكره منذ ان ولد الى الوعي الذي سيكون وعيه ، وخاض معركة الواقعية في حقل النقد الأدبي وسيخوض معركة المادية في حقل الدراسات التراثية. وكان في كل مرة يخوض معركة الحرية والدمقراطية من أجل التقدم والاشتراكية".
ويتناول محمد دكروب ملامح من المسيرة الفكرية لحسين مروة مؤكداً على حقيقة انه منذ ظهور حسين مروة كاتباً ارتبطت صفته هذه بصفة كونه مناضلاً، فلم تنفصل الكتابة عنده ولا في اية مرحلة من مراحل حياته عن نشاطه العملي كمناضل، حتى كتابه الموسوعي الشمولي الأكاديمي "النزعات المادية" انما كتبه في الأساس كإسهام في معركة ايديولوجية وكسلاح معرفي في معركة فكرية سياسية طبقية راهنة. وكان يرى في التزامه كتابة المقالة اليومية والأنواع الكتابية الأخرى شكلاً هاماً جداً من أشكال الممارسة الكفاحية باعتبار هذا الشكل علامة من علامات الحضور النضالي اليومي واسهاماً مباشراً في إنارة الوعي بالقضايا المطروحة وطنياً وسياسياً ومعاشياً وثقافياً.
ويسرد القاص السوريحنا مينه شيئاً من الذكرى وشيئاً من الدمع ،مبرزاً ان حسين مروة المفكر والمناضل والشهيد لم يكن معلماً فحسب، بل كان أخاً كبيراً وكانت معلميته في قدرته ان يجعل الكل يتقبل أفكاره دون ان تلغط القصيدية فيها. يسوق الكلام كأنما يطرح أسئلة ينتظر جوابها ، في حين يتولى هو نفسه الإجابة عبر حوار هادئ. ويذهب الى القول انه اعطى وأفاد وزاد، ومن اعطياته هذا الإرث المعرفي الذي خلفه لنا في الفكر والنقد والدراسة ، لكن عطاء هذا المعلم لم يكن قولاً فقط ولا ابداعياً فحسب ، بل كان فصلاً نضالياً وصموداً ابداعياً هما الذخيرة والأمثولة اللتين ترك لنا ان نتعلمهما من سيرة حياته الحافلة، الجليلة، الماجدة والباسلة، وقد أعطى برهانه النضالي لا من خلال الموقف معه، فقد كان مفكراً مناضلاً قاتل بالكلمة وقاتل بالموقف وقاتل بالجسد، وثبت في بيروت حين كان الاجتياح الاسرائلي يسودها ويظللها ويشعل أبنيتها وشوارعها بالنار.
والقسم الثاني هو حوارات مع فكر حسين مروة في مجال دراسة التراث العربي ، فيتحدث الطيب تيزني عن حسين مروة رائداً مؤسساً في البحث التراثي العربي، ويتوقف عند مؤلفه"النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية" ويخلص الى ان ما فعله في عمله الموسوعي حين بحث في الديني من الموقع المادي الجدلي التاريخي لم يستجب لشرائط البحث العلمي المنهجي عموما فحسب، بل كان في ذلك متطابقاً مع الصيغة المتمثلة تحديداً في هذا السياق بمنطق التجاوز والتخطي وهي الجدلية المادية التاريخية.
ويعرض هادي العلوي الى قضية الاستشراق ورؤية حسين مروة لها ذاكراً أن الشهيد يلخص جملة من الكتابات الماركسية حول الاسلام والفلسفة الاسلامية معظمها لباحثين سوفييت. وترسم هذه الكتابات الاتجاه المركزي في الاستشراق الماركسي لا سيما السوفييتي ، وان مزايا الاستشراق الجديد تتحدد بالاممية مقابل العنصرية ومركزية العالم مقابل مركزية اوروبا والتمسك بالعقلاني ضد الروحاني.
ويقدم الباحث محمد المصباحي قراءة داخلية لإبراز الطابع الإشكالي من ممارسة حسين مروة النظرية إزاء التراث الذي يتميز أساساً بالتعدد والمفارقة. وهو يرى أن الخطأ الذي يقع فيه البعض عند الحكم على حسين مروة هو أخذهم الدلالة التراثية مكان الدلالة التاريخية أو عدم تبنيهم الرهان التاريخي الذي كان يصوب حسين مروة نحوه سهامه.
ويقوم توفيق سلوم بجولة في أعمال الدكتور حسين مروة التي تعالج تراثنا الفكري ، ويقرر بأن "العصب الرئيسي في المنهجية الماركسية،المادية التاريخية، التي اعتمدها في دراسة التراث العربي الاسلامي هو من مبدأ "الحزبية" (بالمعنى الواسع للكلمة" ، والحزبية هنا ذات وجهين "حزبية الذات " أي حزبية الدارس و"حزبية الموضوع" أي حزبية المفكرين المدروسين.
ويتناول بومدين بوزين بالتحليل العلمي تجربة حسين مروة في كتابه "النزعات المادية" مبيناً ان يوم استشهاده كان عرساً للدم والحبر وانه قضى سني حياته منهمكاً قي حفرياته في تراثنا العربي الاسلامي باحثاً عن الجوانب المشرقة منه فاكتشف النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية فقتلته النزعات الطائفية. وهو يؤكد على ان كتابه "النزعات المادية"يشكل منعطفاً نوعياً على مستوى المنهج والرؤية ، فهو يمثل مرحلة نضج مروة فكرياً واستكمال ادواته المنهجية ومبضعه النقدي ويمثل من جهة اخرى مدى استيعاب الحركة التحررية العربية للتراث العربي الاسلامي وامتلاكها له ايديولوجياً ومعرفياً في ساحة الصراع السياسي العربي المحتدم.
ويتطرق الدكتور محمود اسماعيل الى مكانة حسين مروة وانجازاته وتميزه في ميدان دراسة التراث العربي الاسلامي ذاكراُ بانه قدم لنا صورة دقيقة للفلسفة العربية الاسلامية واتجاهاتها وتياراتها ليس فقط من خلال النصوص التي كتبها المفكرون ، بل استشهاداً بالمسح الاقتصادي الشامل لبنية المجتمعات العربية الاسلامية.
ويعرض فالح عبد الجبار الى كتاب "سوسيولوجيا الفكر الاسلامي ومقولات الاقتصاد السياسي الماركسي" وذلك اسهاماً في تطبيق المنهج المادي التاريخي في فهم التراث الذي رسخه الدكتور حسين مروة ، مشيراً الى ان مروة هو احد المعالم الفكرية العقلانية في مجال البحث في التراث الفكري العربي الاسلامي ومجال البحث في التاريخ العربي الاسلامي ، انطلاقاً من الماركسية والمنهج المادي التاريخي.
ويقدم د.علي سعد،حسين مروة في نشيد العقل والفعل الانساني من خلال قراءة في بعض فصول كتابه"النزعات المادية"،وهو يرى ان الموقف الثوري من التراث يضمن تحقيق غرضين رئيسيين هما: استيعاب هذا التراث على نحو جديد وتوظيف هذا الاستيعاب لتعزيز حركة التغيير والتحول في المجتمع. وحسين مروة بموقفه من التراث الثقافي العربي حقق هذين الغرضين على مستوى متميز فخدم بذلك حركة التحرر العربية من خلال خدمته للثقافة العربية، ويشير الى انه من هذا الموقع الفكري الطليعي رأى الى الخط الفاصل بين تراثين، تراث القوى الثورية العربية ذات الحاضر المستقبلي وتراث القوى الرجعية المتخلفة ذات الحاضر الماضوي.
ويتحدث د.حليم اليازجي عن حسين مروة هذا الوجه الآخر من التراث ، مركزاً على ان المنهج الذي اهتدى به الدكتور مروة في دراسته للتراث يحمل في غاياته بعدين اساسيين هما: إمكانية الإفادة من التراث وتوظيفه في الايديولوجية الثورية المعاصرة وتحرير الفكر العربي من تبعيتين كلتاهما تصبان في مجرى واحد هي الميتافيزيقية ، التبعية للفكر البرجوازي القومي الذي فقد ثوريته في الغرب، والتبعية السلفية التي تنتسب الى الايديولوجية الاسلامية وتعمل لتكون وجهها الأبرز في تاريخنا العربي المعاصر.
ويعالج د.عفيف فراج مسألة التراث من الرؤية الماركسية من خلال ابداعات حسين مروة وغيره من المفكرين العرب . ويخلص الى القول ان مروة اخرج هذه المسألة من حدود المطارحة التراثية المأزومة لمسألة "الأصالة والمعاصرة"الى رؤية تصلح ان تكون نواة فلسفة نهضوية شاملة متسقة النهج تنقذنا من التجريبية والانتقائية والتأرجح القلق بين شرق وغرب نعيش دواره منذ قرن ونصف.
والقسم الثالث من الكتاب يتضمن مقالات ومناقشات حول كتابات حسين مروة في النقد الأدبي، فيطرح الدكتور عبد النبي اصطيف الاثر السوفييتي في النقد الأدبي العربي الحديث ومفهوم مروة للواقعية الجديدة، وذلك من خلال استعراضه لكتاب "قضايا أدبية" ،وايراد استشهادات واسعة منه. وهو يرى بأن مروة حين يتحدث عن الأدب الواقعي فإنما يعني ذلك الأدب الذي يبرز صراع القوى المتناقضة في المجتمع، ويظهر هذا الصراع على حقيقته مهما كانت نسبته الطبقية، وبذلك يكون قد ابرز حركة الحياة في تطورها الصاعد . وهو يميز بين نوعين من هذا الإبراز لصراع القوى المتناقضة في المجتمع بين أدب واقعي موجه بصورة انعكاسية ليس معها قصد واضح الى تصوير الحياة الواقعية تصويراً حقيقياً تبرز فيه ثورية الواقع ، وبين أدب واقعي موجه ولكن بوعي وقصد صادرين عن معرفة الواقع الموضوعي وعن نظرة علمية الى العالم الذي يعيش فيه الأديب.
اما الدكتور والمفكر الراحل عبد العظيم انيس فيلحظ ان "قضايا أدبية" هو استمرار للجهد المنهجي الذي بدأه كتاب في" الثقافة المصرية "فهو يتضمن رداً مفصلاً على احتجاجات طه حسين بأن منهجنا في الأدب لا يترك مجالاً لأدب الطبيعة الذي لا ليس له دلالة اجتماعية في رأي طه حسين، لكن حسين مروة قدم استشهادات مطولة للوركا وناظم حكمت ونيرودا وابن الرومي وآخرين، لإبراز انه لا يوجد أدب طبيعة مجرد من النظرة الإنسانية والموقف الإنساني.
ويؤكد عبد الحكيم كاصد على ان حسين مروة دقيق في المنهج ورحب في التطبيق ، واذا كان يرفض المنهج الذي يقوم على اسس ومقاييس ثابتة ومتحجرة فانه لا ينكر أن أي منهج علمي لا بد ان يقوم على اسس ومقاييس ثابتة من حيث الجوهر ، متحركة ومتطورة من حيث التطبيق ، تراعي الخصائص الذاتية القائمة في كل عمل إبداعي.
وتتحدث يمنى العيد عن حسين المنهج والحوار في الممارسة النقدية مبرزة حقيقة انه كان محاوراً في كل ما كتب وفي كل سلوك سلك، فهو يصغي ولا يعظ، يخاطب ولا يملي، يبحث ولا يفرض. وأنه كان يناقش من خالفوه الرؤية والنظر الى الواقع ، واقع الامور، باحترام حقيقي، فاحترامه لم يكن مجرد قاموس من الألفاظ البروتوكولية.
ويعالج د.ميشال جحا مفهوم النقد الواقعي عند مروة من خلال توقفه عند خمسة نماذج من النقد التطبيقي الذي يورده في كتابه "قضايا أدبية" وهي "فارس آغا" و"الطعام لكل فم" وخطوات في الغربة" وكتاب "التحولات"و"بيادر الجوع" وهو يبيبن بأن حسين مروة ناقد ملتزم ينظر الى الادب من الزاوية الماركسية ويرى بأن الادب يجب أن يكون في خدمة المجتمع وليس المجتمع في خدمة الأدب.
ويشير فوزي معروف الى ان النقد عند حسين مروة رؤية منهجية وفعل إبداعي من خلال مقارنة يجريها بينه وبين محمد مندور وطه حسين موضحاً بأن أهم الأسباب التي جعلتنا ننشّد لهذا المفكر هو انسجام البعد الوطني والبعد القومي مع الماركسية في تفكيره وسلوكه وكتاباته.
ويحتوي القسم الرابع على شهادات وذكريات عن مروة ، فيحدثنا عبد الرحمن منيف عن لقائه الأخير معه ذاكراً ان الذين قتلوا مروة وبعده مهدي عامل لا يدركون بأن الشهيدين ، بالدرجة الأولى والأساسية، افكار وأن من ميزة الأفكار انه لا يمكن اطلاق النار عليها لقتلها، اذ ان لها قابلية هائلة للدفاع عن نفسها ، تفضح التزييف والخداع ولها قدرة غير محدودة على الاندفاع وتخطي الحواجز.
ويسترجع شوقي بغدادي ذكرياته مع مروة مؤكداً على انه من خلال لقائه به تكرست شخصيته لديه نموذجاً اصيلاً يهب جماع نفسه منذ اللحظات الاولى ويظل هو ذاته طوال السنين لا يتناقض معها ولا يبدل في اسسها . ولكنه مع ذلك يبقى ثراً عميقاً ، قادراً على التجدد في العمق كالمنجم الغني الذي تدهشك كنوزه كلما اوغلت فيه حفراً وتنقيباً.
ويبرز د. علي سعد حقيقة ان مروة كان في حياته أجمل، اما استشهاده فهو بطولة، لأن حياته كانت فيوضاً ربيعية دائماً علينا جميعاً، فلنتذكر دائما حياته.
ويوضح د.علي سعد ان حسين مروة المناضل كان شاعراً في سلوكه وقد اثبتت كتاباته بأنه المقاتل الأكثر توقداً وحماساً وثباتاً وشمول ثقافة وعمق رؤية ونفاذ بصيرة وقدرة تعبيرية على الجبهة العريضة ، التي تتصدى لكل القوى التي تعيق تقدم الإنسان.
ويستعيد احمد سويد ذكرياته عن حسين مروة يوم تكريمه في مؤتمر اتحاد الكتاب والأدباء العرب في الجزائر عام 1984. في حين يتساءل عباس بيضون هل يعلم القاتل انه سفك في حسين مروة عاملياً ونجفياً بالمقدار الذي سفك فيه يسارياً ؟هل يعلم انه وهو يسدد رصاصة الى حسين مروة الذي كان ازمع ان يبدأ من صباحه مجلداً جديداً كان يدثر الرجل ملهبة الذي ظل يتصفى ويشتعل الى آخر لحظة فيه؟!
وفي القسم الخامس والآخير يقدم محمد دكروب أوراقاً من مسيرة حسين مروة وكلمات بمنزلة الوصية عن الفترة العراقية من الدراسة في النجف الى الحزب الشيوعي وملامح في مجالات الكفاح العملي.
وبعد، هذه آراء في واحد من أبرز المفكرين العرب، الشيخ الجليل المشرع الأبواب للنور والمحبة الانسانية الحقيقية، الذي وهب حياته كلها في خدمة قضايا الشعوب المقهورة وترسيخ دور الكلمة الثورية الحقيقية والفكر الحر والعقل النيّر في بناء المجتمع العربي الحضاري، وأكد اغتياله صحة التوجه الفكري الذي اختاره في حياته. ويمكن القول ان هذا الكتاب هو شهادة ساطعة على الاحترام والتقدير الذي يكنه حملة الأقلام لروح هذا العلامة الكبير الذي كان له اليد الطولى في إرساء الفكر الثوري الحقيقي في الثقافة الإبداعية الأصيلة في العالم العربي ، وهو يستحق القراءة والدراسة كونه مساهمة لإبراز الصورة الحقيقية لحسين مروة ، الذي جسد في مسيرته صورة الإنسان "صانع تاريخ الفكر بيده وعقله معاً".
وعلى اجيالنا الصاعدة اعادة قراءة افكار وابداعات مروة الانسانية والتنويرية العظيمة ، التي تعتبر ذخراً للفكر التقدمي النقدي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.