علق رشيد آيت العربي، المحامي بهيئة القنيطرة، على الجدل الكبير الذي أثاره مشروع قانون المحاماة الجديد، معتبرًا أنه يشكل محاولة أخرى لاستهداف المهنة على عدة مستويات. وانتقد آيت العربي المحاولة الواضحة للمشروع للمس باستقلال المحاماة وحصانتها، عبر منح وزارة العدل صلاحيات كثيرة لم تكن متوفرة في القانون الحالي. فبعدما كانت هذه الأخيرة لا تتدخل إلا في تنظيم امتحان المحاماة ومنح شهادة الأهلية للناجحين فيه، ستصبح وزارة العدل – في حالة إقرار المشروع – تتدخل في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالمحامين؛ من إعلان المباراة إلى الإشراف على التكوين طيلة المدة الفاصلة بين النجاح فيها، وحتى التسجيل في جدول إحدى الهيئات بعد أداء واجب انخراط تحدده الوزارة أيضًا.
وأكد أن المشروع وسع صلاحيات تدخل النيابة العامة بشكل كبير، حيث أصبح من حقها – لأول مرة في تاريخ المحاماة – متابعة المحامي تأديبيا في أكثر من مناسبة، عوض اقتصار صلاحياتها على الطعن في قرارات النقيب والمجلس. كما منحها لأول مرة أيضًا صلاحية تنفيذ مقررات الإيقاف عن ممارسة المهنة. وأوضح أنه، عوض مسايرة نسق الدستور الذي أقر لأول مرة بتدبيت حق الدفاع في المادة 120 منه – وهو أمر لا يمكن ضمانه إلا بالاستعانة بمحامٍ – فإن مشروع قانون المهنة جاء معاكسًا لهذا النسق. إذ كان المأمول هو توسيع نطاق الحصانة لتمكين المحامي من ضمان استفادة المتقاضي من حق الدفاع بصورة أفضل، عوض لجم لسانه وشل حركاته والتحكم في نبرات صوته. فقد تم تضييق هذا الهامش إلى أبعد الحدود، مع منح الوكيل العام للملك – في حالة تحرير محضر بالجلسة يشير إلى احتمال وجود أي إخلال صادر عن المحامي بمناسبة المرافعة أو الكتابة – صلاحية إحالة الملف على غرفة المشورة. وأشار آيت العربي إلى أن الوكيل العام أصبح يملك حق متابعة المحامي حتى إذا ارتأى النقيب أو المجلس أن المحامي لم يرتكب أي إخلال، متسائلاً: «ما الفائدة من الحصانة إذا أصبح أي فعل أو حركة أو قول قابلاً لتكييفه كمخالفة تستوجب التأديب؟». وتطرق إلى تنصيص المشروع على أن إشعار النقيب باعتقال محامٍ أو وضعه تحت الحراسة النظرية لا يكون إلا بعد القيام بهذين الإجراءين المنتهكين للحرية، عكس ما هو منصوص عليه في القانون الحالي حيث يكون الإشعار مسبقًا. كما أن الإشعار سيصبح موجهاً لنقيب الهيئة التي يُعتقل المحامي في دائرتها القضائية، عكس القانون الحالي الذي يتحدث عن نقيب الهيئة التي ينتسب إليها المحامي. وهنا – يضيف آيت العربي – يتأكد أن وزارة العدل سارت عكس منحى مطالب المحامين المستمرة منذ عقود بتوسيع هامش الحصانة. واعتبر أن وزارة العدل، من خلال مشروع القانون الجديد، أرادت أن تقلص مجالات عمل المحامين بشكل كبير، من خلال حذف مجموعة من المساطر التي لم يكن ممكناً مباشرة التقاضي بشأنها إلا بواسطة محامٍ. لكنه حذر من أنه في حالة المصادقة على هذا المشروع، سيصبح التقاضي بشأنها شخصيًا، مع ما يمكن أن يخلفه ذلك من مشاكل جمة للمتقاضين؛ بسبب عدم قدرتهم على ممارسة حق التقاضي شخصيًا، وإرهاقهم بمصاريف قضائية متكررة نتيجة الأحكام المنتظرة بعدم القبول لعدم ضبطهم شكليات المسطرة، ناهيك عن جعلهم فريسة سهلة للسماسرة، وما يمكن أن يترتب على ذلك من آثار سلبية على صورة العدالة ومستوى الثقة فيها. وفي مقابل التقليص من مجالات العمل، لفت إلى أن المشروع سيفسح المجال للمحامين الأجانب وللمحامين المغاربة المزاولين لدى المحاكم الأجنبية، لممارسة المهنة في المغرب بصيغ مختلفة، وهو ما سيشكل – في رأيه – ضربة أخرى يُراد منها إرهاق المحامين ماديًا. وخلص آيت العربي إلى أن المشروع لم يأتِ لإصلاح المهنة أو تطويرها لجعلها قادرة على مواكبة التطور الذي يعرفه المجتمع، أو من أجل تحصين حق الدفاع وتقوية ضمانات المحاكمة العادلة مسايرة للدستور، بل جاء – حسب تعبيره – "لكسر شوكة المحامين التي ظلت عصية على الكسر لعقود من الزمن".