فرنسا.. أوامر حكومية بإتلاف مليوني عبوة مياه معدنية لتلوثها ببكتيريا "برازية"    طقس الثلاثاء.. أمطار الخير بهذه المناطق من المملكة    الأمن المغربي والإسباني يفككان خيوط "مافيا الحشيش"    ميارة يستقبل رئيس الجمعية البرلمانية لأوروبا    السجن المحلي بتطوان يحتفل بالذكرى ال16 لتأسيس المندوبية    أسماء المدير تُشارك في تقييم أفلام فئة "نظرة ما" بمهرجان كان    وزارة الفلاحة: عدد رؤوس المواشي المعدة للذبح خلال عيد الأضحى المقبل يبلغ 3 ملايين رأس    مطار الصويرة موكادور: ارتفاع بنسبة 38 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    الجيش الملكي يرد على شكاية الرجاء: محاولة للتشويش وإخفاء إخفاقاته التسييرية    سكوري : المغرب استطاع بناء نموذج للحوار الاجتماعي حظي بإشادة دولية    مشروبات تساعد في تقليل آلام المفاصل والعضلات    خمري ل"الأيام24″: الإستقلال مطالب بإيجاد صيغة جديدة للتنافس الديمقراطي بين تياراته    الزمالك المصري يتلقى ضربة قوية قبل مواجهة نهضة بركان    تحديات تواجه نستله.. لهذا تقرر سحب مياه "البيرييه" من الاسواق    أمن فاس يلقي القبض على قاتل تلميذة    بلينكن: التطبيع الإسرائيلي السعودي قرب يكتمل والرياض ربطاتو بوضع مسار واضح لإقامة دولة فلسطينية    عملية جراحية لبرقوق بعد تعرضه لاعتداء خطير قد ينهي مستقبله الكروي    مجلس النواب يطلق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية    برواية "قناع بلون السماء".. أسير فلسطيني يظفر بجائزة البوكر العربية 2024    رسميا.. عادل رمزي مدربا جديدا للمنتخب الهولندي لأقل من 18 سنة    المحكمة تدين صاحب أغنية "شر كبي أتاي" بالسجن لهذه المدة    هذا هو موعد مباراة المنتخب المغربي ونظيره الجزائري    الشرطة الفرنسية تفض اعتصاما طلابيا مناصرا لفلسطين بجامعة "السوربون"    غامبيا جددات دعمها الكامل للوحدة الترابية للمغرب وأكدات أهمية المبادرة الملكية الأطلسية    الملك يهنئ بركة على "ثقة الاستقلاليين"    تحرير ما معدله 12 ألف محضر بشأن الجرائم الغابوية سنويا    "التنسيق الميداني للتعليم" يؤجل احتجاجاته    نيروبي.. وزيرة الاقتصاد والمالية تمثل جلالة الملك في قمة رؤساء دول إفريقيا للمؤسسة الدولية للتنمية    الرئاسيات الأمريكية.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن    يوسف يتنحى من رئاسة حكومة اسكتلندا    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام    المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري        اتفاق بين الحكومة والنقابات.. زيادة في الأجور وتخفيض الضريبة على الدخل والرفع من الحد الأدنى للأجور    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    إدارة السجن المحلي بوجدة تنفي ما نقل عن والدة سجين بخصوص وجود آثار ضرب وجرح على وجهه    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين        إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    رئيس ريال مدريد يهاتف مبابي عقب التتويج بالدوري الفرنسي    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراسة حول شعر اسماعيل زويريق: (الشعر والهوية..الذات والمكان..والرهان الصعب)
نشر في طنجة الأدبية يوم 29 - 04 - 2011


+التركيبة المنهجية:
- بعد قراءات ممحصة، تبين لي أن المنهج الذي يلين من أجل البحث والغوص في مضامين المجموعات الشعرية التي تناولتها بالدرس، للشاعر اسماعيل زويريق، هو منهج ميداني بادرت إلى تطبيقه في مجال التناص، يصطلح عليه بالمنهج الإمبريقي..وهي محاولة مغامرة، لتطبيقه في الحقل الأدبي الإبداعي بمفهوم تجريبي مباشر،على عينة مختارة(أي، باختيار عفوي لبعض الدواوين من بين أخواتها في المجموعات الشعرية الوفيرة لشاعرنا، وذلك اقتباسا من سوسيولوجية البحث الميداني التي تعتمد التجميع للمعلومات ثم التفريغ فالقراءة التحليلية، ثم الاستنتاج، معتبرا القصيدة تتركب من مكونات حية تتفاعل وتتكامل وتنشط في عالمها، تماما كما تتحرك وحدات المجتمع، بنيويا، في انصهار
حيوي، حيث تستغل هنا الصور (كعلامات ورموز لما وراء اللفظ).. والداعي إلى هذه المحاولة، هو التغلب على فك منظومة شعرية قوية في صيغ تعابيرها، وتعدد رموزها التي تصل أحيانا إلى ما فوق الترميز، بلإضافة إلى اكتضاض التصورات، وصعوبات الإحاطة بتفاعلات التناص، إلى درجة قد تبلغ حد التمويه على (النص الأصلي الغالب)..من هنا فقد تمكنت من محاولة تحديد الصيغ التي شكلت منظومة أسلوبية تكررت واستقرت كظاهرة جلية، وطبعت بقوة المنتوج الذاتي في إبداع الشاعر..إذن هناك نسق رمزي ممنطق على مستوى البناء النصي، ومجازي على مستوى الاستعارة البلاغية، وأيضا سريالي على مستوى
التعبير.. (فهذه التركيبة يختلط فيها الذهني بالصوري وبالهاجس النفسي)، ولدى تستوجب التفكيك...
- كما أنه لابد من دراسة (أيقونية) لما خلف تلك الصور اللفظية كعلامات، لاستكشاف ما يعادلها في الواقع اللغوي للنص كمنطلق..وأقصد بذلك وجود عبارات لفظية صيغت في تركيبة تكاملية، كما يلاحظ من الرسومات التي نقلها الفنان إسماعيل زويريق على صفحات ديوانه (طائر الأرق)..فشاعرنا هو رسام بطبعه، أقام بالفعل معارض له، وقد أبدع لوحات تشكيلية بفن شاعري، ثم نقل رمزيتها من أو إلى نصوصه بفن تشكيلي، تبادلت الترجمة في علاقات دلالية.. فنجد المقطع من قصيده يطول بفعل الإلحاح،تدقيقا في الوصف وتجريدا
للخطوط وإمعانا في التشكيل التعبيري..فهذا الثراء الذي تتميز به مقاطع القصيدة في شعر إسماعيل زويريق، ساهم، بالنسبة إلى البحث، في تدليل وتسهيل المقاربات عبر تلاؤم شعره مع لوحات رسمه..وبالتالي تعميم المقارنات بين كل القصائد وكل الدواوين التي طرحت للدراسة الراهنة..
- ومن هنا أيضا، يمكن اعتبار شعر إسماعيل زويرق، بصفة عامة، شعرا ذاتيا ومخياليا،أكثر منه ناتج عن تجربة، (حيث تهيمن عليه خلفية تأملية مترسبة في حياة تعاملت فيها شخصيته مع تصادمات انطباعية، ترسخت في وعيه، كرغبة مفقودة خامره تحققها..
- وهذا يعني أن الإبداع الشعري في هذا الصدد، تجتابه رؤية تتطلب البحث عن جذورها وتطلعاتها الأولية وهدف مقصدها..ولهذا لا بد من استخدام ادوات المنهج التاويلي، وفق الزمان والمكان والظرفيات والثقافة والهواجس النفسية.. لكن وبالتأكيد، فمهما أجهد الناقد نفسه أو أعد العدة لعمله، فلن يستطيع الإلمام بكل ما في خلد المبدع، إلا بقدر الأدوات التي يتناولها نسبيا، للتنقيب في (أيركولوجية) إبداع قد لاتحد أغواره..
+التركيبة الموضوعية
1) مجال البحث:
- لقد أثارتني الأعمال التالية لدراستها، وهي: ( بوابات الريح..الطبعة الأولى 1998
وتتضمن 23قصيدة من شعر التفعيلة) واتخذته كأرضية ثابتة للتحليل، وهو من شعر النضج بعد أربع مجموعات سابقة..وذلك ليقارن مع مجموعات مساعدة، للتأكد من الثوابت والمتغيرات في (إبداع الشاعر)..وهي كما يلي: ديوان- هتاف الألم-وهو من أواخر أعمال الشاعر..الطبعة الأولى2009 ويتألف من8قصائد)، ثم- كأس الزقوم-(الطبعة الأولى2005 ويحتوي على 14 قصيدة من شعر التفعيلة أيضا)، لاعتباره جسرا واصلا ما بين- بوابات الريح-وهتاف الألم،على امتداد السيرورة الشعرية لاحقا..أتمنى أن تكون محاولتي المتواضعة هذه مساهمة في رصد جزء من الزخم الذي تموج به شاعرية هذه الدواوين..
2) جدولة البحث الإحصائي،وتفريغ المعلومات،والقراءة الإحصائية:


*عناصر الرموز بوابات الريح كأس الزقوم هتاف الألم المجموع
1- الريح 72 68 24 164
2- الطير 60 46 32 138
3- الليل 61 49 18 128
4- النخل 38 35 07 80
5- الأسوار 32 10 19 61
6-الصمت 24 20 14 58
7- الظل 26 22 05 53
8- البوابات 11
19 21 51
9- الشعر 26 11 11
48
10-الضوء 20 10 10 40
11-الخوف 22 03 10 35
12-الواحة 14 04 01 19
13مراكش 08 04 05 17
14الخريف 12 01 02 15
*المجموع 426 302 179 907
*مثال للعلاقات الرمزية:

*الطير
*الليل *النخل
+الريح *البوابات * الشعر *الواحة *الخريف
*الخوف *الضوء

*الأسوار
(((مراكش)))

3) الفرضيات والاستدلال:
*ديوان بوابات الريح:
- يبدو لأول(وهلة) أن الشاعر ينشد مثله المفقودة (في وحدتها المتكاملة)، أو ما
يصطلح عليه بالنص الغالب..فالمفقود لدى الشاعر هو ما تنطوي عليه تجريديات مثالية، تكمن خلف دلالات رمزيته، تترتب عنها وحدة بنائية بإشارات مفاتيحية، يلقي بها الشاعر في نصوصه بهدف استنهاض ظروفه من أجل تحقيق صنف منها، و مغالبة الصنف الآخر المعاكس..وتتمثل هذه المفاتيح في عبارات بارزة لفظيا، في جميع تعابير النصوص التي تضمنتها مجموعاته، وهي مرتبة، من الأقوى إلى الأضعف عدديا، وذلك كالتالي:(الريح- الطير- الليل - النخل- الأسوار- الصمت- الظل- البوابات- الشعر- الضوء- الخوف - الواحة- مراكش- والخريف).. فلنأخذ عناصر الترميز التي تغلب على الصور الشعرية باعتبارها ذات الصدارة في الفعل الشعري الإبداعي لدى إسماعيل زويريق:
*(أ)"الريح": وتمثل قوة غالبة بتعددية دلالية (فهي التي تعصف وتخترق وتجتاح وتطفئ، و(تتعارض مع النخل والواحة والضوء) وتتوافق مع (الليل والبوابات والخوف).. وتتخذ معاني مختلفة الأدوار..ولهذا نجد في مواقف متفرقة، أن الشاعر يتعامل مع هذا الرمز مثلا، وأيضا مع باقي رموزه المصاحبة بازدواجيتها أو تعدد أوجهها، يتأرجح أحيانا بين أمله ويأسه منها، أو يتمثلها في ذاته قصد الاستقواء بها أو يتحداها..والأمثلة كثيرة، نكتفي بنماذج منها، في (قصيدة- هذا أول الطل- ص33):
*افتحي جسدي/يا سيدة الإصرار/هذا أول الطل/لم تعد واحتي عطشى/كلما هبت الريح تساقطت غيمة ضلت قبلتها/مطرا مطرا..ويقول في قصيدة.(إيماءة.ص5)
*تعصف الريح بي/ أتملأ هذا الفضاء شجيا/أوسع أمدائي لصفاصف ليل تسربل بالآلام/لا شيء يطوق هذا الفراغ/فبت أناجزهوج الرياح/أتنضى القوافي الشريدة
*(ب)ويأتي بعد الريح،"الطير" بصيغة الجمع، كبعد له حمولة مثالية، من حرية وانعتاق وآفاق..(فهي تتوافق مع النخل والظل والواحة)..وهي أمل الشاعر بل ذاته، يحمل هاجس خوفه عليها من القناصين المطاردين..والمثال من(قصيدة-الأسوار- ص13):
*أثبتي أيتها النفس/ما بعد الليل إلا الليل/أنفخه روحا في نخلتنا/أغلق كل مساء ممرا لقناصي الطير..)
(ج) ثم هناك"الليل"، كمجهول يصعب الكشف عن مغالق ظلامه وغموض مستوره، في غياهب الأسوار..فيتوافق (مع الصمت والخوف)..ويتعارض (مع الطير والضوء والظل)- يقول الشاعر في (قصيدة- الأسوار- ص11):
*في الليل/ أتنشق وهما / وذاتي استباح عوالمها عقبان المساء/كيف أفتح مغلق هذا الحديث، وتاريخي لا يعرف إلا الصمت، لا يعرف إلا الحماقات العقيمة/ لا يعرف إلا آثار الهزيمة/...إنها فعلا إشارة إلى العبثية وجمود التاريخ، في الوطن وعلى امتداد القومية...
- هي نماذج تبدو من خلالها قدرة الشاعر على التشكل في ذاته وفق ما يكتنزه اللفظ من أبعاد، فيولد المعاني ويصبغ عليها صيغا تتناسل بلاغيا في كل الأحوال والأجواء التي يصنع منها صوره وتصوراته، بمهارة المتمكن من تليين لفظه في تماه مع أحلامه وآماله المثلى، والتي تحقق له الرؤية المتوخاة من نضاله في عالم الكلمة الشعرية..وكذلك يفعل مع كل رموزه، حيث ينفخ فيها من حسه ما يضخمها ولو كانت قليلة العدد، أو يقزمها ولو كانت كثيرة الترداد، وبذلك يتحكم الشاعر في مسار تشكيله الرمزي..فلنلاحظ كيف عالج بذلك علاقة الأسوار مع ظاهرة الشعر حيث نزل بكل ثقله الإبداعي للمراهنة علىمناصرة وتقوية الوداعة أمام القساوة، واللطف أمام الخشونة..وذلك في(قصيدة-الأسوار- ص16).
*لا نقرأ أحرارا/ لا نكتب أحرارا/لا نكتب/ لا نقرأ/إلا ما يفرضه قانون الأسوار/
فمتى نتحرر من قيد الأسوار/كي نجهر يوما بكل الأسرار/أهدموا الأسوار/ فما توقف الريح/وارفعوا الشعر أسوارا في وجه الزمان العتي/فما زال الشعر- سيدتي-/ من أعزالأسوار..
- هي دعوة إلى الطهر في المكان لتشيع القيم والجماليات، في حرية لا تقيد..
- ويقول في (قصيدة -الأسوار- ص9):
*هاهنا/ أماه/ تنتحر الظلال/وتخسر الأشياء عذرتها/هنا..يتحصن الزمن الردئ/ وتفرخ الأشجار صاغرة/هنا تتشكل الأسوار سيدة المكان/وهاهنا تتناسل الآلام والبة/ وينبسط الصقيع على نخيلك هازئا من سورة القيظ المثيرة..
- إنه خطاب يدين الأسوار أمام مدينته مراكش، باحثا عن الهوية الضائعة، فيحولها من حمى وتاريخ تليد في زمانها، إلى حصار صاد ومانع للانطلاق في هذا الزمان..إنه خطاب انتقادي لكل من يعيث فسادا في مدينته هذه، والتي يحق الحفاظ عليها، اعتزازا بها في المكان والنفس، قيما هوية...
- والجميل في شعر إسماعيل زويريق هو أن هذا الإطار الذي يشكل المنظومة الرمزية العامة، ممتع في حزنه و محزن في متعته..إذ تشمله، كما يلاحظ، وحدة النزوع الرومانتيكي، مما يضفي شاعرية وجدانية، مفعمة بحزن عاشق، على الطابع الشعري..
- فعوائق أمانيه ومسببات إحباطاته وأيضا التعارض بين أحلامه والواقع هي تضاربات، جعلت الشاعر يتدفق تارة آلاما وتأسيا، وأخرى شكوى وتدمرا، ثم غضبا وتحديا، وأيضا اندفاعا وطموحا...(إنه صراع بين الذات والرهان، تحقيقا للهوية،واعتزازا
بالمكان)أليس هنا ما يثبت وجود رهان صلب يواجهه الشاعر؟ - فلنتحول إذن إلى المجموعة الثانية، لتفحص التطور...
*ديوان (كأس الزقوم):
-إنها مجموعة التحدي في الخطاب الشعري لإسماعيل زويريق..ولا شيء أمر من الزقوم..يقول في قصيدة:- كل العوالم أغمات- ص23..(وهي رثاء في المعتمد بن عباد دفين مراكش)،وقد اتخذه مثله الأعلى في التضحية والجلد..لقد انبرى دفاعا عن معنويات الشعراء في شخص هذا الشاعر التاريخي، تقديرا لصموده في سبيل مبادئه والحفاظ على كرامته..
*أيها الغرباء كفاه الشعر/ كفاه أن يكون على عرش الكلمات أميرا/خذوا كل
شيء/واسترقوا السمع، في الريح قافية "عصماء"/فما ذهب العرش عن مالكه/
*ويقول في قصيدة( بالإشارة) من نفس مجموعة (كأس الزقوم) ص.72..
*بالإشارة/لو قطعوا عنقي/أتكلم يا وطني بالإشارة/لو غلوا يدي/ عيني تفضح ما يعتريك بأجلى عبارة/لو سملوا عيني/ ففؤادي يحكي عن أسباب الخسارة/لو أماتوا فؤادي/دمي
سيفور ليأخذ ثاره..
- إنه التمرد والتحدي ضدا على استعصاء خلفيات رموزه السلبية التي تطيح برهانه صمتا وخوفا وخريفا، في مجاهل الريح والليل والأسوار..لنلق نظرة تأملية على نموذج من عناوين فهرس المجموعة وهي كما يلي: لن ألين ليركبني الخوف- سآخذ بين فيافي الشجا بزمام القصيدة- أسوي دمي شعرا-إلخ
- أما الديوان التالي، فله ما له مقارنة مع ما سبق:
*ديوان (هتاف الألم):
- فماذا تغير لدى الشاعر وتكسر من ثوابت تمثلتها الرموز التي سادت شعره من قبل..؟
فهل سيتحقق له الرهان؟ وأين سيجد ذاته وهويته، ورحابة المكان؟ ورغم أن رموزه لم تكف دلالاتها عن التناحر فوق رقعة القصيد المكلوم، لكنها أتت في هذه المجموعة ضئيلة، في تحول نوعي نحو مضامين فرضتها قوة البوح المعبرعن مواضيع وتجارب حياتية استفاقت في ذاته، فجاشت بها نفسه تعاطفا وغيرة وانتقادا..وربما كانت دفينة التراكم في مخيال التناص..ولهذا نجد ملامح هذه الطفرة في واقع مساره الشعري قد تحولت إلى:
- الواقعية أسلوبا ومضمونا، مبنية على النقد التقويمي المباشر..انتقالا من الذاتية
الانطباعية في ديوان(بوابات الريح)، ثم التمرد والتحدي في (كأس الزقوم)..
- لقد تخلى هنا عن هواجسه المحبطة..عن الصمت عن الخوف،عن شبح خريف العمر..هزمها، هدم أسواره..صار منتفضا أمام الريح يوقفها ويطلق العنان لشدو عنيد من طيره. – يقول في قصيدة- وصية- ص.72من الديوان:
*لا شيء ينسيك/هذا الفراغ الممتد بين المائين/ ونهر الفرات يلوثه عشاق السلام/لا شيء ينسيك/آثار الهزيمة حين بكينا جميعا على من مات/عام سبع وستين/لا شيء ينسيك صوت الخفافيش ينساب بين ظلام الليل جراحات/ لاشيء ينسيك أوجاع فلسطين/لا شيء ينسيك/ما آل إليه الإنسان/فكيف تنام/وأنت تترف حزنا/ تترف آلاما بعد آلام/فكيف تنام..
- وإذا لاحظنا فهرس هذه المجموعة أيضا، نجد تيماتها متمايزة في مواضيعها، متمفصلة في نوعيتها، لكنها متوحدة في خطابها القيمي..وهذه بعض الأمثلة عنها:- بيتنا القديم-(وهي حنين لذكريات قيم جميلة) وقصيدة- عائشة-(يصف فيها مأساة طفولة مغتصبة) وقصيدة- نعيش بلا برلمان- (يثير فيها سخرية سياسية) و- سلاما على الحمراء- (وفيها وصف مأ ساوي لما آلت إليه مدينة مراكش جراء الغزو والمفاسد الدخيلة)...
-هو حقا هتاف ألم..استمرار لاغترابه بين قلب حاد وخريف جاد..لكن لا يتوقف
مستميثا،حيث تعاوده الثقة لبلوغ رهانه..يقول في(قصيدة-هتاف الألم- ص11):
*يا ريح خريفي/لا لا/لن يحبس الغيم عن نخلتي الماء/لن يغلق الليل/في وجهي أبواب الرجاء/...كيف يفقد صوت القصيد صداه/ما زال الغروب بعيدا/بعيدا مداه/
+استنتاجات:
- بعد هذه الجولة بجميع حيتياتها واحتدام تجاذباتها، نتساءل أين هو إذن تائه هذا
النص المركزي والغالب، من منظور النص الشعري لشاعرنا..؟
-إن الشاعر إسماعيل زويريق ليس صاحب قضية، ولكنه صاحب هم متعدد ومتشعب.. فمن انكسار الحرية في كل المجالات، إلى المدينة المتردية حضاريا وتاريخيا وثقافيا، إلى الوطن
ومعوقات تطوره، وإخفاقات القومية، وأيضا الغزو الثقافي القادم من الغرب، إلخ...
- ولهذا، ونحن بصدد البحث عن النص الغالب، خلف تفاعلات الذات مع عوالم رموزها، إذا بنا نتدرج إلى ظاهرة نبيلة وليست قضية، كثيرا ما يهيم فيها الشعراء، عشقا وتعلقا واندفاعا، نحو فن لسانهم، وجمالية بيانهم، ومطفئ لهفتهم، ووهج أحلامهم..إنه الشعر المحرض عليه.. الشعر الذي لا يفرق بين الشباب والشيخوخة إلا بالقلب والفؤاد..شعر يخلد، حالما بالرفعة والكرامة والحب..وقد تميز الشاعر إسماعيل زوريق بتبويئه مرتبة عالية ، تتحدى بتجل وصدق ووفاء كل المعيقات ومسببات تصلب الرهان، من أجل النضال على كل الواجهات لإعادة الاعتبار لقيم الإنسانية، من جمال ونقاء وصفاء، لا يحلم بها كلها إلا الشعر الجميل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.