الوداد يرفض التعاقد مع ميندي وبيدرو في "الميركاتو" الصيفي    مزراوي: توقفت عن المشروبات الغازية فلعبت 55 مباراة في موسم واحد    مع انطلاق مهامه رسميا ...بابا الفاتيكان الجديد يبدأ بانتقاد تجاوزات النظام الرأسمالي    "كان" الشباب.. المغرب يواجه جنوب أفريقيا بعين على اللقب الثاني    البواري: "موسم طانطان"، حدث ثقافي بارز يجسد عراقة التراث والقيم الأصيلة لساكنة الأقاليم الجنوبية عبر التاريخ    في ظل "الإبادة المستمرة".. إسرائيل تطلق عملية "عربات جدعون" البرية في غزة    المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تنتخب مكتبها التنفيذي    حموشي يوقع اتفاقية مع "رونو المغرب" لتوفير عروض تفضيلية لموظفي الأمن    الحسيمة تحتضن مؤتمرًا دوليًا حول الذكاء الاصطناعي والرياضيات التطبيقية    أثمنة تفضيلية بين الأمن ورونو المغرب    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    أخنوش يمثل الملك محمد السادس في حفل التنصيب الرسمي للبابا ليو الرابع عشر    في عرض افتتاحي حالم إحياء جمال الروح في لحظة واحدة    بركة: الحكومة لم تحقق وعد "مليون منصب شغل" في الآجال المحددة    انتخاب المغرب على رأس شبكة هيئات الوقاية من الفساد    معين الشعباني:نهضة بركان قادر على خلط أوراق "سيمبا" في مباراة الإياب    كلمة عبد الجبار الرشيدي رئيس المجلس الوطني لحزب الاستقلال خلال انعقاد دورته العادية الثانية    "الزنزانة 10" تحذر من تجاهل المطالب    رقمنة القوة: دور الشركات الكبرى في السياسة الدولية    معبر الكركارات.. إحباط محاولة تهريب 3 أطنان من الشيرا داخل شحنة رخام واعتقال شخصين    القنصلية المغربية تقرّب خدماتها من الجالية في وسط إسبانيا    مسؤول أمني: المديرية العامة للأمن الوطني تشجع على الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات الأمنية المتزايدة    في سابقة خطيرة..مطالب بطرد المهاجرين القانونيين من أوروبا    القمة العربية ببغداد تدعم ترشيح المملكة المغربية لمقعد غير دائم في مجلس الأمن عن الفترة 2028-2029    الجديدة : انطلاق تصوير الفيلم الجديد ''ياقوت بين الحياة والموت'' للمخرج المصطفى بنوقاص    الهابيتوس عند بيار بورديو بين اعادة انتاج الاجتماعي ورأس المال الثقافي    سوريا.. تشكيل هيئتين للعدالة الانتقالية والمفقودين ل"جبر الضرر الواقع على الضحايا    التوصيات الرئيسية في طب الأمراض المعدية بالمغرب كما أعدتهم الجمعية المغربية لمكافحة الأمراض المعدية    بينهم آلاف المغاربة.. قاصرون مهاجرون في قلب تقرير حقوقي إسباني    تيك توك يطلق خاصية جديدة للتأمل والاسترخاء تستهدف المراهقين    متحف أمريكي يُعيد إلى الصين كنوزاً تاريخية نادرة من عصر الممالك المتحاربة    أوكرانيا تعلن إسقاط 88 مسيّرة    مأساة في نيويورك بعد اصطدام سفينة مكسيكية بجسر بروكلين تُسفر عن قتلى وجرحى    زيارة إلى تمصلوحت: حيث تتجاور الأرواح الطيبة ويعانق التاريخ التسامح    من الريف إلى الصحراء .. بوصوف يواكب "تمغربيت" بالثقافة والتاريخ    تنظيم الدورة الثالثة عشرة للمهرجان الدولي "ماطا" للفروسية من 23 إلى 25 ماي الجاري    كرة القدم النسوية.. الجيش الملكي يتوج بكأس العرش لموسم 2023-2024 بعد فوزه على الوداد    أكثر من 100 مهاجر يتسللون إلى سبتة خلال أسبوعين    ندوة ترسي جسور الإعلام والتراث    لا دعوة ولا اعتراف .. الاتحاد الأوروبي يصفع البوليساريو    بعد منشور "طنجة نيوز".. تدخل عاجل للسلطات بمالاباطا واحتواء مأساة أطفال الشوارع    بنهاشم يدرب فريق الوداد لموسمين    نهضة بركان يهزم سيمبا بثنائية في ذهاب نهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية    "الأشبال" يستعدون ل"بافانا بافانا"    طنجة تستعد لاحتضان الدورة السابعة للمؤتمر الدولي للأنظمة الذكية للتنمية المستدامة تحت الرعاية الملكية    افتتاح فضاء بيع السمك بميناء الحسيمة ب60 مليونا    في طنجة حلول ذكية للكلاب الضالة.. وفي الناظور الفوضى تنبح في كل مكان    طنجة تحتضن أول ملتقى وطني للهيئات المهنية لدعم المقاولات الصغرى بالمغرب    شركة "نيسان" تعتزم غلق مصانع بالمكسيك واليابان    وزارة الصحة تنبه لتزايد نسبة انتشار ارتفاع ضغط الدم وسط المغاربة    بوحمرون يربك إسبانيا.. والمغرب في دائرة الاتهام    معاناة المعشرين الأفارقة في ميناء طنجة المتوسطي من سياسة الجمارك المغربية وتحديات العبور…    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    منظمة: حصيلة الحصبة ثقيلة.. وعفيف: المغرب يخرج من الحالة الوبائية    بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة ..أمير المؤمنين يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    رفع كسوة الكعبة استعدادا لموسم الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوروبا في مواجهة خطر افتقادها لقرارها الاستراتيجي السيادي
نشر في العلم يوم 17 - 06 - 2022

من باب السماء فوق رؤوسنا القول اليوم بأن القارة العجوز تعيش إحدى أدق وأخطر مراحلها في تاريخها الحديث، وهي تواجه أصعب فتراتها في ضوء المستجدات الكبيرة والوازنة التي تعرفها منذ مدة ليست بالطويلة، ستكون لها تداعيات وازنة على مستقبلها القريب والمتوسط والبعيد. إن الأمر يتعلق بأصعب امتحان يكاد يكون غير مسبوق في تاريخها المعاصر بما لا يختلف كثيرا عما عاشته وعرفته هذه القارة إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية.
فما أن استفاقت دول القارة الأوربية من صدمة بداية تفكك اتحادها القاري الذي كان، ولايزال، يمثل أحد أقوى التكتلات الاقتصادية في العالم، حينما أعلنت المملكة المتحدة انسحابها من الاتحاد الأوروبي، وهو الخروج الذي طرح تحديات جديدة وكبيرة أمام هذا الاتحاد القاري، وما أن خرجت دوله مشدوهة من أزمة صحية عالمية طارئة كشفت أن هذا الاتحاد ليس بتلك القوة التي كان يروج ويسوق لها، حتى اندلعت حرب ضروس فوق ترابها هذه المرة، وفي عمق جغرافيتها، وهو المعطى الذي كان مستبعدا إلى حد بعيد، حيث اعتادت دول هذا الاتحاد المشاركة في حروب تجري أطوارها الخطيرة في مناطق بعيدة عنها، الأمر يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية التي ابتلت بها القارة العجوز، وهي الحرب التي أمطرت النظام العالمي بأسره بوابل من التداعيات لا يملك أحد لحد الآن جوابا شافيا ونهائيا عن مداها وحجم تأثيراتها على الأوضاع، ليس في القارة الأوربية لوحدها، ولكن على الأوضاع في العالم.
نبدأ بالقول بأن الحرب نغصت على دول الاتحاد الأوربي الاحتفال هذه السنة بالذكرى الثانية والسبعين لتأسيس وتشكيل الاتحاد الأوروبي ، وهي التي اعتادت انتهاز هذه الفرصة السنوية لاستحضار المكاسب واستعراض المنجزات وللاستقواء أمام العالم بهذا التكتل الاقتصادي الضخم، وهذا التجمع القوي في مواجهة التحديات الكبيرة والكثيرة التي يواجهها في علاقات دولية بالغة التعقيد، ووجدت هذه الدول نفسها مضطرة إلى التصدي لتطور اعتبرته يشكل أكبر تهديد لمستقبلها .
فأن تضطر دولتا السويد وفلندة لطلب الانضمام لحلف الناتو، بعدما تحصنتا لسنين طويلة تصل بالنسبة للسويد إلى مائتي سنة، وبالنسبة إلى دولة فلندة إلى خمسة وسبعين سنة في موقف وموقع الحياد تجاه المواجهة التقليدية بين حلفي وارسو والنيتو، فإن ذلك يؤشر على وجود مزاج عام في أوروبا يتخوف من المستقبل القريب جدا، مما سيجبر كثيرا من دول أخرى على الاحتماء من الخطر الأمني والعسكري الحقيقي الذي يواجهها، والذي مثلت الحرب الروسية الأوكرانية إعلانا رسميا واضحا له، إن ذلك يعني بكل وضوح أن دول القارة الأوربية وجدت نفسها في مفترق طرق جديد سيجبرها على اتخاذ مواقف لم تكن تعتقد ولا تتصور أنها ستكون يوما مضطرة إلى اتخاذها.
لا غرابة في القول في إطار تحليل رزمة المعطيات المستجدة التي ألقت بها الحرب الجديدة بأن دول الاتحاد الأوربي التي يتجاوز مجموع سكانها 450 مليون شخص، وأن اتحادها الذي يتشكل من 27 دولة ذات تأثير قوي جدا على الاقتصاد العالمي، ليست بتلك القوة الدولية الكبرى التي يمكنها الحسم في مسار التطورات في النظام العالمي السائد، وأن مسألة استقلاليته الاستراتيجية ليست محسومة، وأنه لايزال مرتبطا ورهينا بالقرارات الاستراتيجية التي تتخذها عواصم غير أوربية، وأنه اكتفى لحد اليوم بالتفاعل مع هذه القرارات، حدث مثل هذا الأمر في تجارب ومحطات سابقة، في حرب الخليج الثانية، وفي أفغانستان وفي سوريا، وفي اليمن، حينما اكتفت الدول الأوربية بتصريف مواقف قوى عظمى ولم يكن لها دور حاسم في هذه النزاعات، التي غيرت مجرى الأحداث والتطورات في العالم، بل إن الحرب الروسية الأوكرانية فرضت على كثير من الدول الأوربية تكريس افتقادها للاستقلالية الاستراتيجية بانتقالها إلى مرحلة اللاعودة عن هذا الخيار، بأن أعلنت انخراطها الكامل وغير المشروط في مسار العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية على روسيا، ومساهمتها الفعلية في تسليح أوكرانيا في حربها، وهي مساهمة تكشف من جهة أخرى عن عدم قدرة دول القارة العجوز عن المواجهة المباشرة مع الدب الروسي، فهي تكتفي بالمساعدة المالية وبإمدادات السلاح، لكنها لا تصل مستوى المواجهة المباشرة كما فعلت في مرات سابقة حينما كان الخصم والعدو من صنف ووزن و طبيعة أخرى.
من الناحية الاقتصادية هذه المرة، فإن الاقتصاديات الأوربية أبانت عن هشاشة مثيرة حقا، وإذا كانت هذه الاقتصاديات نجحت بمنسوب متواضع في مواجهة التداعيات الخطيرة للأزمة المالية العالمية لسنة 2008، فإنها هذه المرة تتعرض لانتكاسة حقيقية، فمن جهة كشفت الحرب عن ضعف كبير جدا في الاستقلالية الطاقية لكثير من الدول الأوربية التي راحت تبحث في جميع الاتجاهات عن مصادر طاقة جديدة، بعدما تقطعت بها السبل، كما أن الحرب عرت عن محدودية هذه الدول في ضمان الأمن الغذائي العالمي، حيث برز النفوذ الروسي والأوكراني في هذا الصدد، ومرة أخرى لم تجد دول هذا التكتل الاقتصادي من خلاص لمواجهة الارتفاعات المهولة في كثير من أسعار المواد الطاقية والاستهلاكية الأساسية داخل دولها قبل النظر إلى ارتفاعها في باقي دول العالم، والأدهى من كل ذلك فإن خبراء اقتصاديين متخصصين نبهوا إلى الخطورة البالغة التي يكرسها عجز البنك المركزي الأوروبي في التوفيق بين مكافحة التضخم ودعم الأنشطة الاقتصادية داخل القارة الأوربية.
هذه المعطيات والمستجدات المتشابكة وضعت المنظومة الأوربية برمتها في ورطة حقيقية غير مسبوقة، فهي لا تمتلك القدرة على حسم الحرب، وأن دورها في هذا الصدد لا يتعدى التمني والترقب، وأن قرار الحسم في هذه الحرب في أيادي جهة أخرى في واشنطن وفي موسكو، وهي أيضا تفتقد إلى اللياقة الاقتصادية والمالية الكاملة لمجاراة الحرب الدائرة بما يتطلب ذلك من إمكانيات ووسائل ومزاج عام مساند.
إن دول الاتحاد الأوروبي تعيش زمنا صعبا مغايرا غير معهود وضعها في سياق لم تكن تتوقعه، ولا تملك غير انتظار ما ستفعله بها التطورات القادمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.