نقابة المالية بمراكش تدعو لوقفة احتجاجية أمام الخزينة الإقليمية    النسوية: بدايات وتطورات وآفاق    نقد أطروحة عبد الصمد بلكبير    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    تقرير للبنك الدولي: المغرب يتفوق على المعدلات العالمية في مناخ الأعمال    تصاعد التوتر بين السعودية والإمارات على خلفية التطورات العسكرية في جنوب اليمن    أبيدجان.. الاحتفاء بفرح وحماس بتأهل "أسود الأطلس" إلى ثمن نهائي كأس إفريقيا 2025    الركراكي: المنافسة بدأت الآن..وسنقاتل لإبقاء الكأس في المغرب        مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    فعاليات برنامج مسرح رياض السلطان لشهر يناير تجمع بين الجرأة الإبداعية ونزعة الاكتشاف    المعرض الوطني الكبير 60 سنة من الفن التشكيلي بالمغرب    برادة: نسبة تعميم التعليم الأولي بالعالم القروي تبلغ 81 في المائة    إحداث أزيد من 35 ألف مقاولة بشكل رقمي    عليوي: الحركة الشعبية أصبحت "حزبا شخصيا" لأوزين.. والمجلس الوطني ك"سوق بلا أسوار"    ارتفاع الأثمان عند الإنتاج ب0,3% لقطاع الصناعات التحويلية    ثلاث نقابات بوزارة التجهيز ترفض "تجميد" النظام الأساسي بدعوى الأولويات    المعاملات الآسيوية تقلص خسائر الفضة    كيوسك الثلاثاء | المغرب ضمن أفضل 20 دولة عالميا في مؤشر الحرية المالية    تقرير رسمي: ربع سكان المغرب سيكونون من المسنين بحلول عام 2050    تأسيس المكتب المحلي للأطر المساعدة بمدينة سلا    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    ثلاثة قتلى.. حصيلة فيضانات جنوب إسبانيا    لجنة العدل تشرع في مناقشة مشروع قانون المسطرة المدنية    توقعات أحوال الطقس لليوم الثلاثاء    "أجواء أكادير" تفرح الكرة المصرية    حقيقة تعرض سجينة للتعذيب والاعتداء بسجن عين السبع 1    رسالة تهنئة من السفيرة الصينية يو جينسونغ إلى المغاربة بمناسبة عام 2026    مدرب منتخب تونس سامي الطرابلسي تحت الضغط في مواجهة تنزانيا بعد الخسارة أمام نيجيريا    المغنية الأمريكية بيونسي على قائمة المليارديرات    احتجاجات التجار تقلق النظام في إيران    دفاع مستشار عمدة طنجة يطلب مهلة    الكعبي أفضل لاعب في لقاء زامبيا    ثلاثية مغربية في المرمى الزامبي.. "الأسود" يؤكدون جاهزيتهم للأدوار الإقصائية    كان المغرب.. جنوب إفريقيا تفوز على زيمبابوي (3-2) وتتأهل إلى دور الثمن    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    إحداث أزيد من 35 ألف مقاولة بشكل رقمي    أبو عبيدة.. رحيل ملثم أرّق إسرائيل طوال عقدين    إذاعة فرنسا الدولية: المغرب وجهة مفضلة للمشجعين والسياح    مونية لمكيمل وسامية العنطري تقودان الموسم الجديد من "جماعتنا زينة"    سعد لمجرد يلتقي جماهيره بالدار البيضاء    القوات الروسية تعلن السيطرة الكاملة على بلدة ديبروفا في دونيتسك واسقاط صواريخ وطائرات مسيرة    ترامب يعلن إحراز "تقدم كبير" في سبيل إنهاء الحرب بأوكرانيا    مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تعقد جمعها السنوي العادي    الصين تطلق مناورات عسكرية وتايوان ترد بالمثل    وفاة أيقونة السينما الفرنسية بريجيت باردو عن 91 عاما    أمريكا تتعهد بتمويل مساعدات أممية    اتباتو يتتبع "تمرحل الفيلم الأمازيغي"        علماء روس يبتكرون مادة مسامية لتسريع شفاء العظام    علماء يبتكرون جهازا يكشف السرطان بدقة عالية    روسيا تبدأ أولى التجارب السريرية للقاح واعد ضد السرطان    الحق في المعلومة حق في القدسية!    وفق دراسة جديدة.. اضطراب الساعة البيولوجية قد يسرّع تطور مرض الزهايمر    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وصفة قد تشفي من نزلة البرد لكنها ستزيد من استفحال الداء
نشر في العلم يوم 16 - 10 - 2022

تسارع حكومات العديد من الدول في مختلف مناطق العالم إلى رفع سعر الفائدة بوتيرة وبشكل غير مسبوقين في تاريخ الاقتصاد العالمي المعاصر، وهو إجراء، يبدو من حيث الشكل عاديا حينما يتعلق الأمر بحالة منعزلة لاقتصاد قطري يواجه تحديات طارئة، لكن أن يتحول إلى ملجإ اضطراري للعديد من الدول، فإن ذلك يكشف عن حقائق ومعطيات ترتبط بالأوضاع الاقتصادية العالمية فرضتها ظروف طارئة جدا خارجة عن السيطرة .
هكذا سارعت الإدارة الأمريكية التي تقود أحد أقوى الاقتصاديات في العالم إلى رفع سعر الفائدة الذي حدده مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) في 75 نقطة ليصل إلى 3,25 بالمائة، وألمح إلى مزيد من الارتفاع، والذي قد يصل إلى 4,40 بالمائة في المدى القريب، كما التجأت دول كثيرة، بما فيها الدول الأوربية والنفطية إلى هذا الإجراء الذي يؤشر على أن الاقتصاد العالمي يعيش حالة ضيق مزعجة جدا.
الأكيد أن قرار رفع سعر الفائدة ليس معزولا عن سياق اقتصادي وسياسي عام يجتاز العالم تفاصيله الدقيقة والصعبة، فقد تسببت تداعيات انتشار وباء كورونا التي فرضت أجواء إغلاق اقتصادي عام، تعطلت فيه حركات الإنتاج، وتوقفت سلاسل التسويق، في انكماش اقتصادي عالمي غير مسبوق في التاريخ القريب والبعيد، وما أن خفت حدة الانعكاسات التي تسببت فيها الأزمة الصحية التي هزت أركان العالم، وبدت معالم انتعاش اقتصادي جديد، حتى اشتعلت حرب في القارة الأوربية التي مثلت فترة مواجهة مباشرة بين القوى الاقتصادية والعسكرية العالمية، ودخل العالم مرحلة أزمة جديدة من نوع آخر، لا تزال تداعياتها السلبية تلقي بظلالها على الأوضاع الاقتصادية العالمية، وبسبب هذا التراكم في عوامل ومظاهر الأزمة، والتي ألقت بتداعيات جديدة تجسدت هذه المرة في ارتفاعات مهولة في أسعار مختلف المواد الطاقية والاستهلاكية الأساسية، مما أفضى بدوره إلى مرحلة ركود اقتصادي خطير بسبب تدهور القدرات الشرائية لمختلف الفئات من الأشخاص في أرجاء المعمور، وانتهى إلى كساد وإلى تضخم اقتصادي كبير فرض على العديد من الحكومات في العالم الالتجاء إلى الكي كآخر دواء للوعكة الصحية التي أصابت الاقتصاد العالمي .
هكذا يكون العالم بصدد بذل ما يجب من جهود لكبح جماح التضخم للخلاص المؤقت من حالة ضيق التنفس، ولكنه بكل تأكيد لن يمثل الحل الأمثل للخروج من هذه الوضعية الصعبة، لأن انعكاسات رفع معدلات الفائدة قد لا تقل خطورة عن تداعيات التضخم نفسه، فمن الناحية النظرية، فإن قرار رفع سعر الفائدة يزيد من عبء القروض الجديدة والقائمة على أساس سعر فائدة متغير، وهذا سيؤثر لا محالة على قروض الاستهلاك والاستثمار، مما يعني بصفة مباشرة تراجع مرتقب في حجم هذه القروض، ومن الطبيعي أن ينعكس هذا التراجع على سوق الشغل التي ستفقد ملايين المناصب لهذا السبب، كما أن انخفاض حجم القروض سيقلص من السيولة النقدية وتراجع الاستهلاك، كما أن رفع سعر الفائدة سيغري المودعين بإيداع أموالهم للاستفادة من ارتفاع سعر الفائدة ، مما يعني تجميد أموال كانت ستساهم في إنعاش الحركة التجارية والاستثمارية وفي رفع وتيرة الإنفاق الاقتصادي.
الإشكال فيما يحدث، أن قرار سعر الفائدة غير مرتبط هذه المرة بعوامل داخلية ذات صلة بالكتلة النقدية داخل القطر الواحد يمكن التحكم في تداعياته، بل إنه مرتبط بعوامل خارجية، وبأسباب مستوردة من الخارج، قد لا تكون تقتصر على تداعيات تطور الأحداث العالمية من تداعيات الأزمة الصحية العالمية والحرب الروسية الأوكرانية، بل قد تكون ناتجة أيضا عن انتهاز كبريات الشركات الاقتصادية في العالم الظروف الصعبة والحرجة التي يجتازها العالم باحتكارها لبعض المنتوجات وتحكمها في بعض القطاعات التجارية، بهدف الرفع من العائدات المالية، مما يكشف عن سلوك انتهازي خطير يستثمر في المآسي الإنسانية من أجل مراكمة الأموال.
وهكذا فإن دولا كثيرة وشعوبا متعددة ستكون مجبرة على دفع فاتورة غالية لأزمة ليست مسؤولة عنها، بل إنها ناتجة عن تطاحن القوى العظمى، وعن استغلال أوساط اقتصادية نافذة في العالم للظرفية الصعبة، و لذلك فإنه يمكن القول بأن قرار رفع سعر الفائدة قد يكون الدواء غير الملائم للوعكة الصحية التي أصابت الاقتصاد العالمي، لأنه في هذه الحالة يصبح آلية نقدية لمعالجة قضية وإشكالية ليست نقدية خالصة، لأنها شديدة الارتباط بعوامل وأسباب سياسية ولها علاقة مباشرة بالحسابات الجيو استراتيجية للقوى العظمى فيما بينها، ولذلك فإن رفع سعر الفائدة قد يحد من التضخم وكبح جماحه، لكنه في المقابل لن يخلو من أخطار حقيقية سيفرز لا محالة تداعيات أخرى، إذ سيتسبب في انخفاض معدل النمو الاقتصادي بما يعني ذلك من تقلص مناصب الشغل وتعميق الهشاشة الاجتماعية وتنامي ظاهرة الهجرة من الهوامش إلى المدن وتقليص في حجم الخدمات وإلحاق الأذى بالقدرة الشرائية للأشخاص.
ومن المؤكد أن قرار رفع سعر الفائدة لن يكون القرار القاسي والمؤلم الوحيد في سياق ظرفية عالمية مكتظة بالأخطار، بل المحقق أنه سيكون قرارا مؤذيا في سياق قرارات أخرى ستزيد من تعميق وضعية الأزمة في الاقتصاد العالمي، والتي سيدفع الصغار تكلفتها غاليا جدا، وهذا ما شهدت به المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية وهي تخاطب المشاركين في المنتدى العام السنوي للمنظمة، الذي انعقد قبل أيام في جنيف السويسرية، حيث أكدت أن قرار الرفع من معدلات الفائدة ستكون له " مفاعيل خطيرة على الدول النامية التي ستواجه ارتفاعا في أعباء خدمة ديونها، ونبهت إلى أهمية تحديد أسباب التضخم لمعرفة ما إذا كان ناتجا عن الطلب القوي أوعن أسباب بنيوية من جهة العرض، وأكدت على أنه " إذا كان الأمر يتعلق بعوامل لها ارتباط بالعرض، فإنه لا يمكن السيطرة عليها، عندها فإن الاستمرار في زيادة معدلات الفائدة سيأتي بمفعول عكسي."


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.