*الغطرسة وأوهام التحكم في العالم تصطدم بموازين القوى المتبدلة.. عندما تصل الغطرسة إلى مستويات عالية دون أن يكون لها سند مادي ومعطيات ملموسة مقنعة يكون ذلك مؤشرا على بداية أفول وإنهيار هذا الطرف المتغطرس، هذا أمر أثبتت صحته تجارب الانسانية. الغطرسة هي الفخر أو العجرفة المفرطة التي تؤدي إلى استعلاء وتكبر على الآخرين مع فقدان التواصل مع الواقع، وغالبا ما ترتبط بسوء تقدير القدرات وتفضيل الأفكار السهلة على التفكير الواقعي، ويمكن أن تظهر في سلوك الأفراد أو في سياق السياسات العالمية. يصف الكاتب الفنلندى «آرين تورنين» فى كتابه «تاريخ الغطرسة»: ما من شيء أخطر على الإنسان من أن يقع فى براثن الغطرسة، فى لحظة النجاح، عندئذ يعتبر نفسه فى مصاف الآلهة. يقول تورنين: إن الشخص المصاب بالغطرسة أو العجرفة، يعتقد أنه قادر على كل شىء، فالثقة المبالغ فيه بالنفس تستدرج الإنسان إلى تفسيرات خاطئة لبيئته، وأيضا إلى تقديرات خاطئة، ويستحق هذا الشخص أن يلتقى ب «نمسيس إلهة الانتقام»! ثم يضرب مثالا للغطرسة فى تصرفات نابليون بونابرت الذى أعلن فى عام 1811: بعد ثلاثة أعوام سأصير سيد الكون، فهزمه الإنجليز فى 1815، ونفوه إلى جزيرة سانت هيلانة بالمحيط الأطلنطي، ومات فيها مريضا بعد ست سنوات. وذكر تورنين: إن نشوة الانتصار تعد عملية كيميائية تنشطها مشاعر إثارة وتشويق دراماتيكية، بمعنى أن تغييرا كيميائيا يحدث فى الأدمغة، تصحبه نبضات فى جميع أنحاء الجهاز العصبى محدثة تلك النشوة، وهو ما حدث لليابانيين، على سبيل المثال، بعد أن انتصروا على الصين فى عام 1937، ثم انتصروا فى معركة تلو الأخرى على الحلفاء فى منطقة المحيط الهادى وفى جنوب شرق آسيا. من يصدق ان غطرسة جورج كليمنصو رئيس وزراء فرنسا (1917- 1920)، كانت سببا رئيسيا من أسباب الحرب العالمية الثانية بعد عشرين سنة؟، فبعد هزيمة ألمانيا فى الحرب العالمية الأولى حرص كليمنصو على الانتقام منها وإذلالها ماديا وإقليميا ونفسيا، مغازلا مشاعر الشعب الفرنسى وهتافاتهم، فأخذ منطقتى الألزاس واللورين ذى الثروات الطبيعية الهائلة من ألمانيا، مقابل ضمان تسديد تعويضات لفرنسا، قد بلغت 226 مليار مارك ذهبى فى عام 1921، خُفضت إلى 132 مليارا، لم تستطع ألمانيا سوى سداد 53 مليارا حتى 1932، وكان يتوقع أن يكتمل السداد على عام 1988، وهو ما كان أرضا خصبة لظهور النازية الغاضبة واندلاع الحرب العالمية الثانية. يقول الكاتب روبرت إى كابلان إن الحكام الذين تعتريهم نشوة السلطة لديهم نقط عمياء، أى طموح جامح وأهداف لا يمكن الوصول إليها. عموما الغطرسة لها خلفية تاريخية عميقة، غالبًا ما تنشأ فى سياق الإمبراطوريات القوية والحضارات المؤثرة المؤمنة بتفوقها وحتمية الهيمنة، مثل اليونان وروما وبلاد فارس، ويعكس هذا الموقف ظاهرة ثقافية أوسع حيث تؤدى الثقة فى التقدم أو الشعور بالاستحقاق إلى الغطرسة فى مختلف مجالات الحياة، وغالبًا ما ترتبط هذه العقلية بقلق متزايد على المستقبل، وهو ما يعنى وجود علاقة معقدة بين تصور المتغطرس عن تفوقه وانعدام إحساسه بالأمن. نحن في نهاية الربع الأول من القرن الحادي والعشرين أمام حالة غير مسبوقة فى تاريخ العلاقات الدولية ما بعد الحرب العالمية الثانية، نوع من الغطرسة السياسية، تضرب شمالا وجنوبا، شرقا وغربا. يستخدم مصطلح الغطرسة العالمية لوصف الهيمنة المفترضة للولايات المتحدة على البلدان الأخرى. وفقا لديفيد إلوود، فإن الغطرسة العالمية هي «عندما تكون ثقافتك ونفوذك الاقتصادي قويين للغاية ومنتشرين على نطاق واسع بحيث لا تحتاج إلى احتلال الآخرين للتأثير على حياتهم». تختلف الغطرسة العالمية عن مفهوم الإمبريالية، التي بموجبها تحتل دولة ما دولة أخرى. وصف الإيرانيون والفرنسيون والألمان واليابانيون والإندونيسيون والهنود والروس الولاياتالمتحدة بأنها "عاصمة الغطرسة العالميةّ". واجهت الولاياتالمتحدة تاريخيا اتهامات بالغطرسة، بدءا من حرب فيتنام مرورا بأفغانستان والعراق وغيرها.