بوريطة يتباحث ببانجول مع نظيره المالي    الخطوط الملكية تستعد للمونديال برفع أسطولها إلى 130 طائرة بحلول 2030    تطورات جديدة ومثيرة في أزمة مباراة إتحاد الجزائر ونهضة بركان    "هاتريك" الكعبي يقرب أولمبياكوس من نهائي دوري المؤتمر الأوروبي    كأس العرش لكرة القدم.. الجيش الملكي يبلغ ثمن النهائي بفوزه على نهضة بركان بالضربات الترجيحية 8-7    العراق يهزم أندونيسيا وينضم لمجموعة المغرب في أولمبياد باريس    مجلس جماعة بني بوعياش يعقد دورته العادية لشهر ماي    عمور.. مونديال 2030: وزارة السياحة معبأة من أجل استضافة الفرق والجمهور في أحسن الظروف    تفكيك مخيّم يثير حسرة طلبة أمريكيين    وفاة المحامي والحقوقي عبد العزيز النويضي اثر سكتة قلبية    الملك يعزي بن زايد في وفاة طحنون آل نهيان    حجز زورق ومحركات.. الديستي وأمن الحسيمة يوقفان 5 أشخاص تاجروا بالمهاجرين    العقائد النصرانية    تنفيذ قانون المالية يظهر فائضا في الميزانية بلغ 16,8 مليار درهم    الأمثال العامية بتطوان... (588)    قرار بعدم اختصاص محكمة جرائم الأموال في قضية اليملاحي وإرجاع المسطرة لمحكمة تطوان    أمطار طوفانية تغرق الإمارات وتتسبب في إغلاق مدارس ومقار عمل    مركز دراسات.. لهذا ترغب واشنطن في انتصار مغربي سريع في حال وقوع حرب مع الجزائر    تركيا تعلق المعاملات التجارية مع إسرائيل    أنور الخليل: "الناظور تستحق مركبا ثقافيا كبيرا.. وهذه مشاريعي المستقبلية    أوروبا تصدم المغرب مرة أخرى بسبب خضر غير صالحة للاستهلاك    أول تعليق من حكيمي بعد السقوط أمام بوروسيا دورتموند    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة    بايتاس رد على لشكر والبي جي دي: الاتفاق مع النقابات ماشي مقايضة وحنا أسسنا لمنطق جديد فالحوار الاجتماعي    ارتفاع حصيلة القتلى في غزة.. واعتقالات في الضفة الغربية    "الأمم المتحدة" تقدر كلفة إعادة إعمار غزة بما بين 30 إلى 40 مليار دولار    أزمة طلبة الطب وصلت ل4 شهور من الاحتقان..لجنة الطلبة فتهديد جديد للحكومة بسنة بيضاء: مضطرين نديرو مقاطعة شاملة    فوضى «الفراشة» بالفنيدق تتحول إلى محاولة قتل    مصرع سائق دراجة نارية في حادثة سير مروعة بطنجة    المخزون المائي بسدود الشمال يناهز مليار و100 مليون متر مكعب    مجلس النواب يعقد الأربعاء المقبل جلسة عمومية لمناقشة الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة    ندوة بطنجة تناقش مكافحة غسل الأموال    ها التعيينات الجديدة فمناصب عليا لي دازت اليوم فمجلس الحكومة    باحثون يكتشفون آليات تحسّن فهم تشكّل الجنين البشري في أولى مراحله    المكتب الوطني للمطارات كيوجد لتصميم بناء مقر اجتماعي.. وها شنو لونصات لقلالش    بذور مقاومة للجفاف تزرع الأمل في المغرب رغم انتشارها المحدود    النفط يتراجع لليوم الرابع عالمياً    طاهرة تودع مسلسل "المختفي" بكلمات مؤثرة        رسميا.. جامعة الكرة تتوصل بقرار "الكاف" النهائي بشأن تأهل نهضة بركان    مؤسسة المبادرة الخاصة تحتفي بمهرجانها الثقافي السادس عشر    البرلمان يستعرض تدبير غنى الحضارة المغربية بالمنتدى العالمي لحوار الثقافات    إلقاء القبض على إعلامية مشهورة وإيداعها السجن    آبل تعتزم إجراء تكامل بين تطبيقي التقويم و التذكيرات    تسرب الوقود من سفينة بميناء سبتة كاد يتسبب في كارثة بيئية    الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    مسؤولة في يونيسكو تشيد بزليج المغرب    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" يعلن عن أسماء الفائزات والفائزين بجائزة "الشاعر محمد الجيدي" الإقليمية في الشعر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الرئيس الكولومبي يعلن قطع العلاقات مع إسرائيل    "دراسة": زيادة لياقة القلب تقلل خطر الوفاة بنحو 20 في المائة    العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين أكادير والرباط    عبد الجبّار السحيمي في كل الأيام!    نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الأمثال العامية بتطوان... (586)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلوك القضائي في مدونة القيم القضائية
نشر في العلم يوم 24 - 03 - 2010

بمطالعة ما احتوت عليه مدونة القيم القضائية يلاحظ أنها جاءت جامعة لمجموعة مبادئ على درجة كبيرة من الأهمية شكلت بالفعل مدونة قيم قضائية حقيقية جديرة بالوقوف عندها للبحث فيها بكل دقة وامعان واعطاء كل مبدإ من مبادئها الفعالية اللازمة لجعل القاضي محورا لها يلازمها وتلازمه ولا يحيد أحدهما عن الآخر كيفما كانت الظروف والأحوال وذلك ضمانا لتحقيق قضاء نزيه وعادل يرضي الله وعباده. لعل من أهم المبادئ التي اعتمدتها مدونة القيم القضائية السالفة الذكر مبدأ «السلوك القضائي» الذي شكل موضوع بحثي هذا، فالسلوك القضائي أو سلوك القاضي كما تعلمون من المفروض فيه أن يكون سلوكا تطبعه الايجابية من خلال أخلاقه وسيرته وسلوكه الانساني والمهني وهو ما نلمسه عن قرب في حياتنا القضائية ونسعى جادين نحن معشر القضاة، من خلال هذه المدونة الى بلورة وتفعيل كل المبادئ التي تضمنتها.
ولتحقيق هذا المبتغى النبيل لابد من السير على النهج الآتي:
الصبر والوقار وحسن الاستماع:
في إطار هذه النقطة / المبدإ تعددت الصفات المطلوبة في القاضي وهي صفات جليلة ومحمودة ينبغي أن تكون لصيقة به حاضرة في كيانه ووجدانه لتحقيق ذاته ومن خلالها قدراته وعطاءاته النبيلة التي ترفع من شأنه كقاض يحظى بمكانة متميزة في المجتمع وهو راض عنها ومطمئن لها كل الاطمئنان ومعه كل الناس.
إن الصبر كما نعلم جميعا صفة حميدة يجب أن يتحلى بها القاضي لأنها تشكل بالنسبة له قوة وقدرة هائلة على التحمل وتدبير أموره بعقلانية وبمصداقية في تأني وورع وتقوى فالقاضي حينما يكون صبورا فإنه يجسد بذلك طاعة الله عز وجل وهي طاعة مقرونة بأجر رباني لا مثيل له في الدنيا وفي الآخرة وهذا ما نلمسه في قوله عز وجل: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).
والصبر فضيلة ذات قيمة عالية، إذ قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغني يغنه الله ومن يتصبريصبره الله) وما أعطى أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر، وكقوله صلى الله عليه وسلم: (الصبر ضياء) فهو يضيء الطريق لمن تمسك به الى الرشاد والفلاح والصلاح.
والصبر إذن هو من محاسن الأخلاق فهو حبس النفس على ما تكره فالقاضي بصبره يحبس نفسه دون معاصي الله عز وجل فلا يسمح لها باقترابها ولا يأذن لها في فعلها مهما ثاقت لذلك بطبعها وهشت له، فالقاضي بصبره يعيش محتسبا متحملا لا يشكو ولا يتسخط، ولا يدفع المكروه بالمكروه، ولكن يدفع السيئة بالحسنة ويعفو ويصبر ويغفر (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) صدق الله العظيم.
الى جانب الصبر كعنصر مطلوب ومرغوب فيه في سلوك القاضي هناك عنصر الوقار وهو مطروح بشكل ملح وهو يجد احدى موجباته في فضيلة الصبر على اعتبار أن القاضي الصبور لا يكون كذلك إلا إذا توفرت فيه مقومات الصبر من أخلاق حسنة وسلوك قويم وهذه المحاسن تكسب القاضي الوقار واحترام الناس له وتعطيه ملكة حسن الاستماع الى أطراف النزاع وتجعله قريبا منهم ينفذ إلى أعماقهم ويتحسس أحاسيسهم ومشاعرهم هدفه الأسمى هو ضمان حقوقهم والحفاظ عليها وإشاعة العدل والطمأنينة في نفوسهم بالاضافة الى هذا وذاك يجب أن يكون القاضي واثقا من نفسه في سلوكه المهني مدركا لكنهها منسجما معها ومحترما لذاته في احترام تام لغيره متمتعا بشخصية قوية قوامها التفاني في خدمة الصالح العام بشعور سام ينبذ أنانية الذات وسلبياتها.
الانضباط في مواعيد الجلسات و الاسراع
في الانجاز دون تسرع في الحكم :
لا يكفي في القاضي أن يكون صبورا ووقورا الى غير ذلك من الصفات التي تمت الاشارة إليها في موضعها بل لابد أن يكون منضبطا في عمله وأن يحترم في سلوكه أوقات الجلسات المرتبط بها فالجلسات تعتبر وبحق مرآة حقيقة لسلوك القاضي في ميدان عمله فبقدر ما هو منضبط في مواعيدها يكون ناجحا في تدبير أموره ومحل احترام وتقدير من طرف المتقاضين وغيرهم ويعطي للمؤسسة القضائية مصداقية جديرة بثقة المتعاملين معها لأن الانضباط المتعلق بالجلسات هو انضباط لسلوك القاضي وهو ينم عن شعوره بالمسؤولية المنوطة به فيقدرها حق قدرها عن وعي وإدراك وتبصر ولما كانت الجلسات تعرض فيها الملفات للنظر فيها من طرفا لقاضي كان لابد له أن يأخذ بعين الاعتبار الطريقة الناجعة للاسراع في انجاز الاجراءات التي تتطلبها القضايا المعروضة عليه وأن يستجمع كل عناصرها لتجهيز الملفات وفق ما يقتضيه القانون وذلك بعد دراستها دراسة دقيقة ومناقشتها بطريقة قانونية جيدة ومتأنية تفاديا للتسرع في إصدار الحكم وفي نفس الوقت الحرص كل الحرص على معالجة الملفات في أجل مناسب ومعقول.
يتجنب تأخير القضايا لأسباب غير مبررة :
تعتبر هذه النقطة هي الأخرى ذات أهمية بالغة في ارتباطها الايجابي بسلوك القاضي فهو من هذا المنطلق وحفاظا على توازنه في مجال عمله يجب أن يولي اهتماما متميزا للقضايا المعروضة عليه وذلك بتصريفها بكل حنكة وتعقل وأن يعمل كل ما في وسعه لتفادي أسباب تأخيرها إلا لإجراء قانوني اقتضته وضعية الملف وبهذا الوضع يبرهن القاضي عن جديته في التعامل مع الملفات المعروضة عليه ومصداقية عمله ويكسب ثقة المتقاضين في أحكامه.
وعليه فكلما توفرت هذه الرغبة عند القاضي وظهرت بشكل عملي في سلوكه ازدادت قيمة العمل القضائي وحصل الاطمئنان في نفوس الناس ولما كان القضاء مرتبطاً بالعدالة تتأثر هذه الأخيرة به إيجابا وسلبا ولما كانت كثرة الملفات المدرجة في الجلسات للبت فيها تجلب المشقة في تدبير أمورها وتثقل كاهل القاضي وتفقد العدالة في كثير من الأحيان وجودها فإن على القاضي أن يحتاط في هذا الباب وأن يكون حذرا ويقظا ولا يدرج من الملفات للمناقشة، إلا ما هو في متناول استطاعته وذلك تحقيقا للعدالة التي هي المبتغى المنشود للجميع سواء تعلق الأمر بالمتقاضين أو غيرهم.
عدم تأجيل إصدار القرارات إلا لأسباب مبررة:
لما كانت القرارات الصادرة عن هيئات الحكم تشكل مبتغى مشترك بين القاضي والمتقاضين ونتيجة قضائية تجسد القول الفصل في موضوع كل ملف معروض على القاضي كان بديهيا أن تكون للقرارات الصادرة في وقتها المناسب والمعقول وقعا طيبا في نفوس المتقاضين وإبعاد العناء والمشقة النفسية عنهم لكن إذا ما حصل العكس وتم تأجيل اصدار القرارات نكون أمام وضع غير طبيعي ويطرح أكثر من تساؤل ولاسيما إذا كانت أسبابه غير واضحة ولهذا فعلى القاضي إذا تعذر عليه إصدار الحكم في الحال أن جعل القضية في المداولة لمدة لا تتجاوز خمسة عشر يوما وفي هذه الحالة يحدد الرئيس تاريخ النطق بالحكم ويعلم به الأطراف ويصدر حكمه في الموعد المحدد كما هو منصوص عليه في القانون، وفي جميع الأحوال فإن القاضي لا يقدم على تأجيل إصدار أي قرار كيفما كان نوعه سواء تعلق بحكم في القضية أو قرار له ارتباط بإجراءات الملف إلا بعد اقتناعه بموجب تأجيله على أن تكون مدة التأجيل معقولة ولا تثير أي حرج.
أولوية الجلسات والتنسيق مع الهيئة بشأن التداول:
ارتباطا بهذه الصورة التي تنضوي تحت مبدأ السلوك القضائي يمكن في هذا الباب إبراز العلاقة الحميمية التي تجمع بين القاضي وجلسات المحكمة فالجلسات كما نعلم جميعا تشكل المحور الرئيسي في العمل القضائي للقاضي، إذ بها تدرج الملفات وتقع دراستها ومناقشتها وإصدار الاحكام بشأنها، ومن هذا المنطلق كانت الجلسات تتطلب تعبئة شاملة من القاضي حتى يكون مؤهلا لإعطائها ما تستحق من عناية وأولوية في هذا الاهتمام المطلوب منه وذلك بالاسراع مع زملائه القضاة في الهيئة بالحضور في الأوقات المحددة لها والحرص على تكاملية العمل القضائي فيما بينهم وتوجيه كاتب الجلسة إلى ما ينبغي عمله قبل دخول الهيئة الى قاعة الجلسات من فرز ملفات المتعلقة بالمحامين حسب الأقدمية والتأكد من حضور العون إلى غير ذلك من التصرفات التي تجسد الاهتمام الفعلي للقاضي بالجلسات التي يشارك فيها.
والجلسات كما يعلن الجميع هي مرآة كل محكمة إذ فيها تجري المحاكمات التي تعرف في إجراءاتها أطوار متعددة ويحضرها محامون ومتقاضون وعامة الناس ولما كان الأمر على هذا النحو كان من الضروري أن يكون القاضي المشارك في الجلسات المذكورة له مشاركة مشرفة سواء على مستوى الدراسة التي تتطلبها الملفات المدرجة في الجلسات أو على مستوى مناقشاتها وعند تجهيزها يجب عليه العمل على تنظيم الأوقات المخصصة للتداول فيها مع اعضاء هيئته واحترام هذه الأوقات والالتزام بها، وهو ما يعني ضرورة انضباط القاضي وحرصه الشديد على فهم هذا السلوك الذي ينبغي أن يكون سلوكا مصاحبا للقاضي منذ بداية مشواره القضائي إلى نهايته وإذا كان القاضي ضمن اعضاء غرفة الجنايات لا يجوز له مع باقي الأعضاء مغادرة قاعة المداولات إلا للرجوع إلى قاعة الجلسات لاصدار قراراتهم في جلسة علنية وأن يحافظ القاضي وباقي زملائه المشاركين في المداولة على احترام هذه القاعة، حيث لا يسمحوا بالدخول إليها من طرف أي أحد إلا بإذن من الرئيس وكل خرق لهذا المنع يقابل بالطرد بأمر من الرئيس.
عدم افشاء سر المداولات :
تشكل المداولة مرحلة حاسمة وحساسة في عمر كل قضية معروضة على المحكمة فالمداولة في الملفات تأتي بعد دراسة هذه الأخيرة ومناقشتها وتجهيزها وهي البوابة التي يصدر عبرها المقرر القضائي وبالنظر لهذا الوضع فقد أحاطها المشرع بطابع السرية وفي هذا الإطار فإن القاضي ملزم بالحفاظ عليها والتشبت بها كإلتزام قانوني وأخلاقي مرجعه في ذلك اليمين التي أداها عند تعيينه لأول مرة وقبل الشروع في مهامه حينما أقسم بالله العظيم أن يقوم بمهامه بوفاء وإخلاص وأن يحافظ كل المحافظة على سر المداولات ويسلك في ذلك كله مسلك القاضي النزيه المخلص فالتزام القاضي بهذه السرية يدخل في أخلاقيات المهنية القضائية ويعتبر عنصرا هاما من العناصر الأساسية المكونة لسلوك القاضي وبالتالي لمعرفة القيم القضائية التي ينبغي أن تكون المسلك القويم الذي يسير عليه كل قاضي في حياته المهنية وفي هذه النقطة لابد من إبداء ملاحظة بسيطة حول
هذه السرية وحدودها فهي جاءت مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمداولات أي بمضمونها وماراج فيها بخصوص الملفات التي شكلت موضوع المداولات المذكورة بالاضافة الى هذا شملت مرحلة ما قبل صدور الحكم ومرحلة ما بعد صدوره وفي هذا الباب يمكن القول بأن كل إفشاء لهذه السرية يضر بسمعة القاضي والقضاء على حد سواء ويعرضه للمساءلة.
لكن ماهو الموقف بالنسبة للقاضي الذي يقوم بتدوين المداولات في سجل خاص للرجوع إليه عند الحاجة؟ وكذلك بالنسبة للقاضي الذي يبوح بأسرار المداولة أو بعضها للمفتشين في ملف ما؟، وهل يعتبر هذا وذاك إفشاء لسير المداولات، وبالتالي خرقا للقانون؟
أعتقد أن الأمر لايشكل إفشاء على الإطلاق مادام التصرف الحاصل جاء في إطاره القانوني المطلوب.
لايستمع لأحد الخصوم
أو نائبه في غيبة غير المستدعى بصفة قانونية:
إن القاضي بحكم وظيفته مهمته الأساسية هو البت في النزاعات والقضايا والفصل فيها بأحكام وهو لايتأتى له ذلك إلا بإحاطته بمعطيات النوازل والوقوف عند مختلف جوانبها الواقعية والقانونية واتباع الإجراءات القانونية اللازمة وهذا الوضع في إطار دراسة الدعوى يتطلب من القاضي الاستماع الى الخصوم بعد استدعائهم بطريقة قانونية ولايكتفي القاضي بالاستماع الى أحدهم أو الاستماع الى نائبه في غيبة الطرف الذي لم يستدع وفق ما يقتضيه القانون بل لابد أن يتأكد من حضور الخصوم في الجلسة وأن يحرص كل الحرص على تطبيق القانون وذلك بالاستماع الى الخصمين الحاضرين أمامه قبل أن يقضي لأحدهما ضمانا لتحقيق العدالة وإعطاء لكل ذي حق حقه وهنا استحضر وصية الرسول صلى الله عليه لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه حينما ولاه قضاء اليمين ولم يختبره لعلمه بفضله ولكنه وصاه بقوله «إذا حضر خصمان بين يديك فلا تقض لأحدهما حتى تسمع كلام الآخر «وفي هذا الإجراء كما نلاحظ أساس تحقيق العدل في الفصل بين الناس وفض مشاكلهم على اعتبار أن العدل بين الناس وكما يراه عمر بن الخطاب هو الدولة بكل شؤونها وشجونها بحيث إذا شاع العدل أصبح كل شيء بعد ذلك يسيرا.
8) يحافظ القاضي على هيبة المحكمة أثناء الجلسات
نظرا للمكانة المتميزة التي تحظى بها المحكمة في الذاكرة القضائية المغربية باعتبارها المقر التي يمارس فيها القاضي مهمته القضائية، وارتباطها من خلال القاضي بالقضاء والعدالة فقد كان هذا الدور البارز حاضرا بقوة في ذهن المشرع مما جعله يعطي سلطة واسعة للقاضي في حفظ النظام بالجلسة وتسيير البحث والمناقشات بها وله مع مراعاة حقوق الدفاع رفض كل مايرمي الى إطالتها بدون فائدة وله أن يوقفها، كما أعطاه المشرع إمكانية جعل المناقشة في جلسة سرية إذا اقتضى ذلك النظام العام أو الأخلاق الحميدة، وفي نفس السياق نجد المشرع أوجب على الخصوم شرح نزاعاتهم باعتدال وبطريقة مؤذبة ولبقة احتراما للمحكمة وحفاظا على هيبتها ووقارها ولضمان ذلك أجاز للقاضي الحكم بتغريم كل متقاض أخل بالاحترام الواجب للعدالة كما أجاز له وبصفة دائمة في حالة حصول اضطراب أوضوضاء أن يأمر بطرد الخصم أو وكيله أو أي شخص آخر من الجلسة وإذا امتنع الأفراد الذين وقع طردهم أو عادوا إلى الجلسة أمكن للقاضي أن يتخذ الإجراءات وفق المقتضيات القانونية الواردة في قانون المسطرة الجنائية وفي حالة ما إذا صدرت أقوال لاتتناسب والمجلس القضائي وتضمنت سبا أو إهانة خطيرة تجاه القاضي يمكن لهذا الأخير تحرير محضر بذلك يرسل على الفور الى جهة النيابة العامة لأعمال القانون وتطبيق في هذا الجانب المسطرة المتعلقة بالتلبس بالجريمة ولم تقف الأسباب المخولة للقاضي قانونا للمحافظة على هيبة المحكمة أثناء الجلسات عند هذا الحد بل شملت كذلك الخطب الصادرة عن أحد الوكلاء الذين لهم بحكم مهنتهم حق التمثيل أمام القضاء إذا كانت تحمل سبا أو إهانة أو قذفا ففي هذه الحالة بإمكان القاضي تحرير محضر وبعثه الى النيابة العامة لاتخاذ مايلزم قانونا لكن إذا تعلق الأمر بمحام بعث القاضي المحضر المذكور إلى نقيب الهيئة.
إذن انطلاقا مما ذكر يمكن القول أن هيبة المحكمة أثناء الجلسات مسؤوليتها تقع بالأساس على عاتق القاضي رئيس الجلسة وهي من أوجب واجباته والمشرع في هذا الإطار قد مده بالعناصر القانونية اللازمة لذلك فما عليه إلا إعمال هذه العناصر بكل حكمة وتبصر وعقلانية وبمرونة هدفه الأول والأخير هو الحفاظ على هيبة المحكمة خلال الجلسات وتطبيق في ذلك القانون تطبيقا سليما يضفي على المشهد القضائي نخوته وعزته التي رافقته عبر مختلف الحقب والأزمنة.
يعلم القاضي الخصوم بأي التماس
يخص الدعوى المعروضة عليه.
يعتبر القاضي إن صح التعبير حكما بين الخصوم في الدعوى المرتبطة بهم المعروضة عليه وهو بهذه الصفة لابد أن تكون حكامته رزينة وحكيمة وجيدة ما دامت إرادته في ذلك تسعى مسعى الحق والعدل، وفي هذا الإطار نجد المشرع قد خص لسير الجلسة المرتبطة بطبيعة الحال بالقاضي والدعوى والخصوم مجموعة قواعد قانونية تنظم الإجراءات التي تسير وفقها الدعوى وكيفية تعامل القاضي مع الخصوم أثناءها سواء تعلق الأمر بكيفية استدعاء الخصوم والشهود إن اقتضى الأمر ذلك أو تعلق الوضع بدراسة الدعوى بشكل عام بحثا ومناقشة، ففي الميدان الجنائي كما نعلم ينصب بحث القضية على استنطاق المتهم عند حضوره بعد التحقق من هويته والاستماع الى الشهود بعد المناداة عليهم وامرهم بالانسحاب من القاعة وكذلك الخبراء وتقديم أدوات الاقتناع عند الاقتضاء، ونفس الحال بالنسبة للدعوى في الميدان المدني تحكمها هي الأخرى في علاقة القاضي بالخصوم ودعاويهم المعروضة عليه ضوابط قانونية مسطرية لابد من التقيد بها وتطبيقها التطبيق الصحيح وفي هذا وذلك تقدم التماسات ومقالات إضافية ومذكرات وغير ذلك من وسائل الدفاع التي تخص الدعوى المعروضة على القاضي، وهذا الوضع يقتضي من القاضي إعلام الخصوم بكل مستجد بخصوص الدعوى التي ينظر فيها، وهذا الإجراء إجراء مسطري لايستقيم سير الدعوى بدونه فبإعلام القاضي للخصوم بأي ملتمس له ارتباط بالدعوى يطلعهم على مستجداتها وتطوراتها وموقفهم من ذلك وبذلك يكونون على علم بكل أمورها وهو ما يتيح لهم فرصة إعداد دفاعهم بالشكل المطلوب قانونا ويمكن القاضي في نفس الوقت من تجهيز الملف بعد استفائه لكل إجراءاته بطريقة محكمة تسهل عليه امكانية البت في الملف بحكم عادل ينسجم مع وضعية الملف من حيث القانون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.