لقاء بين ترامب وزيلينسكي الاثنين المقبل بالبيت الأبيض    وقفات ومسيرات تضامنية مع غزة بعدد من المدن المغربية    رحلات طيران أرخص: جوجل تطلق أداة ذكاء اصطناعي للعثور على أفضل العروض    بطولة كأس أمم إفريقيا للمحليين (الجولة5/المجموعة2) .. مدغشقر تتأهل لربع النهائي بفوزها على بوركينا فاسو (2-1)    شكوك تحوم حول مستقبل نايف أكرد مع ويستهام    الطالبي يتألق في أول ظهور بالبريميرليغ ويقود سندرلاند لانتصار هام على وست هام    اكتشاف جيولوجي مذهل.. المغرب يكشف عن أقدم ديناصور من فصيلة "التورياسورات" بإفريقيا    يونس الكعبي: مباراة الكونغو الديمقراطية مواجهة يتعين الفوز بها    هل يدخل قيس سعيّد في "معركة كسر العظم" مع الاتحاد العام التونسي للشغل؟!    السباح المغربي حسن بركة يحقق إنجاز السباحة حول محيط جزيرة مانهاتن في نيويورك    أطباء القطاع الحر يطالبون الصيادلة بإثبات مزاعم التواطؤ مع شركات الأدوية    استقرار أسعار المحروقات في المغرب    هل يقود لفتيت حكومة 2026؟‬    معركة غزة تدخل مرحلة جديدة .. "القسّام" تواجه أشرس هجوم إسرائيلي    بركة .. أول مغربي يسبح حول مانهاتن    الجزائر تعلن سحب الحافلات القديمة    "حق تقرير المصير" في السويداء .. شعار يُغري إسرائيل ويمزق سوريا    وكالة الغابات تصدر خرائط للمناطق الحساسة المعرضة لخطر اندلاع الحرائق    أغلب الأمريكيين يعتبرون الكحول مضرا بالصحة    دراسة: عشاق القهوة في مزاج أفضل بعد الفنجان الأول بالصباح    فتح الله ولعلو: المغرب والصين تقاسما شرف المساهمة في انتصار الحلفاء            بورصة البيضاء .. أقوى ارتفاعات وانخفاضات الأسبوع        مريدو "البودشيشية" يؤكدون استمرار منير القادري على رأس الزاوية    حموني: سنة 2026 ستكون "بيضاء" على مستوى إصلاح أنظمة التقاعد والمقاصة    برنامج "نخرجو ليها ديريكت" يناقش تحديات الدخول السياسي والاجتماعي المقبل    طنجة تتصدر الوجهات السياحية المغربية بارتفاع 24% في ليالي المبيت    تغيرات متوقعة في طقس السبت بعدد من مناطق المملكة    اتلاف كمية من الفطائر (السفنج) الموجة للبيع في الشواطئ لغياب معايير الصحة    الحرارة المفرطة تفاقم أزمة المياه بالمغرب.. حوض ملوية في وضع حرج    صفقتان لتأهيل مطاري تطوان والحسيمة استعدادًا لكأس العالم 2030    بوليف: التحويلات المالية لمغاربة العالم ينبغي ترشيد استثمارها ويجب إشراك الجالية في الانتخابات التشريعية    منظمة الصحة العالمية تحذر من استمرار تدهور الوضع العالمي للكوليرا    ابتكار أول لسان اصطناعي قادر على استشعار وتمييز النكهات في البيئات السائلة    ملتقى الثقافة والفنون والرياضة يكرم أبناء الجالية المغربية بمسرح محمد الخامس بالرباط    في بلاغة الغياب وحضور التزييف: تأملات في بيان حزب الأصالة والمعاصرة بالعرائش !    كيف أنسى ذلك اليوم وأنا السبعيني الذي عايش ثلاثة ملوك    غاب عن جل الأحزاب    عادل شهير يوقع أحدث أعماله بتوقيع فني مغربي خالص    أوجار: مأساة "ليشبون مارو" رسالة إنسانية والمغرب والصين شريكان من أجل السلام العالمي    تطوان تحتضن انطلاقة الدورة الثالثة عشرة من مهرجان أصوات نسائية    سفارة الصين بالرباط تحتفي بالذكرى الثمانين لانتصار الحلفاء بعرض وثائقي صيني    صحيفة أرجنتينية تسلط الضوء على عراقة فن التبوريدة في المغرب    مشروع قانون يثير الجدل بالمغرب بسبب تجريم إطعام الحيوانات الضالة    الدفاع الحسني الجديدي لكرة القدم يختم موسمه الرياضي بعقد الجمع العام العادي    النقابات تستعد لجولة حاسمة من المفاوضات حول إصلاح نظام التقاعد    راب ستورمي وحاري في "رابأفريكا"    كيوسك السبت | البطاطس المغربية تعود بقوة إلى الأسواق الدولية في 2025    دورة سينسيناتي لكرة المضرب: الكازاخستانية ريباكينا تتأهل لنصف النهاية على حساب بسابالينكا    موسم مولاي عبد الله... تكدّس، غياب تنمية، وأزمة كرامة بشرية    القصر الكبير: التنسيقية الجمعوية المحلية تدق ناقوس الخطر حول الوضع البيئي المقلق بالمدينة    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المساواة في فكر علال الفاسي» في يوم دراسي لمنظمة المرأة الاستقلالية في إطار الاحتفال بمرور مائة سنة على ميلاد الرائد علال الفاسي
المساواة المنشودة هي التي لا تتنافى مع طبائع الأشياء
نشر في العلم يوم 01 - 05 - 2010

المرأة حاضرة بقوة في عمق فكر علال الفاسي وفي مشروعه المجتمعي والثقافي المساواة بين الجنسين من فكر علال الفاسي ، شكلت محور البحث خلال اليوم الدراسي الذي نظمته منظمة المرأة الاستقلالية بملحقة الإسماعيلية بمكناس، وذلك في إطار الاحتفال بمرور مائة سنة على ميلاد الزعيم الراحل علال الفاسي...
والمتتبع لهذا الشق من فكر علال الفاسي وعلاقته بإصلاح حال المرأة في بلادنا والنهوض بقضايا الأسرة عموما، يلاحظ أن المساواة في هذا الفكر الموسوعي، لا تنحصر في إطار المساواة بين الجنسين، بل تنطلق الى ما هو أبعد وأشمل، المساواة بين الناس كافة بغض النظر عن السلالة أو الجنس أو اللون أو غير ذلك مما يفرق بين البشر.
ويورد في دفاع عن الشريعة فقرات للسيد قطب للتأكيد بأن أصل «الجنس البشري هو أصل واحد مشترك وأن الانحراف من هذا التعبير يؤدي إلى السلالية المبنية على الجنس أو اللون أو غيرهما، وأن الشريعة الاسلامية بما أنها تؤمن بوحدة الناس فقد انبنت على أنها للناس عامة لا لفئة دون أخرى وتلغي كل فارق مبني على الدم أو اللغة أو اللون وتدعو الناس قاطبة ليدخلوا في السلم ويتآخوا في الله».
وفي هذا المنحى سارت كل المداخلات التي أطرها أساتذة أجلاء عبر المحاور التالية:
حيث قدمت الأستاذة نعيمة خلدون عرضا مستفيضا حول «العدل عند علال الفاسي» وقدم الأستاذ محمد السوسي شذرات شعرية عن المساواة في فكر علال الفاسي من خلال أعماله الشعرية من خلال القضايا الإصلاحية التي عالجتها نصوصه الشعرية مثل:
الدعوة إلى تعليم الفتاة المغربية وإصلاح حالها سعيا لإصلاح الأسرة والمجتمع لبناء وطن قوي حيث نجد اتفاقا مع الدعوات التي ترددت في مصر منذ أول القرن العشرين لكل مناصري المرأة من مصلحين اجتماعيين وأدباء ومثقفين ، مثل هذه القصيدة التي سنقتطف منها هذه الأبيات.
ربو ا الفتاة على المعالي إنها إن هذبت تلج السبيل الأقوما
هبوا لتعليم الفتاة نبيلة حتى تشارك زوجها المتعلما
وتعين في صرح النهوض بناءه وتقاوم الداء المبيد المعدما
عار علينا أن تظل فتاتنا في الجهل غرقى لا تطيق تقدما
أي أن الشاعر المرحوم علال الفاسي إذا كان قد انخرط مدافعا عن كل الفئات الاجتماعية المغربية كالفلاح والعامل البسيط، فإنه لم يغفل المرأة والزوجة.
أما الأستاذة عائشة لخماس فقدمت بحثا عن المساواة في فكر علال الفاسي من خلال كتابه النقد الذاتي،، وكانت المساواة ككل لا يتجزأ من هذا الفكر العلالي، موضوع بحث قدمته الأستاذة لطيفة بناني سميرس رئيسة فريق الوحدة والتعادلية بمجلس النواب.
ونقدم في هذه المتابعة كلمة رئيسة منظمة المرأة الاستقلالية ، الأستاذة نعيمة خلدون على أن ننشر البحوث الأخرى، في عدد لاحق.
بسم الله الرحمان الرحيم
الأخ نجل الزعيم علال الفاسي الدكتور عبدالواحد الفاسي
أفراد أسرته الأفاضل
الأخوات والإخوان أعضاء اللجنة التنفيذية
السيدات والسادة الأساتذة
ضيوف الندوة الكرام
الأخ مفتش الحزب بمكناس
مناضلات ومناضلو الحزب وأطره بمكناس
أيتها الأخوات من مختلف فروع المنظمة
الحضور الكريم
يسعدني باسم المكتب التنفيذي لمنظمة المرأة الاستقلالية وباسم فروعها بمدينة مكناس، مدينة التاريخ المجيد والحضارة الأصيلة، أن أرحب بكم جميعا وأشكركم على تلبية الدعوة لحضور أشغال هذه الندوة الوطنية التي تعقدها المنظمة كمساهمة متواضعة في تخليد الذكرى المائوية لميلاد الزعيم علال الفاسي رحمه الله وطيب ثراه.
فقد تقرر داخل المكتب التنفيذي وفي مجلس الكاتبات الذي انعقد مؤخرا للمنظمة أن يتم تخليد المنظمة لليوم العالمي للمرأة 8 مارس 2010 من خلال برنامج عمل خاص للاحتفاء بهذه الذكرى على المستويين المركزي والإقليمي، ومن هذا المنطلق انعقدت ندوات متعددة أشير إلى ما تم في الناضور والحسيمة وتازة مراكش القصر الكبير وآسفي، والاستعدادات جارية في بقية الفروع لتخليد هذه الذكرى العزيزة، والتأخير يعود إلى توالي انعقاد المجالس الإقليمية والجهوية للحزب.
وعلى الصعيد المركزي، ينطلق برنامج العمل من هنا بمكناس، من خلال ندوة «المساواة في فكر علال الفاسي» وذلك اعترافا واعتبارا وتقديرا لما قدمه الزعيم سيدي علال لأمته ولوطنه من تضحيات جسام وكفاح طويل ومرير وخدمات جليلة من أجل حصول المغرب على استقلاله واسترجاع سيادته ووحدة أرضه وشعبه، وأيضا من أجل مغرب ينعم فيه المواطنون والمواطنات على قدم المساواة بالعيش الكريم في ظل الاستقرار والارتقاء السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
أيها السيدات والسادة الأفاضل تعودنا في منظمة المرأة الاستقلالية، كاستقلاليات، وهذا شيء طبيعي، أن نلجأ إلى علال الفاسي للحصول على الزاد اللازم لمواصلة طريق الكفاح والنضال ولتقوية الأمل في النفس والإرادة في العمل والعطاء ولملأ الفكر والوجدان.
كما تعودنا في المنظمة وفي الحركة النسائية المغربية المناضلة أن نلجأ إلى كتبه ومؤلفاته واجتهاداته وفتاويه عندما يتطلب الأمر ويقتضي تقديم الدليل والحجة والاستشهاد بالرأي الذي يعتد به، لكن الوضع مختلف في ندوة اليوم حول «المساواة في فكر علال الفاسي» إذ نجد أنفسنا وجها لوجه أمام أعمال هي من القيمة والغنى والعمق بمكان مما جعل العديد من الباحثين والمتمرسين يعتبرون ارتيادها لسبر أغوارها مغامرة ومجازفة.
ولذلك أريد أن أؤكد اليوم بأن كل ما نطمح إليه هو التأكيد على أن فكر علال الفاسي وما أنتجه في مختلف مجالات العلم والمعرفة ما يزال يحتاج الى مجهود كبير وبحث عميق ومتواصل لتوضيحه واستجلاء مكامنه وتقريب مضامينه النبيلة والعميقة إلى أجيال اليوم التي هي في أمس الحاجة إليه، ويحضرني ما جاء في مداخلة للأستاذ محمد السوسي في إحياء الذكرى 27 لوفاة الزعيم قوله: «إذا كان العمل السياسي استغرق من الكاتبين والباحثين حيزا كبيرا في دراساتهم وأبحاثهم حول شخصية الزعيم علال الفاسي فإن دراسة عمله الريادي في الإصلاح والتجديد الفكري والعلمي لا يزال يحتاج إلى دراسات وأبحاث مستفيضة لإيفائه بعض نصيبه من البحث والدراسة».
أيها السيدات والسادة
كيف السبيل إلى التطرق الى موضوع من المواضيع التي اشتغل بها علال الفاسي أو إلى جانب من جوانب فكره الذي يتميز باجماع الباحثين بنسقية بناءه وشمولية أهدافه ومراميه في إطار سياق متكامل ومنطق يحكم الكل ويحكم الأجزاء داخل هذا الكل.
وأتمنى صادقة من خلال مداخلتي أن لا أظلم الرجل، ولا أخفي هذا الشعور لأنني أجد نفسي أمام جبل شاهق أتطلع إليه لا أقول من أرض المغامرة بل من الرغبة في المحاولة واستمد الشجاعة من الحديث النبوي الشريف «عن عبدالله بن عمرو وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا حكم الحاكم فاجتهد وأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحدش متفق عليه.
واعتمادا على كتاب دفاع عن الشريعة أقدم هذا الحديث المختصر عن المساواة في فكر علال الفاسي، من منطلق مبدأ اعتبره مركزيا في فكره وفي رؤيته ويشكل بالتالي مدخلا منطقيا في تناول هذا الموضوع يتعلق الأمر بمبدأ العدل، فالرجل سلفي، لكنه ليس سلفيا مقلدا أو منغلقا بل هذا ما رفضه رفضا مطلقا، فعلال الفاسي إذا صح التعبير سلفي ثائر، ثائر على الجمود وإلغاء العقل وعلى كل ما يبعد المسلمين عن الأصول وينحرف بهم عنها، سلفي متجدد ومجدد، والأرض الصلبة التي يقف عليها، وينطلق منها بقوة وبثبات هي الإيمان، إيمان قوي وعميق وبلا حدود لكنه بقدر ما يرتكز على القلب والوجدان بقدر ما يرتكز على العقل كأسمى ما وهبه الله سبحانه وتعالى للإنسان وعلى التفكير والتدبر. ومن هنا يأتي تأكيده المستمر على ضرورة مواصلة الاجتهاد واعتماده وفق ما هو موضوع له من قواعد وضوابط وأسس تساعد من يريد أن يجتهد ويفسر ويستنبط، يقول علال الفاسي: «لسنا مطالبين بأن نحتفظ بكل رأي قاله عالم من علماء المسلمين، ولا بكل تأويل اختاره مفسر من المفسرين وحسبنا أن نرى في أعمالهم محاولات المجتهد المخلص الذي يريد أن يستعمل حقه الذي أعطيه في فهم كتاب الله وسنة رسوله واختيار وجه في استنباط الأحكام والأفكار منهما، وحسبنا أن نحاول الاقتداء بهم والسير على منوالهم عسانا نستطيع أن نستخرج من دروب المعرفة مثل ما استخرجوا، ومن وسائل الاجابة لمشاكل عصرنا ووسائله مثلما فعلوه مع ما كان يعرض لهم في زمنهم، فهم رجال ونحن رجال «ويوضح في نفس الفقرة موقفه النبيل من التراث بقوله: «على أنه يمكننا دائما أن نجد في تلك الثروة العظيمة على اختلاف أنواعها ومناحي أصحابها نماذج لاختيار الأحسن والأجدى لهذا العصر»
إذن بالنسبة لعلال الفاسي لا مبرر للحيرة تجاه التراث ولا مبرر للخوف من الاجتهاد للبحث عن حلول لمشاكل ومتطلبات العصر ما دام أنه كلما أشكل الأمر يرد إلى الأصل الذي هو القرآن الكريم ويستدل بالآية الكريمة «فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول» وبالعودة إلى الموضوع، فعلال الفاسي في نفس المصدر يعتبر الدين في الفكر الاسلامي عقيدة وعملا، والعمل تضبطه الشريعة بقواعدها وأحكامها، ويعتبر بناء عليه عمل الإنسان ثمرة لعقيدته ونتاجا لها، وكذلك الأمر بالنسبة للشعوب فحضارتها انعكاس ونتاج لمعتقداتها يقول في هذا السياق «قد تعيش المجتمعات بالعقائد الخرافية، وقد تعيش بالصادق من العقيدة ولكنها لا يمكن أن تعيش بدون اعتقاد، بل إن الحضارات الحقيقية لا يمكنها أن تسير بغير دين وطاعة ثابتة».
والشرائع المنزلة لدى علال الفاسي ولو أنها اختلفت في فروعها فقد اتفقت في غايتها. والغاية كما يحددها في نفس المصدر تتمثل في إقامة العدل، جاء في دفاع عن الشريعة «ولهذا كان الرسل حينما يبعثون إلى أمة ما يكلفون في مقدمة ما يكلفون به بمهمة القضاء بين الناس لتحقيق العدل والانصاف بينهم واستدل بالآية الكريمة «فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون».
وبعد وقوفه مليا عند محاسن الشريعة الاسلامية ومميزاتها، يتباع البرهنة والحجية على محورية العدل وقيمته الكبرى في الشريعة الاسلامية يقول في هذا الصدد «وطبيعي أن شريعة تنزل من السماء لا بد أن تكون قائمة على أسس من العدل ومبادئ من الإنصاف ويضيف وهذا مهم جدا. لا يجوز التحول عنها ولا تخصيص فئة من الناس بها دون غيرهم».
فحيث أن غاية الشريعة المنزلة من السماء العدل والإنصاف، إذن فالعدل حق شرعي للناس كافة، حق شرعي للجميع لا يجوز التخصيص فيه أو التمييز بين جماعة وأخرى فبالأحرى بين جنس وآخر.
وإذا كان العدل حقا فتطبيقه يصبح واجبا على كل المسؤولين أو القائمين بالأمر.
ويتقدم علال الفاسي في التحليل في نفس المصدر فيعتبر العدل واجب في كل قضية وعدم إقامته يعتبر إثما ينقص من إيمان صاحبه، بمعنى أن الإيمان في حد ذاته لا يتحقق في الشكل المطلوب والكامل إلا بتحقيق العدل.
ولا يطالب أي شعب في أي مكان في العالم بأكثر من العدل ولا تطالب المرأة في بلادنا وفي الوطن العربي والإسلامي بل وفي العالم بغير العدل والإنصاف ورفع ما يقابلهما أي رفع الظلم والحيف عنها.
ويضيف علال الفاسي رحمه الله «والعدل في نظر الشريعة لا يعني المساواة في تطبيق الأحكام فحسب ولكن يعني تحقق العدل» إذن العدل كمبدأ قائم على المساواة، والعدل في الجانب الأوسع من تطبيقه تحقيق للمساواة.
ويصبح من البديهي وعلى المستوى المبدئي للمسألة أن الذي لا يؤمن بالمساواة بين الناس وبين الأجناس لا يؤمن بإقامة العدل بينها ولا يستطيع إقامته وإن أراد.
والمساواة عند علال الفاسي، لا تنحصر في إطار المساواة بين الجنسين، بل تنطلق كما سلف توضيحه مما هو أبعد وأشمل، المساواة بين الناس كافة بغض النظر عن السلالة أو الجنس أو اللون أو غير ذلك مما يفرق بين البشر.
ويورد في دفاع عن الشريعة فقرات للسيد قطب للتأكيد بأن أصل «الجنس البشري هو أصل واحد مشترك وأن الانحراف من هذا التعبير يؤدي إلى السلالية المبنية على الجنس أو اللون أو غيرهما، وأن الشريعة الاسلامية بما أنها تؤمن بوحدة الناس فقد انبنت على أنها للناس عامة لا لفئة دون أخرى وتلغي كل فارق مبني على الدم أو اللغة أو اللون وتدعو الناس قاطبة ليدخلوا في السلم ويتآخوا في الله».
يؤكد علال الفاسي بأن المجتمعات تتطور وشكل الحياة فيها يتغير تبعا لمستوى التقدم والتحضر الذي تحققه الأمم لكن جوهر الإنسان يظل هو هو، بمعنى أن إنسانية الإنسان لا يمكن أن يزيدها التقدم أو التحضر إلا عمقا وتجليا يجسدهما تمسكها بالنبيل من القيم والأهداف وفي مقدمتها الحرص على إقامة العدل، ومن هنا جاء رفضه المطلق ومناهضته ومقاومته لكل أشكال الاعتداء والاسترقاق والترامي على ماهو للغير وصولا إلى الاستعمار السافر. والاستعمار عنده وبتعبيره كل لايتجزأ فإلى جانب الاستغلال الاقتصادي البشع نجد الاستغلال الثقافي والتسلط الثقافي من خلال إضعاف كل ما يشكل هوية الشعوب وخصوصياتها.
لذلك فعلال الفاسي لم يكن مجرد وطني غيور، مخلص ومتحمس، ولا مجرد زعيم فذ لحزب سياسي عتيد، بل علال مفكر بكل ما تحمله الكلمة من معنى، استطاع من خلال إيمانه بعقيدته وعشقه لهويته وانفتاحه على غيره بناء نسق فكري مازلنا لم نوفه حقه من البحث والدراسة، ولم تكتمل الاستفادة بعد من أفكاره ومضامينه.
فانطلاقا من تصور علال الفاسي للعدل باعتباره الجسر الموصل إلى المساواة والحرية. وانطلاقا من نظرته الشمولية للمساواة، نتساءل عن المرأة عن وضع المرأة ماحظها، ماحقها في المساواة والحرية في فكر علال الفاسي، بداية لابد من تسجيل الملاحظات التالية:
1 - المرأة حاضرة بقوة في كل ما انتجه علال الفاسي في مجال الفقه والقانون والثقافة والاجتماع، والسياسة والشعر وغيرها. ليست المرأة المغربية فقط بل المرأة العربية والمرأة الانسان في كل مكان.
2 - المرأة في عمق مشروعه المجتمعي والثقافي بل تشكل عموده الفقري.
3 - بذل مجهودا جبارا ناجحا موفقا في ابراز ما تضمنته الشريعة الاسلامية السمحاء من حقوق للمرأة في مختلف مجالات الحياة بما يجعلها شريكا ومسؤلا على قدم المساواة مع الرجل ولم تفته الإشارة إلى أن الشريعة الإسلامية في المجتمعات الإسلامية التي انهك قوتها التخلف والاستعمار ظلت الحارس الأمين لحقوق المرأة والضامنة لها ولو على المستوى النظري.
4 - انبر للدفاع عن قضايا المرأة وعن ضرورة التعجيل بتحريرها وتمكينها من حقوقها ليس فقط لتحقيق ذاتها ومواطنتها بل لكي لايحرم الوطن من مجهودها وعطائها.
5 - خالف بجرأة وبشجاعة نادرتين العديد من آراء الفقهاء كما واجه المخالفين والمحافظين والرافضين للاجتهاد واستعمال العقل في كل مايدعو إلى استعماله وأفتى بما أملاه عليه إيمانه وضميره.
6- تعرض لأكثر الظواهر الاجتماعية مرضية وحساسية في سياق اقتحام المسكوت عنه آنذاك كبالغاء المسكرات والمخدرات والطلاق والتعدد والتسري والشطط والتسلط في استعمال الحق وغيرها مما له أوخم العواقب على المرأة وعلى الأسرة وعلى المجتمع.
وعلال السلفي المتمسك بعقيدة الإسلام وشريعته السمحاء
وعلال الداعية إلى استعمال العقل وملكة التفكير لدى الإنسان لفهم الدين نفسه ولبلورة الإيمان السليم والصحيح به.
وعلال المتفتح على كل ما أنتجه الفكر الإنساني للاستفادة منه شريطة الحرص على ألا يسلبنا شخصيتنا وهويتنا.
وعلال الذي أرقه الظلم فجند نفسه لخدمة العدل والإنصاف.
وعلال الذي جعل من العدل الطريق والسبيل نحو المساواة والحرية
وعلال عاشق الحرية وعلال عاشق المرأة
وعلال الذي جعل الفكر في خدمة المجتمع والمجتمع لإنتاج الفكر خدمة منهما للحياة الحرة الكريمة، لايمكن أن يكون سوى الداعية الأكبر للمساواة بين المرأة والرجل. وكما قال في النقد الذاتي بحسه المتيقظ وفكره الاستشرافي «المساواة التي لاتتنافى مع طبائع الأشياء».
من هذه الرؤية الواضحة على مستوى أسسها وعلى مستوى أهدافها قدم الزعيم علال الفاسي أكبر الأعمال وأجلها:
* لتحسين وضع المرأة القانوني داخل الأسرة التي هي الخلية الأساس في مشروعه الاجتماعي بحيث اعتبر المرأة عمادها من هنا كان دفاعه المستميت عن ضرورة رفع سن الزواج وحماية حق المرأة في اختيار شريك الحياة وفي حمايتها من مخاطر التعدد والطلاق ومن تعسف الرجل أبا كان أو زوجا أو أخا أو عما في استعمال الحق بدون موجب حق.
* لتحسين وضعها الاجتماعي والاقتصادي بالمطالبة المتواصلة بضرورة فتح أبواب التعلم والتكوين أمامها لتستطيع إعالة نفسها وتحصينها والقيام بواجباتها تجاه أمتها ووطنها.
* لتمكينها من المشاركة في تحمل المسؤوليات العامة في مختلف مجالاتها على أساس أن «الشورى واجبة على المسلمين والمسلمات على حد سواء» يستدل سيدي علال على ذلك بقوله تعالى: «والمؤمنون والمومنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» ويضيف سيدي علال في مرافعته القيمة هذه «لم يسبق الإسلام نظام ما في اعطاء المؤمنات مقام المؤمنين في الميدان السياسي والديمقراطي، لأن الشريعة كما قلنا عامة المصدر وعامة التطبيق»
ولا أجد خيرا من كلام الزعيم لأختم به حديثي من النقد الذاتي إذ يقول «إن كل نهضة لاتعير الالتفات إلا لجانب الرجال لهي نكسة لا توصل إلى الخير أبدا»
ويقول أيضا «إني لأعتقد أنه لاحياة لأمتنا ولا لأمة على وجه الأرض ما دامت المرأة محرومة من حقوقها وممنوعة من أداء واجبها».
رحم الله هذا الزعيم الخالد، رحم الله علال الفاسي، وطيب ثراه، رحم الله علال الفاسي الذي سيظل حيا فينا وحيا بيننا بعلمه بمعرفته بالتراث الخالد الذي تركه لنا بصدقه بنبل أخلاقه بحرصه على ألا يترك شيئا في نفسه أو لذاته بل قدم كل ما لديه لصالح وطنه وسعادة المواطنات والمواطنين فيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.