مظاهرة حاشدة في مدريد لدعم رئيس الوزراء وحثه على البقاء    بدء أشغال المؤتمر السادس للبرلمان العربي بمشاركة المغرب بالقاهرة    منتوج العسل المغربي يطرق أبواب السوق الأوروبية    گاريدو مدرب اتحاد العاصمة: جينا نربحو بركان ونتأهلو للفينال ونديو الكاس    أمن طنجة يجهض مخطط لإغراق المدينة بالمخدرات والحبوب المهلوسة    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    هذا تاريخ عيد الأضحى لهذه السنة بالمملكة    رحلة الجاز بطنجة .. عودة للجذور الإفريقية واندماج مع موسيقى كناوة    فرنسا تعلن استعدادها تمويل خط كهرباء يربط الدار البيضاء بالداخلة    جلالة الملك يهنئ رئيس جمهورية الطوغو بمناسبة العيد الوطني لبلاده    بعد "بلوكاج" دام لساعات.. الاستقلال ينتخب فجر السبت لجنة ثلاثية لرئاسة مؤتمره    بلغت تذاكره 1500 درهم.. حفل مراون خوري بالبيضاء يتحول إلى فوضى عارمة    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون أخذ تصريح وآثم من فعل ذلك    تقنيات أوروبية متطورة تحاول إقناع مهنيي القطاعات الفلاحية في المغرب    مجلس الأمن .. حركة عدم الانحياز تشيد بجهود جلالة الملك لفائدة القضية الفلسطينية    مدير الثانوية اللي حصل ففي يو كيتحرش بتلميذة قاصر "هرب".. والنيابة العامة دارت عليه مذكرة بحث وسدات عليه الحدود    ارتفاع عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و388 شهيدا منذ بدء الحرب    الخارجية البريطانية: ملتازمين بتعزيز وحماية حقوق الإنسان فالصحرا وكنشجعو الأطراف باش يواصلوا جهودهم فهاد الصدد    الرباط: اختتام فعاليات "ليالي الفيلم السعودي"    المغرب يواجه واحدا من أكثر المواسم الفلاحية كارثية في تاريخه    ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بالمغرب    مؤتمر الاستقلال يمرر تعديلات النظام الأساسي ويتجنب "تصدع" انتخاب القيادة    بنتايك ضمن التشكيلة المثالية للجولة ال34 من دوري الدرجة الثانية الفرنسي    تفاصيل وكواليس عمل فني بين لمجرد وعمور    الدكيك يكشف ل"الأيام24″ الحالة الصحية ليوسف جواد وإمكانية مشاركته بكأس العالم    تواصل حراك التضامن مع الشعب الفلسطيني في المغرب.. مظاهرات في 56 مدينة دعما لغزة    قناة عبرية: استقالة رئيس الأركان الإسرائيلي قريبا وجميع الضباط المسؤولين عن كارثة 7 أكتوبر سيعودون إلى ديارهم    زلزال بقوة 6.1 درجات يضرب هذه الدولة    مجلس أمناء الاتحاد العربي للثقافة الرياضية يجتمع بالدوحة لمناقشة خطة 2025    فرنسا مستعدة ل"تمويل البنية التحتية" لنقل الطاقة النظيفة من الصحراء إلى الدار البيضاء    "التكوين الأساس للمدرس ورهان المهننة" محور ندوة دولية بالداخلة    السعيدية.. افتتاح النسخة الثامنة من تظاهرة "أوريونتا منتجعات السعيدية – حكايات فنية"    خمسة فرق تشعل الصراع على بطاقة الصعود الثانية وأولمبيك خريبكة يهدد حلم "الكوديم"    سيناريوهات الكاف الثلاث لتنظيم كأس إفريقيا 2025 بالمغرب!    مغني راب إيراني يواجه حكماً بالإعدام وسط إدانات واسعة        زفاف العائلات الكبيرة.. زواج ابنة أخنوش من نجل الملياردير الصفريوي    هجوم روسي استهدف السكك بأوكرانيا لتعطيل الإمدادات د مريكان    سامسونغ تزيح آبل عن عرش صناعة الهواتف و شاومي تتقدم إلى المركز الثالث    حريق كبير قرب مستودع لقارورات غاز البوتان يستنفر سلطات طنجة    تطوير مبادرة "المثمر" ل6 نماذج تجريبية يَضمن مَكننة مستدامة لأنشطة فلاحين    الأكاديمية تغوص في الهندسة العمرانية المغربية الإسبانية عبر "قصر الحمراء"    زلزال بقوة 6 درجات يضرب دولة جديدة    ممثل تركي مشهور شرا مدرسة وريبها.. نتاقم من المعلمين لي كانو كيضربوه ملي كان صغير    الرابطة الرياضية البيضاوية يؤكد ان الوحدة الترابية قضيتنا الاولى    جمارك الجزائر تجهل قانون الجمارك    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    تتويج 9 صحفيين في النسخة الثامنة للجائزة الكبرى للصحافة الفلاحية والقروية    الأمثال العامية بتطوان... (583)    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    ‬غراسياس ‬بيدرو‮!‬    محمد عشاتي: سيرة فنان مغربي نسج لوحات مفعمة بالحلم وعطر الطفولة..    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    الأمثال العامية بتطوان... (582)    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأخ نور الدين مضيان، رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب يناقش مشروع قانون المالية لسنة 2012
واعون بظروف وملابسات إعداد مشروع قاونون المالية في ظل ظرفية طبعتها العديد من المتغيرات والتحولات
نشر في العلم يوم 10 - 04 - 2012

في إطار المناقشة العامة لمشروع القانون المالي لسنة 2012 ، تدخل الأستاذ نورالدين مضيان رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب ، بعرض مفصل تناول فيها مختلف الملاحظات والاقتراحات التي يرتئيها الفريق الاستقلالي بخصوص مشروع القانون المالي .. في ما يلي النص الكامل لعرض الأخ نورالدين مضيان:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين؛
السيد الرئيس المحترم؛
السيد رئيس الحكومة المحترم؛
السيدة والسادة الوزراء المحترمون؛
السيدات والسادة النواب المحترمون؛
نناقش مشروع قانون المالية لهذه السنة في ظل مرحلة سياسية دقيقة ومتميزة بفضل الإصلاحات الدستورية التي عرفتها بلادنا في فاتح يوليوز 2011، ولما يتطلبه هذا الإصلاح من ضرورة التفعيل الأمثل لأحكام الدستور في كل ما يرتبط بترسيخ دولة الحق والقانون والمؤسسات، وذلك في ظل ملكية برلمانية دستورية ديمقراطية واجتماعية، وفي إطار ضمان الحقوق السياسية والاقتصادية للمواطنين، وفصل السلط وتوازنها، وتقوية دور المؤسسة التشريعية فيما يتعلق بالمجالين التشريعي والرقابي وتقييم السياسات العمومية، وكذا في إطار تعزيز السلطة القضائية، وغيرها من التوجهات والاختيارات الجديدة التي حملها الدستور الجديد.
نناقش هذا المشروع، في مرحلة انتقالية على إثر الانتخابات السابقة لأوانها التي جرت يوم 25 نونبر 2011، والتي أفرزت أغلبية نيابية متماسكة انبثقت عنها حكومة جديدة، هذه الانتخابات التي جرت في جو مطبوع بالشفافية والنزاهة، وتفرعت عن إصلاحات سياسية جوهرية ساهم فيها حزب الاستقلال بقوة، وتبوأ خلالها مكانة مشرفة تعكس موقعه داخل المشهد السياسي المغربي،حيث قرر المشاركة بكل مسؤولية في ائتلاف حكومي متضامن ومتماسك، وذلك انسجاما مع قناعاته الفكرية ومبادئه الحزبية الثابتة.
نناقش هذا المشروع، لكونه يشكل دفعة قوية في اتجاه استكمال بناء صرح الديمقراطية ببلادنا، وحلقة أساسية لترجمة تعاقد اجتماعي وطني ينبني على تفعيل التزامات الحكومة في تطبيق برنامجها الذي تعاقدت من خلاله مع المواطنين، والتزمت به أمام مجلس النواب، وحصلت على إثره على ثقة الأغلبية المساندة لها. وذلك عبر أجرأة تدابير ناجعة ومباشرة تستجيب لتطلعاتهم وتحقق انتظاراتهم.
نناقش هذا المشروع، ونحن واعون بظروف وملابسات إعداده في ظل ظرفية وطنية خاصة، وإقليمية ودولية، طبعتها العديد من المتغيرات والتحولات، وفي مقدمتها تأثيرات الأزمة الاقتصادية التي أرخت بظلالها على اقتصاد الدول الأوربية خاصة، باعتبارها شريكا أساسيا للمغرب، كما أن اقتصادنا الوطني لم يكن بمنأى عن هذه التأثيرات، والتي تبقى محاطة في أي لحظة بتضخمات مهولة، في علاقة بارتفاع أسعار المواد الطاقية، والمواد الأولية وتزايد تقلبات أسعار الفائدة والصرف، علاوة على التقلبات المناخية ببلادنا، والتي أثرت بشكل مباشر على الموسم الفلاحي لهذا العام.
فإلى أي مدى يشكل هذا المشروع انطلاقة حقيقية نحو التفعيل الأمثل لأحكام الدستور في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحقوقية؟
إلى إي مدى يستجيب هذا المشروع لمتطلبات المرحلة وانتظارات المواطنين فيما يرتبط بحياتهم اليومية من قبيل السكن اللائق والعلاج المضمون والتشغيل الضامن الكرامة...؟
إلى أي مدى يستجيب هذا المشروع لتوجهات واختيارات البرنامج الحكومي، الذي يعتبر التزاما تعاقديا مع المواطنين في مختلف المجالات؟
إلى أي مدى يستجيب هذا المشروع لتنمية العالم القروي، حتى يجد سكان البادية أنفسهم ح بقوة في هذه الميزانية، وذلك من خلال محاربة الهشاشة والإقصاء الاجتماعي وفك العزلة...؟
إلى أي حد يستجيب هذا المشروع لمتطلبات إقرار الحكامة الجيدة ومحاربة الفساد، والقضاء على اقتصاد الريع والامتيازات الخاصة، ومكافحة الرشوة بما يضمن تخليق الحياة العامة في شموليتها؟
إلى أي حد يستجيب المشروع لمتطلبات وحاجيات تعزيز مكانة أفراد الجالية المغربية بالخارج، في ظل المستجدات الإقليمية والجهوية والدولية الحالية، بالنظر للدور الذي تلعبه جاليتنا المغربية، ليس على المستوى الاقتصادي فحسب، وإنما كسفراء لبلدهم ومدافعين عن مصالح وطنهم وفي مقدمتها قضيتنا الأولى؟
لماذا لم يتم تفعيل صندوق الزكاة، الذي تم إحداثه منذ عدة سنوات من أجل إعطاء التضامن الاجتماعي مدلوله الحقيقي، ومتى سيتم ذلك؟
السيد الرئيس؛
نناقش هذا المشروع، وقضية وحدتنا الترابية تمر بمرحلة يمكن اعتبارها ايجابية من حيث التحولات الدولية والمواقف المعبر عنها لصالحها، لاسيما وأن الحركية التي انطلقت مع مقترح الحكم الذاتي أصبحت تتعزز اليوم بفضل انطلاقة جديدة لدينامية دبلوماسية مغربية رسمية وبرلمانية فاعلة.
نناقش هذا المشروع، وأمال الشعوب المغاربية مفتوحة ومتطلعة نحو فتح أفاق جديدة للتعاون والتكامل في إطار توطيد دعائم الاتحاد المغاربي، لمواجهة التكتلات الإقليمية والجهوية والدولية من جهة، وفي أفق ترسيخ وحدة العالم العربي بما يخدم وحدة الأمة الإسلامية من جهة أخرى، بعدما ظهرت مؤشرات ايجابية لتحريك عجلة قطار الاتحاد المغاربي في ظل التطورات التي عرفتها المنطقة.
نناقش هذا المشروع، والشعب الفلسطيني لازال يقبع تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، ويمر بمرحلة صعبة من جراء الحصار المفروض على شعبه، حصار كلي أفقده أدنى متطلبات الحياة اليومية، الأمر الذي يطرح أكثر من تساؤل بخصوص احترام حقوق الإنسان؟ ودور المنتظم الدولي في تحمل مسؤوليته بعيدا عن سياسة الكيل بمكيالين.
السيد الرئيس
سنحاول بسط مواقف الفريق بخصوص مضامين هذا المشروع من خلال المحاور التالية:
المحور الأول: الحكامة الجيدة
السيد الرئيس
إن المغرب قد عانى كثيرا في تدبير سياساته العمومية من غياب الحكامة الجيدة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مما جعله يتموقع في المراتب الأخيرة من حيث تصنيف الدول على أساس الحكامة حسب تقارير الأمم المتحدة الإنمائية بعدما تم ربط العلاقة بين الحكامة والتنمية البشرية المستدامة باعتبار أن الحكامة الجيدة تشكل الدعامة الأساسية لجعل النمو الاقتصادي في خدمة البعد الاجتماعي في تدبير السياسات العمومية مادامت الحكامة تستهدف تكريس نظام متكامل من المراقبة الناجعة والمساءلة الفعالة والمحاسبة الصارمة في كل ما يتعلق بتدبير الموارد العامة للدولة وخيرات البلاد كيفما كان حجمها، حيث أصبحت الحكامة مقياسا للمؤشرات التنموية للدول النامية والسائرة في طريق النمو من حيث تدبير الشأن العام الوطني والمحلي ورهانا لمختلف السياسات العمومية بهدف تحقيق التنمية المستدامة.
وقد انخرط المغرب متأخرا في هذا التوجه الجديد لعقلنة العمل الحكومي من أجل تجاوز الاختلالات والانحرافات التي عرفها تدبير الشأن العام من خلال تحديث العمل الحكومي وترشيده باتخاذ عدة إجراءات وآليات تستهدف الانتقال من سياسة الريع والامتيازات والإثراء غير المشروع إلى ثقافة المساواة أمام القانون وفي الحقوق والواجبات وجعل الإدارة في خدمة التنمية البشرية في شموليتها.
وجاء الدستور الجديد ليشكل نقلة نوعية في مجال الحكامة لمواكبة التحولات العميقة التي يعرفها المجتمع الدولي المعاصر لتقوية أسس ربط الحكامة بالتنمية عندما اعتبر المشرع الدستوري في الفصل الأول أن النظام الدستوري للمملكة يقوم على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها والديمقراطية المواطنة والتشاركية وعلى مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة عندما خصص الباب الثاني عشر من الدستور للحكامة الجيدة كمبادئ عامة وكمؤسسات وهيئات، عندما وضع قواعد وضوابط محددة لتنظيم المرافق العمومية والاستفادة من خدماتها على أساس المساواة دون محسوبية أو زبونية، عندما نص على ميثاق للمرافق العمومية تحدد بموجبه قواعد الحكامة الجيدة المتعلقة بتسيير الإدارات العمومية والجهات والجماعات الترابية والأجهزة العمومية، وما يتطلب ذلك من ضرورة التعجيل بإخراج هذا الميثاق إلى حيز الوجود لضمان احترام هذا التوجه الجديد في كل ما يتعلق بالخدمات العمومية كيفما كان نوعها.
إن ربط الحكامة بالتنمية في مغرب اليوم يقتضي توفر سياسات عمومية تنبني على إرادة سياسية قوية وأدوات قانونية ملائمة ومؤسسات منتخبة ذات مصداقية وتحظى بثقة المواطنين وسلطة قضائية مستقلة وربط المسؤولية بالمحاسبة ومواكبة متطلبات التحولات السريعة التي يعرفها المجتمع الدولي المعاصر في إطار من التكامل بين الوظائف الموكولة لكل من الحكومة والجماعات الترابية والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني لضمان تحسين مستوى معيشة السكان، وتحقيق رفاهيتهم وتأمينهم من الخوف والفقر وتنمية قدراتهم عبر نهج الحكم الرشيد في التدبير الجيد للشأن العام.
وهذا يعني أ ن الحكومة مطالبة، انسجاما مع أحكام الدستور بنهج الحكامة الجيدة في تدبير السياسات العمومية والتعجيل بالقضاء على اقتصاد الريع والامتيازات التي لم يعد لها مبرر في مغرب الألفية الثالثة مغرب النموذج الديمقراطي المتميز الذي جعل من مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة اختيارا دستوريا لا رجعة فيه لأننا في حزب الاستقلال كنا وسنظل متمسكين بسواسية المواطنين أمام القانون ومحاربة الإثراء غير المشروع عندما نادينا في بداية السبعينات بإقرار مبدأ: - من أين لك هذا ؟- عندما استغل البعض ظروف المرحلة للاستفادة من عدة امتيازات شملت الضيعات الفلاحية ورخص الصيد بأعالي البحار ورخص النقل والمقالع والرمال واستغلال النفوذ والسلطة لنهب المال العام بأساليب متعددة.
المحور الثاني: البعد الاقتصادي في مشروع ميزانية سنة 2012
إننا في الفريق الاستقلالي نعتبر هذا المشروع يعد حلقة وصل مع السياسات الاقتصادية التي تم اعتمادها ببلادنا منذ بضع سنوات على مستوى الأوراش الكبرى كعصبة للتنمية، و دعم المقاولة وتقويتها كحل أنجع لإشكالية البطالة، ، و الاحتفاظ بالتوازنات الماكرو اقتصادية في مستوى مقبول كركيزة أساسية لتقدم البلاد، و محاربة الفساد وتخليق الحياة العامة وربط المسؤولية بالمحاسبة لترسيخ الحكامة.
لقد عملت تلك الحكومة السابقة على التحكم في التضخم، وقامت بجهود حثيثة من أجل الرفع من نسبة النمو إلى حدود 5 % في المتوسط، بل أنها عملت على انتعاش النمو الاقتصادي الذي تراوح خلال الثلاث سنوات الأخيرة، ما بين 3.7 % و 5.69 % في ظل أزمة عالمية خانقة. و هو ما يقارب ما جاء في البرنامج الانتخابي لحزب الاستقلال.
كما نجحت الحكومة السابقة في الحد من آثار الأزمة على مجموعة من القطاعات بفضل السياسة الاستباقية التي نهجتها، وبفضل لجنة اليقظة الاستراتيجية التي أحدثتها للغاية. وقامت في عز الأزمة العالمية بتخفيض الضريبة على الشركات، والضريبة على القيمة المضافة لمرتين، والزيادة في أجور صغار الموظفين والمستخدمين، إضافة إلى إجراءات أخرى همت دعم المقاولة، وتنشيط التشغيل، ودعم القدرة الشرائية للمواطنين، وتدعيم الطبقة الوسطى باعتبارها المحرك الأساسي للاقتصاد الوطني.
السياسة المالية وإشكالية العجز في الميزانية، وعلاقتهما بالتوازنات الماكرو اقتصادية:
السيد الرئيس؛
تتخذ إشكالية النمو الاقتصادي ببلادنا أبعادا متعددة:
- فهي تتطلب نهج سياسة مالية حكيمة قادرة على خلق الاستقرار الاقتصادي؛
- وهي مطالبة كذلك بمراجعة شاملة للنظام الجبائي بهدف ضمان التوازن المالي الضروري؛
- وهي في حاجة ملحة لإصلاح الدستور المالي من أجل تطوير أساليب تدبير المالية العمومية؛
- وهي تصطدم بسوء تطبيق القوانين، وهو ما يستدعي نهج سياسة جديدة قوامها تقييم السياسات المتبعة بهدف بلوغ الأهداف المتوخاة.
إشكالية ترشيد النفقات
يعتبر تفاقم العجز في الميزانية أهم إشكال حقيقي وأكبر تحدي ينبغي أن تتضافر جهود الجميع: حكومة وبرلمانا وأحزابا سياسية وفاعلين اقتصاديين واجتماعيين ومجتمعا مدنيا، أغلبية ومعارضة، من أجل معالجته بشكل يقطع نهائيا مع الاضطرابات الهيكلية التي أصبحت تتخلله. وهذا يستوجب العمل على تنمية موارد الخزينة بما يمكن من حل إشكالية توازن المالية العمومية والتقليص من النفقات الإضافية والثانوية. مما يتطلب معه القيام بإصلاح عميق للمالية العمومية، يأخذ بالاعتبار مراجعة نمط عيش الإدارة بما يكفل للدولة التقليص من النفقات عبر ترشيدها وإلغاء المصاريف الثانوية والكمالية التي يمكن أن تثقل كاهل الميزانية العمومية، باعتبار أن ترشيد النفقات يعد المدخل الأساسي لحل هذه الإشكالية. الأمر الذي يتطلب القيام بتقييم عقلاني وجدي للإنفاق العمومي.
غير أنه في الوقت الذي كنا نتطلع فيه إلى ترشيد النفقات بالنسبة للإدارة العمومية، خاصة منها نفقات التسيير، أو ما يتعلق بالخصوص بالتكاليف المرتبطة بالكهرباء و الهاتف و العربات، لاحظنا أن مشروع قانون المالية لسنة 2012 زاد من نفقات التسيير في الميزانية العامة ب 23.58 % مقارنة مع سنة 2011 وب 9.66 % مقارنة مع مشروع قانون المالية لسنة 2012 في نسخته الأولى، حيث انتقلت هذه النفقات من 151.99 مليار درهم سنة 2011 إلى171.29 مليار درهم في النسخة الأولى، ثم إلى 187.84 مليار درهم في النسخة الأخيرة من مشروع قانون المالية لسنة 2012. وهذا ما يتنافى مع التوجهات الحكومية، والتي رسمتها في مذكرة تقديم الميزانية التي تدعو فيها مختلف القطاعات الوزارية إلى تقليص بعض النفقات إلى حدود 50 %. ويتعارض أيضا مع اختيارات البرنامج الحكومي.
الإصلاح الضريبي سبيل لتحقيق العدالة الجبائية
إن الرفع من مستوى الإنفاق العمومي يتم عبر إصلاح واسع وشامل لمنظومة الضرائب ببلادنا من خلال وضع نظام ضريبي مندمج يأخذ بالاعتبار تحسين الخدمات المقدمة للملزمين، وتوسيع الوعاء الضريبي، ومحاربة التملص الضريبي، وتنامي ظاهرة التهريب، وتبسيط المساطر الجبائية وترشيدها، وتحفيز الحرف والمهن والمقاولات الصغيرة لجعلها تنخرط بتلقائية في القطاع المنظم، وإعادة النظر في طريقة تدبير النزاعات والشكايات الضريبية، ومحاولة تشجيع حل النزاع الضريبي بطرق حبية.
كما أن هذا الإصلاح يتطلب إجراءات هادفة تهم جميع القطاعات أو تلك المستفيدة من الامتيازات أو الإعفاءات الضريبية غبر المنتجة، مع إعادة النظر في النفقات الجبائية باعتبارها آلية أساسية للتخفيف من أعباء الميزانية، بعدما أصبحت المنظومة الضريبية ببلادنا متجاوزة ولا تواكب التحولات العميقة ومتطلبات الاستثمار والتنمية.
ولا تفوتنا المناسبة دون أن نقف عند مجموعة من التدابير الضريبية التي قامت بها الحكومة السابقة لفائدة المقاولات والمأجورين، والتي كان من نتائجها الارتفاع المسترسل للمداخيل الضريبية طيلة السنوات الأخيرة، علاوة على أن معدل التضخم ظل منخفضا طيلة السنوات الثلاث الأخيرة، حيث لم يتعد 1 % بفضل السياسة الوقائية التي انتهجتها، وبفضل صندوق المقاصة الذي كان بمثابة صمام أمان للسلم والاستقرار الاجتماعي، في الوقت الذي كان هذا المعدل في بعض الدول المتقدمة، كفرنسا مثلا، أكبر بكثير مما كان عليه الوضع ببلادنا. وهنا لا يسعنا إلا أن نتساءل هل الحكومة الحالية قادرة، في ظل الوضعية الاقتصادية الحالية التي تعاني منها بلادنا، أن تحقق معدل 2 % في التضخم الذي جاء في مشروع قانون المالية لسنة 2012؟
إصلاح القانون التنظيمي للمالية مدخل لتطوير أساليب تدبير المالية العمومية
السيد الرئيس؛
إن مواجهة التحديات التي تعترض الاقتصاد الوطني، و إعطاء نفس جديد لتحديث تدبير المالية العمومية ودعمها وتحسين فعاليتها وتعزيز دور الميزانية في مواكبة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية و مواصلة الجهود لتعزيز قوة الإطار الماكرو اقتصادي،وتقوية تنافسية الاقتصاد الوطني وتمنيعه يقتضي إعادة النظر جذريا في القانون التنظيمي لقانون المالية الذي أصبح متجاوزا بحكم التحولات الدستورية والسياسية والاقتصادية التي عرفتها البلاد، وذلك من خلال الاقتراحات التالية:
اعتماد منهجية جديدة للميزانية تقوم على النتائج والانتقال من «منطق الوسائل» إلى «منطق النتائج» ضمانا لنجاعة أكبر في تدبير الميزانية.
رهن الإنفاق بمؤشرات النجاعة والجودة والإسراع في التنفيذ وتحديد مسؤولية القطاعات الوزارية في المساهمة الإيجابية في تحصيل الموارد المالية.
مراجعة آليات برمجة الميزانية وتنظيمها ومراقبتها بهدف تعزيز مسؤولية الآمرين بالصرف ومساعديهم وتكوين ثقافة جديدة للكفاءة والمساءلة والشفافية.
تعزيز الإطار الميزانياتي بهدف ضمان فعالية و شفافية أكبر.
تفعيل دور البرلمان في مناقشة الميزانية العمومية بكل مكوناتها، وتقوية رقابته على السياسات المالية العمومية.
تعزيز الشفافية وإعادة الاعتبار والاحترام للمبادئ الأساسية للميزانية، خاصة ما يتعلق بمبدأ الوحدة، ومبدأ الشمولية، ومبدأ عدم تخصيص المداخيل، ومبدأ الصدق في تقدير النفقات وفي توقع المداخيل.
توفير الظروف الملائمة لتعزيز الحكامة الترابية والعمل على إدماج المقاربة الجهوية باعتبارها عنصرا أساسيا في خلق الثروات، مع اعتبار المالية المحلية عنصرا من العناصر المكونة للمالية العمومية.
الاقتصار - فيما يخص التحملات المشتركة - على المخصصات الضرورية وإلحاق العمليات الأخرى بفصول الميزانية ضمانا لشفافية أكبر، خاصة ما يتعلق منها بالاستثمار ومساهمة الدولة في نفقات التقاعد والتامين الإجباري.
ربط إعانات الدولة وما يتم دفعه سنويا للمؤسسات والمنشآت العمومية والجماعات المحلية والجمعيات بمختلف أنواعها أو مجال تدخلها بحكامة مضبوطة تضمن نجاعة هذه الإعانات واستعملاها الرشيد. وتضمن، كذلك، انسجام المشاريع والبرامج المستفيدة مع روح البرنامج الحكومي وأولوياته، والتي تتطلب تتبع ومراقبة صارمين، خاصة فيما يتعلق بظروف صرفها والآثار المترتبة عنها.
التنصيص على عدم إحداث حسابات خصوصية ومرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة أو الإبقاء عليها ما لم يتم التأكد من ضرورتها، أو من ارتباطها بسياسة عمومية معينة، أو التمكن من تتبع محاسبتي للتمويلات التي يمكن تعبئتها لفائدتها، خاصة وأن 34 حسابا خصوصيا للخزينة من بين ال79 المتضمنة في مشروع قانون المالية برسم السنة الجارية غير مفعل.
العمل على تحيين وإتمام الترسانة القانونية للمالية العمومية.
تقييم السياسات العمومية
السيد الرئيس؛
إن إنجاح السياسات العمومية يقتضي اعتماد أساليب جديدة في تدبير الشأن العام، بهدف تعزيز علاقات الثقة بين الدولة والمواطنين، بما يستجيب لانتظارات وطموحات المواطنين، وتجاوز الاختلالات التي عرفها تدبير الشأن العام خلال السنوات السابقة التي عرفت انفاق مبالغ باهظة لانجاز برامج وأهداف معينة، لكن النتائج غالبا ما كانت دون مستوى طموحات المواطنين. كما يتبين ذلك بجلاء من خلال نتائج تقريري المجلس الأعلى للحسابات لسنتي 2009 و 2010، الذين رصدا مجموعة من الإختلالات يمكن إجمالها في أربع إشكالات هي:
إشكالية الحكامة، تتمثل في غياب الشفافية في التدبير، وغياب شبه كلي للتصور التدبيري وكذا لقيم الأداء؛
إشكالية جودة الإنفاق العمومي: تتجلى في عدم التحقق الدائم من الفائدة الاقتصادية والاجتماعية المأمولة من مجموعة من المشاريع؛
إشكالية نجاعة الطلبيات العمومية: تتجسد في أن الاختيارات في مجال إبرام وتنفيذ الصفقات العمومية لا تتم دائما بشكل أمثل على مستوى الأجهزة العمومية؛
إشكالية الموارد البشرية: تكمن في النقص الحاصل في القدرة على التصور و ضعف المبادرة أو غياب وظيفة الإشراف داخل هذه الأجهزة.
لهذه الأسباب، نرى في الفريق الاستقلالي أن الحكومة مطالبة بإجراء تقييم شامل لكل السياسات المعتمدة حاليا في شتى القطاعات، وخاصة منها القطاعات الحيوية التي لها وقع مباشر على التنمية وعلى مصالح المواطنين، بتفاعل ايجابي مع مكونات المجتمع.
وفي هذا السياق، وانسجاما مع توجهات البرنامج الحكومي الملتزم به أمام البرلمان، ندعو الحكومة إلى إعداد مخطط جديد للإصلاح، يروم تقوية وسائل التقييم لمختلف السياسات العمومية ويؤكد على عدة خيارات تشكل منطلقات فعالة لدعم الحكامة، تتمثل على الخصوص في:
إقامة وتفعيل آليات عملية دائمة وصارمة للمراقبة الداخلية والخارجية للمرفق العمومي؛
اعتماد الافتحاص والتدقيق (l'audite) كممارسة لتطوير وترشيد أساليب التدبير المالي؛
تقييم السياسات العمومية بهدف تتبع الفعالية والنجاعة
ويرى الفريق الاستقلالي أن اعتماد هذه التوجهات من شأنه إحداث تغييرات عميقة في أنماط التنظيم والتسيير السائدة بالمرافق العمومية، وأن يعيد التوازنات الرئيسية للحكامة و يؤهلها لتكون في مستوى رفع التحديات التنموية، ويساهم في تطوير الممارسة المتعلقة بتحليل وتقييم السياسات العمومية عن طريق تقوية قدرات الموارد البشرية وتنمية مؤهلاتها للاضطلاع بهذه المهمة تحقيقا للهدف المنشود.
الاستثمار، رافعة أساسية للتنمية
السيد الرئيس؛
يعد تشجيع الاستثمار أهم القضايا التي أولتها الحكومة السابقة أهمية كبيرة، إذ جعلتها من بين الأولويات الأساسية للسياسة المتبعة ببلادنا. فقد اتخذت مبادرات جيدة بهدف الرفع من مستوى الاستثمارات الداخلية ومن جلب الاستثمارات الأجنبية. وقدمت حوافز جبائية، الغاية منها إعطاء نفس جديد للاستثمار في بلادنا. بل أنها رفعت من الميزانية المخصصة للاستثمار العمومي بشكل تصاعدي منذ سنة 2007، حيث انتقلت الاعتمادات المخصصة لذلك من 60 مليار درهم سنة 2006 إلى ما يناهز 188.3 مليار درهم السنة الحالية، أي أن الغلاف المالي المخصص للاستثمار العمومي ارتفع خلال هذه الفترة بأكثر من ثلاث مرات (213 %). وذلك بهدف إعطاء دينامية حقيقية للاقتصاد الوطني من خلال إحداث المشاريع وخلق فرص الشغل وتلبية طلبات المواطنين.
كما أن الحكومة أقرت تدابير تنظيمية، تمثلت في خلق آليات وطنية لإنعاش الاستثمار في إطار سلطة حكومية مكلفة بإنعاش المقاولة الصغرى واللجنة الوطنية للاستثمارات، بالإضافة للتدابير الخاصة بإعادة النظر في القروض الصغرى ودعم الشباب المقاول.
ورغم هذه الجهود، لازالت هناك عوائق ترتبط بتلوث مناخ الاستثمار، حيث تنعدم الشفافية، حيث المحسوبية والرشوة و تعقيدات المساطر وتلكأ بعض المصالح الإدارية ، كما أن البنوك ومؤسسات التمويل لا تقوم بالدور المنوط بها في تمويل تمويل المشاريع الاستثمارية.
الجهاز البنكي ركيزة أساسية لدعم الاستثمار
السيد الرئيس؛
هناك إجماع وطني على ضعف مساهمة المؤسسات البنكية في دعم الاستثمار وعدم تمكين المقاولة من السيولة الضرورية لبناء مشاريعها بطرق ميسرة. وذلك بالرغم من تخفيض بنك المغرب لمعدل الفائدة المرجعي إلى مستوى 3.25 %.
إن المتغيرات الاقتصادية التي طبعت التعامل المالي في السنوات الأخير على مستوى العالم، تحتم على المغرب إصلاح النظام البنكي، بما يسمح للمقاولات بشتى أنواعها وأصنافها من الاستفادة من التمويلات البنكية لمشاريعها الاستثمارية والتنموية، وبما يجعل المغرب قطبا ماليا لاستثمار الفائض المالي على المستوى الإقليمي، لاسيما مع الشروع في اشتغال القطب المالي للدار البيضاء (Casablanca Finance City).
كما أن الأمر يتطلب مراجعة مواد القانون البنكي المتعلقة بما يصطلح عليه بالتمويلات البديلة، بعدما أبانت التجربة عن محدوديتها بسبب غلائها (الثقل الضريبي المفروض عليها)، وبالنظر كذلك إلى التغييرات التي شهدها الاقتصاد العالمي خلال السنوات الأخيرة، ذلك أن العديد من الخبراء يعتبرون هذا النوع من التمويلات البديل الممكن لمعالجة الأزمات المالية والاقتصادية التي تعصف بالاقتصاد العالمي، مما سيؤهله من أخذ مكانه في النظام المالي العالمي، حيث أن عدد البنوك الإسلامية قد ارتفع، في العالم، من بنك واحد سنة 1975 إلى أكثر من 500 بنك حاليا، يوجد جلها بالدول الغربية. كما أن هذا النوع من التمويلات سيمكن المغرب من استقطاب حصة لا بأس بها من المال الخليجي الباحث عن فرص للاستثمار، خاصة وأن هناك تسابقا محموما بين الأوروبيين والأمريكيين لاستقطاب تلك الأموال الخليجية الضخمة لكي تعالج عبرها أزماتها المالية. زد على ذلك أن تونس تسعى، بدورها، لتغيير ترسانتها القانونية المالية لاستقطاب 20 مليار دولار لمعالجة أزمة البطالة.
وعليه نرى في الفريق الاستقلالي أن الضرورة أصبحت تحتم تحديث القطاع المالي من أجل حسن تمويل المشاريع الاستثمارية، ومن أجل بلورة قطاع مالي متين وعصري يتسم بالمصداقية والفعالية، نابع من الحرص على ضمان تعبئة أفضل للادخار وتخصيص الموارد على نحو أكثر فعالية عبر رفع الإكراهات التي كان يواجهها النظام البنكي المغربي وتلك التي تحول دون مساهمته بشكل فعال في تمويل المشاريع، وتطوير سوق الرساميل وتحرير نمط تمويل الخزينة.
إشكالية تنفيد اعتمادات الاستثمار في الميزانية العامة
أكدت عدة تقارير على ضعف الاستجابة لمتطلبات المردودية وفعالية الإنفاق العمومي وجودته. ويتجلى ذلك في صرف نفقات لا تستجيب لانتظارات المواطنين.
كما وقف تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2010 على المشاكل التي تواجه تدبير المشاريع، ومدى قدرة الأجهزة العمومية على استيعاب الاعتمادات المخصصة للاستثمار، وعلى تأثير ذلك على برمجة المشاريع وإيقاع تنفيذها، وكذا تأثيرها المالي والاقتصادي. كما وقف على سوء تحديد الحاجيات وعدم ملاءمة ذلك لاختيار المشاريع، ومدى احترام قواعد الشفافية عند اختيار الموردين أثناء إبرام الطلبيات، ومستوى التنسيق بين مختلف المتدخلين، وكيفية ترتيب الأشغال، بالإضافة إلى طرق مراقبة وتتبع الأشغال المنجزة.
وأوضح التقرير أن نسبة استهلاك الاعتمادات النهائية المخصصة للاستثمار في الميزانية العامة لسنة 2008 لم تتعد 72.77 %، وأن هذا المعدل يخفي مفارقة في نسبة الاستهلاك من قطاع وزاري إلى آخر، إذ أن نسبة إنجاز الاستثمارات تتراوح ما بين 50.08 % كمعدل أقصى أنجزته وزارة الصحة و 17.95 %، كمعدل أدنى أنجزته وزارة الشؤون الخارجية والتعاون.
أمام هذه الإشكاليات التي تعرقل تنفيذ الاستثمار وتحد من فعالية إنجاز المشاريع، يرى الفريق الاستقلالي أن الحكومة مطالبة بالقيام بالإجراءات التالية:
تكليف جهة محايدة بمتابعة تنفيذ الميزانية بشكل مستمر وشفاف، تكون أداة وصل وتواصل بين الرأي العام الوطني وبين ميزانية الدولة.
تقوية دور البرلمان في مراقبة طرق صرف الاعتمادات وتنفيذ البرامج الاستثمارية، مع توجيه تقارير بخصوصها للحكومة يضمنها ملاحظاته واقتراحاته.
إيجاد آليات واضحة وشفافة لتبيان مدى التزام القطاعات الوزارية وباقي مكونات الحكومة الأخرى في تنفيذ المشاريع وفي عملية الإنفاق،
استعمال النظام المعلومياتي لتتبع مختلف مراحل تنفيذ الميزانية والتعرف بشكل فوري على معيقات إنجاز المشاريع،
إنجاز تقارير شهرية أو فصلية من طرف مصالح وزارة الاقتصاد والمالية، تبين فيها مدى التزام مختلف القطاعات الوزارية والمرافق التابعة لها بما عوهد إليها به من مشاريع، وقياس مدى إنجاز تلك المشاريع ومقارنتها بالاعتمادات المخصصة لها، ثم إرسالها إلى رئاسة الحكومة قصد التتبع،
قياس أوجه صرف النفقات وجدولتها، ووضع مؤشرات إنجاز خاصة بكل قطاع وزاري ومطالبته بتقديم توضيحات حول أسباب التأخير في تنفيذ ما تعهد به.
إشكالية تدبير الاستثمار بالمنشآت و المؤسسات العمومية
بالنسبة للوكالات والمؤسسات العمومية، يرى عدد من المراقبين أن الإصلاحات الهيكلية وعمليات التطهير التي خضعت لها منذ سنة 1998 إلى الآن، ساهمت في تعزيز دورها ونمو حجمها، بحيث أنها أصبحت، بصفتها القوة الحقيقية المحركة للاستثمار، تحقق رقم معاملات فاق 177 مليار درهم وأرباحا صافية بلغت 26 مليار درهم. كما أن دورها في الاستثمارات العمومية ما فتئ يتضاعف بالمقارنة مع استثمارات الدولة، حيث برمجت في ميزانية سنة 2012 ما يزيد عن 122.3 مليار درهم، وهو ما يشكل 65 % من الاستثمار العمومي.
إلا أن بعض هذه المؤسسات، وخصوصا الاستراتيجية منها، مازالت خارج السلطة الفعلية للحكومة، مما يفرغ العمل الحكومي من جزء كبير من مضمونه، وهذا يتطلب أن تتوفر الحكومة على استراتيجية محكمة تمكنها من مراقبة مدى نجاعة وفعالية استثمارات هذه المؤسسات. وأن تخضع مخططاتها وميزانياتها للمناقشة وللرقابة البرلمانية فيما يتعلق بالتدبير المالي والاستثمار بهذه المؤسسات كما ينص على ذلك الدستور الجديد
المناطق الصناعية حلقة أساسية في التنمية
إن تشجيع الاستثمار يقتضي كذلك خلق شبكة من المناطق الصناعية، عصرية ومندمجة، ومناطق التجارة الحرة بالقرب منها وتجهيزها بالبنيات التحتية الضرورية حتى تتمكن من استيعاب كل الوحدات الإنتاجية الجديدة، وتدفع إلى تحويل البلاد إلى قاعدة صناعية جذابة، لرفع حجم المبادلات بين المغرب والأسواق العالمية، كما حصل بشمال المغرب عندما أقامت الحكومة السابقة سلسلة مهمة من المناطق الصناعية، حيث وصل عدد المشاريع المسجلة بالمنطقة الحرة لطنجة إلى400، توفر حوالي 40 ألف فرصة عمل، إضافة إلى المنطقة الصناعية المخصصة لتصنيع السيارات منخفضة التكلفة، التي تستضيف أكبر مصنع للسيارات في إفريقيا «رونو- نيسان»، إذ بلغت القيمة الاستثمارية الإجمالية للمشروع 600 مليون يورو (أي 817 مليون دولار). هذا بالإضافة إلى عدد مهم من المناطق الصناعية الموجودة في جميع المدن المغربية.
إصلاح القضاء دعامة أساسية للاستثمار.
السيد الرئيس،
يعد القضاء المستقل والنزيه دعامة أساسية للاستثمار وتطويره وخلق بيئة استثمارية أكثر تنافسية تدفع نحو تعزيز الشراكة بين مختلق المصالح الاقتصادية، وتساهم في انفتاح البلاد على الأسواق العالمية، واندماجها في الاقتصاد العالمي.
وهذا يعني أن إصلاح القضاء خاصة بالنسبة للمحاكم التجارية يبقى ضرورة ملحة، لإعطاء دفعة قوية لتحسين البيئة الاستثمارية، وتعزيز الثقة لدى المستثمر عبر إيجاد أجهزة فاعلة وسريعة تضمن الحماية الكاملة له، وتساهم في تهيئة مناخ نقي للاستثمار يضمن استقراره واستمراره ونموه.
النهوض بالمقاولة بين إكراهات
التأهيل وعوائق الاستثمار
السيد الرئيس؛
إن الحديث عن الاستثمار و دوره في التنمية يقودنا بالضرورة إلى التطرق إلى المقاولة خاصة الصغرى منها والمتوسطة، باعتبارها الفاعل الأساسي في الإنتاج، مما جعل الحكومة تمنح تحفيزات مهمة للمقاولات الصغرى والمتوسطة بهدف تقوية تنافسيتها، بما في ذلك نهج سياسة استباقية لمواجهة آثار الأزمة الاقتصادية في حينها، عبر إحداث لجنة لليقظة الاستراتيجية، التي كانت تتتبع تطورات الوضع الاقتصادي العالمي، خاصة عند شركاء المغرب، وآثار ذلك على عدد من القطاعات الإنتاجية الوطنية.
غير أن التأهيل الاقتصادي بجميع شروطه، بما فيه تأهيل المقاولة، يقتضي من الدولة نهج مقاربة شمولية تعتمد على إصلاح الإدارة والقطاعات المنتجة والأسواق عبر إشراك فعلي لجميع المتدخلين في الحقل الاقتصادي.
ومن بين المعيقات التي تحد من فعالية المقاولة: مدونة الشغل، بنية المقاولة بحد ذاتها، تعدد التشريعات المنظمة لأنواع المقاولات، عدم وجود أنظمة وتراعي حجم المقاولة، وتجعل المقاولة الصغيرة والكبيرة تخضعان لنفس الإطار القانوني، بما في ذلك المشاركة في الصفقات العمومية.
ووعيا منها بالدور الكبير الذي تضطلع به المقاولات الصغرى والمتوسطة في تنمية الاقتصاد الوطني، حيث تشكل 95 % من النسيج المقاولاتي وتشغل أكبر عدد من اليد العاملة، وتساهم في الإنتاج الوطني بنسبة 98 %، ولكنها لا تساهم إلا ب نسبة 20 % من القيمة المضافة، فقد أولتها الحكومة الاهتمام الضروري، و مكنتها من تحفيزات الجبائية، وتسهيلات في التمويل، وكذا برامج نوعية (مقاولتي، رواج، تأهيل، وغيرها...).
و رغم هذه الجهود فلازالت المقاولة المغربية تعاني من الهشاشة بسبب ضعف التأهيل وصعوبة صمودها أمام التقلبات الاقتصادية، خاصة فيما يتعلق بالطاقة التصديرية ومواجهة المنافسة الحادة التي فرضتها العولمة.
لذا يرى الفريق الاستقلالي أن تعزيز دور المقاولة في النسيج الاقتصادي يقتضي اتخاذ التدابير التالية:
تقوية التدابير المحفزة للمؤسسات الإنتاجية كي تساهم في تحقيق الأهداف المحددة في البرنامج الحكومي.
ضرورة توسيع مجال المنافسة وإيجاد أنظمة مصاحبة للمقاولات، مع دعم التكوين المستمر.
مواصلة تحسين مناخ الأعمال، وتنمية المدخرات الوطنية وتوجيهها نحو القطاعات الإنتاجية.
العمل على إعداد المقاولات إعدادا صحيحا حتى تتمكن من مواجهة تحديات التنمية المستديمة والوفاء بالالتزامات المترتبة عن المسؤولية الاجتماعية والبيئية.
إعادة النظر في قانون الشركات وإصلاح الأنظمة القانونية. ببذل مجهود أكبر للرفع من مستوى المقاولات الصغرى والمتوسطة، وفتح المجال أمامها من أجل تطوير قدراتها الاستثمارية، تجاوبا مع ما أصبح مؤكدا اليوم في العالم من ضرورة الاهتمام والتركيز الكبيرين على سياسة الاستثمارات في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وذلك لدورها الهام في تنمية وتطوير الاقتصاد بصفة عامة والقطاع الصناعي بصفة خاصة، نظرا لما تتمتع به من مزايا وخصائص اقتصادية واجتماعية تمكنها من المساهمة الكبيرة في امتصاص البطالة وخلق مناصب شغل جديدة، وكذلك خلق وتثمين القيمة المضافة للاقتصاد الوطني، إذا ما توفرت لها الشروط الملائمة للتطور في ظل تحقيق الانفتاح بين الأسواق وإطلاق حرية المنافسة .
الدفع بالمقاولات الصغيرة التي تعمل في القطاع غير المنظم بالاندماج في الاقتصاد المهيكل.
تمكين المقاولات الصغيرة والمتوسطة من المساهمة في تنفيذ الصفقات العمومية.
تمكين كافة المقاولات، خاصة منها الصغيرة والمتوسطة، من التمويل للازم لمشاريعها.
ه- العجز التجاري و أثره على ميزان الأداءات
السيد الرئيس،
عرف الميزان التجاري المغربي في السنوات الأخيرة عجزا ملحوظا، أخذ معه طابعا هيكليا نتيجة لارتفاع واردات الطاقة والحبوب، بحيث ساهمت الواردات فيه بحوالي 70 %، نتيجة الارتفاع المسترسل لأسعار المحروقات والقمح (120 مليار درهم سنة 2011)، بالإضافة إلى ارتفاع واردات المنتجات نصف المصنعة ومواد التجهيز، ارتباطا ببرامج الاستثمار، وبحاجة الاقتصاد الوطني الكبيرة لهذه المواد، وبعملية إلغاء التعريفة الجمركية بموجب اتفاقيات الشراكة والتبادل الحر، خاصة بعد دخول الشطر الأخير من اتفاقية التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ في بداية شهر مارس لهذه السنة.
وقد انعكس ذلك على ميزان الأداءات، الذي تأثر بتباطؤ وتيرة ارتفاع التدفقات المالية المرتبطة بتحويلات المغاربة القاطنين بالخارج، وعائدات الاستثمارات الخارجية التي تراجعت بشكل ملحوظ، وبمداخيل السياحة التي تقلصت بسبب تراجع عائداتها من العملة الصعبة، وباستيراد المواد الأولية والنفطية والحبوب التي تعرف أسعارها ارتفاعا مطردا في الأسواق العالمية.
إن هذه الوضعية الصعبة التي يعرفها الميزان التجاري تقتضي اتخاذ مبادرات جريئة، تهدف إلى التقليص من الواردات عبر إيجاد منتوجات وطنية بديلة، خاصة في مجال الطاقة، ومن خلال تفعيل النصوص التشريعية المتعلقة بالاستثمار في الطاقة المتجددة،. وإعادة النظر في طريقة تدبير السياسة المتبعة في مجال التصدير عبر تغيير الحكامة في تسيير القطاعات المصدرة، والرفع من الموارد البشرية الكفأة المسيرة، وتوسيع الطاقة التصديرية للقطاعات المتخصصة في التصدير، والبحث عن أسواق عالمية جديدة، وتقوية تنافسية المقاولات المصدرة من خلال الرفع من عدد المقاولات المصدرة.
كما نرى أن الغلاف المالي المخصص لدعم الاستراتيجية الجديدة لتنمية وإنعاش الصادرات، والذي خصص له مبلغ 500 مليون درهم، غير كاف لمواجهة التحديات لدعم قطاع التصدير، من خلال اتخاذ إجراءات هيكلية وعميقة لدعم تنافسية الاقتصاد المغربي.
ونرى في الفريق الاستقلالي أن الظاهرة أصبحت تستوجب اتخاذ الإجراءات التالية:
تنويع العلاقات التجارية للمغرب والبحث عن أسواق جديدة واعدة، كالسوق الإفريقي، والسوق العربي والسوق الأسيوي الذي يعرف حاليا طفرة اقتصادية مشهود له بها.
فتح ملف التهريب وعقد حوار وطني بخصوصه من أجل دراسة خلفياته ووقعه على الاقتصاد الوطني.
تبني سياسة جديدة بخصوص الجمارك تأخذ بالاعتبار المصلحة الوطنية.
وضع تقييم شامل لوقع اتفاقيات التبادل الحر على اقتصادنا الوطني من أجل الوقوف على مكامن الخلل والتعرف على الجوانب التي أخفقنا فيها كي نعالج اختلالاتها، والأخرى التي لقت نجاحا كي نضاعف المجهود فيها.
دعم الاستثمار المنتج الموجه للتصدير.
فتح نقاش موسع حول إشكالية تفاقم العجز التجاري.
المحور الثالث- البعد الاجتماعي
السيد الرئيس
السيد رئيس الحكومة
السادة الوزراء
السيدات والسادة النواب
لقد أولى حزب الاستقلال على الدوام اهتماما كبيرا وعناية بالغة للأوضاع الاجتماعية للمواطنين والمواطنات، وخاصة وضعية الفئات والشرائح الاجتماعية التي ظلت باستمرار عرضة للتهميش والإقصاء والظلم، انطلاقا من رسالة الحزب الخالدة في تحرير الإنسان وصيانة كرامته والدفاع عن حقوقه المشروعة وفي مقدمتها الحق في العيش الحر الكريم وحمايته وتأمين صحته من الأمراض والمخاطر، وتوفير الخدمة الصحية المجانية للمعوزين وذوي الاحتياجات الخاصة، تعليم منتج، شغل كريم، سكن لائق، بيئة سليمة وغيرها من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي كرسها الدستور الجديد عندما نص على إرساء دعائم مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية ومقومات العيش الكريم، ذلك أن إعطاء البعد الاجتماعي لميزانية الدولة مدلوله الحقيقي يمر حتما عبر السعي إلى تحقيق تكافؤ الفرص وتقليص الفوارق الاجتماعية وتوطيد أسس مجتمع متضامن باعتبار أن استقرار المجتمع ونموه وتطوره وتحقيق المشروع المجتمعي الديمقراطي التعادلي المتضامن والمتقدم رهين بمدى تمكين كافة مكونات المجتمع من القيام بالأدوار والمسؤوليات المنوطة بها والانخراط في هذا البناء التشاركي القائم على ترسيخ قيم العدل والإنصاف والمساواة ومحاربة كل أشكال والحيف والظلم والهشاشة والإقصاء.
علينا أن نعي جيدا الوضعية الصعبة التي آل إليها التعليم ببلادنا ليس فقط على مستوى التمدرس والمناهج والبرامج المدرسية والمؤسسات التعليمية، ولكن وبالأساس على مستوى المردودية، عندما أصبحت المدرسة فضاء لتخريج جحافل العاطلين عن العمل بعد تخرجهم من الجامعات والمدارس والمعاهد العليا يجد أنفسهم عرضة للبطالة وممارسة شتى أنواع الاحتجاجات للحصول على العمل في غياب إستراتيجية تعليمية واضحة لربط التعليم والتكوين بسوق الشغل في الوقت الذي تعرف فيه بلادنا خصاصا كبيرا في الأطباء والمهندسين والأساتذة والمؤطرين والباحثين وغيرها من التخصصات التي تضل بلادنا في أمس الحاجة إليها لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة.
وفي هذا الإطار، يسجل الفريق الاستقلالي باعتزاز مواصلة الحكومة في مشروعها للقانون المالي إعطاء البعد الاجتماعي في مشروع الميزانية مدلوله الحقيقي من خلال الإعتمادات المخصصة للقطاعات الاجتماعية التي حظيت مرة أخرى بالأولوية حيث يحتل قطاع التعليم الصادرة متبوعا بقطاعات الصحة والسكن وفك العزلة عن العالم القروي.
ورغم عدم التنصيص على التوازن الاجتماعي في مشروع قانون المالية الذي نعتبره متجاوزا بحكم التحولات الدستورية والقانونية الراهنة، فإن الحكومة السابقة ومعها الحكومة الحالية حرصتا على جعل التوازن الاجتماعي إحدى دعائم مشروع الميزانية إلى جانب التوازن الاقتصادي.
وفي هذا السياق يمكن القول بأن الملف الاجتماعي قد عرف مكاسب ينبغي تعزيزها ودعمها مع العمل على تحسين الأوضاع الاجتماعية للفئات الضعيفة في مختلف الميادين وفي مقدمتها التطبيب والعلاج، التربية والتكوين، التشغيل، الحوار الاجتماعي،التضامن الاجتماعي وغيرها من الدعائم الأساسية للمجتمع.
تعميم التغطية الصحية:
لقد حرصت الحكومة السابقة على إعطاء قطاع الصحة الأولوية التي تستحقها في مختلف البرامج والميزانيات بما يضمن تحسين الوضعية الصحية للمواطنين وجعل التطبيب والعلاج من حق الجميع، حيث قامت الحكومة السابقة بمبادرات جريئة بما فيها الحرص على إخراج نظام التغطية الصحية الأساسيةRAMED إلى حيز الوجود من خلال انطلاق التجربة بجهة تادلة أزيلال، حيث كنا قد طالبنا في تدخل سابق بضرورة تعميمه في أقرب الآجال وهو ما تحقق في 13 مارس حيث أعطى جلالة الملك انطلاق عملية التعميم لتشمل كل جهات المغرب ليستفيد منها حوالي 8.5 مليون مواطن.
ولإنجاح هذه المبادرة وتحقيق الأهداف المتوخاة منها بضمان استفادة المستحقين الحقيقيين من هذا النظام بدون محسوبية أو زبونية فإن الضرورة تقتضي ضرورة إشراك المندوبيات الصحية والمجتمع المدني في عملية تسجيل المستحقين وألا تبقى مقتصرة على السلطات المحلية وحدها.
غير أن هذه التغطية الصحية ستظل ناقصة إذا لم تواكبها إصلاحات موازية تجعل من الأدوية في متناول المعوزين خلال مراجعة وملائمة مقتضيات القانون رقم 04/17 المتعلق بالأدوية والصيدلة ليواكب متطلبات التغطية الصحية.
كما تعتبر البنيات الاستشفائية دعامة أساسية لضمان تغطية صحية شاملة سواء تعلق الأمر بتقريب المرافق الصحية من المواطنين خاصة بالعالم القروي أو بتحسين الخدمات الصحية أو بتوفير الأطر الطبية المتخصصة والتجهيزات الصحية اللازمة، وما يتطلب ذلك من ضرورة الرفع من الاعتمادات المخصصة لهذا القطاع التي لم تتجاوز حوالي 12 مليار درهم ، بزيادة طفيفة لا تفوق 9% بالنسبة للسنة السابقة، وذلك بالنظر لحجم الحاجيات الضرورية لتحسين الوضعية الصحية بالبلاد، خاصة بالعالم القروي والمناطق النائية.
صناديق التضامن الاجتماعي:
السيد الرئيس
إن حزب الاستقلال الذي جعل من التعادلية الاقتصادية والاجتماعية أساس البناء الاجتماعي، اعتبر على الدوام أن التضامن الوطني يشكل عماد المجتمع، لمواجهة الاحتياجات الاجتماعية بين مختلف الفئات.
أولا: صندوق دعم التماسك الاجتماعي:
يسجل الفريق الاستقلالي حرص الحكومة الحالية على عدم التراجع عن إحداث صندوق دعم التماسك الاجتماعي كما جاء مشروع القانون المالي للسنة المالية الحالية في نسخته الأولى كما أعدته الحكومة السابقة، هذا الصندوق الذي يشكل أداة ناجعة لإعادة توزيع مداخيل البلاد وخيراتها ومساهمة الشركات الكبرى في تمويل هذا الصندوق الذي يجسد بحق فلسفة وقيم التضامن الاجتماعي من خلال استهداف الفئات الضعيفة فيما يخص دعم العمليات التمويلية المتعلقة بنظام المساعدة الطبية والدعم المباشر لفائدة تمدرس أبناء الأسر الفقيرة وذوي الاحتياجات الخاصة .
إن حزب الاستقلال سبق له أن تقدم في برنامجه الانتخابي بعدة إجراءات كفيلة لتمويل هذا الصندوق نتمنى من الحكومة الأخذ بها مستقبلا حتى للرفع من موارده وتوسيع وعاء الفئات المستهدفة ومحاربة التوريث الجيلي للفقر وتوفير وسائل الارتقاء الاجتماعي للمواطنين، وجعل الشركات والمؤسسات الكبرى تساهم أكثر في تمويل هذا الصندوق لضمان الاستقرار والسلم الاجتماعي.
ثانيا: المبادرة الوطنية للتنمية البشرية:
تعتبر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وجها من أوجه التضامن الوطني. وبالتالي فقد حرصت الحكومة على أن ينخرط مشروع قانون المالية في هذا التوجه الجديد من خلال استهداف المرحلة الثانية من محاربة الفقر بالعالم القروي وتحسين ظروف عيش سكان المناطق الجبلية، وذلك بتخصيص اعتمادات تقدر بحوالي 2.3 مليار درهم وهي تدابير مهمة لا يمكن لنا إلا ننوه بها.
غير أن هذا التوجه الجديد لا يمكن أن يعطي ثماره ويحقق الأهداف المتوخاة منه إلا من خلال اعتماد آليات ومعايير الشفافية في اختيار البرامج والفئات المستهدفة بعيدا عن ممارسات الماضي وما طبعها من اختلالات على حساب أهداف تلك المبادرة النبيلة المعاني والسامية الأهداف، مع القيام بالمراقبة اللازمة والتتبع المستمر والدقيق والافتحاص الشامل لكل المشاريع والمبالغ المخصصة لها بما يضمن ربط المسؤولية بالمحاسبة.
ثالثا: صندوق التنمية القروية:
السيد الرئيس
إن تنمية البادية المغربية تنمية مندمجة وشاملة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال تعبئة كل القطاعات الوزارية للنهوض بأوضاع العالم القروي والمناطق الجبلية بما يضمن فك العزلة وتحسين مؤشرات عيش الساكنة، مع العلم أن الاعتمادات المخصصة لصندوق التنمية القروية والمحددة في مليار درهم تبقى دون المستوى المطلوب بالمقارنة مع متطلبات هذه المناطق والخصاص والحاجيات، الأمر الذي يقتضي تداركه في إطار مشاريع قوانين المالية المقبلة.
رابعا: صندوق التكافل الأسري :
السيد الرئيس
لقد استبشرت شريحة مهمة من المواطنات بعملية انطلاق الاستفادة من دعم صندوق التكافل الأسري، للمرأة المطلقة في حالة تأخر النفقة لمدة تقل عن شهرين أو عدم القدرة على تطبيق قرار قضائي حول دفع النفقة وعدم وجود الزوج، حيث خصصت له الحكومة مبلغ 160 مليون درهم عند إنشائه وقد حدد المرسوم المنظم مبلغ 350 درهم شهريا للمستفيدة على ألا يتعدى مجموع المبالغ المالية للأسرة الواحدة 1050 درهم .
غير أن تكاليف الحياة والتمدرس والتطبيب وغيرها تجعل هذا المبلغ لايرقى إلى سد الحاجيات اليومية للمرأة المطلقة وأبنائها، مما يتطلب الزيادة في الاعتمادات المالية لهذا الصندوق من اجل الرفع من التعويض الشهري، ما دام هذا الدعم يشكل ضمانة لإنقاذ تلك الأسرة من التشرد والضياع والانحرافات الاجتماعية لا قدر الله، وبالتي فإن كل مبلغ يدفع في هذا الصدديوفر على الدولة مبالغ أكبر في حالة الانزلاقات الاجتماعية.
خامسا: صندوق المقاصة :
السيد الرئيس
إن الفريق الاستقلالي يرى ضرورة الإبقاء على صندوق المقاصة والإسراع العملي في إصلاحه عبر أليات كفيلة بوصول الدعم إلى مستحقيه، حيث جسد دائما آلية من آليات الحماية الاجتماعية للمواطنين محافظا بذلك عل السلم الاجتماعي ببلادنا عبر تحمله دعم المواد الأساسية الاستهلاكية،إن العدالة الاجتماعية تقتضي إعادة النظر في الوضعية الحالية التي يستفيد منها أرباب الشركات الكبرى والأغنياء.
لقد تحمل هذا الصندوق خلال السنوات الأخيرة ضغطا كبيرا بسبب انعكاسات الأزمة العالمية وارتفاع أثمان المواد الأولية دوليا خاصة أسعار البترول والقمح، حيث أن مخصصاتها تعدت 48.8 مليار درهم سنة 2011 و تم رصد اعتمادات جديدة حددت في 46 مليار درهم في مشروع ميزانية السنة الحالية، و من المحتمل أن تتعدى 60 مليار درهم في نهاية السنة بسبب عدم استقرار سعر البترول دوليا.
كما أن الحديث عن إصلاح هذا الصندوق يأتي من منطلق التحكم في ارتفاع نفقاته حتى لا ترتفع معه نسبة العجز في الميزانية وبالتالي يرتفع حجم وكلفة المديونية العمومية (الداخلية و الخارجية منها على السواء).
كما يتطلب الأمر كذلك الاستثمار في قطاع الطاقة باعتباره القطاع الأكثر امتصاصا لمخصصات المقاصة، وذلك للبحث عن بدائل طاقية، وهي كلها إجراءات قد تؤدي على المدى المتوسط والبعيد إلى خلق الظروف المناسبة للاستغناء عن المساعدة بالتأهيل الذاتي للمعنيين بالدعم والرفع من مستواهم المعيشي.
على مستوى التشغيل:
أولا: مناصب الشغل
لقد التزم البرنامج الحكومي في هذا الصدد بتخفيض معدل البطالة إلى 8% في أفق 2016 والمشروع الذي بين أيدينا يعتزم خلق أزيد من 26 ألف منصب شغل بالوظيفة العمومية، وهي خطوة مهمة تؤكد الاستمرار في النهج الذي سلكته الحكومة السابقة التي استطاعت أن تحقق في ظرف أربع سنوات إحداث 71 ألف منصب شغل بالوظيفة العمومية وأزيد من 120 ألف فرصة عمل بالقطاع الخاص، وهي إجراءات نعتقد أن من شأن تطويرها التخفيف من حدة البطالة التي تعرفها بلادنا خاصة لدى حاملي الشهادات العليا، مما يتطلب كذلك مضاعفة الاستثمار العمومي وتشجيع المقاولات وهي مناصب ستنعكس إيجابا على الطلب الداخلي.
مع التأكيد مرة أخرى أن تحسيس القطاع الخاص بمسؤوليته في مجال التشغيل وملائمة ظروف العمل به من شأنه أن يعطي الضمانات الكفيلة والثقة للباحثين عن الشغل.
وفي هذا الإطار كذلك فإننا نجدد دعوتنا الملحة بضرورة الإسراع في إصلاح أنظمة التقاعد بالكيفية التي تضمن حقوق الموظفين والأجراء حاليا ومستقبلا، وتوسيع قاعدة المستفيدين من أنظمة التقاعد لتشمل المهن الحرة، والقطاع غير المنظم، وقطاعات الصناعة التقليدية والقلاحة والصيد التقليدي الساحلي والتعاونيات، وتوسيع تمثيلية المتقاعدين في المجالس الإدارية لمختلف أنظمة وصناديق التقاعد.
ثانيا: مأسسة الحوار الاجتماعي:
إن انطلاقة جولات الحوار الاجتماعي مؤخرا تعتبر خطوة مهمة في طريق مواصلة مأسسته حيث خصصت الحكومة في مشروع القانون المالي 13.2 مليار درهم من أجل تنفيذ اتفاق 26 أبريل 2011، ونعتبر في الفريق الاستقلالي أن مأسسة هذا الحوار ودورية انعقاده يجب أن تسهم في إتمام و تفعيل المنظومة القانونية لمدونة الشغل و إخراج النصوص القانونية المتعلقة بممارسة حق الإضراب و المتعلقة بالنقابات المهنية و القانون المتعلق بالصحة و السلامة المهنية و تسريع وثيرة إخراج مختلف الأنظمة الأساسية لشرائح محددة من الموظفين و التي ما زالت عالقة ورهينة مساطر إدارية ينبغي إعادة النظر فيها ضمانا لروح التوافق و دعما للحقوق الأساسية لهذه الشرائح و توطيدا للاستقرار داخل الإدارات و الحد من تعطيل مصالح المواطنين.
الفريق الاستقلالي يساهم
في إغناء مشروع القانون المالي
السيد الرئيس
لقد تعامل الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بايجابية مع هذا المشروع ليس فقط انطلاقا من موقعه كمشارك أساسي في الحكومة، ولكن أيضا وبالأساس انطلاقا من قناعته كون هذا المشروع يستجيب لمتطلبات المرحلة الانتقالية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية. وهذا ما جعل الفريق بمعية فرق الأغلبية النيابية يتقدم بتعديلات جوهرية استهدفت إغناء مضامين مشروع الميزانية خاصة فيما يتعلق بإعفاء الأمراض المزمنة والتمدرس والجوائز الأدبية والفنية من الضريبة بهدف تشجيع التمدرس تأمين الحماية الصحية وتشجيع الإبداع الفني والثقافي.
ومن أجل الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين ذوي الدخل المحدود فقد تم اقتراح إعفاء كل مواطن استهلك أكثر من 200 كيلو وات في الشهر من الرسم الضريبي، وبهدف تقوية موارد صندوق التماسك الاجتماعي تم اقتراح توسيع وعاء هذه الموارد، كما استهدفت التعديلات تشجيع السكن الاجتماعي من خلال تقليص عدد الوحدات السكنية المعفى من الضريبة من 100 إلى 50 وحدة بالعالم القروي، ومن 500 إلى 200 في العالم الحضري، وغيرها من الاقتراحات التي تصب في تحسين مشروع الميزانية.
ونسجل التزام الحكومة بعقد مناظرة وطنية من أجل الإصلاح الضريبي في أقرب الآجال باعتباره مدخلا أساسيا لإقرار عدالة ضريبية متوازنة مشجعة ومنتجة.
استكمال المسلسل الانتخابي
لتعزيز المسار الديمقراطي:
إن انطلاق قطار الديمقراطية على سكته الصحيحة بالمصادقة على دستور متقدم ومتطور، يشكل لبنة حقيقية في تعزيز التحولات العميقة التي تعرفها بلادنا، وبإجراء انتخابات حرة ونزيهة يوم 25 نونبر 2011، وما أفرزته صناديق الاقتراع من أغلبية متجانسة انبثقت عنها حكومة قوية متضامنة، يفرض علينا مواصلة المسلسل الإصلاحي باستكمال الاستحقاقات الانتخابية المقبلة سواء تعلق الأمر بالجماعات الترابية القروية منها أو الحضرية، ومجالس العمالات والأقاليم والجهات، أو بالغرف المهنية، أو ما يتعلق بمجلس المستشارين في حلته الجديدة والإعداد الجيد لها سواء على مستوى التأطير القانوني، أو على مستوى التعبئة الشاملة.
كما أن هذا المسلسل الإصلاحي لا يمكن أن تتحقق أهدافه دون إخراج القانون التنظيمي المتعلق بالجهات إلى حيز الوجود، حتى نخرج من مرحلة الجهوية الإدارية إلى مرحلة الجهوية المتقدمة، كما كرسها الإصلاح الدستوري الجديد باعتبارها الأداة الحقيقية لإقرار اللامركزية، وتحقيق التنمية الجهوية المتوازنة.
الخاتمة
السيد الرئيس
نريد هذه السنة لتعزيز الثقة بين المواطنين والمؤسسات.
نريدها سنة الاستقرار والسلم الاجتماعي، والوفاء بالالتزامات التي تعاقدت من أجلها الحكومة مع المواطنين أمام المجلس.
نريدها سنة لإصلاح القضاء، وترسيخ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وعدم الإفلات من العقاب.
نريدها سنة لإصلاح المنظومة الضريبية تحقيقا لعدالة اجتماعية منصفة.
نريدها سنة لإصلاح صندوق المقاصة وأنظمة التقاعد،
نريدها فرصة سانحة لرد الاعتبار للغتين العربية والأمازيغية كما نص عليهما الدستور الجديد.
نريدها سنة إصلاح المشهد السمعي البصري،
نريدها فرصة للنهوض بأحوال جاليتنا المغربية،
كما نريدها سنة لاستكمال مسلسل الاستحقاقات الانتخابية وتعزيز المسار الديمقراطي، وتقوية المؤسسات المنتخبة على أسس سليمة تحظى بثقة المواطنين، وتتمتع بالمصداقية اللازمة لضمان قوتها ومناعتها في تدبير الشأن المحلي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.