تعيين محمد فوزي واليا على مراكش وخالد الزروالي واليا على فاس    البرلمان الهولندي يدعو إلى الإفراج الفوري عن ناصر الزفزافي وباقي السجناء السياسيين في المغرب    المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تدعو إلى إطلاق سراح النشطاء المحتجزين من طرف إسرائيل و تندد بخرق القانون الدولي    آلاف المغاربة يتظاهرون في عشرات المدن للتنديد بقرصنة أسطول الصمود العالمي    مونديال الشيلي.. وهبي: الاشبال يطمحون لبلوغ النهائي والتتويج باللقب    جينك يعلن خضوع الواحدي لعملية جراحية في الكتف    رئيس "اليويفا": إستبعاد إسرائيل من مسابقات كرة القدم غير مطروح    المحامية سوجار تنتقد اعتقال شباب مغاربة على خلفية مظهرهم خلال الاحتجاجات    أكادير: أرباب مطاعم السمك يحتجون الاثنين تزامناً مع دورة مجلس الجماعة    الحكم بالسجن أربع سنوات وشهرين على ديدي    الكاتب عبد اللطيف اللعبي يوجّه رسالة تضامن إلى شباب الاحتجاجات في المغرب    الأمين العام يأسف لوقوع أعمال عنف أثناء المظاهرات في المغرب    حموشي يصدر قرارا بمنح ترقية استثنائية لاثنين من موظفي الشرطة تقديرا لتضحياتهما الجسيمة وامتنانا لحسهما المهني العالي        فيدرالية اليسار تجمع أحزابا ونقابات وجمعيات حقوقية لدعم حراك "جيل زد"    "حماس" توافق على خطة ترامب بشأن غزة والأخير يدعو إسرائيل لوقف القصف    البطولة: المغرب الفاسي يفرض التعادل على الرجاء الرياضي في الرمق الأخير من المباراة    حماس توافق على الإفراج عن جميع الرهائن                وزارة التربية الوطنية تدعو لضمان ظروف ملائمة لتغذية التلاميذ خلال فترة الاستراحة المدرسية                شبيبة التجمع تنبه: تجار الانتخابات ومحترفو ترويج التضليل والتهييج مسؤولون عن أحداث العنف    تداولات بورصة البيضاء تتشح بالأخضر    إحالة مخربين في سلا على السجن                            توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    فرقة مسرح الحال تقدم مسرحيتها الجديدة "لا فاش" بمسرح محمد 5 بالرباط    فقدان حاسة الشم بعد التعافي من كورونا قد يستمر مدى الحياة (دراسة أمريكية)    ترامب يمهل حماس حتى مساء الأحد للتوصل إلى اتفاق بشأن غزة    حصري.. الدميعي مدربا للكوكب المراكشي خلفا لرشيد الطاوسي    تجسيداً لانفتاح المغرب على القضايا العالمية..محمد أوجار يشارك في مؤتمر السلام بالصين    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يعزز حضوره في القمة العالمية للهيدروجين الأخضر ويدعم الرؤية الطاقية للمملكة    مديرية الضرائب بالمغرب تطوق آلاف الشركات "النائمة" بإشعارات مباغتة    المجموعة الموسيقية المغربية «إيغوليدن» تطلق ألبومها الجديد «أمزروي»    أمير المؤمنين يترأس حفلا دينيا إحياء للذكرى السابعة والعشرين لوفاة جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني    مهرجان الفيلم المغاربي بوجدة: "من شاشة السينما تبنى الجسور وتروى القضايا" عنوان ندوة محورية    احتجاجات "جيل زد" تحدد أولويات جديدة بين وزير الصحة والنقابات القطاعية    مهرجان السينما في هولندا يكرّم ناجي العلي وينتصر لذاكرة شعوب المنطقة    علماء يجددون توصيتهم بالتقليل من اللحوم في النظام الغذائي    اللجنة الوطنية للاستثمارات تصادق على 12 مشروعا بأزيد من 45 مليار درهم        حمية الفواكه والخضراوات والمكسرات "قد تمنع" ملايين الوفيات عالميا    وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    ارتفاع ضغط الدم يعرض عيون المصابين إلى الأذى    عندما يتحول القانون رقم 272 إلى سيفٍ مُسلَّط على رقاب المرضى المزمنين        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصص من أوراق المقاهي
نشر في العلم يوم 10 - 12 - 2012

أنطوان روكنتان* في فاس
كان الوقت متأخرا جدا. أحس بالضيق ينهشه من الداخل، على شكل فقاعات متجانسة لم يتبين لونها الحقيقي أو حالتها الهندسية، بيضاء من جانب وسوداء من جانب آخر، تستدير حينا، وتتسطح حينا آخر. تحرك في معطفه لإقصاء الارتباك المُحدث، مسد جبهته التي أحس بها وقد تغضنت. لكنه أدرك أنه عبثا يفعل. المطر المتهاطل أمام باب سينما ريكس حيث كان واقفا ومختبئا سيعيد كل شيء كما كان من قبل. لو كان يملك معطفا بديلا لما اهتم بذلك. فهو يحب الشتاء، تذكره بحلم جميل على ضفاف الواقع، حلم من وراء البحار.
سار في الزقاق الضيق والتف أكثر حول جسده. مشى محتميا بجوانب العمارات والمحلات في شارع البولفارد المبلل الخالي. عند استدارة محل كبير للأحذية اصطدم بفتاة وشعر بلهاثها الشتوي يداعب وجهه وعطرها الأنثوي يدوخ رأسه. صاحت فيه مبتعدة بسرعة: هل أنت أعمى؟ فتمنى لو عض على شفتيها حتى الدم.
انكمش من جديد حول نفسه، جرى صاعدا شارعا عاليا قليلا، وهرع إلى أقرب مقهى لفت اسمها «سيرنوس» انتباهه. احتمى من البرد والمطر، وأحس بغربته وسط بشر مختلف عنه لما التفت، ونظر حواليه والمطر لا يزال يسقط .. قال «مرد»، ثم أشعل سيجارة سوداء أحرق دخانها عينيه حالما التهب طرفها الأمامي. ورشف من كأس القهوة جرعات ساخنة متتالية. لكن نكهتها بدت له ك»البشر البلداء» كما باح في دخيلة نفسه.
وتذكر أنه يقطن المدينة منذ أربع سنوات، ولا يعرف أحدا من سكانها. يعرف المدينة جيدا أما هم فلا. دائما تقف غربته حاجزا أمام أية محاولة للاقتراب منهم أكثر. في الأخير لم يعد الكرة قط. عليه أن يكون مزيفا، أن يتنازل عن أشياء كثيرة ليس في وسعه القبول بها أبدا. من يقدر على التخلي عن ماضيه ؟ السجن تحمله معك دوما.. لا تتخلص منه..
لا.. وهنا طفر وجه من بين الزحام والبلادة. لا، فقد تعرف على فتاة ضئيلة القامة قبل شهور في حديقة فلورنسا حيث تعود الجلوس زوالا. كانت تقدم له قطعة شوكولاطة في كل مرة ، وكانت جد لطيفة معه، ولكنه تخلى عنها وعن المجيء إلى الحديقة. كانت علاقة غير متكافئة على الإطلاق. فقد كان صامتا كل الوقت. وحاول تكوين علاقات أخرى لكنها كانت تفشل من الوهلة الأولى، ولم تصل قط إلى مدى اللقاء الأول حتى. وهو شيء لم يفهمه أبدا، هذه الأنثى، هذا الجزء من الوجود الإنساني.
أعياه التفكير الباطني هذا، فالتفت جهة قهوته، وشرب منها جرعات ببطء مقصود، وهو يتلمظ المرارة على لسانه.
التفت مرة تلو أخرى ناظرا من وراء فترينة المقهى المحاذية للشارع حيث كانت تتكاثف قطرات المطر، ثم تنزلق ببطء.. لا يهمه أن يكون الوقت متأخرا أو لا... ما دام الصمت شريعته وما دام يحمل السجن في حله وارتحاله. السجن أو الوجود. سيان.
ثم في بني ملال
أيها الصاحب. في جيب معطفي جوربان مبللان بالوحل والماء. في رجلي جوربان استلفتهما من عند صديق ملالي تبللا بدورهما.
منذ ساعات الصباح الباكر وقدماي تعومان في الماء والوحل. أحس بركبتي باردتين مجمدتين. عيناي مثقلتان من التعب والإعياء والقرف. ودماغي يسبح في ضباب الحزن والغثيان، مثل غصن شجرة اقتلعته ريح حقود عنيفة ورمته في واد عكر.. صاخب، أنا الآن تتقادفني الحفر والأقدام المسرعة وشدة البرد.
الساعة قاربت الثامنة مساء وأنا جالس إلى طاولة بحانة غرناطة بمحاذاة قنينة.
ما الذي ستقيني منه إياه الجعة إن كان الجوربان مبللين؟ سحقا للعالم ولي ولمن يكن لي ما يكن....
وفي الدار البيضاء
في الأول جئتك ايها المكان الكريه، مرغما ومنساقا وراغبا أسقط في متاهة الأشياء الغبية. ولا أعرف إلا بعد أن يتموقع جسدي المرهف النحيل فوق طوار شارع 11 جانفييه. دائما تكرر الخطأ أيها الأبله، أقول لنفسي مقرعا إياها. وأسير. أسير بلا دراية، أسرع الخطو، وأحملق في الوجوه. هنا، هناك. في الأمام. في الخلف. وكظل يملأ السماء تكونين أنت. يلازمني ولا يرحل. ولما أصل يظل العرق ينزف من جبهتي. والوقت نوفمبري رقيق التأثير، فكيف يحدث هذا النزيف ؟ إنه الفوران الداخلي النابع من القلب الممزق ذاك الذي يحيل الدم أبخرة غضب وبلاهة.
آخذ الطاولة وراء الباب مباشرة، وأقابل شارع باريس. كما كان من قبل. أطلب قهوة ممزوجة بالحليب. ولما أرتاح قليلا أفتح الجريدة، أية جريدة ليمر الوقت في انتظار ما قد يطفر. وأضع قطعة السكر الأولى ثم الثانية ثم لا أدري كيف ينقلب الكل ويُهرق الكأس فوق فخذي وجزء من ساقي. فيحرق الجلد ويبلل السروال. وأصرخ بفرنسية دخيلة: «مرد، مرد». وأعصر السروال، وفي المرحاض أسكب الماء.وأتأفف. أشم سروالي وأعاود المسح. أرطب من حدة الحريق متهيبا من العواقب. زكام، صمم، ثم احتراق.
لماذا ؟ آه ! حبيبتي الغادرة أفكر كثيرا ولا أتوقف.
* بطل رواية «الغثيان» لجان بول سارتر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.