كان الحفل مشهودا بقدر الفقيد، عبد الله السعيدي، الرئيس السابق للاتحاد الوطني للمهندسين المغاربة، الذي حج عدد كبير من أفراد أسرته ورفاق دربه وزملائه للمدرج الكبير للمدرسة المحمدية للمهندسين بالرباط عشية الجمعة المنصرم، لإحياء أربعينيته. الحفل الذي نشطة فرقة للمديح والسماع الصوفي، وحضرته مختلف ألوان الطيف السياسي والهندسي، تميز بحضور أرملة المرحوم السعيدي، فتيحة مخلص، التي تقاطرت عليها تعازي الحاضرين في رزئها ورزئهم الفادح بفقدان رجل يشهد له الجميع بالنضال منذ أزيد من ربع قرن على الساحة الهندسية المغربية، وداخل مختلف هياكل الاتحاد الوطني للمهندسين المغاربة، حيث تشبع بقيم وروح المواطنة، وحمل الفكر التقدمي، وآمن بقيم الانفتاح. في هذا السياق، وفي شهادة امتزجت بالدموع والألم، عبر مراد غزالي منسق اللجنة المنظمة للتأبين، عن امتنانه لكل من ساهم في تنظيم الحفل الذي أرادوا له ان يكون شامخا شموخَ الراحل الكبير، مشيرا أن الراغبة كانت أن يُحتفى بالفقيد ويكرم قيد حياته قبل مماته، لكن يد المنون كانت الأقوى، فلله ما أعطى وله ما أخذ. من جهته اعتبر عبد السلام الصديقي، وزير التشغيل، في كلمة ينوب فيها عن رئيس الحكومة بالمناسبة، أن الفقيد كان مناضلا كبيرا بشهادة رفاق دربه، وأنه كان وطنيا من أبناء الشعب الذين ترعرعوا في هذا التراب الطيب، معبرا عن مخافته من ألاّ يوفي بمكانة الراحل، الذي تشكل وفاته خسارة للجميع المقربين منه ووطنه عامة. ودعا الصديقي، إلى أن يكون مسار الفقيد محورا يدرس في مجموع مدار ومعاهد الهندسة في المغرب. وفي شهادته في حق الراحل، قال عزيز هيلالي، إن الإرادة الربانية شاءت أن تخطف يد المنون "أخانا وصديقنا ورفيقنا في النضال" المهندس عبد الله السعيدي وهو في أوج عطائه وشموخه، فأجمع الكل على فداحة الرزء، وحجم الخسارة. مشيرا إلى ما كان يتمتع به المرحوم من مزايا في العمل السياسي والعلاقات الإنسانية الرفيعة، وهب حياته منذ شبابه الأول للدفاع عن قضايا الحرية والحقوق والديمقراطية، توالت عطاءاته بوفاء والتزام وتضحية بالرغم من تدهور حالته الصحية في المدة الأخيرة، إلا أنه تحدى المرض في صبر واحتساب للخالق عز وجل الذي جازاه بأن ظل شامخا قوة العزيمة طاهرة الذمة. وسرد الهلالي وهو من الأصدقاء المقربين للراحل، جانبا من العلاقة التي جمعت بينهما ونضالهما من أجل مصلحة المهندسين والوطن، مشددا على اكتشافه لشخصية الراحل الذي كان قائدا محنكا بكل المعايير، رجل الحوار والإنصات والمواقف الشجاعة، يؤمن بالعمل الجماعي والقيادة المؤسساتية ولا يخاف في الحق لومة لائم, ما أهله ليجمع حوله كل المهندسين المغاربة، فكانت الفترة التي انتخب نائبا له في المكتب الوطني بين سنتي 2008 و2012، كافية لتقر بنجاعة اختيار المهندسين لعبد الله سعيدي رئيسا لهم، حيث قاد مخاض تكوين المكتب الوطني ثم إعداد الملف المطلب والمفاوضات مع الجهات الحكومية بكل تميز، وبذلك اعتبر إعلان تعديل القانون الأساسي للمهندسين وسام شرف توج مسار الرئيس الذي ظل شامخاً. ودعا هيلالي إلى إطلاق اسم الفقيد على مدرج علمي بأحد المعاهد أو مدارس الهندسة بالمغرب. بدوره، قال محمد موكا، من رفاق درب المرحوم، إن الفقيد محمد السعيدي، إنه بحث طويلا كيف سيدلي بشهادته حول هذا "الهرم الكبير"، فما أكثر الرؤساء وما أندر الرؤساء مثل عبد الله السعيدي، الذي كان رحمه الله يحسن الاستماع وكان ديمقراطيا حتى النخاع، وكان يحترم الجميع، لكن احترامه كان يزداد تجاه المناضلين الشرفاء، ويقل تجاه المتشدقين. حيث كنت تحس أنك كلما اشتغلت إلا اقتربت منه أكثر. وأضاف نفس الشاهد، أنه من حسن أخلاق الفقيد كان الكل يحضر لاجتماعات المكتب التنفيذي للاتحاد مسرورا وبأعداد كبيرة، حيث كانت الجلسات مع المرحوم تعرف آراء متعددة بل حتى متناقضة لكن في الأخير الرجل يجمع الكلام ويخرج بخلاصات، في قدرة رهيبة على تجميع الآراء وتقريب وجهات النظر، حيث كان الإجماع عليه دائما هو سيد القرار. وتوالت الشهادات متشابهة في تقديرها للراحل الكبير أخلاقا وعملا وجهادا، مجمعة على فداحة الرزء بفقدان رجل من طينة خاصة.