بنسعيد: الحكومة لا تخدم أي أجندة بطرح الصيغة الحالية لقانون مجلس الصحافة    روسيا تعتزم إنشاء محطة طاقة نووية على القمر خلال عقد    رهبة الكون تسحق غرور البشر    الحكومة تصادق على مرسوم إعانة الأطفال اليتامى والمهملين    الأمطار لم توقّف الكرة .. مدرب تونس يُثني على ملاعب المغرب    كأس إفريقيا للأمم 2025.. الملاعب المغربية تتغلب على تقلبات أحوال الطقس    الاقتصاد المغربي في 2025 عنوان مرونة هيكلية وطموحات نحو نمو مستدام    بول بوت: العناصر الأوغندية افتقدت للروح القتالية    مدرب نيجيريا: "تمكنا من تحقيق أول انتصار وسنواصل بنفس الروح"    77 ملم من الأمطار بسلا خلال ساعات    تقرير: المغرب خارج أول 100 دولة في التمثيل السياسي وسيادة القانون    العثور على الصندوق الأسود يقرّب كشف أسباب تحطم الطائرة الليبية    زلزال بقوة 6.1 درجات يضرب تايوان    كأس إفريقيا بالمغرب .. مباريات الأربعاء    أجواء إفريقية احتفالية تعمّ العاصمة المغربية مع انطلاق كأس إفريقيا للأمم    بورصة الدار البيضاء تفتتح بأداء سلبي    تدخلات لضمان تصريف المياه بسلا    هذه تفاصيل تغييرات جوهرية في شروط ولوج مهنة المحاماة بالمغرب        وزير الصحة يترأس الدورة الثانية للمجلس الإداري للوكالة المغربية للدم ومشتقاته    زلزال بقوة 6,1 درجات يضرب تايوان        فرنسا تندد بحظر واشنطن منح تأشيرة دخول لمفوض أوروبي سابق على خلفية قانون الخدمات الرقمية    "الهيلولة".. موسم حجّ يهود العالم إلى ضريح "دافيد بن باروخ" في ضواحي تارودانت    مواجهات قوية للمجموعتين الخامسة والسادسة في كأس إفريقيا    مزراري: هنا المغرب.. ترويج إعلامي عالمي بالمجان    عجز ميزانية المغرب يقترب من 72 مليار درهم نهاية نونبر 2025    فدرالية الجمعيات الأمازيغية تهاجم "الدستور المركزي" وتطالب بفصل السلط والمساواة اللغوية    محامو المغرب يرفضون مشروع قانون المهنة ويرونه خطرا على استقلاليتهم    "أفريكا انتلجانس" ترصد شبكات نفوذ ممتدة حول فؤاد علي الهمة في قلب دوائر القرار بالمغرب    تيزنيت : أزمة صامتة في المؤسسات التعليمية.. حراس الأمن الخاص بلا أجور لثلاثة أشهر متتالية    الأمطار تغرق حي سعيد حجي بسلا وتربك الساكنة    الذهب يسجل مستوى قياسيا جديدا متجاوزا 4500 دولار للأونصة    طقس ممطر في توقعات اليوم الأربعاء بالمغرب    كيوسك الأربعاء | وزارة الداخلية تتخذ إجراءات استباقية لمواجهة موجات البرد    بكين وموسكو تتهمان واشنطن بممارسة سلوك رعاة البقر ضد فنزويلا    عاصفة قوية تضرب كاليفورنيا وتتسبب في إجلاء المئات    كأس أمم إفريقيا 2025.. بنك المغرب يصدر قطعة نقدية تذكارية فضية من فئة 250 درهما ويطرح للتداول ورقة بنكية تذكارية من فئة 100 درهم    أمسية ثقافية تكرس التقاطعات الثمينة بين القفطان المغربي والساري الهندي    دار الشعر بمراكش تواصل برنامج الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية    ريدوان يكشف تفاصيل الألبوم الغنائي المرتبط بأجواء كأس إفريقيا للأمم    تكريم الفنان عبد الكبير الركاكنة في حفل جائزة النجم المغربي لسنة 2025    بلاغ بحمّى الكلام    اتفاقية تجلب ميناء جديدا للصويرة    فجيج في عيون وثائقها    بالأحضان يا أهل الكان ..وعلى بركة الله        الأغنية الرسمية لكان المغرب-2025 "AFRICALLEZ" أنشودة الوحدة    الولايات المتحدة توافق على أول نسخة أقراص من علاج رائج لإنقاص الوزن    في عالم الخداع الشامل، يصبح قول الحقيقة فعلاً ثورياً    اليوم العالميّ للغة الضّاد        دراسة: ضوء النهار الطبيعي يساعد في ضبط مستويات الغلوكوز في الدم لدى مرضى السكري    دراسة صينية: تناول الجبن والقشدة يقلل من خطر الإصابة بالخرف    غضب دانماركي وأوروبي من تعيين موفد أمريكي في غرينلاند وترامب يعتبر الجزيرة "حاجة أمنية"    خطر صحي في البيوت.. أجهزة في مطبخك تهاجم رئتيك    مشروبات الطاقة تحت المجهر الطبي: تحذير من مضاعفات دماغية خطيرة    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نقد :(دماء ودموع ) للكاتب المغربي يوسف صبري : تمظهرات الكتابة ودلالات بناء النص السردي…..
نشر في عالم برس يوم 24 - 02 - 2019

في تجربته السردية الاولى ( دماء ودموع) يؤسس الكاتب المغربي يوسف صبري لأبعاد جديدة في الحكي وبشخصيات ورقية تكابد صعوبة وجودها الرمزي تحيل من خلاله على عوالم متخيلة ملغومة عمل من خلالها الى اعادة ترتيب للعالم بواسطة الكتابة تجسدها خلخلته لجسد النص الحكائي من خلال مكوناته العلائقية والتفاعلات المحركة لصيرورة السرد وهي تستهدف تعرية واقع معين يحيل على كل الامكنة والازمنة .
المتن السردي في رواية (دماء ودموع ) نموذج لكتابة ابداعية بهوية غير محددة أجناسيا تراهن على عدة ممكنات ادبية من خلال المراهنة على شكل تجريبي في الكتابة السردية باعتباره موقفا ثقافيا وابداعيا ، كما تحيل على مفهوم النص بوصفه طريقة لا تقتصر على ضرب معين من فعل الكتابة وبسياق رمزي ينطلق من العنوان حيث الدموع والدم كعتبة لها وظائفها المرجعية واللغوية والتأثيرية وبتفاعل سيميائي لصورة ثابتة كأيقونة يطغي عليها اللون الاسود ، والاسود كما ترصده سوسيولوجيا الالوان هو لون العتمة والظلام ويستحضره الملفوظ السردي بلغة دالة تحيل على عوالم قاتمة ذلك ان العلاقة السيمائية بين اللون الموظف والمتن السردي نجده من خلال اللغة الموظفة في صفحة تقديم المؤلف: (كان الكاتب وحده يسرد تفاصيل الظلام في سجنه البارد الابكم الساكن) لكن داخل السواد المسيطر نجد كوة من لون ابيض يحيل على الضوء ، كدلالة على الامل والخلاص وهو ما يزكيه ايضا نفس التقديم : (وقف على جهة من المعبر من اجل الخلاص) مع الاحالة على ايقونة شخص غير محدد الملامح اي على ما يسمى بنمطية الشخصيات وهو ما اسماه المؤلف في الصفحة الاخيرة بالأجيال كإحالة على تعاقبها الزماني والمكاني .
المتن السردي (دماء ودموع) يرصد العمق الانساني والجوانب الجوهرية لشخوص نتعظ منها ونتنفس من خلالها الكون والحياة استطاع خلالها الكاتب يوسف صبري ان يلتقط تفاصيل مالم نستطيع رؤيته في مجرى الحياة الصاخبة وضجيحها ليمنح المتلقي رعشة وجودية تنفض الهم والغم عن شخصياته التي تفاعلنا معها ونستحضر من خلالها فواجعنا التي ورثناها عن المكابدات اليومية لشقائها وهي تعيش حكيها الداخلي حيث يقول : (في كل هذا السرد لا نفهم قمة الحزن والشرود الذي يطال هذا الانسان ويطال كل المجال المحيط به). ( ص15).
بناء المتخيل في المتن السردي واكتشاف دلالاته الجمالية والاستيتقية ينشد من خلاله المؤلف ايضا التعبير عن ذات تعيش قلقها وهي تستحضر افق شخصياتها انطلاقا من قصة متخيلة الى الماضي يجسدها التعبير بصيغة ضمير الغائب حيث يتم بناء الرؤية الى العالم ذلك ان المؤلف هو السارد كمعادل دلالي يتضمن رؤية تتوزع بين الماضي والحاضر يسيطر على الحكي بل وعلى القارئ : وقبل ان نقفل هذا الباب من حياة ابناء العم مسعود الذين تعددت مصائبهم لابد ان نحيط القارئ الكريم ، (ص41 ) كما يتخذ الزمن المستعمل وسيلة لتمريروعي ممكن يراهن على التغيير من خلال شخصية العم مسعود ، تلك الشخصية المثالية او كما يسميها المؤلف ب الملهم (ص13) ، يكيل لها كل التمجيد كبطل خرج من رحم الحرب : (فالعم مسعود بركة وطن وارشيف امة وتراث فريد يطلبه العابرون الى اي اتجاه). (ص8)
في التجربة الابداعية (دماء ودموع ) يلتحم الملفوظ السردي في خلخلته لنظرية الاجناس الادبية بالمكون الاتوبيوغرافي كإشارة تم توثيقها على الغلاف كتعاقد ضمني غير واضح : (كان الكاتب وحده يسرد تفاصيل الظلام في سجنه البارد الابكم الساكن ، يعبر بالأحاسيس الجماعية لأبطاله) . ( الصفحة الاخيرة ) ، ومن خلالها يظهر سيطرة المؤلف الذي هو السارد على شخصياته الورقية من خلال اتقانه للوصف كتقنية سردية تعتمد الجمل القصيرة الدالة وهو يبني ملفوظه السردي من خلال ذاكرة الحكي المبنية على الاستذكار والاستحضار والاسترجاع كمتكلم كما في نظرية التلفظ حيث المزاوجة بين السارد – ضمير الغائب والمؤلف من خلال ضمير المتكلم حيث يتوحد فيها المؤلف والسارد معا وتجعل ملفوظهما السردي مزدوجا يميل غالبا الى تغليب كفة وجهة السارد يحتكم فيه الى الخيال للتوليد الحكائي عكس الذاكرة التي ترتبط بالمكون السير ذاتي مما يكشف عن وعي استيتيقي لبناء اشتغاله السردي في تعالق بين الميثاق الاوتيبوغرافي والروائي وبواسطة سارد خارج حكائي بصيغة ضمير الغائب يعلم كل شيء موجود في كل مكان من النص، فالسارد يحضر بشكل محوري يتولى عملية السرد والحكي لشخصيات فضائها هو الوطن كمرجع للتمايزات والتفاوت ، حيث الاحساس بالضيق والغربة والعزلة لعدم انسجامها مع الفضاء العام .
ومن هنا نلاحظ أن السارد في ( دماء ودموع ) يحاول دائما ترسيخ شخصية العم مسعود التي صمدت حين خلدها التاريخ الذي صنعته في حقبة زمنية معينة، فهو يرى في هذه الأسماء الاخرى شخصيات سردية أخرى، لأنها لا تزال خالدة تحتفظ بمكوناتها وبمقوماتها الإنسانية رغم كل أشكال التعثر والتظليل الذي مورس عليها، حيث يقول: ( فالحياة ممكنة والعيش الكريم غاية كل انسان، والطمأنينة هي المجبول على قمتها كل مخلوق ومجرد رؤية شكل فريد غير هذه المسلمات يعني ان في الامر ما يسترعي المتابعة). (ص23).
فشخصيات (العم مسعود)، (زهرة) ، (محمد القاضي)، (فوزية ) و (جليل )، وغيرها من الشخصيات الاخرى تظهر وكأنها حقيقية صنعتها الأحداث التاريخية، وبلورت لديها وعيا جديدا، تحمل على أساسه أعباء مرحلة تضطرب بشتى أنواع الصراع، فلم تكن بطولتها هامشية ، تعود بالذاكرة إلى اضطراب الحياة السياسية وبدايات تشكيل الوعي ، كما انها تحفل بتعددها اللغوي إذ نجد السارد والشخصيات الساردة تحكي داخل فضاء لغوي يطبعه التعدد من لغة الهذيانات واللاشعور والجنون واللاوعي ولغة الحلم والغريب والفانطاستيك ويحاول السارد وسط ذا التعدد والتنوع في الأصوات واللغات والفضاء، بناء عالم حكائي خاص به يحكي من خلاله الأحداث إلى جانب الأصوات الأخرى التي تتفاعل داخل المحكي.
لقد استطاع الكاتب يوسف صبري انطلاقا من هوسه بالسوسيولوجيا ان يبني شخصيات ( دماء ودموع ) من خلال تحويلها من الورق الى الوجود وان يقيس ذلك التماهي الفلسفي بين المتخيل والحقيقة وفي تفاعل ذكي بين تداخل الحكي ما بين المؤلف والسارد ليفتح بذلك امام القارئ كل فرضيات البحث عن اقتحام مسالكها السردية للتفاعل مع ذات جربت كل الالم وتريد ان تعيد قراءة العالم وكل مفارقات العيش فيه بكل ابداعية ….


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.