انتشرت خلال الأسابيع الأخيرة في إندونيسيا أعلام سوداء تحمل جمجمة وعظمتين تعتمر قبعة القش، لفريق القراصنة بقيادة مونكي دي. لوفي في مسلسل الأنمي الياباني الشهير "ون بيس". وظهرت هذه الأعلام عند مداخل البيوت، على السيارات، وعلى الجدران، كرمز احتجاجي يعكس رفض بعض الشباب لتزايد مركزية السلطة في عهد الرئيس برابوو سوبيانتو. وجاء هذا التوجه بعد دعوة الرئيس برابوو للمواطنين لرفع العلم الوطني الأحمر والأبيض قبيل عيد الاستقلال في 17 غشت. بالنسبة للمحتجين، لم يكن الهدف مجرد التمرد على تعليمات رسمية، بل التعبير عن سخط رمزي ضد ما يعتبرونه قيودًا على الحرية والعدالة، مستوحى من رسالة المسلسل حول مقاومة الظلم والسعي وراء الحرية. وقال علي مولانا من جايابورا: "الأنمي يعكس الظلم وانعدام المساواة الذي نعيشه. رفعنا هذا العلم ليس رفضًا للوطن، بل رمز لحبنا له رغم اختلافنا مع سياساته". وأضاف آخرون أن رفع أعلام قراصنة لوفي يمثل وسيلة لإيصال رسالة سياسية بطريقة إبداعية، بعيدًا عن العنف، مستندين إلى رمزيات المسلسل التي تمجد النضال من أجل الحرية والاستقلالية. واستقبلت المتاجر، مثل متجر "ويك ويك" في جاوة الوسطى، آلاف الطلبات على هذه الأعلام منذ خطاب الرئيس، ما يعكس الإقبال الشعبي على استخدام الثقافة الشعبية كوسيلة للتعبير السياسي. لكن بعض كبار المسؤولين انتقدوا هذه الرمزية. وصف نائب رئيس مجلس النواب، سوفمي داسكو أحمد، رفع هذه الأعلام بأنه "محاولة منسقة لشق صف الأمة"، فيما اعتبره نائب آخر خيانة. من جهته، أوضح وزير شؤون الدولة براسيتيو هادي أن الرئيس "لا يعارض" التعبير الإبداعي، مع التأكيد على ضرورة عدم المساس بالعلم الوطني. القانون الإندونيسي يسمح بعرض الأعلام الخيالية، بشرط أن يكون العلم الوطني في الموضع الأعلى إذا رفع بجانبه أي علم آخر. وقالت الشرطة في جاكرتا إنها تراقب الرموز غير الوطنية "التي لا تنسجم مع روح الوطنية"، بما في ذلك أعلام القراصنة. ويرى خبراء أن هذه الظاهرة تعكس تطور أشكال التعبير السياسي في ظل الديمقراطية الإندونيسية. وقال دومينيك نيكي فاهريزال، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "شعبية أعلام 'ون بيس' بين مختلف الفئات العمرية توفر وسيلة فريدة لرفع الوعي بالقضايا السياسية، مستفيدين من الرمزية الثقافية للأنمي". بالنسبة للبعض، يمثل الرد الملتبس من الحكومة على هذه الأعلام إثباتًا لقوة رمزية الرسوم المتحركة في السياسة. وكتب فرحان رزق الله على منصة "ميديوم": "من خلال التعامل مع علم كرتوني كتهديد للأمن القومي، منحت الحكومة شرعية غير مقصودة للاحتجاج نفسه". وأضاف: "أظهروا أن حلم مونكي دي. لوفي، الطموح البسيط والثابت للحرية، هو الشيء الوحيد الذي يخشونه حقًا". يُعد أنمي ون بيس واحدًا من أشهر الأعمال اليابانية عالميًا، بدأ كمانغا عام 1997 من تأليف إييتشيرو أودا، وتحولت إلى مسلسل تلفزيوني تجاوز عدد حلقاته 1,100 حلقة وبيعت منه أكثر من 520 مليون نسخة حول العالم. يروي المسلسل مغامرات مونكي دي. لوفي وطاقمه من القراصنة الباحثين عن الكنز الأسطوري "ون بيس"، ويركز على قيم الصداقة، الشجاعة، ومواجهة الظلم. وبفضل شعبيته العالمية، أصبحت شخصياته ورموزه، مثل علم قبعة القش، عناصر ثقافية يمكن للشباب في أي مكان الاستلهام منها، سواء للتعبير عن الحرية أو مواجهة الظلم في مجتمعاتهم.