المغرب يراهن على مليون سائح صيني بحلول 2030    القمة السابعة عشرة لدول البريكس: تكتل متنامٍ وخيار بديل    المؤسسات والمقاولات العمومية.. زغنون يدعو إلى حوار إستراتيجي بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع حصيلة قتلى فيضانات تكساس إلى 50 شخصا    الملياردير إيلون ماسك يُعلن تأسيس "حزب أمريكا"    حزب الله: التهديدات الإسرائيلية لن تجبرنا على الاستسلام أو التخلي عن السلاح    فيلدا: واجهنا منتخبا قويا يضم لاعبات متميزات وسنعمل على تصحيح بعض الأخطاء    في حوار مع الدار.. الخبير الدولي الصيني برنارد سوك: الصحراء أرض مغربية    أشرف حكيمي يُحطّم رقماً قياسياً ويتألق مجدداً مع باريس سان جيرمان    إشهار ترويجي لشركة المراهنات "1xBet" يُظهر خريطة المغرب مبتورة على القناة الرياضية يثير الجدل (صورة)    تعادل مثير لمنتخب المغرب النسوي أمام زامبيا في افتتاح مشواره بكأس إفريقيا للأمم    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    شبان يهاجمون قوات الأمن ويحرقون العجلات والبركاصات في سلا بدعوى الاحتفال بعاشوراء    تخريب شبكة المياه يتسبب في احتمال إغلاق المسبح البلدي بمكناس    القهوة تكشف سرا جديدا.. "إكسير الشباب" يعزز صحة الأمعاء ببكتيريا نافعة    وزارة الشباب تؤكد ضمان صحة وتغذية آلاف المستفيدين من مخيمات الصيف    بومداسة يوقع "إثنوغرافيا الدرازة الوزانية"    الهيمنة المسمومة .. كيف دفعت الصين ثمناً باهضاً للسيطرة على المعادن النادرة    شجار بين سكارى داخل محل خمور يُفجر غضب سكان حي بشارع مولاي الرشيد بطنجة    كارثة رقمية محتملة .. ثغرة خطيرة تهدد آلاف المواقع المغربية    مدينة الحاجب تحتفي بعيد العرش في سهرة فنية بمشاركة Mos Kadiri    كأس إفريقيا للسيدات (المغرب 2024).. تعادل مثير بين المنتخب المغربي ونظيره الزامبي (2-2)        إخلاء طائرة رايان إير في مايوركا بسبب إنذار كاذب وإصابات طفيفة بين الركاب        بيان تضامني مع المعتقلة سعيدة العلمي صادر عن هيئات ومنظمات حقوقية وسياسية في أوروبا الغربية    نداء من أجل تأسيس مجلس مغاربي للثقافة موجه إلى وزراء الثقافة المغاربيين    مؤشر مازي يسجل ربحا بنسبة 0,94 في المئة    رفع اللواء الأزرق بميناء مارينا سمير وأربعة شواطئ تابعة لعمالة المضيق-الفنيدق        الوعي الزائف:رسالة إلى امرأة تسكنها الأوهام!    باريس سان جرمان يهزم بايرن ميونيخ ويبلغ نصف نهائي مونديال الأندية رغم النقص العددي    غويركات يرثي محمد بهضوض.. "الفكرة التي ابتسمت في وجه العالم"    الحرارة تواصل صعودها بعدد من جهات المغرب    اختتام مؤتمر الذكاء الاصطناعي بالقنيطرة    نظام ركن جديد للسيارات في طنجة يسعى إلى احترام حق التناوب والمساواة في الركن بين المرتفقين            إعادة انتخاب المغرب عضوا في مجلس "الفاو"    جازابلانكا .. منصة نفس جديد تنفتح على إيقاعات صحراوية مع فرقة درعة تريبز    المغرب يدعو إلى إدماج الآليات الوطنية لحقوق الإنسان في استراتيجيات الأمم المتحدة    الملك يبعث تهنئة إلى الرأس الأخضر    عبد الله العروي: اسْتِبانَة    "الحرب بوسائل أخرى": رواية عن السلطة والحب والإدمان    السلطات تمنع عروض الهواء الطلق في "الليلة البيضاء للسينما وحقوق الإنسان" وتثير استياء المنظمين    في العدوان الإسرائيلي على إيران    جامعة محمد السادس تشارك في ابتكار جهاز ينتج المياه العذبة من الهواء دون مصدر طاقة خارجي    كروزنشتيرن.. أسطورة السفن الروسية تحط الرحال في ميناء الدار البيضاء باستقبال دبلوماسي    طقس حار مع "الشركي" وهبات رياح مع عواصف رملية السبت والأحد بعدد من مناطق المغرب    نقابة الأبناك تدق ناقوس الخطر بشأن اقتطاعات ضريبية خاطئة من معاشات المتقاعدين    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    الحرارة القاتلة: دعوات عاجلة لحماية عمال البناء والزراعة بالمغرب    تفسيرات علمية توضح أسباب فقدان ذكريات السنوات الأولى    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    تغليف الأغذية بالبلاستيك: دراسة تكشف تسرب جسيمات دقيقة تهدد صحة الإنسان    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عقدة الشعور بالذنب تقود المسلم إلى التشدد والتديّن الطقوسي
نشر في الأول يوم 08 - 02 - 2017


عن "مؤمنون بلا حدود"
من الظاهرات الاجتماعية التي انتشرت في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، التي شهدت صعود ما سمي ب "الصحوة الإسلامية"، أنّ بعض المسلمين ممن تديّنوا تقليدياً (فِطرياً) بعيداً من التشدد صار لديهم تحت وطأة موجة التديِيْن شعور بالذنب من أنهم ليسوا، أو لم يكونوا، "مسلمين كما ينبغي"، وأنّ عليهم، بالتالي، أنْ يستغلوا ما تبقى من عُمرٍ، لكي يعيشوا "المثال الإسلامي"، أو يقتربوا منه، ويكونوا "أكثر إسلاماً"؛ أملاً في أنْ يكونوا أكثر كرامة واطمئناناً. هنا يَحدُثُ استجلابُ "ذاتٍ جديدةٍ" ينطوي على "انتقامٍ ما" مِنَ الذاتِ القديمة، وإفراطٍ في التديّنِ الطقوسيّ والرموز كقنطرةٍ ل "التكفير عن تفريطٍ" اعترى الهوية القديمة.
ورفْعُ "الإسلام السياسي"، وفي واجهته "الإخوان المسلمون" شعار "الإسلام هو الحلّ"، والمتوجه إلى أكثرية مسلمة، إنّما يعني أنّ ما عليه هذه الأكثرية من الإسلام غير كافٍ، ويستدعي التخلّص من "هويّة مُفرِّطة" وهو ما لا يكون بغير الإفراط في التديّن الطقوسيّ وغمرِ الحياة بالفتاوى والتعليمات الدينية في الصغيرة والكبيرة، وهذا يعبّر عنه فتحي بن سلامة بمصطلح "المُسْلم الأعلى". ويميل بن سلامة إلى اعتبار "الإسلاموية" التي ابتدأها "الإخوان" في عشرينيات القرن العشرين "طوبى مضادة للسياسيّ"، وذلك في معانٍ عدّة منها، أولاً، معارضتها الغرب بوصفه مخترع الحياة السياسية الحديثة المتضمنة اشتراك مواطنين في دولة لا تُعرَّفُ ولا يُعرَّفُ مواطنوها على أساس الهوية الدينية، بل على أساس الدولة الوطنية التي تجمع أفرادها رابطة المواطنة المشتركة والمتساوية أمام القانون. وثانياً أنّ المزاج الضحوي والتضحوي "التفريط بحق الإسلام والإفراط في التكفير عنه" الذي أرسته أدبيات الإسلام السياسيّ، إنما قصد في أحد أهم جوانبه استعادة الإمبراطورية الإسلامية "الخلافة"، التي انهارت وكان انهيارها سبب مولده. بيْد أنّ الأكثر تعقيداً أنّ هذا الميلاد أقام مقولته التأسيسية على نسج علاقة تماهٍ بين الخلافة كإمبراطورية وبين "الأمة الإسلامية"، فأصبح، وفق منطق الإسلام السياسي، مفهوم الأمة لا يتحقق بلا خلافة "إمبراطورية"، ومن هنا طلب الإسلام السياسي (والجهادي) على "المسلم الأعلى"؛ الذي يُصارع الغرب القائل بعدم الحاجة إلى استعادة الإمبراطورية الرومانية من أجل وجود المسيحية، والقائل أيضاً بانتهاء عصر الأمم والإمبراطوريات الدينية ومجيء عصر الأمم السياسية "الدولة-الأمّة"، الذي أرسته معاهدة وستفاليا.
الأخطر في خطاب "المسلم الأعلى" أنه، وهو يسعى إلى التكفير عن التفريط، يُحقّر الدنيا والعيش فيها، وهو مدخلٌ أساسيّ للتشدد والتطرف؛ لأنه يُعطي للتضحية السلبية والموت والانتحار والتفجير "الإرهاب" معنى سامياً ومقدّساً، حيث الفشل في "التأصّل" (العودة إلى الأصول واستعادة المثال الإسلامي) في الدنيا سيعوضه، وفق المتطرف العنيف، "التأصّل" في السماء. ومن هنا تبلورت سياسة الحركات المتطرفة في التجنيد والممارسة؛ إذْ إنّ إلغاء الحدود الفردية داخل المجموعات الطائفية، كما يقول فتحي بن سلامة، هو أكثر ما يُعزز التضحية بالنفس والانتحار والتفجير، وسيبدو التكفير عن الذنب مُجدياً في حالة أصحاب السوابق الإجرامية، وهم كُثر في صفوف هذه المجموعات، ناهيك عن أنّ الآخرة وخوارقها متأصّلة في عقول عناصر هذه المجموعات، فلذلك هم يريدون الخروج على الواقع الدنيوي (المُعقّد )الذي لا يشبهها!!
والمبالغة في التدين لا تقتصر، في وظائفها، على التكفير عن التفريط عبر الإفراط في الطقوسية والتزام الحرفية في تناول النصوص الدينية خشية الوقوع في ما يُصنّف على أنه "إثم"، بل إن هذه المبالغة تتفق مع رؤية الدين حين لا يخضع للإصلاح القائم على ضرورة التزام منطق العصر وقوانين الحياة الحديثة وفي مقدمتها منظومة حقوق الإنسان؛ أي بمعنى آخر يلفت إليه بن سلامة يفيد بأن الدين، عموماً، طامح في ذاته لحكم العالم، وبأن الدين لا ينفتح على الفكر والحرية والتقدم الاجتماعي من تلقاء نفسه. ولعل مؤدى ذلك هو أن تغيير الدين وإصلاحه لا يأتي إلاّ بتغيير المجتمع، والمسيحية تغيّرتْ مضطرة تحت ضغط المجتمع، والخلوص إلى أنّ مملكة الأرض يقودها البشر، وهو ما رسّخ مفهوم مركزية الإنسان في الكون والحياة.
ولذا، فإن ما يجدر ملاحظته وفق باحثين في الدين والفلسفة هو أنّ "الفهم الصحيح للإيمان يحمي من السلطة التوتاليتارية ويحول دون سوء استخدام السلطة. وطبعاً، هذا الفهم الصحيح لن يكون إلا فردياً، داخلياً، منفصلاً عن الأغراض الدنيوية. صراع اليوم إذاً، صراع بين من يريد أن يعيش دينه داخلياً، أي في توافق مع منطق الحداثة، ومن يريد أن يعيشه خارجياً، ضد الحداثة. ولن أقول مع مونتين بضرورة أن نعتقد من دون يقين، ولكن بضرورة أن نعتقد من دون سلطة".[1]
والسلطة هنا تعني تسويغ الإكراه: إكراه الآخرين على فعل ما، أو منعهم من فعل ما ، وهنا يغيب الاحتكام إلى القانون العصري، ويصبح "المخالف" ليس من ينتهك القانون والأنظمة التي ترعى الدولة وأجهزتها تطبيقها، وإنما من يخالف مدونة فقهية وقائمة بما يجوز ولا يجوز، ما يولّد الاغتراب عن المجتمع، والذي يحدث للمغترب هذا ومن يماثله أنه "بعد القطع عن وسائل الحداثة من (موسيقى وفن وسواه)، يأتي القطع الثاني: الأنثى، الحجاب، فصل الجنسين، وتحويل حتى الخلايا الميتة من جسد المرأة (شعر الراس) إلى تابو مرعب. بهذا الانفصال الثاني، ينقطع الوصل مع الجماعة العائلية (والجيرة والأصحاب والمعارف)، ويتم الوصل بالجماعة الأصولية، (وهذه تفرض مقولاتها، حيث إنه) ليس ثمة تحرر للفرد. إنه مجرد انتقال من امتثال إلى آخر، من جماعة مغلقة، إلى جماعة أخرى. وتكرّ سلسلة التحريمات: حظر الاتصال بالمسيحيين، نفي دين الآخر. ثم حظر التواصل مع الجماعات الأصولية الأخرى، وتخطئتها. وبعد هذا العزل الذهني، يعوم الفرد في محيط الكراهية لكل ما يقع خارج الجماعة. ولا عجب بعد هذا أن تتولد سلسلة من أفعال العنف والتدمير".[2]
[1]رشيد بو طيب، في أن الدين لا يموت في الحداثة، صحيفة الحياة، لندن، 26/2/2015:
http://www.alhayat.com/Opinion/Writers/7674649/—-في-أن-الدين-لا-يموت-في-الحداثة
[2] فالح عبد الجبار، عن الدنيا والجنّة، المصدر السابق، 3/10/2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.