من الأكيد أن ملف الصحراء يعرف جمودا يصعب التكهن بتبعاته المستقبلية على آفاق الحل السياسي المنشود في المنطقة. جمود تزيد من تعقيداته أزمة الثقة المتصاعدة بين الرباط والمبعوث الأممي الخاص بملف الصحراء الذي لم يزر المنطقة منذ شهور، فكرستوفر روس، الذي كانت تراهن عليه العديد من الأطراف الدولية والإقليمية في دفع مشروع الحل السياسي، باعتبار معرفته الدقيقة بأوضاع المنطقة وطبيعة الصراع بين الرباطوالجزائر فشل لحد الآن في إيجاد مخرج سياسي للأزمة، بل إن الوسيط الأممي فشل في كسب ثقة أحد الأطراف الأساسية في العملية السياسية بعد انقلابه الأخير على الرباط ودعوته إلى توسيع مهام بعثة الأممالمتحدة "المينورسو" بالصحراء لتشمل حقوق الإنسان. جولات المفاوضات المباشرة وغير المباشرة التي فشلت في إحداث أي اختراق سياسي أدخلت ملف النزاع، حسب المراقبين، في جمود تام، خصوصا مع تزايد غموض الوضع السياسي الجزائري نتيجة وضع الرئاسة الجزائرية التي دخلت غرفة الإنعاش منذ مدة طويلة. وإذا كانت جبهة البوليساريو وقادة الجزائر حسب تصريحاتهم يراهنون على عامل الزمن من أجل إنهاك الرباط، ودفعها إلى قبول طرح الاستفتاء وبالتالي الانفصال، فإنه يبدو أن هذا الرهان بدأ يؤثر بدوره على الوضع داخل قيادة البوليساريو وحتى الجزائر التي تواجه ظروفا اقتصادية وسياسية صعبة. فالقيادة العليا للبوليساريو لا يمكن أن تقبل ما رفضته منذ طرح المغرب لمشروع الحكم الذاتي، وقد كشفت تسريبات محاضر اللقاء الذي تم بين الملك محمد السادس حين كان وليا للعهد ومصطفى السيد شقيق الوالي السيد مؤسس البوليساريو أن هذه القيادة كانت تقبل أن تناقش مشروع الحكم الذاتي قبل أن تنقلب عليه بسبب ضغوطات الجزائر، لكن يبدو أن عامل الزمن وخطاب الملك الأخير الذي حدد فيه هامش المناورة أمام المغرب بخصوص ملف الحل السياسي جعل أزمة قيادة البوليساريو تتعمق، لكن أيضا دون أن يتمكن المغرب من تجاوز الوضع القائم، وربما تكون رسائل الملك في زيارته الأخيرة للإمارات حول عمق الإحساس بالمرارة من ضياع الفرص التاريخية، وإرهاق مالية بلدن المنطقة في دعم مشاريع وهمية، تدق ناقوس الخطر حول الأخطار المحدقة بكل بلدان المنطقة في حالة استمرار الوضع القائم.