أشرف الملك محمد السادس، مساء الاثنين، في مدينة الداخلة، على إطلاق برنامجين للتنمية في إطار برنامج واسع لتنمية الأقاليم الجنوبية للمملكة، بقيمة استثمارية تقارب 17 مليار دولار على مدى عشر سنوات. وسبق للملك أن زار مطلع نونبر 2015 مدينة العيون، بمناسبة الذكرى الأربعين ل"المسيرة الخضراء" التي لبى خلالها 350 ألف مغربي نداء الملك الراحل الحسن الثاني لاستعادة الصحراء من المستعمر الإسباني، لكنه قطع زيارته إثر وعكة صحية. والزيارة الملكية جاءت ل"تفعيل النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية للمملكة، والرامي إلى ضمان اندماج نهائي لهذه الأقاليم في الوطن الموحد، وتعزيز إشعاع الصحراء كمركز اقتصادي وصلة وصل بين المغرب وعمقه الإفريقي". ووضع المغرب نهاية 2013 مشروعا لتنمية الصحراء بغرض مضاعفة الناتج الداخلي الخام في أقاليمها خلال العشر سنوات المقبلة، مع خلق 120 ألف فرصة عمل جديدة، وتخفيض نسبة البطالة إلى النصف بالنسبة إلى الشباب والنساء، واستثمارات عمومية وخاصة تقدر بحوالي 140 مليار درهم (حوالي 17 مليار دولار). وتم خلال زيارة الملك الجديدة إلى الصحراء الإعلان عن تخصيص غلاف مالي إجمالي لإنجاز هذا البرنامج الطموح بقيمة 77 مليار درهم فقط (7 مليارات يورو و150 مليون يورو)، ما بين سنوات 2016 و2022. ويرى مراقبون أن الاستثمارات التي أطلقها الملك محمد السادس، في الأقاليم الجنوبية للمملكة، ستساهم بشكل كبير في تحسين ظروف عيش الساكنة، كما تعد رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي، وخصوم الوحدة الترابية للمملكة، بضرورة احترام سيادة المغرب على صحراءه. وفي هذا الصدد، يرى عبد الرحيم المنار اسليمي ، رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، في تصريح ل"الأيام24"، أن الزيارة الملكية الحالية إلى الأقاليم الجنوبية للمملكة، تأتي بعد ثلاثة أشهر من الزيارة الأولى التي توقفت لأسباب صحية، وتحمل مجموعة من الرسائل السياسية والإستراتيجية للمحيط الدولي والإقليمي والوطني. واعتبر أن الرسالة الأولى تؤكد أن المغرب شرع في إحداث تحول استراتيجي في ملف الصحراء، وأنه لن ينتظر مسلسل المفاوضات، وحتى في حالة استمراره في عملية التفاوض فإن نتائج هذه المفاوضات ستكون تحت سقف التوجه الاستراتيجي التنموي في الأقاليم الجنوبية المبني على جهوية متقدمة كحلقة أولى توصل إلى الحكم الذاتي تدريجيا بعد سنوات. وأبرز أن المشاريع التنموية الكبرى، التي أشرف عاهل البلاد، على إطلاقها، بكل من مدينة العيونوالداخلة، تعد رسالة مباشرة إلى ساكنة مخيمات تندوف، خاصة أن حجم الاستثمارات التي من المتوقع أن تحدث تحولا جذريا في الاقتصاد وحياة الساكنة في الأقاليم الجنوبية يجعل المسافة الزمنية لساكنة الجهات الجنوبية الثلاث تبتعد بقرن من التطور عن ساكنة المخيمات، مشيرا إلى أن سكان المخيمات أمام خيارين إما العودة والاندماج في مسلسل التنمية آو الاستمرار إلى الأبد في المخيمات. وأكد الخبير المغربي، أن الملك محمد السادس حرص في زيارته للأقاليم الجنوبية للمملكة، على إيصال رسالة قوية إلى المحيط الدولي الاقتصادي، مفادها أن المغرب يهيئ بوابة جيواستراتيجية ليكون ممر بين العالم والعمق الإفريقي وتكون هذه البوابة هي الأقاليم الجنوبية بنموذج اقتصادي يتوفر على بنيات تحتية متطورة ( طرق وموانئ). واعتبر اسليمي، أن الزيارة الملكية لم تخلو كذلك من رسائل موجهة إلى أعداء الوحدة الترابية، خاصة إلى الجزائر والبوليساريو ، وأن المناورات في الاتحاد الإفريقي أو أوروبا لن يكون لها تأثير على سيادة المغرب في الأقاليم الجنوبية، خاصة أن الممثلون الشرعيون لسكان الأقاليم الجنوبية هم وهن المنتخبون والمنتخبات المنبثقون عن انتخابات الرابع من شتنبر اللواتي والذين سيشرفون على تنزيل المخطط التنموي في الجهات الثلاث. وأشار الخبير المغربي، إلى أن حجم الاستثمارات الكبيرة التي يحملها النموذج التنموي الجديد في الأقاليم الجنوبية للمملكة، تنهي مع أسطورة الثروات الطبيعية التي استعملها البوليساريو والجزائر في السنوات الأخيرة، مؤكدا أن عبد العزيز زعيم جبهة البوليساريو وعبد العزيز بوتفليقة، رئيس الجزائر فقدا ورقة كانا يستعملانها، حيث كانت "البوليساريو"، تتهم المغرب ب"استنزاف" خيرات الصحراء". وسبق للملك محمد السادس أن قال في خطابين إن فوسفات الصحراء لا يشكل الا 2 في المئة، من مجمل فوسفات المغرب، فيما أكدت الحكومة أن استغلال الثروات السمكية يتم "وفق احترام الاتفاقيات الدولية" وأن "عائداتها تذهب لسكان المنطقة".