يرى الباحث عبد الرحيم العلام، أن القصر لم يعد يرغب في الرهان على حزب العدالة و التنمية ما بعد انتخابات 7 أكتوبر بعدما استنجد به إبان حراك 20 فبراير، مشيرا أن منطق التاريخ يقول أن القصر لم يكن يرغب مند البداية في الإسلاميين الجدد، وهو ما يؤكده منطق الحاضر من خلال المضايقات التي يتعرض لها الحزب. صاحب كتاب "الملكية وما يحيط بها في الدستور المغربي المعدل"، أكد في حواره مع "الأيام 24" أن بنكيران ظل خلال السنوات الأخيرة يسحب من رصيد الملكية ليضيف إلى رصيده، رغم التعايش الظاهر بينهما في بداية التجربة الحكومية، الذي تحول إلى تنافر حقيقي بعد غضبة الملك على بنكيران التي روجت لها "جون أفريك" و أكدها بجلاء الملك في خطاب العرش، مؤكدا أن الصراع بين القصر وبنكيران أصبح يدور في "النوار" و صحافة التسريبات.
في 2011 لاحظنا كيف راهن القصر على العدالة و التنمية، في ظل المتغيرات الحالية هل من الممكن أن يراهن القصر على "البيجيدي" في المرحلة المقبلة؟ اليوم لدينا واقعة 25 نونبر 2011 و انتخابات 2015 الجماعية و الجهوية، لكن إذا أردنا أن نفهم انتخابات 7 أكتوبر المقبلة، نحن مضطرين للعودة إلى الماضي و إلى التاريخ، هنا لا بد أن نستحضر تسريبات ويكيليكس على سبيل الاستئناس، إحدى التسريبات قالت أن محمد السادس حذر من الاسلاميين المعتدلين، وجاء بعد ذلك رد الرميد، وقال أن ذلك هو انتقاد مبطن، وقال أيضا أن الملك لا يمكن أن يقول هذا، لكن هذا لا يعني أنه لم يقله.
بالعودة إلى التاريخ أيضا نتذكر رفض الحسن الثاني أن يكون لإخوان بنكيران حزب سياسي، وتم رفض تأسيس حزب "التجديد" سنة 1991، وكان مجموعة من رموز "العدالة و التنمية" اليوم شاركت في الانتخابات باسم الشورى و الاستقلال، وهذه محاولات تدل على أن القصر كان يرفع في كل مرة "الفيتو" على مشاركة الاسلاميين في السياسية و الانتخابات. وحتى عندما تحدث الدكتور الخطيب للحسن الثاني حول دخول الاسلاميين لحزب الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية، كان جواب الحسن الثاني : "ايوا قول باغي تفتح زاوية وصافي"، وبعدها تم منع انعقاد مؤتمر الحزب، إلى حد أن الدكتور الخطيب هدد بإقامة المؤتمر في منزله، وكان هناك تخوف من اعتقال المؤتمرين. الآن و عندما استحضرنا وقائع التاريخ، سنفهم جيدا ما الذي سيحدث مستقبلا. في أول انتخابات شارك فيها العدالة و التنمية حصل على أكثر من 9 مقاعد في 1997، ثم وصلوا إلى 14 مقعدا بعد الانتخابات الجزئية التي نحج فيها بنكيران عندما ترشح في سلا. غير أن المعطيات كانت تؤكد أن حزب العدالة و التنمية حصل حينها على مقاعد تراوحت حسب الروايات ما بين 30 و 40 مقعدا، لكن البصري قلب الطاولة وقال أن ذلك لا يمكن أن يحدث وتم تقليص عدد مقاعدهم إلى 9 انتقلت إلى 14 بعد إجراء الانتخابات الجزئية. مند البداية كانت مشاركة الاسلاميين مرفوضة وحتى حينما تم السماح لهم بالمشاركة بضغوطات خارجية وداخلية في إطار إدماج الاسلاميين في المشهد السياسي بدأ نوع من التطبيع، وحتى العدالة و التنمية لم يطعن في الانتخابات أو اتهم البصري بالتزوير، بل على العكس من ذلك تنازلوا على مقاعد حصلوا عليها بشكل ديموقراطي. العدالة و التنمية لم يكن يحلم أبدا برئاسة الحكومة، لولا وجود منعطف 20 فبراير، ومن الصدف أن أول حكومة قاموا بترأسها كان على بنكيران أن يتعايش سياسيا مع القصر، رغم أن في الدستور يوجد ما يعفيه من ذلك. بعد 20 فبراير الملك وجد نفسه مضطرا لاختيار رئيس حكومة من الحزب الذي فاز في انتخابات 2011، وشكل ذلك صدمة كبير ة بالنسبة للإسلاميين الذين لم يكن يتخيلوا ما حدث و بالنسبة للقصر أيضا، ولهذا قدم رئيس الحكومة عددا كبيرا من التنازلات لأنه لم يكن يتوقع أنه سيتمتع بكل تلك الصلاحيات غير المسبوقة التي منحها إياه الدستور. بعد 20 فبراير كان توجه بعض مستشاري الملك خاصة مزيان بلفقية و المعتصم و الشرايبي ألا يتم تفويت الفرصة وعدم الالتفاف على مطالب الشارع، فحتى بعد تنصيب الملك لأعضاء المجلس الاقتصادي و الاجتماعي مباشرة بعد أحداث 20 فبراير خطب الملك وقال "يجب الابتعاد عن الغوغائية والتحلي بالمنطق و العقل"، مما يعني أن القصر رفض في البداية التفاعل مع الحراك، لكن حينما تطورت الأمور جاء خطاب 9 مارس، ونعرف أن من كتبه هو المستشار محمد المعتصم لأنه جاء بلغة قانونية دستورية صرفة لا يمكن أن تخرج إلا من شخصه. غير أن الأمور تغيرت بعد ذلك، فكلما ابتعدنا عن اللحظة -20 فبراير- كلما بدأ التفكير في استرجاع ما تم منحه بعد خطاب 9 مارس، وبعدها توارى المستشاران المعتصم و المنوني إلى الظل إلى حدود الآن ولم يعد لهم وجود أو ثقل، في مقابل العودة القوية للمستشار فؤاد عالي الهمة، بعدما فشل في الدفع بحزب الأصالة و المعاصرة ليصير الحزب الحاكم على غرار تونس أو مصر، لكن مع سقوط هذه الأنظمة سقطت الفكرة، و أعطيت أوامر ل "البام" للتراجع إلى الخلف، وتم تمرير بعض كائناتهم الانتخابية لحزب "التجمع الوطني للأحرار" و اكتفى "الأصالة و المعاصرة" حينها بالرغبة في البقاء فقط بعدما كان يستعد لاكتساح المشهد السياسي. لكن، اليوم "البام" يراد له أن يقود المشهد السياسي. في هذه اللحظات هناك عملية استرجاع ما أخذ في 20 فبراير، وعودة الأجندات التي سطرت ما قبل 20 فبراير، وعودة الرهان أيضا على الأصالة و المعاصرة، وهو ما تؤكده مجموعة من الوقائع، على غرار مرافقة إلياس العماري للملك في زيارته للصين و المشاريع الضخمة التي تم إطلاقها في جهة طنجة وحجم الانفاق في الجهة.
هل هناك اليوم نوع من التضييق على العدالة و التنمية"؟
أكيد، السلطة تقوم بالتضييق على حزب "العدالة و التنمية" من خلال منع مجموعة من المهرجانات الخطابية لوزرائه في الحكومة، التضييق تم أيضا من خلال تقليص العتبة من 6 إلى 3 في المائة، العدالة و التنمية كان يهدف أيضا إلى السماح للجالية المغربية في الخارج بالتصويت، وهو مقترح تم رفضه، سمعنا أيضا بنكيران يشتكي من وجود دولة ثانية داخل الدولة الواحدة ويشتكي من التحكم ومن الولاة و العمال الذين يحركهم حزب الأصالة و المعاصرة، وهذا يعني أن العدالة و التنمية يعاني من التضييق داخل الممارسة الحكومية و السياسية.
من كلامك يتضح لنا أن القصر لن يراهن في المستقبل على حزب العدالة و التنمية؟ نعم هذا أكيد، غير أننا لا يمكن أن نقول أن القصر يريد أن يرمي العدالة و التنمية نحو المعارضة، غير أنه يبحث عن تخريجة لا يوجد فيها لا منتصر و لا منهزم، وهنا يمكن أن تحدث مجموعة من السيناريوهات: السيناريو الأول: في حالة فوز العدالة و التنمية لن يأخذ أغلبية مطلقة تسمح له بالسيطرة على الحكومة، وحتى في حال فاز بنكيران بالانتخابات لن يتم اختياره رئيسا للحكومة، يمكن أن يتم اختيار الرباح أو العثماني أو غيرهما، حينها سيتم فرض نوع من التحالف لا يهيمن فيه العدالة و التنمية، ويمكن أن يقود البيجيدي تحالف وحدة وطنية. السيناريو الثاني: حتى في حال فوز العدالة و التنمية في الانتخابات، لن يجد من يتحالف معه من الأحزاب السياسية التي تدور في فلك السلطة وعدم تمكينه من الأغلبية ويتم تمرير رئاسة الحكومة لحزب آخر، رغم وجود إشكال دستوري في هذه الحالة، لأن الدستور لم يحدد مهلة قانونية لتشكيل الحكومة، وبالتالي يمكن أن يحدث نقاش. السيناريو الثالث: في حال فاز الأصالة و المعاصرة بالانتخابات سيتحالف مع العدالة و التنمية ولن يتركه في المعارضة رغم الصراع الظاهر بينهما، غير أن هذا النوع من الصراع يظهر فقط قبل الانتخابات.
بالعود إلى خطاب العرش الأخير.. بعض المحللين ذهبوا إلى حد اعتبار أن خطاب الملك كان موجها بالأساس للعدالة و التنمية. الملك قال كلاما قاسيا في حق البيجيدي دون أن يسميه، هل هذا يعني أن هناك توتر بين القصر و البيجيدي؟ سبق للملك أن فعل ذلك خلال الخطاب الذي انتقد فيه سياسة التعليم حين كان محمد الوفا وزيرا للتربية و التعليم، وقيل أن أحمد خشيشن هو من كتب الخطاب وتم بعدها إبعاد الوفا و تعيين رشيد بلمختار. منذ ذلك الحين بدأت الخطابات الملكية تنحو نحو توجيه قرصة أذن للحكومة. أما خطاب العرش، فالذي يجعلنا نقر بوجود توجه نحو انتقاد العدالة و التنمية تسريب مجلة "جون أفريك" لوجود غضبة ملكية على بنكيران، ووجدنا في خطاب الملك فقرة وردت في مقال "جون أفريك"، خاصة ما يتعلق بكون تصريحات بنكيران حول وجود دولتين في المغرب تضر بسمعة المملكة، وهو نفسها الجملة التي وردت في خطاب الملك دون تسمية بنكيران.
هذا الكلام يقودنا إلى الحديث عن الصراع القائم بين العدالة و التنمية و وزارة الداخلية، خاصة عند استحضارنا لما بات يعرف ب "خدام الدولة"، قضية عمدة الرباط، فضيحة قياديين من التوحيد و الاصلاح.. فهل هذا يعني أن البيجيدي مستهدف؟ هناك مؤشرات تقول لنا أن السياسة في المغرب بدأت تلعب في "النوار"، هناك اليوم المجلس الوزاري ويمكن للملك أن يوجه انتقادات للحكومة ورئيسها في المجلس، ويمكن أيضا لبنكيران أن يصارح الملك في المجلس الوزاري بوجود جهات تريد أن تكرس منطق دولة داخل الدولة، غير أن بنكيران يلجئ عادة لمهرجانات خطابية ليقول أن هناك أكثر من دولة في الوقت الذي يمكن أن يقول ذلك في المجلس الوزاري أو في علاقاته الخاصة بالملك وهو يحاوره. بلاغ وزارتي الداخلية و المالية حول "خدام الدولة"، تلاه مباشرة مشكل الحبيب الشوباني، وهو مشكل قديم تم إخراجه للرأي العام، ثم بعد ذلك لاحظنا كيف خرج العدالة و التنتمية و أصدر بلاغا يستنكر فيه تسريب شريط فيديو يظهر الهمة ومزوار داخل علبة ليلية في قطر، لأن البيجيدي كان يخشى أن يكون القادم أسوأ، وهو ما حصل بالطبع عندما خرجت قضية الزواج العرفي بين قياديين من التوحيد و الإصلاح، ونحن نعرف تاريخ وكيفية تدبير الصراعات السياسية فهذا الحادث لا يمكن أن يكون عرضيا، فكما يقول المصريون كان "ضربة معلم". بخلاصة هناك مؤشرات كثيرة تقول أن العلاقة متوترة بين العدالة و التنمية و القصر وليس وزارة الداخلية، لأن الأخيرة وزارة تابعة مباشرة للقصر.
شعبية بنكيران هل تزعج القصر ؟
مند تعيين بنكيران كان من الظاهر وجود صراع كبير جدا ليس على الشرعية ولكن على المشروعية، لأن الملكية تقبل كل شيء إلا أن ينافسها شخص معين أو هيئة معينة حول المشروعية. الحسن الثاني عندما أرادت أحزاب الحركة الوطنية منافسته حول الشعبية واجهها، وشعبية بنكيران من طبيعة الحال أنها أزعجت الجالس على العرش، خاصة فيما يتعلق بالجانب الديني الذي يحتكره عادة أمير المؤمنين، وسبق و أن دار سابقا صراع عنيف بين القصر و علال الفاسي حول الشعبية وهو اليوم يتكرر مع بنكيران، وكان حينها الحسن الثاني يكره علال الفاسي، فالأخير كان يقول أن هناك في المغرب 3 قوى فقط، قوة القصر وقوة جيش التحرير وقوة حزب الاستقلال، و إذا دمجنا الاستقلال مع جيش التحرير -يقول علال الفاسي- سنجد قوتين فقط، قوة القصر و قوة حزب الاستقلال وهذا أزعج الحسن الثاني، و العدالة و التنمية اليوم يزعج القصر لأنه يسحب من رصيد الملكية ويضيف إلى رصيده.