تقديم كتاب "بين ضفتين" في بروكسيل، الذي يوثق الروابط بين المغرب وبلجيكا عبر التاريخ    مطارات المملكة استقبلت أزيد من 23,9 مليون مسافر خلال 8 أشهر الأولى من سنة 2025    الأداء السلبي يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    التمويلات المبتكرة: أداة مالية سيادية لتمويل التنمية    استئناف مباريات البطولة الاحترافية بمواجهات قوية والديربي البيضاوي يبرز الأسبوع المقبل    خورخي فيلدا: تتويج أشبال الأطلس بكأس العالم مصدر فخر وتحفيز للبؤات    عادل هرماش ينضم إلى الوداد كمستشار لتطوير الأداء والهيكلة التقنية    بعد جدل على فيسبوك.. أمن المضيق يوقف شخصًا اعتدى على آخر بسلاح أبيض    العرض الصحي الوطني يتعزز بدخول 49 مركزا صحيا جديدا حيز الخدمة على مستوى 9 جهات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    حاتم عمور يهدي "أشبال الأطلس" أغنية احتفاء بكأس العالم    احتفاء بالمسيرة الخضراء.. بنسليمان تحتضن أولى دورات مهرجان العيطة الشاوية    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    وجدة: حين يصبح الحبر مغاربياً    المخرج نبيل عيوش يغوص في عالم "الشيخات ". ويبدع في فيلمه الجديد الكل "يحب تودا "    المندوبية العامة لإدارة السجون تفند مزاعم تقرير أممي حول أحداث "اكديم إزيك"    ترامب يعفو عن مؤسس "بينانس" للعملات المشفرة    في رسالة لمجلس الأمن.. "بوليساريو" تعتبر مشروع القرار الأمريكي حول الصحراء "منحازاً" وتلوّح بعدم المشاركة في المفاوضات    نزلة برد تؤجل جلسة "محاكمة مبديع"    وزارة الداخلية تعلن عن استلام 1000 حافلة جديدة في إطار البرنامج الجديد للنقل الحضري    مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب يوسع دائرة المنع من الترشح للانتخابات    الملك محمد السادس يبارك عيد زامبيا    الهلالي ينتخب بالاتحاد الدولي للتايكوندو    نشطاء يطالبون بالأمازيغية على أقمصة المنتخبات وواجهات المنشآت الرياضية    دبوس ماسي لنابليون بونابرت يعرض للبيع في مزاد    "اتصالات المغرب" تواصل النمو والتطور    إنتاج الطاقة الكهربائية في المغرب يرتفع ب5.3% بينما تتراجع الطاقات المتجددة ب11%    على رأسهم بنبركة والمانوزي..مطالب متجددة للدولة بالكشف عن مصير ضحايا الاختفاء القسري    الكشف عن صور تظهر أوضاعا قاسية لأسرى فلسطينيين داخل سجن إسرائيلي    الصين تطلق أكبر سفينة شحن كهربائية بالكامل لتعزيز النقل البحري الأخضر    الدوحة..انطلاق منافسات بطولة كأس الأمم للكارتينغ لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمشاركة المغرب    "اتصالات المغرب" تتجاوز حاجز 81 مليون زبون    المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب يطلق مشروعا لنشر أطروحات الدكتوراه    تراجع أسعار النفط وسط مخاوف بشأن الإمدادات    تحفظات المجلس الأعلى للسلطة القضائية على مشروع قانون الدفع بعدم دستورية القوانين    "كاف" يعلن عن موعد إجراء قرعة دور مجموعات دوري أبطال إفريقيا وكأس الكونفدرالية    احتجاجات جيل Z من أين؟ وإلى أين؟    هالاند يكشف سر تألقه: المرونة والحليب الطبيعي ولحم البقر وراء أهدافي    أردوغان: على أمريكا والدول الأخرى الضغط على إسرائيل للالتزام بوقف إطلاق النار    بلدان الاتحاد الأوروبي توافق على الانتقال إلى نظام التأشيرة الإلكترونية الموحدة ل"شنغن"    مزارعو الضفة الغربية يجمعون الزيتون وسط هجمات المستوطنين المعتادة بموسم الحصاد    لجنة نداء الكرامة بتاونات تصعد من احتجاجاتها وتدعو إلى مسيرة للمطالبة بالتنمية المجالية    رسميا.. ليونيل ميسي يمدد عقده مع إنتر ميامي حتى 2028    لامين يامال يشن هجوما على الريال قبل الكلاسيكو: "يسرقون ثم يشتكون"    كيوسك الجمعة | غوتيريش يشدد على اغتنام الزخم الدولي الراهن لحل قضية الصحراء    الصين: انتخاب المغربي ادريس الهلالي نائبا لرئيس الاتحاد الدولي للتايكوندو    الذهب يرتفع قبيل صدور بيانات التضخم الأمريكية    أكاديمية المملكة تحتفي بالمسار العلمي الحافل للباحث جان فرانسوا تروان    وفاة الفنان محمد الرزين إثر معاناته مع المرض    وزارة الأوقاف تعمم على أئمة المساجد خطبة تحث على تربية الأولاد على المشاركة في الشأن العام    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    أمير المؤمنين يطلع على نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة ويأذن بوضعها رهن إشارة العموم    الملك محمد السادس يأذن بنشر فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة    ندوة تبرز الاحتفاء القرآني بالرسول    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من الفضاء الرقمي إلى الميدان: جيل Z صوت التغيير.. يصنع قواعد المواطنة الجديدة
نشر في الأيام 24 يوم 30 - 09 - 2025


المصطفى المريزق
أستاذ باحث بجامعة مولاي إسماعيل- مكناس
رئيس الجامعة الشعبية المغربية


قراءة أولية تحليلية: سياق متعدد الأبعاد


نعتقد أن هذه الظاهرة تتطلب أدوات تحليلية متعددة، تجمع بين العديد من حقول العلوم الإنسانية والاجتماعية لفهم أبعادها الرمزية والاجتماعية والسياسية، واستيعاب جدلية العلاقة بين الشباب والدولة. وفي هذه المقالة الأولية، سنقتصر على قراءة هذه الظاهرة الاجتماعية الجديدة من بعض منطلقات سوسيولوجيا بيير بورديو وألان تورين، مستحضرين في الوقت ذاته شذرات من التراث الأدبي لنجيب محفوظ من خلال روايته "القاهرة الجديدة"، وفي الأخير سنعرج على رؤية "الطريق الرابع" لما تحمله من عناصر لفهم بعض محطات تحولاتنا الراهنة.


جيل Z المغربي: صوت الاحتجاج والتحولات الاجتماعية


أمس، خرج جيل جديد إلى الشوارع المغربية، محتجًا بصوت يعكس استياءه من سياسات لا تلبي مطالبه الاجتماعية، مؤكّدًا نبض المجتمع وتحولات آماله وطموحاته. هذه التحركات ليست مجرد احتجاجات عابرة، بل دينامية اجتماعية جديدة انطلقت من أروقة المنصات الرقمية، حاملة صوت شباب يرى أن السياسات القائمة لا تستجيب لاحتياجاته، وتجسد آمال وطموحات جيل Z، المولود بين أواخر التسعينات وأوائل الألفية الثانية، والذي أصبح اليوم ظاهرة اجتماعية وثقافية فريدة، متميزة بخصائص معرفية وسلوكية جديدة وقيم متجذرة في العالم الرقمي.


هذا الجيل نشأ في بيئة رقمية تتداخل فيها شبكات التواصل الاجتماعي، والتقنيات الحديثة، والخوارزميات مع عملية التكوين الاجتماعي والهوياتي. ومن هنا، يسعى جيل Z للتعبير عن ذاته والحصول على الاعتراف بها بعيدًا عن الوسائط التقليدية، مظهراً طريقة مختلفة لفهم العالم والتفاعل مع السلطة والمؤسسات السياسية والاجتماعية.


جيل Z بين السوسيولوجيا والواقع الاجتماعي


من منظور سوسيولوجي، يمثل جيل Z حقلا جديدًا للصراع الرمزي والاجتماعي. فهو يمتلك قدرة عالية على التعبير الرقمي، تشكيل الرأي العام، وممارسة الاحتجاج خارج القنوات التقليدية للأحزاب والنقابات. وفي الوقت نفسه، يواجه تحديات كبيرة، تتمثل في البطالة، التفاوت الاجتماعي، والأزمات المؤسساتية التي تؤثر على شعوره بالعدالة والاعتراف.


سوسيولوجيا جيل Z تهدف إلى دراسة هذه الديناميات وتحليل صراعاتها وانعكاساتها على البنية الاجتماعية والسياسية، مع التركيز على التحولات في أنماط المواطنة والتغيرات الثقافية، وأشكال الاحتجاج الجديدة، وكذلك العلاقة بين الفرد والمجتمع، وبين الهيئات التقليدية والرقمية التي تشكل السلوك الجمعي لهذا الجيل وتمثلاته الاجتماعية والسياسية.


بورديو، تورين ونجيب محفوظ

بورديو: الحقل والرأسمال الرمزي

وفقًا لبورديو، ينظم المجتمع عبر حقول متنافسة، لكل منها قواعده ورهاناته. ويحتل جيل Z موقعًا جديدًا في الحقل السياسي والثقافي المغربي، معتمداً على "الرأسمال الرمزي الرقمي": القدرة على التعبئة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، نشر الصور والفيديوهات، وصناعة الرأي العام، بعيدًا عن المؤسسات التقليدية. احتجاجاتهم تعكس صراعًا على الشرعية والاعتراف، بين جيل يسعى لإعادة تعريف قواعد اللعبة، ومؤسسات ما زالت متمسكة بالمنظومات القديمة.


تورين: الحركات الاجتماعية والفاعلية التاريخية


من منظور تورين، الاحتجاجات ليست مجرد ردود فعل عابرة، بل حركات اجتماعية تسعى لإنتاج فاعلية تاريخية مستقلة. ويمتاز جيل Z بلامركزية قيادته واستقلالية شبكاته الرقمية، معيدًا بذلك تشكيل آليات التأثير الاجتماعي والسياسي. فاحتجاجهم ليس فقط للمطالبة بحقوق مادية، بل لإرساء معنى جماعي جديد للمواطنة والتمثيل.


نجيب محفوظ و"القاهرة الجديدة"


رواية محفوظ تقدم صورة جيلية مماثلة: شباب ممزق بين المبادئ والانتهازية، بين الطموح الأخلاقي والواقع الفاسد. المدينة في الرواية تكشف التناقضات بين الحداثة واللامساواة، بين الخطاب الرسمي والواقع اليومي، ما يعكس أزمة التمثلات والاعتراف التي يعيشها جيل اليوم. ويمكن إسقاط هذا المنظور على جيل Z المغربي، في صراعه بين طموح التغيير والانخراط في منظومة غير عادلة، ورغبته في العدالة والكرامة وسط أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية.


خصائص احتجاجات جيل Z المغربي

1. طابع مفاجئ وغير متوقع، حتى بالنسبة للسلطة.
2. عفوية ولامركزية، بعيدًا عن التنظيم الحزبي التقليدي، ما يعكس استقلالية الجيل في الفضاء الرقمي والميداني.
3. مطالب براغماتية مرتبطة بالحقوق الأساسية: التعليم، الصحة، الشغل، والعدالة الاجتماعية.
4. قدرة تعبئة عالية باستخدام أدوات رقمية، واستغلال الخوارزميات لنشر خطاب احتجاجي جماهيري بسرعة.
5. قيادة مبهمة، لا ترتبط بالوجوه التقليدية للاحتجاجات، ما يعكس تحرر هذا الجيل من آليات السلطة القديمة.
هذه الاحتجاجات ليست مجرد ضغط اجتماعي لحظي، بل إعادة إنتاج أزمة تاريخية، تمثل صراع جيل جديد على المكانة والاعتراف داخل الحقل الاجتماعي والسياسي، بما يتوافق مع قراءات بورديو وتورين ونجيب محفوظ.

"الطريق الرابع": أفق بديل


رؤية "الطريق الرابع" توفر إطارًا عمليًا لاستيعاب هذه الديناميات:
1. تجاوز الطرق التقليدية (السلطوية، الأحزاب الكلاسيكية، الشعبوية) نحو مشروع جماعي شامل.
2. تمكين الشباب من المشاركة في صناعة السياسات وبناء فضاءات للتفاعل المدني والثقافي.
3. ربط الفضاءات الرقمية بالعمل الميداني، وتحويل الاحتجاج الرمزي والثقافي إلى طاقة بنّاءة لمغرب آخر ممكن، يقوم على الكرامة، الحرية، والعدالة الاجتماعية والمساواة.


خاتمة

احتجاجات جيل Z المغربي ليست مجرد ظاهرة عابرة، بل لحظة مفصلية في التاريخ الاجتماعي والسياسي للبلاد. الجمع بين السوسيولوجيا (بورديو وتورين) والأدب (نجيب محفوظ)، مع الرؤية العملية للطريق الرابع، يسمح بفهم متكامل: الجيل الجديد يقف أمام فرصة تاريخية لإعادة تعريف العلاقة بين الفرد والمجتمع، وبين الدولة والمواطنة، وتحويل الأزمة إلى مشروع بنّاء على أسس العدالة والاعتراف والتفاعل الحضاري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.