في أربع سنوات تحول تصريح رشيد الطالبي العلمي الذي قال فيه للمغاربة "اضربونا بالحجر" إلى نبوءة قاسية. لم تف الحكومة بوعودها، وما رسمته من تعهدات أخفقت في تحقيقه، ليخرج الشباب، ليس من أجل رشق الحكومة بالحجارة، كما ورد في التصريح الشهير لرئيس مجلس النواب، ولكن للمطالبة بتجويد خدمات الصحة والتعليم، وتوفير فرص الشغل. وعلى بعد سنة واحدة من نهاية الولاية الحكومية، يعيش المغاربة على وقع مفارقة كبيرة. فبين وعود حكومية مضخمة بالأرقام والمشاريع، وواقع اجتماعي يفيض بالاحتجاجات، تتشكل صورة مركبة عن حصيلة ولاية "غير عادية" لحكومة رجال الأعمال.
ففي قطاع التعليم، ما زال ثلثا التلاميذ بلا كفايات أساسية رغم رفع الميزانيات وتجربة "مدارس الريادة". وفي قطاع التشغيل، تتجاوز بطالة الشباب 35 في المائة. أما في الصحة، فقد ارتفعت الميزانية بنسبة 65 في المائة، وأطلق ورش تعزيز البنية التحتية، لكن شكاوى المغاربة من الاكتظاظ وضعف الولوج للعلاج، مازالت تزيد ولا تنقص.
البرنامج الحكومي وضع المدرسة العمومية في قلب رهانات العدالة الاجتماعية والمجالية، مؤكدا أن أي تحول اقتصادي أو تنموي لا يمكن أن يتحقق دون إصلاح عميق لجودة التعلمات، وتوسيع العرض التربوي، وتحسين أوضاع المدرسين. ولتعزيز هذه الرؤية، التزمت الحكومة بتعبئة شاملة للمنظومة التعليمية، بغية تصنيف المغرب ضمن أفضل 60 دولة عالميا بدل المراتب المتأخرة في المؤشرات الدولية، غير أن الحصيلة بعد أربع سنوات تكشف عن مفارقة لافتة بين الخطاب السياسي والواقع الميداني.
إنجازات على الورق
من أبرز الوعود التي رفعتها الحكومة تعميم التعليم الأولي ابتداء من سن الرابعة، باعتباره حجر الأساس للمسار الدراسي اللاحق. إضافة إلى تحسين التعلمات الأساسية في القراءة والكتابة والحساب عبر ورقة الطريق 2022–2026، وإطلاق نموذج "المدارس الرائدة".
فضلا عن ذلك التزمت الحكومة بإحداث مدارس جماعاتية، وتوسيع خدمات النقل والمطاعم المدرسية وتجهيز المؤسسات لمواجهة الهشاشة المجالية. زيادة على تأهيل البنية التحتية ورفع الميزانية المخصصة للتعليم بشكل غير مسبوق. ثم تحسين وضعية المدرسين من خلال مراجعة الأجور وإقرار نظام أساسي جديد أكثر جاذبية واستقرار.
على المستوى الكمي، نجحت الحكومة في رفع نسبة التعليم الأولي خلال الموسم الدراسي (2024-2025) إلى نحو 83 في المائة، أي ما يعادل 951 ألف طفل، وهو معدل أفضل مما كان عليه الأمر قبل سنة 2021، لكنه ما يزال بعيدا عن التعميم الكامل، وهو الهدف الذي تعهدت الحكومة بتحقيقه.
وتوسعت تجربة مدارس الريادة بشكل ملحوظ، إذ انتقلت من 600 مؤسسة (سنة 2021) إلى أكثر من 2,600 مؤسسة ابتدائية سنة 2024–2025 يستفيد منها 1.3 مليون تلميذ، أي 30 بالمائة من مجموع المتمدرسين في السلك الابتدائي. كما شملت التجربة 230 إعدادية، تضم أكثر من 200 ألف تلميذ.
وعلى صعيد الموارد البشرية، اعتمدت الحكومة في يونيو 2022 خطة لتنفيذ برنامج تكوين 50 ألف أستاذ في علوم التربية بحلول 2025، وهو البرنامج الذي خصصت له الحكومة 4 ملايير درهم. هذا البرنامج شكل خطة جديدة لإعادة الجاذبية لمهنة التدريس وتحسين جودة التكوين في سلك الإجازة التربوية، إذ أكدت الحكومة أنها تطمح إلى أن يستقطب البرنامج 80 في المائة من الطلبة الراغبين في الولوج إلى مهنة التدريس لكي يشكل خريجو مسلك الإجازة التربوية النسبة الأكبر من أساتذة التدريس.
من جانب آخر خصصت الحكومة ما يقارب 9 مليارات درهم لتحسين أجور الأساتذة بعد موجة إضرابات. وفي مجال البحث العلمي، ارتفع عدد مسالك الدكتوراه إلى 245 مسلكا يضم 11,700 طالب، مع إطلاق برنامج تكوين جيل جديد من الباحثين بمنح شهرية. كما دعمت الجامعات بمجمعات ابتكار ومشاريع لنقل التكنولوجيا.
وسجل الدخول المدرسي 2025–2026 أكثر من 8.2 مليون تلميذ في المدارس العمومية، وهو رقم يعكس توسع العرض التعليمي مقارنة بما كان عليه الوضع قبل تولي حكومة أخنوش المسؤولية، حيث لم يكن العدد يتجاوز 7.4 مليون تلميذ في موسم 2020–2021. مما يعني إضافة ما يقارب 800 ألف تلميذ جديد خلال أربع سنوات فقط، نتيجة تعميم التعليم الأولي وتوسيع العرض في المدارس الرائدة والإعداديات الجماعاتية. غير أن هذا التوسع الكمي، يدفع إلى التساؤل، هل رافقه تحسن نوعي في جودة التعلمات وظروف التمدرس، أم أن المنظومة ما تزال تعاني من الاكتظاظ ونقص الموارد البشرية خصوصا في المناطق القروية؟
ثلثا التلاميذ بدون كفايات
تشير تقارير وطنية ودولية، من بينها البرنامج الوطني لتقييم المكتسبات (PNEA) والبرنامج الدولي لتقويم الطلبة (PISA)وهو تقييم عالمي تنظمه منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، إلى أن أقل من ثلث التلاميذ في المغرب يمتلكون الكفايات الأساسية في القراءة والرياضيات. هذا الواقع يضع المدرسة العمومية أمام تحد حقيقي، إذ يظل بعيدا عن الهدف الحكومي الطموح الذي حدد في 70 في المائة من المتعلمين المتمكنين من المهارات الأساسية في أفق 2026.
ورغم استمرار نزيف الهدر المدرسي، فقد سجلت السنوات الأخيرة تراجعا نسبيا في حجم الظاهرة. فبين الموسمين الدراسيين 2021–2022 و2022–2023 انخفض عدد المنقطعين عن الدراسة من 334 ألفا و664 إلى حوالي 294 ألفا و458 تلميذا، أي بتراجع يقارب 12 في المائة، كما تقلص المعدل الوطني للتسرب المدرسي من 5 في المائة إلى 4.4 في المائة.
وحسب أرقام رسمية فإن تجربة "مدارس الريادة" ساهمت بدورها في التقليص من الانقطاع، حيث سجل داخلها انخفاض بلغ 50 في المائة مقارنة بالمؤسسات العادية. غير أن هذه المؤشرات، وإن كانت مشجعة، تظل دون مستوى الهدف الحكومي المعلن بتقليص الظاهرة بمقدار الثلث.
حالة من الاحتقان
ورغم تخصيص الحكومة ما يقارب 9 مليارات درهم لمراجعة نظام الأجور وتحسين دخل الأساتذة، ما تزال النقابات التعليمية تعتبر أن الحكومة لم تف بكافة التزاماتها. فالحوار الاجتماعي لم ينجح في طي صفحة التوتر، بل ظل رهين تجاذبات حول النظام الأساسي الجديد، وهو ما أبقى حالة الاحتقان قائمة داخل الوسط التربوي وأثر سلبا على استقرار الموسم الدراسي.
في المقابل، تبرز محدودية التعميم كأحد أعطاب الإصلاح. فالانتقال من نماذج تجريبية مثل "مدارس الريادة" إلى إصلاح شامل يغطي المنظومة بأكملها يتطلب وقتا أطول وجهدا مؤسساتيا كبيرا، يتجاوز ما تبقى من عمر الولاية الحكومية الحالية. هذا البطء يطرح تساؤلات حول قدرة الإصلاح على تحقيق أهدافه في الأفق الزمني المعلن، ومدى استدامة نتائجه على المدى البعيد.
إلى جانب ذلك، ما تزال الفوارق المجالية تعمق أزمة المنظومة. فالتعليم الأولي يتركز أساسا في المدن الكبرى، بينما تعاني القرى والمناطق الجبلية خصاصا حادا في الفصول المؤهلة والأطر البيداغوجية، فضلا عن هشاشة خدمات النقل المدرسي والمطاعم التي تبقى غير قادرة على تغطية حاجيات جميع التلاميذ. وهو ما يجعل تكافؤ الفرص بين المجالين الحضري والقروي هدفا بعيد المنال رغم الوعود المتكررة.
الطريق مازال طويلا
يحسب لحكومة أخنوش أنها أعطت دفعة قوية لمجموعة من المشاريع، مثل تعميم التعليم الأولي، وتوسيع تجربة المدارس الرائدة، ورفع الاستثمار في البنية التعليمية وتحسين وضعية المدرسين. لكن في المقابل، تظل جودة التعلمات والهدر المدرسي والتفاوتات المجالية عوائق كبرى تضعف أثر الإصلاح الذي لا يمكن قياسه بعدد المدارس أو حجم الميزانية، بل بقدرة كل تلميذ، في البادية كما في المدينة، على القراءة والفهم والحساب، وبمدى مساهمة المدرسة في تحقيق تكافؤ الفرص. لذلك يبدو أن الطريق نحو مدرسة الإنصاف والجودة لا يزال طويلا.