جذب تصريح مدرب منتخب المغرب لأقل من 17 سنة، نبيل باها، عقب الانتصار على الولاياتالمتحدة في مونديال الناشئين، الاهتمام لما حمله من دلالات تتجاوز لحظة الفوز. قال باها للصحفيين: "قلت لهم: هل تريدون العودة إلى المدرسة؟ إما تظلون في الفندق تستيقظون متى شئتم وتأكلون جيدا وتجتمعون مع بعضكم البعض وتلعبون الكرة أو تعودون إلى المدرسة لتستيقظوا مع الثامنة صباحا ولا تكونوا فرحين. الحمد لله هم يريدون الاستمرار هنا". تصريح يبدو بسيطا، وربما قاله الرجل بحسن نية وبأسلوب المزاح لتحفيز لاعبيه، لكن ما يخفيه من دلالات أعمق يستحق التوقف عنده، خاصة حين يصدر عن مدرب منتخب وطني يمثل مؤسسة رسمية ومسؤولية تربوية قبل أن تكون رياضية. حين يضع المدرب المدرسة في كفة، و"الفندق والراحة" في كفة مقابلة، فهو يرسل رسالة غير مباشرة للاعبين، والأهم للجمهور الناشئ بأن التعليم عبء، وأن النجاح الرياضي يتحقق بالابتعاد عن الدراسة. هذا الخطاب يعكس وعيا تربويا هشا، لأنه يقوي الفكرة الخاطئة الشائعة لدى بعض اليافعين: "المدرسة ليست مهمة، الكرة هي المستقبل". في بلد يعاني من نسب هدر مدرسي مرتفعة، مثل المغرب، يصبح هذا النوع من الرسائل خطيرا، حتى لو خرج في لحظة فرح أو في سياق تحفيزي. فالرياضة، مهما كانت واعدة، لا تشكل مستقبلا مضمونا. مئات اللاعبين في الفئات العمرية يتوقف مسارهم بين 18 و19 سنة بسبب الإصابات ونقص الاحتراف واختلال السياسات الرياضية... وهي كلها عوامل تحرم المواهب من التحول إلى لاعبين محترفين. فهل نقول لابن 16 سنة: "انس المدرسة، الفندق أجمل؟" المنطق الرياضي الحديث من أوروبا إلى أميركا يربط بين التعليم والتكوين الرياضي، بل إن الأكاديميات الكبرى تفرض على اللاعبين التفوق الدراسي إلى جانب الأداء الرياضي. فالمدرسة ليست خصما لكرة القدم، بل جزءا من منظومتها المتوازنة. مدرب منتخب الفتيان ليس مجرد مدرب، بل نموذج وقدوة. وحين يتحدث أمام الإعلام، فهو لا يخاطب لاعبيه فقط، بل يخاطب مجتمعا بأكمله، ويشكل جزءا من الخطاب الرسمي لجامعة كرة القدم. كان من المفترض أن يوجه رسالة من نوع: "كرة القدم مهمة، لكن تعليمكم أهم. أنتم تمثلون المغرب في الملعب، وتمثلونه أيضا بتفوقكم الدراسي". هذه العبارات لا تلغي الحافز، لكنها توازن بين الحلم الرياضي والواجب التربوي. الحق أن باها ليس سوى مرآة لثقافة واسعة يعتبر فيها كثيرون أن الكرة طوق نجاة اجتماعي واقتصادي، بينما ينظرون إلى المدرسة باعتبارها عقوبة أو عبئا. تصريحه يعكس خللا بنيويا يظهر غياب مشروع واضح للربط بين الرياضة والتعليم داخل المنتخبات المغربية والفئات السنية. في دول العالم المتقدم، يعتبر اللاعب الشاب طالبا-رياضيا (Student Athlete)، أما عندنا فهو رياضي فقط. هذه الفجوة هي التي تجعل الكثير من المواهب تضيع، لا لأنهم ضعفاء تقنيا، بل لأنهم يفتقرون إلى قاعدة معرفية وانضباط مدرسي يؤهلهم للحياة المهنية داخل الملعب وخارجه. ربما كان تصريح باها عفويا، وربما لم يقصد أي إساءة للتعليم. لكن المسؤولية العمومية تقتضي إدراك وزن الكلمة، خاصة أمام لاعبين سنهم لا يزال هشا، تتشكل فيه الهوية والقيم. كان يمكن أن يحتفل بالفوز دون أن يضع المدرسة في خانة التعاسة، أو يقارنها بفندق 5 نجوم. هذا الموقف يعيد تذكيرنا بأن كرة القدم ليست مجرد مباريات وفوز وهزيمة، بل هي مشروع اجتماعي وتربوي. ومثلما نحتاج تكوينا تقنيا عاليا، نحتاج أيضا خطابا مسؤولا يربي جيلا متوازنا، لا جيلا يرى في المدرسة "خصما" وفي الفندق "جنة". الرياضة ترفع الأوطان، لكن التعليم هو ما يبنيها. واللاعب الذي يحترم عقله قبل قدميه، هو اللاعب الذي يستمر... ويفوز... وينضج.