في وقتٍ كان يُفترض أن يشكل كأس إفريقيا للأمم مناسبة رمزية لحضور سياسي وازن لرئيس الحكومة، سواء على مستوى المشاهد الرسمية أو في التفاعل مع حدث وطني–قاري بحجم استثنائي، سُجّل غياب لافت لعزيز أخنوش عن المشهد، غياب لم يمر دون تساؤلات في الأوساط السياسية والإعلامية، خاصة في ظل سياق اجتماعي ضاغط وانتظارات شعبية مرتفعة.
في المقابل، برز اسم وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت بقوة، ليس فقط داخل التراب الوطني، بل خارج حدوده، من خلال حضوره الرسمي في قطر خلال نهائي كأس العرب، في مشهد أعاد طرح سؤال الأدوار الفعلية داخل الدولة، ومن يدبّر "الزمن الصعب" بعيدًا عن المنصات الخطابية.
حضور لفتيت في نهائي كأس العرب لم يكن في نظر محللين مجرد مشاركة بروتوكولية في تظاهرة رياضية، بل عكس مرة أخرى تقدّم وزارة الداخلية إلى الصفوف الأمامية في تمثيل الدولة، في لحظات دقيقة تجمع بين الرمزية السياسية والرهان التنظيمي، خصوصًا والمغرب مقبل على استحقاقات رياضية عالمية كبرى.
لكن الأهم من المشهد الرياضي، هو ما يجري في العمق. فقد أكد وزير الداخلية، خلال جلسة بمجلس النواب، أن المخطط الوطني للتخفيف من آثار موجة البرد يستهدف هذا الموسم حوالي 833 ألف نسمة، في مؤشر واضح على أن الملفات الاجتماعية الثقيلة تُدار اليوم من داخل "وزارة السيادة"، وبمنطق التدخل الميداني لا الانتظار الحكومي.
خطاب العرش الأخير كان حاسمًا في لهجته ودلالاته، واضعًا حدًا لمنطق تمييع المسؤوليات. الملك محمد السادس تحدث بوضوح عن الاختلالات البنيوية، وركّز على محاور حاسمة: التشغيل، الصحة، التعليم، والولوج إلى الخدمات الأساسية، باعتبارها جوهر العقد الاجتماعي.
هذا الخطاب لم يكن توصيفًا فقط، بل فتح الباب أمام مرحلة محاسبة شفافة طال انتظارها، في ظل حكومة وُصفت، في نظر فئات واسعة، بأنها أخفقت في ترجمة وعودها الانتخابية إلى سياسات ملموسة، وبقي أداؤها دون مستوى اللحظة الاجتماعية الحرجة.
بعيد الخطاب الملكي، وجّه وزير الداخلية رسائل صارمة وواضحة إلى الولاة والعمال، مؤكدًا أن تنزيل مضامين الخطاب يبدأ "من الآن"، وبمنهجية جديدة قوامها جيل جديد من البرامج المندمجة للتنمية الترابية، تقوم على التخطيط المندمج، والعدالة المجالية، والحكامة الصارمة.
قراءة هذه التوجيهات تكشف بوضوح أن المغرب دخل مرحلة جديدة، وأن منطق التساهل مع الأعطاب التدبيرية قد بلغ نهايته. بل إن الرسائل حملت في طياتها تقييمًا ضمنيًا لأداء حكومي افتقد، لسنوات، البوصلة في تنفيذ برنامجٍ كان انتخابيًا أكثر مما كان تنفيذيًا.
في هذا السياق، يجد زعماء الأغلبية الحكومية، وعلى رأسهم عزيز أخنوش، أنفسهم أمام هامش حركة ضيق، لا يتيح سوى تدبير المهام العادية، بعيدًا عن أي توظيف سياسي للمواقع أو التحكم في قنوات توزيع المال العام، خاصة مع اقتراب أفق انتخابي حساس.
كثيرون اعتبروا أن التكليف الملكي لوزير الداخلية بالاشراف إعادة هيكلة التنمية الترابية، وتفعيل شركات التنمية الجهوية، وبتأمين نزاهة العملية الانتخابية، والتدخل في ملفات اجتماعية واقتصادية حساسة، مثل إعادة تشكيل القطيع الوطني في سياق الجفاف.هو بمثابة "نهاية حكومة أخنوش".