الفريق الاشتراكي يطالب بمراجعة التقطيع الانتخابي ويحذّر من تدخل ممثلي قطاعات وزارية في المسلسل الانتخابي    "إعلان الرباط" يتوج أشغال المؤتمر الوزاري الإفريقي حول نزع السلاح والتسريح وإعادة إدماج الأطفال الجنود    مالاوي وغامبيا تجددان تأكيد دعمهما لسيادة المغرب على الصحراء وتشيدان بالقرار 2797    تنسيقية الأطباء تحذّر مجلس المنافسة من سعي "أكديطال" لاحتكار القطاع الصحي عبر الاستحواذ على Rochaktalim    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء سلبي    الخليفي: حكيمي من أفضل لاعبي العالم ونحن فخورون بتتويجه الإفريقي    ملف إسكوبار الصحراء .. النيابة العامة تكشف اختلالات خطيرة في العقود الموثقة    الكاف يتجاهل المدرب محمد وهبي    في مداخلة له خلال الدرس الافتتاحي للجامعة الشعبية بمكناس .. وسيط المملكة: الإنصاف أعلى من القانون حين يُظلم المواطن    الحكومة تكشف حصيلة المستفيدين من الدعم المباشر لمربي الماشية    المغرب يترأس المجلس الدولي للزيتون    تكريم فريق جمعية الأوائل للأطفال للأطفال في وضعية إعاقة إثر ظفره بكأس العرش لكرة القدم داخل القاعة    تحقيق إسباني يكشف استعمال النفوذ للحصول على صفقات في المغرب وخلفيات ذكر اسمي اعمارة ورباح    وزارة الصحة تطلق المنصّة الوطنية لرصد وفيات الأمهات والمواليد الجدد    أجهزة قياس السكر المستمر بين الحياة والألم: نداء أسر الأطفال السكريين لإدماجها في التغطية الصحية    الحكومة تقر "تنظيم مهنة العدول"    أشبال الأطلس ضد البرازيل: معركة حاسمة نحو نصف النهائي    المغرب يحل ثالثا وفق مؤشر الأداء في مجال التغير المناخي (CCPI)            النيابة العامة توجه منشورا لتوضيح مستجدات المسطرة الجنائية    جمعية "السرطان... كلنا معنيون" بتطوان تشارك في مؤتمر عالمي للتحالف الدولي للرعاية الشخصية للسرطان PCCA    السكتيوي يعلن الجمعة لائحة الرديف    الفنان المغربي إِلياه والنجم المصري محمد رمضان يجتمعان في أغنية جديدة    فرنسا تعرض نشر قوة درك في غزة    في الحاجة إلى فلسفة "لا"    تفكيك شبكة لترويج المخدرات بطنجة وحجز أكثر من 4400 قرص مخدر    برلمانية تسائل وزير التجهيز والماء حول "سرقة المياه الجوفية" بتارودانت    ناسا تكشف عن صور جديدة للمذنب 3I/Atlas القادم من خارج النظام الشمسي    منظمة الصحة العالمية تحذر من الزيادة السريعة في استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية    غوغل تطلق أداة جديدة للبحث العلمي    وزارة الاقتصاد والمالية تصدر ميزانية المواطن لسنة 2026    تدشين غرفة التجارة المغربية بإيطاليا في روما    الأمن الوطني ينفي شائعة تعرض طفل للعنف داخل مدرسة بالمغرب ويؤكد تداول الفيديو وقع خارج البلاد    مناورات مشتركة بين قوات المارينز الأميركية ونظيرتها المغربية تختتم في الحسيمة    المنتخب النسوي للفوتسال يجري آخر حصة تدريبية قبل لقاء الأرجنتين    الملك يبارك اليوم الوطني لسلطنة عمان    منتخبات ‬وفرق ‬وطنية ‬تواصل ‬التألق ‬وتخطيط ‬متواصل ‬يجعل ‬من ‬كرة ‬القدم ‬رافعة ‬تنموية ‬كبيرة    مونديال 2026.. جزيرة كوراساو الضيف المفاجأة    تقرير: نصف عبء خدمة الدين الطاقي في إفريقيا تتحمله أربع دول بينها المغرب    أوكسفام: "ثروات الأثرياء" في ارتفاع    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    منظمة الصحة تحتاج إلى مليار دولار    كأس ديفيس: المنتخب الايطالي يتأهل لنصف النهاية على حساب نظيره النمساوي    معمار النص... نص المعمار    لوحة لغوستاف كليمت تصبح ثاني أغلى عمل فني يباع في مزاد على الإطلاق    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يعلن عن تشكيلة لجنة التحكيم    "صوت هند رجب" يفتتح مهرجان الدوحة السينمائي2025    مهرجان الناظور للسينما والذاكرة المشتركة يخلد اسم نور الدين الصايل    الأكاديمية الفرنسية تمنح جائزة أفضل سيرة أدبية لعام 2025 إلى الباحث المغربي مهدي أغويركات لكتابه عن ابن خلدون    القصر الكبير تاريخ مجيد وواقع بئيس    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    الإنعاش الميداني يجمع أطباء عسكريين‬    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإبدَاعُ قَضِيّة…
نشر في الدار يوم 11 - 12 - 2019

كانت الإبداعات الحقيقية وما تزال، سواء في الإنتاج الرمزي (الفكر والفن والأدب)، أو في المجال العِلْمي، مرتبطة أشد الارتباط، في نظرنا المتواضع، بقضية أو بقضايا جوهرية تَهُمّ الحاجات المادية والنفسية الأساسية للإنسان وحياته في كل مناحيها وجوانبها العمَلية والروحية على حد سواء، لذلك غالبا ما ظل المبدعون والمبتكرون الحقيقيون، يضعون نُصْبَ أعينهم مختلف هذه القضايا التي من أجلها يبدعون ويبتكرون، حتى أن نظرية "الفن للفن"، التي ظهرت في أوربا مع بداية القرن التاسع عشر، كنوع من الهروب من تبعات الحاضر، ونادتْ بقطع الصلة بين الأدب والمجتمع، على سبيل المثال لا الحصر، والقفز على قضايا الإنسان ومطالبه الملحة، لجعل الإبداع الأدبي مجرد متعة جمالية أو وسيلة ترف وتسلية ولا يحمل رسالة التغيير، قد تقوقعتْ على نفسها بفضل ظهور الفلسفة الوجودية وغيرها من التيارات الفكرية، ولم يعد لها في عصرنا الحالي ما يبرر وجودها على الإطلاق.
أما بالنسبة للمغرب، بلدي المُشتهى، والذي نأمل فعلا بأن نراه بصورة أجمل، فقد أصبح من الضروري، بل من الواجب على كل إبداع فيه أن يَحْمِل في صُلْبِه قضية أو قضايا تكون على قدر كبير من الأهمية بالنسبة للمجتمع الذي يتواجد ويُنتَج بداخله هذا الإبداع، بمعنى أن يأخذ المبدع على عاتقه، مهما تعددتْ مجالات إبداعه، طَرْح أهم قضايا عصره وبلده في مجمل عملية إنتاجه الفني والأدبي والفكري، وذلك في علاقة هذه القضايا بسيرورة تطور المجتمع، ومدى قدرة هذا المبدع على تبني قضايا عديدة مثل: الحداثة، والتنوير، وعدم الانغلاق في الفكر والفن والدين والموقف السياسي، إذ يكون على هذا الإبداع أيضا أن يكرس ويرسخ في المجتمع مفاهيم ومبادئ وسلوكات التحديث والتنوير التسامح والاختلاف، وغيرها من قيم نبيلة تقود إلى الالتزام والعمق الفني والفكري، وذلك وفق تصور نقدي منفتح وحداثي، تكون غايته تسليط الضوء على مختلف هذه القضايا التي تثير انشغال المواطنين على المستوى السياسي والاجتماعي والثقافي، داخل مقاربة نقدية وصريحة لهذه القضايا بشكل أساس، وبما يسعى إليه المغرب تحديدا في رهاناته الكبرى وانخراطه الفعلي في الأفق الحداثي والديمقراطي المنشود.
من هنا، يكون المبدعون المغاربة والعرب عموما، أمام مُجْمَلِ التحديات والمخاطر والانحرافات التي تواجه مجتمعاتهم في المرحلة الراهنة ( مرحلة هيمنة الميديا والوسائط الرقمية الجديدة، بمحمولها العَوْلَمي والمَدمِّر أحيانا، وأنواع الفساد السياسي والأخلاقي، وأشكال المد الديني المتطرف المعادي للحياة، من وهّابية وغيرها، مدعويين أكثر من أي وقت مضى، إلى تغيير رؤاهم واستراتيجياتهم في الإبداع، وتضمين إبداعاتهم وإنتاجاتهم الفكرية والفنية والأدبية الكثير من الجدية والعمق والالتزام بالقضايا والمبادئ والأفكار التي من شأنها التصدي إلى هذه الأخطار المُحْدِقة من جهة، ثم نشر ثقافة التنوير والنقد البناء والغربلة من جهة ثانية، بما في ذلك تحطيم جدار الصمت والخوف واللامبالاة وأشكال الانغلاق الفكري والديني وتقديس الأيديولوجيات والأصوليات ( كل الأصوليات )، ومنطق المصلحة الذاتية والنفعية لدى هذا المواطن العربي، وتمكينه، في النهاية، من كل الأدوات والوسائل التي تجعله قادرا على تجاوز سلبيات المرحلة، ليساهم بشكل فعال وإيجابي في بناء مجتمع يسوده الفكر الحر والعدالة الاقتصادية والاجتماعية وحرية التعبير، وقيم الجمال والحياة والنزاهة والشفافية والديمقراطية والمغايرة والاختلاف، وما إلى ذلك من العناصر الضرورية لبناء مجتمع عصري وحداثي قادر على إعادة تشييد هويته الحضارية والثقافية المتفردة والمتعددة في نفس الوقت، داخل الثقافة الكونية، وذلك بوسائله الخاصة، ومن داخل ثقافته الخاصة في آخر المطاف.
والمتأمل لخريطة الإنتاج "الفني" المغربي والعربي الآن (في السينما والتلفزيون والمسرح والموسيقى على الخصوص)، بوسعه، ومن دون عناء كبير، أن يلمس ما آلت إليه هذه الإنتاجات، حتى لا أقول إبداعات، من إسفاف فني وحضيض وتنافس واضح وملموس على الرداءة، بحيث أصبحت هذه الإنتاجات جوفاء ومبتذلة إلى حد القرف وبشكل لا يطاق، وتحول المبدعون من صانعي الفرجة الهادفة والحقيقية وما يغذي الذوق والروح إلى صانعي المُتع الرخيصة وصيّادي الجوائز وبائعي الأوهام بالجملة والتقسيط.
كانت السينما العربية، كغيرها من باقي الفنون، وعلى سبيل المثال لا الحصر، كفن له قيمته ورمزيته ورسالته النبيلة وقضاياه الرئيسة في الزمن الجميل، قد بدأت كعمل وطني في المقام الأول، إذ أن رواد هذه السينما لا يُعتَبَرون روادا لصناعة وطنية فحسب، وإنما من المشاركين أيضا في الحركة الوطنية في هذا البلد أو ذاك. أما اليوم، فقد تراجعت السينما العربية كثيرا، وحادتْ عن قضاياها وأهدافها ورؤاها التعبيرية والجمالية الأساسية التي وُجِدَتْ من أجلها كصناعة وطنية وكمضمون قومي، وتوقفتْ عن مواصلة ذلك الرهان الذي كان لروادها الأوائل في أن يجعلوا منها أداة للوعي وللتغيير، وتَحَكّم المنطق التجاري على المنتوج السينمائي العربي، وأصبح أغلب المخرجين والمؤلفين السينمائيين العرب خاضعين لمنطق السوق ورضا جمهور عربي أنهكته ثقافة الاستهلاك والترفيه والاستلاب وغياب الذوق الفني الرفيع.
إذ تعمل الكثير من هذه الأعمال السينمائية العربية اليوم، كالعديد من الفنون الأخرى، على تمرير خطابات وقيم ثقافية وقناعات إيديولوجية فارغة ومسمومة، هدفها هدم كل القيم النبيلة في الإنسان العربي، مع محاولة جعله خنوعا ويائسا ومتصالحا بشكل فج مع ذاته ومع الكثير من القيم السلبية للغرب. ونسوق، هنا تحديدا، مثالا واحدا يخص السينما المصرية، باعتبارها كانت من السينمات الرائدة في العالم العربي، إذ يلخص هذا المثال الكثير من مظاهر الأزمة والانحدار التي أصبحت تعرفها السينما العربية بشكل عام، مع وجود بعض الاستثناءات القليلة طبعا هنا وهناك. حادت السينما العربية وعلى رأسها السينما المصرية " الجديدة " اليوم عن قضاياها المركزية ومضامينها وقيمها الإنسانية النبيلة، فتحولت أفلامها إلى حفلات غنائية متواصلة، أبطالها وشخوصها الأساسيون: راقصةٌ ومطربٌ وبَلْطجي.
أما بالنسبة للموسيقى العربية في وقتنا الراهن، وضمنها الموسيقى الشبابية المغربية، فَحَدّثْ ولا حرج، فمن روائع " القمر الأحمر " و " الشاطئ " و " راحلة " و " رقصة الأطلس "، وغيرها من الخالدات، إلى أغاني " تْسَالا لي الصُّولدْ .. " و " قَلْبي فْخَطَار .. دّيتُو للسْبِيطَار .. وطْلَعتي لي في التّحَالِيلْ … " .. وهَلُمّ جَرّا .. و" الله يَلْعَنْها جَرّا .. " كما يقول المغاربة حين يستبد بهم السخط والندم جَرّاء موقف أو وَضْع غير محسوب العواقب تعرضوا له أو تورطوا فيه…


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.