في مواجهة إخفاق سياسي دام أكثر من خمسين سنة في فرض سيطرتها على الصحراء المغربية، لجأت الجزائر إلى أسلوب جديد في حربها غير المعلنة ضد المغرب، تمثل في محاولة السطو على الموروث الثقافي الحساني الذي يشكل أحد أعمدة الهوية الصحراوية المغربية. بعد أن تبين أن الرهان العسكري والدبلوماسي على كيان وهمي لم يُثمر سوى العزلة والخيبة، شرعت الجزائر في معركة رمزية ناعمة لا تقل خطورة، قوامها التزييف appropriation الثقافي، عبر تنظيم فعاليات تسعى لإدماج عناصر من الثقافة الحسانية ضمن "الهوية الوطنية الجزائرية"، في تحدٍّ سافر لحقيقة تاريخية وجغرافية لا تقبل التأويل. الحدث الأوضح في هذا السياق تمثل في تنظيم الجزائر، خلال يونيو الجاري، لتظاهرة أطلقت عليها اسم "الجزائر عاصمة الثقافة الحسانية"، في محاولة لفرض واقع ثقافي مصطنع يربط تندوف وثقافة الصحراء المغربية بما يُسمّى "امتداداً طبيعياً للهوية الجزائرية". يحضر هذا الحدث ممثلون عن جبهة البوليساريو ومسؤولون من الجزائروموريتانيا، وجرى تقديم عادات ولباس وموسيقى حسانية على أنها جزء من التراث الثقافي الجزائري، متجاهلين عمداً أن هذا التراث قد تم توثيقه وتثبيته ضمن نطاق التراث المغربي من قبل هيئات دولية وبتزكية من اليونسكو نفسها. ردّ المغرب لم يتأخر، فقد سبق أن وجّه انتقادات قوية لمحاولات مشابهة، أبرزها حين تقدمت الجزائر بملف لدى اليونسكو لتسجيل القفطان المغربي ضمن تراثها، مما دفع الرباط إلى تقديم اعتراض رسمي استجابت له المنظمة الدولية، وسحبت الصورة المغربية من الملف الجزائري. هذا السلوك المتكرر يكشف عن رغبة واضحة لدى الجار الشرقي في مصادرة إنجازات المغرب وهويته، ليس فقط في الصحراء، بل حتى في مجالات الثقافة والفنون واللباس. الثقافة الحسانية، كما يعرفها الباحثون والمؤرخون، تنتمي إلى جغرافيا تمتد من العيون والسمارة والداخلة في المغرب، مروراً بشمال موريتانيا، ووصولاً إلى تخوم مالي والنيجر، وهي ثقافة بدوية عربية أمازيغية بامتياز، شكلت عبر القرون نسيجاً خاصاً للهوية المغربية الصحراوية. ومحاولة الجزائر نسبتها إلى فضائها الوطني هي بمثابة تشويش متعمد على التاريخ، واستخفاف بالمعايير الدولية التي تقر بأهمية السياق الجغرافي والتاريخي في تصنيف التراث الثقافي. ما يحز في النفس أن الجزائر، التي تفتقر لروابط ثقافية فعلية مع التراث الحساني، تحاول اليوم أن توظف هذا الموروث في إطار دعايتها السياسية، وهو ما يسيء في الحقيقة لتراث الصحراء نفسه، ويفرغه من مضمونه الأصيل. فثقافة لا تُصان من أهلها ولا تُروى من جذورها، تتحول إلى مجرد مادة للاستغلال والسطو الرمزي، وهذا بالضبط ما تحاول الجزائر فعله. وفي الوقت الذي يواصل فيه المغرب جهوده في تسجيل العناصر الحسانية ضمن قائمة التراث الإنساني لدى اليونسكو، وتوثيق الشعر الحساني، والملحون، والصناعة التقليدية الخاصة بالصحارى، والاحتفاء بالمكون الحساني دستورياً ومؤسساتياً، تحاول الجزائر تحقيق نصر وهمي على مستوى الصورة والرمزية، دون أن تمتلك الشرعية الثقافية أو التاريخية لذلك. السطو على الثقافة، كالفشل في السياسة، لا يُنتج إلا وهم الانتصار. والجزائر، التي لم تفلح في زعزعة سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، لن تنجح أيضاً في انتزاع ذاكرة شعب أو مصادرة هويته. لأن الثقافة ليست شعاراً يُرفع في مهرجان، بل امتداد عميق في الوجدان، تُرسخه الأرض والناس والتاريخ.