في لحظة تحمل الكثير من الدلالات السياسية والتاريخية، وصل السفير الأمريكي الجديد لدى المملكة المغربية، ديوك بوكان، إلى الرباط ليباشر مهامه رسمياً، مستهلاً وجوده بمراسم بروتوكولية تم خلالها رفع العلم الأمريكي فوق مقر إقامته بمشاركة عناصر من مشاة البحرية الأمريكية. خطوة بدت بسيطة في الشكل، لكنها تعكس عمق العلاقة بين البلدين وأهمية المرحلة المقبلة. السفير بوكان، الذي يحظى بخبرة سياسية واقتصادية واسعة داخل الولاياتالمتحدة، أكد فور وصوله أنه يتطلع إلى تعزيز الشراكة القائمة مع المغرب، مشيراً إلى أن البلدين يقفان على أعتاب احتفال تاريخي بمرور 250 سنة على الصداقة المغربية–الأمريكية. وهي مناسبة نادرة في تاريخ العلاقات الدولية، تجعل المغرب أقدم صديق للولايات المتحدة خارج القارة الأميركية. هذه العلاقة ليست مجرد تعاون دبلوماسي تقليدي، بل امتداد لشراكة متعددة الأبعاد تشمل الأمن والدفاع والاقتصاد والتعليم والطاقة. فالمغرب يعد اليوم حليفاً رئيسياً لواشنطن خارج حلف الناتو، ويشارك في مناورات عسكرية كبرى مثل الأسد الإفريقي، التي تُصنف ضمن أهم المناورات متعددة الجنسيات في إفريقيا والمتوسط. على المستوى الاقتصادي، تتطلع واشنطن إلى تعزيز حضور الشركات الأمريكية في قطاعات ذات مستقبل استراتيجي داخل المغرب، من بينها الطاقات المتجددة، صناعة السيارات الكهربائية، الاستثمار في الهيدروجين الأخضر، والبُنى التكنولوجية المرتبطة بالأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي. ويُتوقع أن يفتح وجود السفير الجديد صفحة تعاون اقتصادي أوسع، خاصة مع سعي الولاياتالمتحدة لتقوية حضورها في إفريقيا عبر بوابة المغرب. كما يُنتظر أن يواصل السفير بروتوكول التعاون الثقافي والتعليم العالي، خاصة عبر برامج مثل Fulbright، وتبادل الطلبة، والشراكات مع الجامعات المغربية، إلى جانب مواصلة دعم مشاريع التنمية والابتكار. تحمل زيارة بوكان أيضاً بعداً سياسياً يتعلق باستمرار دعم الولاياتالمتحدة لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، وهو موقف رسخته الإدارة الأمريكية منذ سنة 2020، وأكدت عليه تصريحات رسمية لاحقة لمسؤولين أمريكيين في الكونغرس والبنتاغون والخارجية. وإذا كانت مراسم رفع العلم مجرد بداية، فإنّ الملفات التي تنتظره تؤكد أنّ مهمته ستكون جزءاً من مرحلة جديدة تتجه فيها العلاقات المغربية–الأمريكية نحو مزيد من التمكين والتنسيق الاستراتيجي، خاصة في ظل المتغيرات الجيوسياسية الإقليمية والدولية. بهذا الاستقبال الرمزي والرسمي، لا تبدأ فقط مهمة سفير جديد، بل تنطلق مسافة إضافية في تاريخ شراكة عمرها قرنان ونصف — علاقة لا تزال في تطور مستمر، ويبدو أن المستقبل يحمل لها مزيداً من التقارب والتعاون العميق بين الرباطوواشنطن.