قدّمت المديرية العامة للأمن الوطني، يوم 17 دجنبر 2025، حصيلتها السنوية لسنة اتسمت بمواصلة تنزيل جيل جديد من الإصلاحات الهيكلية العميقة، في إطار نهج تواصلي يروم إطلاع الرأي العام على منجزات المرفق العام الشرطي، خاصة في ما يتقاطع مع انتظارات المواطنين وتطلعاتهم في مجال الأمن. حصيلة عكست توجها واضحا نحو تحديث شامل لمنظومة الأمن الوطني، قوامه التحول الرقمي، وتثمين الموارد البشرية، والاعتماد المتزايد على التكنولوجيات الحديثة، وفق المعايير الدولية للأمن الشامل. سنة 2025 شكّلت محطة مفصلية في مسار تحديث البنيات الشرطية، حيث تستعد المديرية العامة للأمن الوطني للشروع في استغلال مقرها المركزي الجديد بمدينة الرباط خلال النصف الأول من سنة 2026، بعد بلوغ أشغال التجهيز مراحلها النهائية. هذا المجمع الإداري المندمج، الذي يضم جميع المديريات والمصالح المركزية، جرى تصميمه وفق معايير دقيقة تهم المنشآت الأمنية عالية الحساسية، ويعتمد على بناء "إيكوسيستم" رقمي ومادي متكامل، من شأنه الرفع من مردودية العمل الشرطي وتحسين جودة الخدمات المقدمة. وفي بعده الاستراتيجي المرتبط بالتكوين وبناء القدرات، شهدت مدينة إفران خلال شهر دجنبر 2025 افتتاح المعهد العالي للعلوم الأمنية، كمؤسسة أكاديمية تجسد الرؤية المستقبلية لتطوير التكوين الشرطي التخصصي عالي المستوى بالمغرب. هذا المعهد لا يقتصر دوره على التكوين، بل يُنتظر أن يشكل منصة علمية لتبادل الخبرات بين الأطر الأمنية الوطنية ونظرائها من الدول الصديقة والشقيقة، وحاضنة للبحث العلمي في مجالات الأمن، مع انفتاح خاص على الشراكات الإفريقية والإقليمية. وقد تعزز هذا التوجه بتوقيع مذكرة شراكة مع جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بالمملكة العربية السعودية، بما يفتح آفاقا واسعة للتعاون الأكاديمي والبحثي، وإنجاز دراسات مشتركة، وتبادل الخبرات، وإرساء شبكة عربية للخبراء في مجالات رصد الجريمة ومكافحتها والوقاية منها. وتواصلا مع الاستثمار في العنصر البشري، عرفت سنة 2025 افتتاح مدرسة جديدة للتكوين الشرطي بمدينة مراكش، ضمن استراتيجية دعم الأقطاب الجهوية للتكوين، على أن يتم في المدى القريب افتتاح مؤسسة مماثلة بمدينة الدارالبيضاء، بما يعزز جاهزية الموارد البشرية ويستجيب للحاجيات المتزايدة للمرفق الأمني. وعلى مستوى شرطة القرب ومواكبة التوسع العمراني، جرى الارتقاء بالهيكلة التنظيمية لمصالح الأمن بكل من تيكيوين وويسلان وآيت ملول من مفوضيات جهوية إلى مناطق إقليمية للأمن، مع ما رافق ذلك من تعزيز في الموارد البشرية، والوسائل اللوجستيكية، والقدرات العملياتية. كما تم تدشين المقر الجديد للدائرة الأولى للشرطة بخريبكة، وإحداث أربع مصالح جديدة لمعاينة حوادث السير بمدن سطات وتازة وصفرو والسمارة، في خطوة تروم تقريب الخدمة الأمنية من المواطن. وفي مجال تدبير العمليات الأمنية الحضرية، تم إطلاق مركز جديد للقيادة والتنسيق بولاية أمن أكادير، مجهز بأحدث التكنولوجيات لضمان سرعة الاستجابة لنداءات النجدة وتعزيز التنسيق بين المصالح الأمنية. كما تم افتتاح قاعة للتحكم في نظام المراقبة بالكاميرات لدى فرقة الشرطة السياحية بمراكش، في إطار شبكة وطنية متكاملة تضم ثماني قاعات جهوية، ومركزا رئيسيا بالدارالبيضاء، و138 قاعة للمواصلات، مرتبطة بشبكات اتصال وقواعد بيانات شرطية متطورة. كما شهدت السنة إحداث فرق ميدانية جديدة، من بينها فرقة متنقلة للدراجيين بالأمن الجهوي بتازة لدعم شرطة النجدة، وفرقة سياحية تابعة للأمن الإقليمي بسلا، في سياق تعزيز الأمن بالفضاءات السياحية وحماية المعالم التاريخية. واستعدادا للاستحقاقات الرياضية الكبرى، وعلى رأسها كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم 2025، تم إحداث "مركز التعاون الشرطي الإفريقي 2026" بشراكة مع عدة قطاعات وطنية ومنظمة الإنتربول، كتتويج لمسار من العمل المشترك في مجال تأمين التظاهرات الرياضية الدولية، واستشرافا للتحضيرات الأمنية لكأس العالم 2030 وفق معايير الفيفا. وفي السياق ذاته، جرى الارتقاء بالمفوضية الخاصة بمطار الرباط–سلا إلى منطقة أمنية متكاملة، وتجهيز عدد من المعابر الحدودية الحيوية، من بينها مطارات محمد الخامس ومراكش المنارة، وميناء طنجة المتوسط، بوسائل تقنية ولوجيستية متطورة. كما تم تعزيز الموارد البشرية بالمراكز الحدودية بأزيد من 100 موظفة وموظف شرطة، خضعوا لتكوينات تطبيقية متخصصة، إلى جانب دعم فرق الأمن الرياضي بالمدن المستضيفة، وتعيين 3387 شرطيا من خريجي هذه السنة لتأمين مباريات كأس إفريقيا. وتواكب هذه الجهود عملية تعميم نظام البوابات الإلكترونية (E-GATE) بالمطارات، والانخراط في تنزيل "مخطط ماستر 2030" لتحديث البنيات الجوية، فضلا عن مشاريع موازية لتأهيل مرافق الشرطة بالموانئ، بشراكة مع الوكالة الوطنية للموانئ. وفي بعده الوقائي والتنظيمي، عزز الأمن الوطني شراكته مع الوكالة المغربية لمحاربة المنشطات، عبر اتفاقية للتعاون في مجال التحريات والتحقيقات، بما يكرس مبادئ النزاهة والشفافية في المجال الرياضي. كما تم إرساء أنظمة للمراقبة الذكية بالكاميرات في عدد واسع من المدن، وتعميم 6000 كاميرا محمولة لتغطية 75 موقعا ذا أولوية، وتجهيز الملاعب المحتضنة للمنافسات بمفوضيات شرطة وقاعات للقيادة والتنسيق. سنة 2025 عرفت أيضا تدعيما للوحدات المتخصصة، من خلال إحداث فرق جديدة لمكافحة العصابات بمراكش وفاس، وتعزيز فرق الشرطة السينوتقنية والخيالة، وتوزيع 16 فرقة للمراقبة بالطائرات المسيرة بالمدن المستضيفة لكأس إفريقيا. وعلى مستوى الوسائل اللوجستيكية، تم تحديث أسطول الشرطة بتوزيع 1025 مركبة ودراجة ومركبة نفعية عالية التجهيز، إلى جانب إدماج اللغة الأمازيغية في الهوية البصرية لدفعة أولى من 5000 مركبة شرطية، في خطوة تعكس التعدد اللغوي والثقافي للمملكة. وفي إطار تطوير وسائل التدخل البديلة، جرى تزويد المصالح الأمنية الجهوية والفرقة الوطنية للشرطة القضائية ب790 مسدسا للصعق الكهربائي من نوع "TASER-7"، بما يضمن نجاعة التدخلات الأمنية مع الحفاظ على سلامة المواطنين وعناصر الشرطة. حصيلة تؤكد أن سنة 2025 كانت سنة ترسيخ للتحول العميق في منظومة الأمن الوطني، ليس فقط من حيث البنيات والتجهيزات، بل أيضا على مستوى الرؤية الاستراتيجية التي تضع المواطن في صلب الاهتمام، وتستشرف تحديات الأمن المستقبلية بثقة واستباقية.