ينزع المشاهد المغربي خلال شهر رمضان الفضيل هذا العام إلى متابعة الدراما التلفزية عبر شبكة برامج قنوات الشركة الوطنية، وكذا عبر عدد من القنوات والفضائيات العربية، بحثا على متعة فنية وإفادة قدر الإمكان، في زمن لازال المسؤول بدار البريهي يؤمن بأن التوجه سيظل راسخا في كون العمل الدرامي الوطني هو حكر على موسم واحد.. وشهر واحد هو شهر رمضان الكريم. ولعل المتتبع لاختيارات التلفزيون المغربي المعتمدة خلال رمضان سنة 2010، يتأسف، للمرة المائة، لضعف الأعمال المعتمدة، سواء منها المسلسلات التلفزية أو الأفلام التلفزية.. ويبدو جليا، أحيانا أخرى، للمتتبع نقصان عددها، وكذا التفريط في اقتناء إنتاجات عربية ذات جودة فنية وموضوعاتية، كما فعلت نظيرتها بعدد من القنوات العربية. فعلى مستوى المسلسلات التلفزية الدرامية الجديدة المبرمجة هذا العام، بعيدا عن سيتكومات مغربية انتظر الجميع أن تكون من النوع الجيد، حيث تكاد تكون منعدمة بقنواتنا العمومية، مع استثناء قليلة تهم مسلسل «حراز يامي» ذي الطابع التراثي الكوميدي وسلسلة «سعدي ببناتي» وكذا مسلسل «احديدان» الجديد القديم باعتبار انطلاق بثه منذ شهور.. بعيد عن كل ذلك، صعب أن تعتبر برمجة رمضان 2010 الفضيل التلفزية قدمت جديدا يلبي انتظارات عموم المغاربة.. وحتى وأنت تتأمل تلك الأعمال الدرامية المغربية التي أعدت وفق إبداعية تروم تقريب شخصيات أسطورية من عموم الناس، وبقصدية تبحث فيها عن الابتسامة لا غير، وأنت تتأمل هذه الشخصيات خاصة: «حديدان»، «جحا» و«الحراز»، تنحو نحو خلاصة تصل بك إلى أن المنتوج المغربي من هذا النوع لم ولن يستطيع تجاوز الحدود الوطنية، ويستحيل أن يسوق كعمل درامي بمواصفات دولية أو عربية أو جهوية .. وهذا ما يعضد القول، أن القناعة النقدية تتعاظم حين تعتبر الدراما المغربية رسخت لنفسها منذ زمن تقاليد لتكون منتجة وموجهة لجمهور محدد سلفا، جمهور محدد بمقاييس محلية، ليس إلا. وما يؤكد هذا المنحى، هو أن المسلسلات المنتجة خصيصا لرمضان ببلادنا وقعت في ارتباكات.. فمسلسل «جحا» مثلا لم يحسن فيها المخرج اختيار الوجوه الرئيسية، من هنا يبدو مثلا أن الممثل محمد بصطاوي مهزوز وفشل في تقمص هذا الدور الجديد الذي لعب معه شخصية أسطورية مركبة، كما أن كثيرا من أحداث السلسلة يشوبها ارتباك وسوء بناء درامي ملموس. أما سلسلة «الحراز» فعلى الأقل توفقت في اختيار فضاءات جميلة للتصوير، ولن يخفى هذا على مخرج مقتدر مثل عبدالحي العراقي، وحتى اختيار الشخصيات كان جد موفق: البشير سيكرج، عبدو المسناوي، محمد خيي، ع.ل. الخمولي، الشاب عمر لطفي، وتبقى سلسلة «احديدان» التي استطاعت استقطاب مشاهدة عالية خلال الشهور السابقة من قبل حلول رمضان، تبدو أنها سلسلة وجدت صعوبة في إيجاد مكانة وقوة جدب وسط هذا الكم الإفراط/الإسهال من الأعمال التلفزية الفارغة.. والتي تبحث عن إضحاك المشاهد وإن كان الثمن مكلفا فنيا وماديا.. فإذا كانت أموال المغاربة من دافعي الضرائب ستوجه لأعمال ضعيفة وسيتكومات رديئة، لماذا لا تشكل لجنة برلمانية بمساعدة لجان فنية مختصة لإيجاد حلول ناجحة لهذا الإشكال.. وبالتالي إيقاف نزيف هذر المال العمومي؟ مقابل ذلك، وحين نبحث عن محطات برمجت منتوجات درامية عربية مضيئة خلال شهر رمضان الفضيل لهذا العام، نجد أن القنوات العربية والفضائيات الشقيقة برمجت أعمالا درامية هامة، من قبيل: «ذاكرة الجسد» إخراج: نجدت أنزور (سوريا)، «المتنبي» إخراج: هيثم حقي(سوريا)، «الجماعة» إخراج: محمد ياسين (مصر)، «الظاهر بيبرس» إخراج: محمد عزيزية (سوريا)، «كيلوبترا» إخراج: وائل رمضان (مصر)، «أبو خليل القباني» إخراج: إيناس حقي (الأردن)، «ريش نعام» إخراج: خيري بشارة (مصر)، «الحارة» إخراج: بسام الملا (سوريا)، «مملكة الجبل» إخراج: مجدي أحمد علي (مصر)، «القعقاع» إخراج: صبح المثنى (لبنان)، «شاهد إثبات» إخراج: محمد الرشيدي (مصر)، «سقوط الخلافة» إخراج: محمد عزيزية ّّ(سوريا)، «شيخ العرب» إخراج: حسني صالح (مصر).. إلخ. واللافت للانتباه أن اختراق الإنتاجات الدرامية المصرية للسوق العربي أضحى بارزا.. حيث أن قطاع الإنتاج في «اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري»» راهن هذا العام على منافسة قوية لبقية الإنتاجات العربية، سواء السورية أو الخليجية أو المحلية للدول العربية، وحتى التركية وغيرها، بعد سنوات من التردد، حيث جاء على مستوى العدد غزيرا وبشكل لافت وصل عددها المنتجة خصيصا لرمضان 50 مسلسل، وجاء على مستوى الجودة مقنع إلى حد كبير، وبتكلفة مالية بغلت الملايير.. خاصة وأن نجوم الدراما المصرية أصبحوا عبئا ثقيلا على الإنتاج بما يقارب أو يفوق مبلغ النصف. ونحن هنا، نتساءل: لماذا لم تبرمج قنوات (ش.م.إ.ت) أي عمل متميز من هذه العام، وحتى ونحن كمغاربة وكمغرب عربي نظل ها هنا في مكاننا مجرد قاعدين مستهلكين.. مرة أخرى نجدد التساؤل: في غمرة السؤال السياسي حول الحركات الإسلامية الذي يشغل الوطن والعباد، لماذا نحرم من الفرجة الهادفة.. ولماذا لم تبرمج التلفزة المغربية مسلسلا قديرا من حجم عمل وحيد حامد «الجماعة»؟ وما قيمة الدراما الأجنبية غير العربية المستوردة كبضاعة جد رخيصة؟ وهل بالمسلسلات الكورية والمكسيكية وما شابهها سنشكل متخيل مغاربة مشاركون بفعالية في بناء المستقبل؟