مقبرة الرحمة بالجديدة بدون ماء.. معاناة يومية وصمت الجهات المعنية    فيديوهات خلقت جوًّا من الهلع وسط المواطنين.. أمن طنجة يوقف سيدة نشرت ادعاءات كاذبة عن اختطاف الأطفال    العثور على جثث 13 عاملا بالبيرو    طنجة.. حملات أمنية متواصلة لمكافحة الدراجات النارية المخالفة والمعدّلة    كأس أمم إفريقيا U20 .. المغرب يتعادل مع نيجيريا    ريال مدريد ينجو من ريمونتادا سيلتا فيغو    الاحتفاء بالموسيقى الكلاسيكية خلال مسابقة دولية للبيانو بمراكش    احتفاء فريد من نوعه: مهرجان التوائم الدولي يجمع أكثر من ألف مشارك في جنوب غربي الصين    المغرب التطواني يحقق فوزًا ثمينًا على نهضة الزمامرة ويبتعد عن منطقة الخطر    شبكة نصب لتأشيرات الحج والعمرة    اتهامات بالمحاباة والإقصاء تُفجّر جدل مباراة داخلية بمكتب الاستثمار الفلاحي للوكوس    تطوان تحتضن النسخة 16 من الأيام التجارية الجهوية لتعزيز الانفتاح والدينامية الاقتصادية بشمال المملكة    كأس إفريقيا لأقل من 20 سنة: تعادل سلبي بين المغرب ونيجيريا في قمة حذرة يحسم صدارة المجموعة الثانية مؤقتًا    طنجة تحتضن اللقاء الإقليمي التأسيسي لمنظمة النساء الاتحاديات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    جريمة بيئية مزعومة تثير جدلاً بمرتيل... ومستشار يراسل وزير الداخلية    ملتقى بالقدس يشيد بجهود الملك    الدوري الألماني.. بايرن ميونخ يضمن اللقب ال34 في تاريخه بعد تعادل منافسه ليفركوزن    انخفاض جديد في أسعار الغازوال والبنزين في محطات الوقود    وزيرة تكشف عن مستجدات بشأن الانقطاع الكهربائي الذي عرفته إسبانيا    شركة بريطانية تطالب المغرب بتعويض ضخم بقيمة 2.2 مليار دولار    المغرب يتصدر قائمة مورّدي الأسمدة إلى الأرجنتين متفوقًا على قوى اقتصادية كبرى    تحالف مغربي-صيني يفوز بعقد إنشاء نفق السكك الفائقة السرعة في قلب العاصمة الرباط    الأميرة لالة حسناء تشارك كضيفة شرف في مهرجان السجاد الدولي بباكو... تجسيد حي للدبلوماسية الثقافية المغربية    الفن التشكلي يجمع طلاب بجامعة مولاي إسماعيل في رحلة إبداعية بمكناس    الطالبي العلمي يمثل الملك محمد السادس في حفل تنصيب بريس كلوتير أوليغي نغيما رئيسا لجمهورية الغابون (صورة)    "البيجيدي" يؤكد انخراطه إلى جانب المعارضة في ملتمس "الرقابة" ضد حكومة أخنوش    الخيط الناظم في لعبة بنكيران في البحث عن التفاوض مع الدولة: الهجوم على «تازة قبل غزة».. وإيمانويل ماكرون ودونالد ترامب!    المغرب يطلق برنامجًا وطنيًا بأكثر من 100 مليون دولار للحد من ظاهرة الكلاب الضالة بطريقة إنسانية    الشرطة البرازيلية تحبط هجوما بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا في ريو دي جانيرو    إسبانيا: تحديد أسباب انقطاع الكهرباء يتطلب "عدة أيام"    المغرب يجذب الاستثمارات الصينية: "سنتوري تاير" تتخلى عن إسبانيا وتضاعف رهانها على طنجة    الناخب الوطني يعلن عن تشكيلة المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة لمواجهة نيجيريا    استشهاد 16 فلسطينيا بينهم أطفال ونساء في قصف إسرائيلي جديد على غزة    العداء الجزائري للإمارات تصعيد غير محسوب في زمن التحولات الجيوسياسية    الحارس الأسبق للملك محمد السادس يقاضي هشام جيراندو    مصادر جزائرية: النيجر تتراجع عن استكمال دراسات أنبوب الغاز العابر للصحراء    معهد الموسيقى بتمارة يطلق الدورة السادسة لملتقى "أوتار"    بريطانيا تطلق رسمياً لقاح جديد واعد ضد السرطان    توقيف 17 شخصا على خلفية أعمال شغب بمحيط مباراة الوداد والجيش الملكي    "الأونروا": الحصار الإسرائيلي الشامل يدفع غزة نحو كارثة إنسانية غير مسبوقة    علماء يطورون طلاء للأسنان يحمي من التسوس    المنتدى الدولي للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين يعبر عن دعمه للوحدة الترابية للمغرب    نجم الراب "50 سنت" يغني في الرباط    من المثقف البروليتاري إلى الكأسمالي !    الداخلة.. أخنوش: حزب التجمع الوطني للأحرار ملتزم بتسريع تنزيل الأوراش الملكية وترسيخ أسس الدولة الاجتماعية    الشرطة البريطانية تعتقل خمسة أشخاص بينهم أربعة إيرانيين بشبهة التحضير لهجوم إرهابي    الجمعية المغربية لطب الأسرة تعقد مؤتمرها العاشر في دكار    دراسة: الشخير الليلي المتكرر قد يكون إنذارا مبكرا لارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب    وهبي: مهمة "أشبال الأطلس" معقدة    وداعاً لكلمة المرور.. مايكروسوفت تغيّر القواعد    مقتضيات قانونية تحظر القتل غير المبرر للحيوانات الضالة في المغرب    الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المتدخلون في السياسة الخارجية للبرلمان المغربي

تتمثل الدبلوماسية الرسمية للمغرب في الفاعل الرئيسي في مجال الدبلوماسية وفق ما نص عليه الدستور وانطلاقا من الاختصاص الذي يمنحه الفصلان 19 و31 للمؤسسة الملكية، إضافة إلى الحكومة كجهاز دستوري مرتبط بعلاقة جدلية مع المؤسسة الملكية. وهكذا نستحضر توجيهات العمل الدبلوماسي الرسمي للبرلمان، على اعتبار أن العمل الدبلوماسي البرلماني لا يشكل استثناء خاصا ، إذ لا يشتغل بمنأى عن الخطوط العريضة للسياسة الخارجية للبلاد.
توافقا مع كثير من الأنظمة سواء منها البرلمانية والرئاسية التي يتمتع فيها رئيس السلطة التنفيذية بدور رئيس في المجال الخارجي ، فإن الدستور المغربي قد سار في نفس الاتجاه مكرسا قطبية الملك في ضبط المجال الخارجي للبلاد، إلا أن خصوصية المغرب تجعل هذا التركيز ليس تقليدا لباقي الأنظمة ولكن له شرعية أخرى وهي الشرعية الدينية التي تتمتع بها الأسرة المالكة منذ عدة قرون، فبقوة القانون الذي يعطى للملك الحق في القيام بأدوار مهمة لها انعكاسات جلية ليس فقط على استمرارية النظام الدستوري برمته، ولكن أيضا على الدولة ككيان، وبهذه الصفة فإن الملك «يحتكر» القرارات الحاسمة والمصيرية أو ما يسمى بالقرار الاستراتيجي، والذي تندرج ضمنه الوحدة الترابية التي تشكل دائما أهم هاجس في السياسة الخارجية المغربية، ومنه يستمد العمل البرلماني آلياته في القيام بالدور الدبلوماسي والذي يظل مسايرا لتوجهات المؤسسة الملكية، وهنا نستحضر أهمية الخطابات الملكية في رسم السياسة الخارجية وتوجيهها، ففي الخطاب الذي ألقاء المغفور له الملك محمد الخامس بمناسبة افتتاح دورة المجلس الوطني الاستشاري سنة 1957 صرح قائلا: «... سنكلف وزير خارجيتنا بعرض السياسة الخارجية على أنظاركم...» وهكذا تجلى دور الملك في توجيه المجلس الوطني الاستشاري الذي شكل صيغة البرلمان أنذاك، ليستمر نفس الدور مع الملكين، المرحوم الحسن الثاني، و جلالة الملك محمد السادس ، خاصة بعد إنشاء البرلمان بصيغته الحالية منذ 1963 بعد صدور أول دستور للمغرب سنة 1962 ، أي بالتوجيه في طريقه العمل والنهج السياسي بشكل يبتعد عن عرض السياسة الملكية في المجال الخارجي فقط، بل يمتد إلى دعوة البرلمان للتخطيط في مجال الدبلوماسية وفق الأهداف الإستراتيجية للدبلوماسية المغربية. إذ صرح الملك المرحوم الحسن الثاني في خطاب له بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية 1985-1986 قائلا: «... هكذا سيمكن أن تخططوا للعمل الدبلوماسي المغربي برنامجه وطريقته بكل هدوء واطمئنان...» لترسم بذلك الخطابات الملكية إستراتيجية الدبلوماسية المغربية وأبعادها وآفاقها، حيث دعا جلالة الملك محمد السادس إلى أن تكون الدبلوماسية المغربية: «جريئة ونافذة جاعلين من الحوار والتضامن والشراكة، التوجيهات الأساسية لعملنا الفعال...» فالملك هو الذي يضع التوجيهات السياسية الداخلية والخارجية من خلال خطبه ومن خلال الرسائل التي يوجهها إلى البرلمان تبعا للاختصاصات التي يمنحها له الفصل 28 من الدستور، فمن خلال تدخلاته العمومية يحدد الخطوط العريضة وتوجهات السياسة الخارجية، وفي نفس الوقت يقدم معلومات وشروحا تتعلق بقراراته وكذا عن تطورات الوضع الداخلي والدولي، فالخطابات الملكية التي تلقى على شكل رسائل وتوجيهات تحولت إلى مصدر مباشر لمعرفة المبادئ الأساسية للنظام وبالتالي لسياسته الخارجية. ويكون للخطاب الملكي حضور بارز في اللقاءات والمؤتمرات والاجتماعات الدولية في إطار المنظمات والاتحادات البرلمانية الدولية، ونأخذ على سبيل المثال، خطاب الجلسة الختامية للدورة الأولى لهيئة الاتحاد العربي الإفريقي التي انعقدت بالمغرب يوم 10 يوليوز 1985 حيث جاء في خطاب الملك الراحل الحسن الثاني: «نعم هناك في القارة الإفريقية دول ليس لها من المشاكل مثل التي لدينا، هناك دول لديها التزامات في الجامعة العربية كما لليبيا والمغرب من التزامات ، هناك دول في إفريقيا ليست مسلمة وليست ملزمة بأحكام المؤتمر الإسلامي، هل معنى هذا أنها محرمة على الاتحاد العربي الإفريقي»، فنستنتج من هذا الخطاب معاني كثيرة تصب في التأكيد على ضرورة الاتحاد في ما بين العرب والأفارقة دولا وشعوبا، كما يتضح الهدف من الخطاب والمعبر عنه من جهة وجود مشاكل للمغرب، وهي أساسا تتعلق بالوحدة الترابية التي كانت ومازالت هاجس الدبلوماسية المغربية في البحث عن حل لها من داخل الاتحاد العربي الإفريقي والذي يلتئم عادة بحضور ممثلي خارجية وبرلمانات الدول الأعضاء به.
إذن فرئيس الدولة من خلال دوره السامي في إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية وفي التعبير عن الشخصية القانونية في الخارج، يعد بمثابة المنهجية الأساسية التي يسير على نهجها البرلمان كمؤسسة منتخبة ذات شرعية شعبية لا تعلو عن شرعية الرئيس المنتخب من طرف الشعب أو الملك صاحب المشروعية التاريخية في المغرب مثلا، وهكذا يحمي الدستور كل ما يتعلق بالدور الدبلوماسي للمسؤول الأول في الدولة، وفق اختصاصاته في ما يتعلق بتوجيه السياسة الخارجية للدولة، وتقديم ما يتعلق بها من بيانات للشعب، إضافة إلى تعيين المبعوثين الدبلوماسيين واستقبال الأجانب منهم، والاطلاع على تقارير البرقيات الواردة من المبعوثين في الخارج وإبداء الرأي حولها والاطلاع على المباحثات والمفاوضات التي يجريها مبعوثوه في الخارج وإبداء الرأي والتوجيه حولها، ومن ضمن ذلك يدخل العمل الدبلوماسي للبرلمان، حيث يعد مجلسا البرلمان تقارير عن عملهما الدبلوماسي ترفع إلى الملك للإطلاع عليها وإبداء الرأي فيها أحيانا، كما أن لرئيس الدولة مهام رئيسية في المجال الخارجي حيث يجري المفاوضات باسم دولته باعتباره الممثل الأسمى لها مع أشخاص القانون الدولي في أي موضوع أو قضية تتعلق بحقوقها ومصالحها، وهو وحده صاحب الاختصاص الأول في هذا المجال كما له حق إعلان الحرب، وإبرام المعاهدات والتوقيع عليها بعد موافقة البرلمان كما تنص على ذلك مجموعة من الدساتير الدولية من بينها دساتير دول المغرب العربي، حيث تنص على ذلك المادة 77 من دستور الجمهورية الجزائرية بالقول إن رئيس الدولة «يقرر في السياسة الخارجية للأمة ويوجهها ويبرم المعاهدات ويصادق عليها»، والمادة 97 تؤكد على «عرضها فورا على كل غرفة من البرلمان لتوافق عليها صراحة» ، كما ينص الفصل 48 من دستور الجمهورية التونسية على أن: «الرئيس يختم المعاهدات ويشهر الحرب ويبرم السلم بموافقة مجلس النواب»، أما بالنسبة لدستور الجمهورية الموريتانية فإنه ينص في المادة 36، على أن: «يمضي الرئيس الجمهوري المعاهدات ويصدقها»، وكذلك بالنسبة للمغرب كما أشرنا سابقا في الفصلين 19و31 ، وهكذا تمرر تلك المعاهدات على البرلمان لكي يوافق عليها بالإيجاب بعد النقاش حسب الأنظمة الداخلية للبرلمانات المذكورة، ماعدا تلك المعاهدات الملزمة لمالية الدولة والتي تظل ذات اختصاص تشريعي يتعلق بعمل البرلمان، وانطلاقا من ذلك تتخذ الدبلوماسية البرلمانية شكلين أساسيين: يتمثل الأول في دبلوماسية برلمانية ثنائية تتجسد في تبادل الزيارات والبعثات الثنائية بين مختلف برلمانات العالم والتي لا تقتصر مهمتها فقط على لقاء البرلمانيين، بل تلتقي أيضا مع المسؤولين الحكوميين وأحيانا مع الفاعلين في المجتمع المدني، أما الشكل الثاني فيأخذ طابع دبلوماسية برلمانية جماعية تمارس على صعيد المنظمات والاتحادات البرلمانية الدولية والجهوية، والتي تشكل أهم قنوات تفعيل الدبلوماسية البرلمانية كآلية تدبير الملف الخارجي وفق سياسة خارجية محددة ومضبوطة، ومن ذلك نرى تركيز البرلمان المغربي على ملف الوحدة الترابية وقضية الصحراء مثلا، وهذا ما نجده ثابتا في الخطاب الرسمي للدولة، وعليه تتمثل أهم وظائف الدبلوماسية البرلمانية في ربط التعاون بين البرلمانات الوطنية لحل بعض القضايا الدولية والمساهمة في حل النزاعات الدولية عبر تشكيل لجان للوساطة وتقريب وجهات نظر الأطراف المتصارعة، ودفاع البرلمانات الوطنية عن قضايا بلدانها وشرح مواقف حكوماتها من القضايا المطروحة ، وفي هذا الإطار تعد التوجيهات بمثابة قيود ترد على السلطات البرلمانية الوطنية في الميدان الدبلوماسي، فتنعكس بشكل مباشر على الاتحادات البرلمانية الدولية والإقليمية التي تفتقد بدورها لسلطة تقريرية تسمح لها بإصدار قرارات ملزمة للدول، مما يجعل الدبلوماسية البرلمانية مجرد أداة للتواصل والتعاون بين الأمم والشعوب ومنتديات لتبادل الآراء ووجهات النظر، وفي أحسن الأحوال توجيه توصيات غير ملزمة إلى القادة والحكومات. فما هو إذن الدور الدبلوماسي للحكومة في علاقتها بالبرلمان كمؤسسة لها علاقة جدلية بالحكومة من جهتي التشريع والمراقبة؟ وكيف يمكن للحكومة أن توجه العمل الدبلوماسي للبرلمان؟
رغم أن الملك بيده السلطة الفعلية سواء في ما يتعلق بتمثيل الدولة المغربية في الخارج أو في ما يتعلق بإبرام المعاهدات، فإن السلطات الوزارية قد تتدخل في بعض الأحيان لتساهم في السياسة الخارجية الدولية للمغرب، وذلك في المجالات التي تسمح بالتفويض في السلطات كإجراء المفاوضات باسم المغرب، والتوقيع على المعاهدات وتمثيل المغرب في المؤتمرات الدولية ولقاءات القمة المتعددة الأطراف واجتماعات المنظمات الدولية التي تنعقد على مستوى الملوك والرؤساء، فتباشر هذه السلطات الدبلوماسية القابلة للتفويض دستوريا، أو بمقتضى القانون الدولي من قبل السلطات الوزارية، أي من قبل الوزير الأول ووزير الخارجية وباقي الوزراء، وهكذا فالوزير الأول قد يكلف ببعض المهام المحدودة ، ومن ذلك على سبيل المثال الموافقة على الاتفاقيات ذات الشكل المبسط التي لا تخضع لشرط التصديق مثل الاتفاقيات المتعلقة بقروض ممنوحة من المؤسسات البنكية الدولية أو البنوك الأجنبية بضمان من الدولة المغربية لفائدة المؤسسات المغربية أو المتعلقة بالقروض المبرمة بين حكومة المملكة المغربية والحكومات الأجنبية.
فدور وزير الخارجية سواء في المغرب أو في الدول الأخرى يتسم من وجهة نظر قانونية محضة بأهمية كبيرة بالمقارنة مع السلطات الوزارية الأخرى، وقد كرست هذه الأهمية في اتفاقية فينا لعام 1969 حول قانون المعاهدات، حيث تم التأكيد على أن وزير الخارجية كرئيس الدولة يمكنه القيام بالأعمال المتعلقة بإبرام المعاهدات الدولة دون الإدلاء بوثيقة التفويض الكامل.
ويكون وزير الخارجية عضوا في أجهزة بعض المنظمات الدولية مثل المجالس التي تعقد على مستوى وزراء الخارجية، كما أنه يشارك في مؤتمرات القمة إلى جانب رئيس الدولة أو بالنيابة عنه، وبما أنه عضو في الحكومة فإنه يساهم على هذا الأساس في اجتماعات الحكومة بما يعني مشاركته النشيطة في اتخاذ القرارات وخاصة ما يتعلق منها بالمشكلات الدولية، إذ يتولى موظفوه في هذه الحالة إعداد القرارات ودراستها. وإلى جانب وزير الخارجية، لباقي أعضاء الحكومة الحق والصفة لتمثيل الدولة على الصعيد الخارجي، ففي الوقت الحاضر أصبحت العلاقات الدولية أكثر تعقيدا و تقنية، فلم تعد تهم فقط المشكلات ذات الطابع السياسي المحض، ولكنها تشمل أيضا أكثر المشكلات ذات الطابع التقني وهذا ما يفسر الاعتراف باختصاص دولي لفائدة الوزراء الآخرين، ففي الواقع لا يوجد وزير مهما كانت وزارته لا يتدخل في مجال العلاقات الدولية. ومن هنا فقد تكونت في كل وزارة مصالح أو مكاتب، من اختصاصاتها الاهتمام بالمشاكل الدولية التي لها صلة بالوزارة المعنية. فهناك إذن نوع من الانتشار لاختصاصات معترف بها تقليديا لوزارة الخارجية.
وهذه الظاهرة تطرح مشكلة دقيقة هي مشكلة التنسيق بين النشاطات الدبلوماسية لمختلف الإدارات المركزية التي تتدخل لسبب أو لآخر، في نطاق العلاقات الدولية، وبلا شك تؤكد الممارسة وجود صعوبات تعترض مثل هذا التنسيق الذي يسند إلى وزارة الخارجية، كل ذلك يبين أن مختلف السلطات الوزارية في المغرب يمكنها ممارسة الاختصاصات ذات الطابع الدولي عند حصولها على تفويض بذلك، أو حينما تمارس هذه الاختصاصات بمقتضى القانون الدولي، لتأكيد أن دور الحكومة ليس سوى دور تنفيذي لمخططات الملك، وانطلاقا من هنا وفي علاقة الحكومة بالبرلمان في مجال السياسات العمومية، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، واستنادا إلى الفصل 60 من دستور 1996 والمتعلق بمناقشة البرنامج الحكومي والتصويت عليه من طرف البرلمان، لا يمكن اعتبار أن دور الحكومة قد أصبح أكثر فعالية في الحقل الخارجي، ولكن كما يقول الدكتور الحسان بوقنطار، أنه من الصعب المجازفة في هذا الاتجاه اعتبارا للخصوصيات التي يتسم بها مجال السياسة الخارجية، فهي كما نعرف ترتبط أساسا بالسيادة الوطنية والاستقلال، ومن ثم تظل بمثابة المجال المحفوظ للملك استنادا للفصل 19 من الدستور. علاوة على ذلك فإن أي حكومة مهما كان لونها أو تركيبتها ، تعمل تحت مسؤولية الملك الذي يترأس المجلس الوزاري الذي تحال إليه حسب الفصل 65 «القضايا التي تهم السياسة العامة للدولة» ، ولذلك فإن دور الحكومة في المجال الخارجي يبقى محصورا في النطاق التالي:
1 ) المساهمة في تنفيذ السياسة الخارجية المغربية تحت إشراف الوزير الأول الذي يتحمل مهمة تنسيق النشاطات الوزارية.
2 ) إخبار وشرح وتوضيح السلوك الحكومي في هذا الإطار أمام البرلمان اعتمادا على التقنيات البرلمانية من خلال التصريحات الحكومية المقدمة أمام مجلسي البرلمان.
وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الخارجية ورغم التغيرات التي عرفها النظام السياسي المغربي ومجيء حكومة التناوب، قد بقيت ضمن ما يسمى بوزارات السيادة التي ولو أنها تعمل في إطار الحكومة، إلا أنها تعمل مباشرة في علاقة مع الملك. ومن ذلك يختلف مركز وزير الخارجية من حيث الأهمية باختلاف الدول وأنظمة الحكم فيها، ففي النظم الرئاسية يمثل وزير الخارجية الوكيل الذي يعمل نيابة عن موكله، حيث يقوم بتنفيذ قرارات رئيس دولته، ويعمل وفق توجيهاته، ويكون مسؤولا أمامه عن أعمال وزارته، وفي الدول البرلمانية يكون مركزه أكثر أهمية، فهو الذي يقوم من الناحية الفعلية برسم السياسة الخارجية لدولته، ويتولى عملية تنفيذها مباشرة أو من خلال موظفي وزارته، وهو الذي يتحمل المسؤولية في هذا الخصوص أمام مجلس الوزراء والبرلمان، ولذلك نراه يشترك مع رئيس الدولة في التوقيع على جميع الوثائق التي ترسلها دولته إلى الدول الأخرى كالتصديق على المعاهدات والبلاغات وأوراق الاعتماد والتفويض.
ويعتبر وزير الخارجية بالمغرب، منفذا لسياسة خارجية لا يتدخل دائما في رسمها لكنه قد يؤثر بشكل أو بآخر في إقراراها عبر اتصالاته مع الملك ومستشاريه الذين يعتبرون الصانعين الحقيقيين لهذه السياسة، حيث كان الملك الحسن الثاني دائما يذكر وزراءه بالمهام الموكولة إليهم والتي تتلخص في «تنفيذ توجيهاته وشرح أفكاره وآرائه والتعبير عن وجهات نظره».
ففي القضايا ذات الأهمية الكبرى، لا يقوم وزير الشؤون الخارجية لوحده بالمهام التنفيذية، بل كثيرا ما يبقى في الهامش ليفسح المجال أمام المستشارين الملكيين. فهؤلاء يعتبرون الجهاز التنفيذي المفضل لدى الملك وخاصة إذا تعلق الأمر «بالدبلوماسية السرية» حول قضايا حساسة قد تؤثر في الإجماع الوطني المؤثر في السياسة الخارجية. وكمثال على ذلك ندرج المفاوضات بين المغرب والجزائر سنة 1976 إلى 1987، واللقاء بين الحسن الثاني وشمعون بيريز في يوليوز 1986، ولقاء الملك بممثلي البوليساريو في يناير 1989 والذي تم إعداده من طرف المستشارين وخاصة أحمد رضا اكديرة المتوفى سنة 1995 .
وبناء على كل ما سبق ذكره، يتركز دور الحكومة بالمغرب في تنفيذ المخططات الملكية في مجال السياسة الخارجية على اعتبار أنها تدخل في إطار «المجال المحفوظ» للملك طبقا لمقتضيات الدستور.
وهكذا تظل علاقة الحكومة بالبرلمان علاقة وسطية، تشكل معبرا لشرعنة العمل الحكومي المبلور للسياسة الملكية في المجال الخارجي، من خلال التدخل المحدود أيضا والمحكوم بالدستور لنواب الأمة حاملي الشرعية الانتخابية، فيبرز التواصل من خلال مناقشة التصاريح الحكومية وقانون المالية بميزانياته الفرعية بما فيها ميزانية قطاع الشؤون الخارجية والتصويت عليها بالبرلمان بمجلسيه، حيث تتجلى الخطوط العريضة للسياسة الخارجية للمغرب من جهة البرنامج الحكومي أولا كإطار عام، ثم من جهة قانون المالية كإطار قانوني لتدبير الموارد في هذا الاتجاه ثانيا، ليبقى توجيه الحكومة للبرلمان في مجال السياسة الخارجية ثابتا غير متحول من خلال المصادقة والتصويت على البرنامج الحكومي وقانون المالية، ويبقى هامش الدفع بالفصل 56 من الدستور لطلب الأسبقية في شأن الموافقة على المعاهدات والاتفاقيات حاضرا يبرز الدور المحتشم للحكومة في توجيه البرلمان.
( باحث في العلوم السياسية)
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.