تعيينات جديدة في صفوف الأمن الوطني بالإدارة المركزية واللاممركزة    المحكمة الدستورية تسقط الفقرة الأولى ومواد أخرى من قانون المسطرة المدنية        استيراد الأبقار بالمغرب يلامس سقف 150 ألف رأس والحكومة تتجه لإصدار قرار جديد    تداولات بورصة البيضاء تنتهي بالأخضر    حقينة سدود المغرب تواصل الانخفاض رغم التحسن النسبي في معدل الملء    طيران مباشر يربط الأردن بالمغرب    فرنسا تعلق إعفاء جزائريين من التأشيرة    تحطم مروحية يقتل وزيرين في غانا    وفيات سوء التغذية تزيد بقطاع غزة    هل يُضفي الذكاء الاصطناعي الشفافية والمصداقية على الانتخابات المغربية؟    قرعة الأبطال و"الكاف" بدار السلام    "إعارة بلا شراء" للضحاك مع الرجاء    تنظيم جديد للسفر من "طنجة المتوسط"    تقلب الجو يوقف الصيد بمياه بوجدور    ضمنهم جزائريون وباكستانيون.. السلطات المغربية توقف "حراگة" بالشمال    دعم السينما يركز على 4 مهرجانات    خبيرة غذائية تبرز فوائد تناول بذور الفلفل الحلو    تكريم كفاءات مغربية في سهرة الجالية يوم 10 غشت بمسرح محمد الخامس    ماكرون يرفع سقف المواجهة مع الجزائر ويدعو حكومته لنهج أكثر صرامة    مصرع شخصين واصابة ثلاثة اخرين بجروح خطيرة في حادثة سير نواحي الناظور    بادس.. ذاكرة شاطئ يهمس بحكايا التاريخ        نشرة إنذارية: موجة حر وزخات رعدية قوية مصحوبة بالبرد وبهبات رياح مرتقبة من الأربعاء إلى الأحد بعدد من مناطق المملكة        رئيس الفيفا جياني إنفانتينو: دعم الملك محمد السادس جعل المغرب نموذجاً كروياً عالمياً    المغرب... تضامن مستمر ومتواصل مع فلسطين بقيادة الملك محمد السادس    دقيقة صمت في هيروشيما إحياء لذكرى مرور 80 سنة على إلقاء القنبلة الذرية عليها    حين ينطق التجريد بلغة الإنسان:رحلة في عالم الفنان التشكيلي أحمد الهواري    النجمة أصالة تغني شارة «القيصر» الدراما الجريئة    توقيف أفارقة متورطين في تزوير جوازات سفر وشهادات مدرسية أجنبية ووثائق تعريفية ورخص للسياقة    نتنياهو يتجه نحو احتلال قطاع غزة بالكامل    نشوب حريق في شقة سكنية بمدينة الفنيدق    حزب الله يرفض قرار الحكومة اللبنانية تجريده من سلاحه    قراءة ‬في ‬برقية ‬الرئيس ‬الأمريكي ‬دونالد ‬ترامب ‬إلى ‬جلالة ‬الملك ‬    أكلو : إلغاء مهرجان "التبوريدة أوكلو" هذا الصيف.. "شوقي"يكشف معطيات حول هذه التظاهرة    عدد ضحايا حوادث السير يرتفع بالمدن فيما يسجل انخفاضا خارجها خلال شهر يوليوز    نقل جندي إسباني من جزيرة النكور بالحسيمة إلى مليلية بمروحية بعد إصابته في ظروف غامضة    أشبال الأطلس يستعدون للمونديال بمواجهتين وديتين ضد منتخب مصر    المديرية العامة للأمن الوطني تطلق حركية الانتقالات السنوية    طفل يرى النور بعد ثلاثين عامًا من التجميد    غزة.. انقلاب شاحنة مساعدات يخلف 20 قتيلا ومستوطنون يهاجمون قافلة معونات قرب مخيم النصيرات    الموثقون بالمغرب يلجأون للقضاء بعد تسريب معطيات رقمية حساسة    "وصل مرحلة التأزم البنيوي".. 3 مؤسسات رسمية تدق ناقوس الخطر بشأن أنظمة التقاعد    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تعقد اجتماعاً حاسماً لدراسة تعديلات قانونية وهيكلية    الذهب يتراجع متأثرا بصعود الدولار    بطولة فرنسا: لنس يتوصل لاتفاق لضم الفرنسي توفان من أودينيزي    «أكوا باور» السعودية تفوز بصفقة «مازن» لتطوير محطتي نور ميدلت 2 و3    بين يَدَيْ سيرتي .. علائم ذكريات ونوافذ على الذات نابضة بالحياة    بنما تعلن من جديد: الصحراء مغربية... ومبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هي الحل النهائي    نحن والحجاج الجزائريون: من الجوار الجغرافي …إلى الجوار الرباني    اتحاديون اشتراكيون على سنة الله ورسوله    بجلد السمك.. طفل يُولد في حالة غريبة من نوعها    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    الأطعمة الحارة قد تسبب خفقان القلب المفاجئ    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المناضل السياسي العراقي، الدكتور عثمان الرواندوزي ل «الاتحاد الاشتراكي» (9) ... التدخل الأجنبي هو الذي أدى إلى قيام «داعش»

بين لندن والعراق، يعيش اليوم المناضل السياسي والمحامي الدكتور عثمان الرواندوزي، ولد سنة1951، وترعرع في مدينة تدعى رواندز، وهي مدينة كوردية صرفة، تقع في منطقة المثلث الحدودي بين كل من العراق وتركيا وايران. متزوج وله ولدان وبنت، بالإضافة الى عمله في المحاماة. يقوم الاستاذ الرواندوزي بالمشاركة والإشراف على بعض البحوث والرسائل للدراسات العليا كأستاذ خارجي لعدد من الدارسين في إقليم كردستان العراق.
عاش عثمان الرواندوزي مجموعة من الأحداث الداخلية للعراق وإقليم كوردستان العراق. التقى بشخصيات كبيرة، تأثر وأثر في مجموعة من الأحداث التي طبعت تاريخ العراق الحديث والمعاصر. لجأ الى المنفى الاضطراري بعدة دول أوربية وعربية، إما للتحصيل العلمي أو نفيا اضطراريا حفاظا على حياته. التقى صدام حسين وجها لوجه بعد العفو الشامل وتحاور معه وحاول إبلاغه حقيقة معاناة الشعب العراقي. أسس حركته «حركة» سرية نخبوية للتأثير في مسار الأحداث بالعراق إبان سقوط نظام صدام حسين. رفض أي دعم خارجي لحركته مهما كانت طبيعته. تكهن بسقوط نظام صدام حسين بتعداده لمجموعة من المؤشرات، وترابط العديد من الأحداث يرويها لنا بكل دقة وعمق بغية إماطة اللثام عن جزء من الأحداث التاريخية والراهنة للمنطقة، جدية وعمقا جعلتنا نغوص معه في مجموعة من القضايا التي يعرفها اليوم الشرق الأوسط من جهة من أحداث، ومن جهة أخرى ما تولد عما سمي ب»الربيع العربي» وما هي التكهنات التي يمكن استلهامها من تطور الأوضاع خاصة بسوريا والمنطقة المحيطة بعد التطورات الأخيرة.
o إذن يمكن القول ان هناك مؤامرة ايقاظ الفوضى دون القدرة على التحكم في نتائجها؟
n لكل ما تقدم، لا أعتقد بأن الفوضى الخلاقة هذه حصلت من أجل إعادة خريطة المنطقة أساساً، ولا يمكن تأكيد حصول ذلك لوحده. قد تكون فلتان السيطرة على الامور، أو خلافات ومنافسات ونزاعات داخلية عميقة، أو حرب بالوكالة في منطقة أو حالة ما، وفي غيرها الحفاظ على المصالح الاستراتيجية، وفي غيرها محاولة الحصول على مواقع جديدة، وأخرى خلاف آيديولوجيات وعقائد وإلهاء، وربما الاستحلاب والاضعاف، أو إجراء التجارب على الأسلحة أو التخلص من بعضها والتجارة ببعضها أو أكثر من سبب... الخ. ولكن ليس من المستبعد أن ينتج عن ذلك إعادة الخريطة الجغرافية أو السياسية أو كلاهما معاً في منطقة أو أكثر في جزء من الشرق الأوسط أو حتى خارجها كنتيجة لها أو إحدى إفرازاتها أو فرصة لتحقيق شيء من ذلك، بحكم الأمر الواقع أو بالاستناد الى المستجدات أو الضرورات.
دأب الكثير من الناس ومنهم سياسيون وباحثون ومفكرون وإعلاميون على تقبل فكرة أو نظرية المؤامرة، وكلما حصل شيء في مكان ما يعيدونه أو يعتبرونه مخططاً مسبقاً له من قبل بعض الدول الأجنبية أو بعض أجهزة تلك الدول. أنا شخصياً لا أنكر وجود نظرية المؤامرة إنكاراً مطلقاً، ولكن أتحفظ على إعتبار كل شيء يحدث في أي مكان في العالم أو في مناطقنا إبتداءاً نتيجة مؤامرة مسبقة مخطط لها من الخارج. نعم أن العالم بالنسبة لأقطاب القوى العظمى مترابطة وعبارة عن مناطق نفوذ مقسمة بينها بأدوار مختلفة، قد يجري تغيير أو تبادل هنا أو هناك في زمن أو وقت ما، ولا أنكر بتدخل واحد أو أكثر من تلك القوى في أي حدث قد يقع وفق مخطط مسبق له من قبل أحدهم أو أكثر قبل وقوعه، أو بعد حصوله، في أي موقع من العالم، وفي المقابل تدخل الطرف المنافس في التدخل في نفس الموقع أو خلق وإيجاد أو المساهمة في التدخل في موقع آخر. ومنطقة الشرق الأوسط تتمتع بالعديد من الأسباب التي تدعو تلك القوى العظمى للتدخل في شؤونها، ووضع المخططات المختلفة لها. والتاريخ الجغرافي والسياسي للمنطقة يثبت حصول العديد من التغييرات فيها وفي خرائطها، وبالاستناد على كل ما ورد لا أستبعد حصول تغيير مجدداً فيها بناء على الاحداث التي تجري فيها.
أما آراءنا ووجهات نظرنا فليست إلا توقعات وتخمينات مبنية على أحداث وممارسات وقرارات وكتابات حالية وسوابق نستدل عليها. فهي تحمل الوجهين الصواب والخطأ، لاسيما إن مسألة الشرق الأوسط ليس بعمومها، إنما حتى بجزئياتها معقدة لدرجة يصعب التكهن بها وبنتائجها الدقيقة والأكيدة حتى على أفضل مراكز البحوث والدراسات ولدى الأجهزة المعنية للدول المتصارعة حولها، وخير دليل على ذلك عدم توصل كبريات دول العالم والامم المتحدة ودول المنطقة الى إيجاد حل لأي من قضايا هذه المنطقة وحروبها المدمرة كما هو الحال في العراق وسوريا واليمن وليبيا وفلسطين، لا بل وحتى الاستقرار التام لبعض غير تلك الدول في المنطقة. كما وان التحالفات والمواقف بين الدول غير مستقرة وتتعرض الى تغييرات، وما نشاهده بعد الحوادث الارهابية الاخيرة، وربما المستقبل يشهد المزيد منها للأسف، فيما لو لم يتم المعالجة الجذرية لكل تلك المشاكل والصراعات وحل كل تلك الاشكاليات والتناقضات، والاتفاق على استراتيجيات عادلة ومتوازنة.
o في علاقة بالموضوع في نظركم هل فعلا هناك تنظيم يدعي انه «دولة» تحث اسم «داعش»؟ كيف نشأ وما هي مسببات وجوده؟ وأين يكمن الرهان من صنعه؟
n للدولة عناصر ثلاث هي الإقليم والشعب والسلطة، فمتى ما توفرت هذه العناصر يمكن قيام الدولة. وليس من عناصر الدولة الانضمام الى الأمم المتحدة، فحتى عهد قريب لم تكن دولة سويسرا عضوة في الامم المتحدة على سبيل المثال. وليس هناك ما يوجب نوعية السلطة فيما أن تكون ديمقراطية أو دكتاتورية، ملكية أو جمهورية، سلطنة أو إمارة وما الى ذلك. كما ولم يحدد حجم الشعب وعدد الساكنة، أو الشعب الواحد أم عدة شعوب، أو المساحة والجغرافيا. هذا بالمقياس العام، ولكن ليس كل إدعاء دولة هي دولة بمعناها الواقعي المقبول دولياً. وعلى سبيل المثال، فبالرغم من إعتراف العديد من الدول بدولة فلسطين وقبول الأمم المتحدة لفلسطين كدولة مراقب في الجمعية العامة للامم المتحدة، ورغم وجود علم وتمثيل دبلوماسي والعلاقات الواسعة مع جميع دول العالم، لكنها لا تزال لا تعامل كدولة كاملة حالها حال بقية دول العالم. ومثال آخر هو إقليم كوردستان العراق، فرغم تحقق عناصر الدولة الكاملة فيه، ورغم وجود بعض العلاقات الدبلوماسية مع العديد من دول العالم وتبادل الزيارات بين المسؤولين الدوليين، ورغم عقد الاقليم لبعض الاتفاقات مع بعض البلدان والتجارة معها بيعاً وشراء والتعاملات التجارية والاقتصادية دون الرجوع الى حكومة بغداد إلا انه لا يعتبر دولة.
فمسألة وجود دولة تحت إسم (داعش) كتسمية موجودة ويتداول ذكره في وسائل الاعلام المختلفة وفي التقارير الدولية لأن القائمين على تلك المنظمة يعتمدون التسمية تلك. إلا انه لا يوجد في الواقع أي شيء من قبيل القبول بها كدولة وإنما تعرف كمنظمة إرهابية وليست دولة بمعناها المعتبر دولياً وقانونياً.
لم يقتصر ظهور الارهاب على الزمن الحالي، فالاعمال والممارسات الشبيهة بما تمارسها المنظمات التي تسمى بالارهابية ظهرت منذ الأزمنة السحيقة وفي مختلف بقاع العالم. كما وإنها لم تقتصر فقط على البعض الذين يدعون أنفسهم بالمسلمين، إنما مارسها غير المسلمين وحتى غير المتدينين، وحتى في الدول المتقدمة في زمن ما. إلا انها لم تسمى بالإرهابية. وحتى بعض الجرائم والممارسات الاجرامية التي يقترفها البعض من غير المسلمين أحياناً الشبيهة بما يقترفها غيرهما من المسلمين وتوصف بالارهابية، لا توصف ضد هؤلاء بالاعمال الارهابية، وإنما يتم استخدام أوصاف أو مسميات أخرى بذرائع مختلفة. فضلا عن أن بعض تلك الاعمال والممارسات تعتبر حق دفاع شرعي أو مقاومة مشروعة أو ماشابه ذلك، بينما نفس الممارسات والاعمال تعتبر للبعض الآخر أعمال إرهابية. فتعريف الارهاب نفسه محل وقفة.
أعلن «داعش» إنتماءه للقاعدة في بداية الأمر، إلا انه سرعان ما أعلن تراجعه عنها، وأصبح أكبر منظمة إرهابية على مستوى العالم، وأعلن العديد من الجماعات الإرهابية والعنفية في مختلف البلدان قبولهم بها وإنتمائهم إليها.
ان قيام «داعش» وظهوره وبروزه ووجوده يتمثل في أكثر العوامل والأسباب والظروف التي وردت في أجوبتنا على بعض الأسئلة السابقة كانت جزءاً من مسببات قيامه ووجوده، يضاف إليها بالدرجة الأساس ما أل إليه الوضع في العراق بعد عام 2003م، وما إرتكبته بعض القوات الأجنبية وشركات الحماية والأمن هناك من جرائم، والوضع المتردي في البلاد، وبعض القرارات والممارسات القائمة على روح الانتقام والثأر والاجرام بحق مكون اساسي في البلاد، وصعود النزعة الطائفية وإذكائها بدرجة كبيرة لدى بعض الأحزاب الدينية المحلية فيها، فضلا عن إرتفاع بعض الأصوات لمحاربة القوات الأجنبية، الى جانب توجه أعداد غفيرة من المقاتلين الارهابيين الهاربين من أفغانستان ودول اخرى وإستقرارهم في العراق، وإخراج أو خروج كل المجرمين الخطرين من السجون العراقية، والى ذلك من أسباب مشابهة.
كما ورد في إحدى الأجوبة السابقة فان وسط العراق بالذات أصبح مرتعاً خصباً للعمليات الارهابية والعصابات الى جانب ما أعتبره البعض مقاومة وطنية ضد الاحتلال وضد الظلم الطائفي، وللدفاع عن الحقوق المسلوبة. فانتشر في البلاد عمليات حربية وقتالية وقتل على الهوية وعمليات إرهابية وإنتحارية وكل أنواع الجرائم ومنها الكبرى. وفي هذه الحالة لن يكون هناك إستقرار وأمن اللازمين لتأمين المصالح، مما يدعو الى البحث عن وسائل لتأمينها والحفاظ عليها. هذا ما دفع بالبعض لتقبل فكرة التدخل الأجنبي في كل ما جرى ويجري، وهناك تصريحات وكتابات على مختلف المستويات وفي بقاع العالم المختلفة في هذا الشأن. وكل ذلك على ما أعتقد كان سبب قيام ونشأة «داعش».
وبعدما قامت أحداث سوريا بتناقضاتها المتعددة المتباينة الواضحة والصريحة، وتهاون وتأرجح بعض الدول الكبرى أحياناً وبعض دول الاقليم في إتخاذ القرارات والعمل ضدها لأسباب عديدة ومتباينة. فقد وجدت هذه المنظمة الإرهابية مرتعاً خصباً مضافاً آخراً لها على أراضي تلك الدولة التي تكون المصالح الاستراتيجية للدول الكبرى ولدول الاقليم ربما أكثر تناقضاً وإهتماماً وتعدداً. ووجدت في تلك الأراضي ملعباً أكثر جذباً لها ولتطعاتها وإنتشارها والتواصل مع العالم الخارجي ولعملياتها، لاسيما سهولة الوصول إليها والالتحاق بها عن طريق تركيا وما يمكن الحصول عليها من خلالها وتسهيلاتها لها في مختلف المجالات. وبالنظر للعدد الكبير والهائل لأفراد ومقاتلي هذه المنظمة الارهابية، ولما لم يكن جميع أفرادها من أبناء المنطقة، إنما ثبت بالدليل القاطع وجود الآلاف من مواطني دول أوربا ودول أمريكا ودول العالم المختلفة بين مقاتليها، لهذا لابد من وجود أسباب إضافية أخرى على ما سبق ذكره، وهي الاسباب التي دفعت بهؤلاء للإنضمام إليها، ولا نريد الخوض في ذلك هنا. فضلا عن حصولها على الكثير من الدعم من بعض البلدان الأخرى ومن التجارة خاصة البترولية بعد سيطرتها على العديد من آبار النفط وغيرها من وسائل البقاء والتوسع والقوة. كما تشير الى ذلك وسائل الاعلام المختلفة باستمرار، فضلاً عن سيطرته على الكثير من مختلف أنواع الأسلحة والعتاد والذخائر والأموال والمخدرات والطرق والأماكن الاستراتيجية والمقاتلين والخبراء في مختلف المجالات ومنها العسكرية والتقنيات الحديثة والاعلام وكذلك التجار والسماسرة الذين يسهلون مختلف العمليات التجارية لهم، وغيرها من وسائل الدعم والاسناد. فاختارت من مدينة الرقة السورية (عاصمة) لها، والزحف في وقت آخر على الحدود العراقية من ناحية الشمال الغربي واحتلال بعض المدن والمناطق العراقية المختلفة ومنها الكوردستانية العراقية، وإعلان إلغاء الحدود الدولية بين البلدين في تلك المناطق، وإعلان ما أسموها (دولة العراق والشام الاسلامية، أي داعش).
o هل دواعي وظروف قيام «داعش» تتشابه فيما بينها باختلاف مناطق تواجدها؟
n لما لم يكن هناك الدقة التامة لحده في كيفية القيام بصنع «داعش»، لذا نركن الى نظرة الأطراف المهتمة به من وجوده. فالنظرة الى داعش تختلف بين المحلي والاقليمي والدولي. ففي العراق مثلاً، قد تكون الضرورة والمصلحة في قيامه ووجوده وفق تصورات جهة ما كبعض السنة مثلاً، ربما فكروا في إعتبارهم حماية لهم لما يتعرضون له في البلاد من ظلم وقتل وتهجير وغير ذلك. وبعض الشيعة ربما وجدوا في وجودهم ذريعة للمزيد من تحجيم دور السنة ونبذهم كون هؤلاء من السنة، وفي عين الوقت لإيذاء الكورد وتقليل دورهم في البلاد. وإيران ربما تجد في وجودهم فرصة للمزيد من التوغل المسلح والتدخل في الشأن العراقي وبسط المزيد من النفوذ عليها. وتركيا قد ترى بأن وجود داعش لمصلحة سنة العراق ضد الشيعة وكورد العراق ولو أن لتركيا علاقات تجارية واسعة معها ومستفيدة منها كثيراً، لكن معلوم أن لها علاقات مع بغداد ايضاً ولا يتغير في الأمر شيء لو تغير الأمر في كوردستان، أو ربما كان يكون من مصلحته أكثر بالتعاون مع داعش أو مع بغداد في حالة خسارة مصالحه مع كورد العراق. كذلك بالنسبة لتركيا في سوريا من جهة التخلص من نظام حافظ الأسد العلوي، ومن كورد سوريا الذين سيطروا على العديد من مناطق كوردستان سوريا والتي هي حدودها مشتركة مع تركيا، والخوف من حزب العمال الكوردستاني (PKK) والأحزاب الكوردية السورية، وعدم فسح المجال لقيام أي كيان مهما كان بسيطاً لكورد سوريا. وهذا لم تخفيه السلطات التركية وفق تصريحات أكبر زعماء البلاد وممارساتهم. أما سوريا، فربما تصورت بعض فصائل المعارضة السورية وجود "داعش" يسهم في تضعيف وتمزيق نظام حكم بشار الاسد ويسهل إسقاطه، في حين كانت الحكومة السورية ربما ترى في ذلك تفتيتاً للمعارضة مستنداً على مبدأ "فرق تسد" المشهورة، وفي ذات الوقت إخافة دول العالم المختلفة بهم، من خلال ما قامت بها تلك المنظمة من أعمال إرهابية وإجرامية كبرى في سوريا والعراق، والخشية منهم ومن أمثالهم من إحتمالية تمكن الاصولية الاسلامية الراديكالية الوصول الى السلطة وحكم البلاد، وبذلك ستدفع بالدول الكبرى المناوءة لها لتغيير موقفها تجاهه وتجاه نظام حكمه. أما بالنسبة لإسرائيل، فالموقف واضح حيث ان المسلمين ينشغلون بالقتال بين بعضهم البعض وسيدمرون بلدانهم وأنفسهم، وينسونه ويتركون قضية فلسطين، فضلا من ان العالم بشكل عام سينبذون هذه الدول الاسلامية والاسلام، خاصة إذا إستمرت الحالة وتطورت للمزيد بين السنة والشيعة، عندها تكون أخطر حالة على الاطلاق بين المسلمين عامة. أما للدول الكبرى، فبالرغم من إعلان الجميع وقيامها بمحاربة وضرب "داعش"، إلا ان الموقف مختلف بالنسبة لهم، ليس تجاه "داعش"، وإنما بشكل عام. فالعالم بالنسبة لها عبارة عن سلسلة حلقات مترابطة، وحينما تنقطع حلقة ما منها تختل تلك السلسلة، كل حسب مصالحه الاستراتيجية التي تكون متناقضة فيما بينها، وبالذات بين القطبين الرئيسيين- بعد أن أصبحت روسيا تعود الى درجة من سابق عهدها حينما كانت تشكل القطب الند للغرب-، ولو حدث وتسببت بعض الأحداث في تقريب المصالح بين القطبين المتنافسين في أي موقف، يبقى التناقض والتنافس ولا ينتهي بشكل كامل أو نهائي، إنما يسري العمل نحو توافق وإتفاق على إستراتيجيات معينة ومصالح محددة يتفق عليها بينهم، سواء في نفس المنطقة أو الحالة أو في منطقة أو حالة اخرى. وهذا ما يحصل بالنسبة لمواقفها تجاه "داعش" في كل من العراق وسوريا، وكذا الحال بالنسبة لمجمل مناطق العالم. كانت هذه النظرة لمختلف الجهات بشأن "داعش" ربما تمثل الرهان على صنعه ووجوده.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.