"إغلاق المعبر يعني أن أفقد قدمي الثانية" شهادات لبي بي سي من مرضى ومصابين في رفح    ما الذي قاله مدرب نهضة بركان بعد الانتصار على الزمالك المصري؟    كرة اليد.. اتحاد طنجة يتأهل لربع نهائي كأس العرش    دفاتر النقيب المحامي محمد الصديقي تكشف خبايا مغربية عقب تحقيق الاستقلال    جهاز الإحصاء الفلسطيني: مقتل أكثر من 134 ألف فلسطيني وأكثر من مليون حالة اعتقال منذ نكبة 1948    مدرب بركان يشيد بالفوز على الزمالك    إبراهيم صلاح ينقذ "رين" من خسارة    لقاء لشبيبة حزب التجمع الوطني للأحرار بفاس حول الحصيلة المرحلية للعمل الحكومي    الانفصاليون في كاتالونيا يخسرون غالبيتهم أمام الاشتراكيين بقيادة سانشيز    طقس الإثنين.. أمطار رعدية مع هبوب رياح قوية بهذه المناطق    خلاف مروري بساحل أكادير يتحول إلى جريمة دهس مروعة (فيديو)    بلينكن يحذر إسرائيل من "الوقوع في فخ القتال مع حماس والانزلاق إلى الفوضى إذا لم يكن هناك خطة لحكم غزة في مرحلة ما بعد الحرب"    إقليم العرائش يستعد لاحتضان الدورة الثانية عشرة للمهرجان الدولي ماطا للفروسية    المنتخب المغربي للتنس يتوج بطلا لإفريقيا    رصيف الصحافة: سمك فاسد في "جامع الفنا" يودع 3 أشخاص الحراسة النظرية    الجيش المغربي ونظيره الأمريكي ينظمان الدورة ال20 من مناورات "الأسد الإفريقي"    مطلب ربط الحسيمة بشبكة السكة الحديدية على طاولة وزير النقل    النصيري في ورطة بإسبانيا وعقوبة ثقيلة تنتظره    تفاصيل محاولة فرار "هوليودية" لمغاربة بمطار روما الإيطالي        "إيقاعات تامزغا" يرفع التحدي ويعرض بالقاعات السينمائية الأسبوع المقبل    باريس سان جيرمان يودع مبابي أمام تولوز بالدوري الفرنسي الليلة    وفاة 5 تلاميذ غرقا بأحد شواطئ الجزائر    جيتكس إفريقيا المغرب 2024.. وكالة التنمية الرقمية في خدمة النهوض بالابتكار والتكنولوجيا الجديدة    عاصفة شمسية قوية تنير السماء بأضواء قطبية في عدة دول    حل مجلس الأمة الكويتي: إنقاذ للبلاد أم ارتداد عن التجربة الديمقراطية؟    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    أسعار الطماطم تقفز بأسواق المغرب .. ومهنيون: تراجع الإنتاج وراء الغلاء    معرض الكتاب.. لقاء يحتفي بمسار الأديب أحمد المديني    افتتاح فعاليات الدورة الثالثة للمعرض الدولي للأركان بأكادير    "أسبوع القفطان".. فسيفساء من الألوان والتصاميم تحتفي بعبق الزي المغربي    "كوكب الشرق" أم كلثوم تغني في مهرجان "موازين" بالرباط    توقعات أحوال الطقس غدا الاثنين    الدرهم يرتفع بنسبة 0,44 في المائة مقابل الأورو    زلزال بقوة 6.4 درجات يضرب سواحل المكسيك    اليوتوبر إلياس المالكي يمثل أمام النيابة العامة    الصويرة : دورة تكوينية لفائدة أعوان التنمية بمؤسسة إنماء    المغرب الفاسي يبلغ نصف النهائي بفوزه على المغرب التطواني    الحسيمة تحتضن مؤتمر دولي حول الذكاء الاصطناعي    الإمارات تستنكر دعوة نتنياهو لها للمشاركة في إدارة غزة    طانطان.. البحرية الملكية تقدم المساعدة ل59 مرشحا للهجرة غير النظامية    عرض "قفطان 2024" في نسخته الرابعة و العشرين بمراكش    ورشة حول التربية على حقوق الانسان والمواطنة    مذكرة توقيف تلاحق مقدم برامج في تونس    بعد إلغاء حفل توقيع رواياته.. المسلم يعد جمهوره بجولة في المدن المغربية    الصين تطور أول نظام للهيدروجين السائل المركب بالسيارات من فئة 100 كيلوغرام    مركز متخصص في التغذية يحذر من تتناول البطاطس في هذه الحالات    ماذا يقع بالمعرض الدولي للكتاب؟.. منع المئات من الدخول!    النخبة السياسية الصحراوية المغربية عنوان أطروحة جامعية بالقاضي عياض    عائلات "المغاربة المحتجزين بتايلاند" تنتقد صمت أخنوش وبوريطة    الأمثال العامية بتطوان... (596)    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    المغرب يسجل 26 إصابة جديدة ب"كورونا"    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الأمثال العامية بتطوان... (595)    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تراجعات والتباس وعقوبات حبسية .. ما يخفيه قانون الصحافة والنشر

صادق البرلمان على قانون الصحافة والنشر رقم 88.13 و الذي لم يكن مختلفا عما سبق للرأي العام أن اطلع عليه في مشاريع أخرى، وعارض جوانب التراجع عن المكتسبات التي ضمنت فيه فيه، تلك المكتسبات التي راكمها رجال و نساء الصحافة منذ بداية الاستقلال.
غير ان الفرق اليوم هو ان الحكومة استعانت باللغة و ضوابط الصياغة من اجل اخفاء تلك التراجعات. و هو ما يتبين مما يلي:
الصياغة ذات الحمولة
القانونية غير الواضحة
1 - إن ما يلفت النظر هو الصيغة التي كتبت بها التعريفات لكونها لا علاقة لها بالصيغ التي تحكم كتابة القواعد القانونية . ويمكن إجراء مقابلة بسيطة بين أي فصل من فصول ظهير 1958 المتعلق بقانون الصحافة، مع الصيغة التي كتبت بها التعارف، مثلا تلك التي خصصت لها المادة 2 و التي كتبت بلغة الاستشارات حول الصفقات العمومية، التي لا علاقة لها بالعمل اليومي للالصحافي الذي يجمع بين ما هو سياسي و قانوني و اجتماعي ، و كنموذج على ذلك التعريف الذي اختاره القانون للصحيفة الالكترونية، وهو التعريف الذي كتب بجمل لا يفهم منها اي شيء عندما ننتهي من قراءة ذلك التعريف، وقس على ذلك باقي التعارف الآخرى.
2 - وهي تتعلق بتقنية التشريع، ذلك ان كل مشرعي العالم يتحاشون التعارف لسبب بسيط وهو أنه في القواعد الزجرية ، مثل قانون الصحافة، فإن اعتماد آلية التعريف، وهو اعتماد إطار يمكن ان يفسر بالشيئ و نقيضه في نفس الوقت، لأن التعريف يعني الالتزام بالكلمات التي كتب بها ذلك الفصل، أمام واقع متغير، وأمام موضوع متغير باستمرار وهو العمل الصحافي، فما هو قذف اليوم قد يصبح غدا معتادا و مسموحا به، والعكس صحيح، فهل ستغير التعارف كل يوم ؟
الصياغة التي توحي بإعطاء الحق بينما هي تلغيه عند التضييق
قراءة فصول قانون الصحافة والنشر الذي قدمته الحكومة للبرلمان، تبين أنه اعتمد في كتابته على استعمال آلية معروفة في صياغة بعض القوانين في بعض الحالات، وهي الآلية التي تعطي شعورا للقارئ بأنه له الحقوق التي يطالب بها عند قراءة القاعدة القانونية، لكن عند تطبيق تلك القاعدة يجد المواطن نفسه أمام عكس ما قرأه ، أي أمام ضياع لحقوقه وليس حصوله عليها.
وسنحاول رصد بعض الحالات التي طبقت فيها تلك الآلية.
n المثال الاول
وبالرجوع إلى المادة 4 من القانون الذي قدمها السيد الوزير المكلف بالاتصال على أنها مكسب للالصحافيين، نجدها تنص على ما يلي:
«سرية مصادر الخبر مضمونة ولا يمكن الكشف عنها إلا بمقرر قضائي وفي الحالات التالية:
«- القضايا المتعلقة بالدفاع الوطني وأمن الدولة الداخلي والخارجي
«-الحياة الخاصة للأفراد ما لم يكن لها علاقة مباشرة بالحياة العامة
هذه المادة أحدثت آلية جديدة لم تكن موجودة منذ الاستقلال وهي الآلية التي سيجبر فيها الصحافي على الاخبار بالشخص أو الجهة التي زودته بالخبر الذي نشره ، مع أن حماية مصادر الخبر بالنسبة للالصحافي هي قضية حياة أو موت له كمهني، لأنه إذا كان يكشف عن مصادره فلن تبقى له مصادر أصلا ، ولنا في قضية ووتركيت أحسن مثال. إذ أن الصحافيين من الواشنطن بوست استطاعا الكشف عن أخطر عملية التجسس على حزب منافس بامتناعهما عن الكشف عن الشخص الذي زودهما بالمعلومات و الذي لم يعرف إلا بعد أن أحيل على التقاعد و قارب مفارقة الحياة ليطلع العالم على أنه كان من رجال وكالة المخابرات المركزية.
فسرية مصادر الخبر بالنسبة للالصحافي ليست امتيازا له وإنما امتياز للمجتمع. وهي ضرورية لكشف الحقائق التي تحمي الدولة و المجتمع.
فكلمة «أمر قضائي»، تعني أن رئيس الجلسة، سيجبر الصحافي المتابع أمامه على الإعلان عن الشخص أو الجهة التي زودته الخبر المتابع من أجله.
وبهذا انتقل الصحافي من حقه المطلق في عدم إفشاء مصادر خبره ، إلى إلزامه بالإفشاء عن ذلك الشخص أو الجهة .
ويجب أن نعترف أن العمل الصحافي هو عمل مناوئ للسلط جميعها سواء كانت سلطة الدولة أو سلطة المال أو سلطة القضاء أو اي سلطة أخرى، بالمغرب أو في امريكا أو الخليج او غيرها من الدول . فدور الصحافي أن يبحث، ويعلن ما يريد الآخرون إخفاءه، لأن مهمته، نقل المعلومة الصحيحة التي تحمي قضايا الوطن.
فالصحافي، هو من يغامر، ويتجاوز قواعد الحدود الصحافية الموضوعة، إذا كان يتوفر على معلومة صحيحة لا غبار عليها هي في صالح الدولة والمجتمع الذي يعيش فيه ، فعليه أن ينقلها علنا للرأي العام، ولا يأبه بالمنع الذي ينص عليه القانون.
لكن، عندما تأتي الحكومة في دستور 2011 ، وتغير قاعدة حماية المصادر التي هي موجودة اليوم ، لأنه لا يوجد أي نص قانوني يجبر الصحافي على الإعلان عن مصادر خبره، فإنها تهدم مكسبا وحصنا الصحافيا، أقرت به الدولة منذ 1958 ولم تغيره حتى في زمن الجمر وزمن القهر والاستبداد. وهو الزمن الذي لم يسجل على الدولة أن سنت قانونا تلزم الصحافي بالإعلان عن مصادر خبره، إلى أن أتت الحكومة الحالية التي ألغت ، بجرة قلم هذا المكسب. بينما الخطاب الذي يعلنه و وزير الاتصال هو خطاب مناقض لما ينص عليه قانونه. مما يصعب وصف مثل هذه القاعدة الجديدة بكونها إصلاحا ، بل هي تراجع عن مكتسب لم تنازع فيه الدولة من قبل.
n المثال الثاني
هو ما أتت به الفقرة الثانية من الفصل 5 من القانون والتي تنص على ما يلي:
«يحق للالصحافيين ولهيئات ومؤسسات الصحافة الولوج إلى مصادر الخبر والحصول «على المعلومات من مختلف المصادر، باستثناء المعلومات السرية، وتلك التي تقيد «الحق في الحصول عليها طبقا للفقرة الثانية من الفصل 27 من الدستور.
فصياغة هذه المادة، توحي بكون الصحافي سيصبح حرا في الحصول على المعلومات التي تساعده في عمله ، لكن عند التطبيق، فإن نفس الفقرة وضعت فيها قاعدة أخرى معاكسة ، تمنع على الصحافيين الحصول على المعلومة عندما استثنت تلك الفقرة ما سمته، المعلومات التي تكتسي طابع السرية .
وانه لا يرد على هذا بأن المقصود بالمعلومات التي تكتسي طابع السرية هي تلك المتعلقة بالدفاع و الأمن ، وذلك للأسباب التالية:
1-إن المعلومات المتعلقة بالأمن والدفاع الوطني وغيرها هي منصوص عليها في الفصل 27 من الدستور الذي تحيل عليه نفس الفقرة من نفس المادة.
2-إن الصحافي لم يبق ممنوعا فقط من المعلومات المنصوص عليها في ذلك الفصل 27 من الدستور، وإنما أضاف له القانون نوعا آخر من المعلومات، وهي عن المعلومات التي سمتها الفقرة الأولى من المادة 5 المعلومات التي تكتسي طابع السرية، دون أن تذكر تلك المادة هذه المعلومات و لا الجهة التي ستحدد طابع السرية من عدمه بخصوصها. و عدم تحديد قانون وزير الاتصال تلك الجهة يعني أن أي إدارة ، من غير إدارة الأمن والدفاع، ستواجه الصحافي بالطابع السري للمعلومة حسب تقديرها، وهو ما يمنع من الاطلاع عليها.
هكذا سيلاحظ أن ظاهر المادة 5 يعطي للصحافي الحق في الوصول إلى المعلومة، لكن في الواقع والحقيقة عند التطبيق، فإن الصحافي لن يغادر مكانه الحالي الذي يوجد فيه اليوم، بل سيتراجع عما راكمه من مكتسبات.
n المثال الثالث
يتجلى من قراءة المادة 6 التي تنص على ما يلي:
«تسهر الدولة على حرية الصحافة وتعددية الإعلام
«تستفيد قطاعات الصحافة والنشر والطباعة والتوزيع من الدعم العمومي، بناء على «مبادئ الشفافية وتكافؤ الفرض والحياد، وذلك لما لهذه القطاعات من دور في تنمية «القراءة وتعزيز التعددية.
«تحدد شروط و كيفيات الاستفادة من الدعم المذكور أعلاه بنص تنظيمي وفق معايير «موضوعية مع الاحترام المطلق لاستقلالية المقاولات الصحافية المستفيدة من الدعم.
«تلتزم السلطات العمومية بتوفير الضمانات المؤسساتية لحماية الصحافيين من «الاعتداء أثناء مزاولتهم مهنتهم
«تحترم قرينة البراءة وكافة ضمانات المحاكمة العادلة في قضايا الصحافة والنشر وفقا «لأحكام الدستور والقوانين الجاري بها العم.ل
عند قراءة هذه المادة، يدفعك الإحساس بأنها تقدم إطارا قانونيا جديدا، سيحمي ويحصن العمل الصحافي، بالنظر للكلمات «الكبيرة» المستعملة فيه.
لكن بالقراءة المتأنية، توضح أنه تم الخلط في تلك المادة:
- بين القواعد المتعلقة بالجانب المبدئي و الحقوقي.
- وبين القواعد المتعلقة بالتنظيم المقاولتي.
- وبين القواعد المتعلقة بكيفية الحصول على الدعم.
- وبين مبادئ قانون المسطرة الجنائية.
و الكل في مادة واحدة، مع أن كل واحدة من القضايا المشار إليها أعلاه، لاعلاقة لها فيما بينها لا من جانب موضوعها ولا مجال تطبيقاتها، مما يدفع للتساؤل عن مبرر حشر كل تلك القضايا في مادة واحدة، بالرغم من كونها لا علاقة لإحداها بالأخرى.
بالإضافة للارتباك بخصوص الجهة، التي ستحمي الصحافيين: هل هي الدولة ، كما هو منصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة 6 ، أم ما سماه القانون بالسلطات العمومية المذكورة في الفقرة الأخيرة. وهو ما يعني أن قانون وزير الاتصال، يقر بوجود الدولة من جهة، وما سماها بالسلطات العمومية من جهة اخرى. و هو الأمر غير مفهوم قانونا ، لأن الصحافي يمكنه أن يتتبع ويتعرف على من يمثل الدولة ويعرفه، ولكنه لا يمكنه أن يتتبع ويتعرف على من يمثل السلطة العمومية.
لكن الواقع الذي تخفيه صياغة تلك المادة ، هو أن قانون وزير الاتصال:
1 - نقل حرية الصحف والنشر من الحق الطبيعي مثل: حق التنقل وغيره ، أي الحق الذي لا حدود له، ولا يحتاج إلى من يحميه، وهو ما اعترف به الفصل الأول من قانون الصحافة سنة 1958، ولتصبح حرية الصحافة تخضع لحماية الدولة.
وإذا علمنا بأن الدولة أمام المحاكم يمثلها رئيس الحكومة، فإننا نفهم أن حرية الصحافة، ستكون تحت حماية رئيس الحكومة، أي تحت حماية السلطة التنفيذية.
فهل يعقل أن تحمي السلطة التنفيذية العمل الصحافي الذي يعتبر من مهامه مراقبة و تتبع عمل السلطة التنفيذية ؟
2 - إنه ليس صدفة أن تتضمن المادة 6 الكلام على المبادئ الكبرى، أي حرية الصحافة وتعددية الإعلام ، وفي الفقرة الثانية، تتكلم عن الدعم العمومي.
فقانون وزير الاتصال، يربط الدعم العمومي بمفهوم السلطة التنفيذية لحرية الصحافة، وتعددية الإعلام، وهو ما يجعل العمل الصحافي رهينة السلطة التنفيذية، التي تتحكم في الدعم الذي يتوصل به.
ما يؤكد ذلك، أن الاستفادة من الدعم العمومي، لن ينظمه قانون يصدره نواب الأمة، أي أن الدعم، لن يدرج في الميزانية العامة للدولة، حتى لا تتحكم فيه السلطة التنفيذية عند صرفه ، وإنما سينظم الدعم بمقتضى نص تنظيمي، أي بمقتضى مراسيم تصدرها السلطة التنفيذية، أي وزارة الاتصال في نهاية المطاف، باعتبارها جزءا من السلطة التنفيذية ، نظرا لكون النصوص التنظيمية ، من اختصاص السلطة التنفيذية، التي يترأسها رئيس الحكومة،مما تصبح معه الخلاصة التي تحملها تلك المادة هي أن:
- موقف السلطة التنفيذية من العمل الصحافي والصحافة، مستقبلا ، سيتداخل مع دورها في تقديم الدعم المالي للصحافة. وهذا التداخل، سيحكمه النص التنظيمي الذي ستصدره الحكومة ، وهو ما سيؤدي إلى تقنين تبعية الصحافة والصحافيين السلطة التنفيذية عن طرق الدعم.
هذه القيود المخفية بواسطة الصياغة الغامضة التي أتى بها القانون وزير الاتصال، لم يكن يقبل بها في ظهير 1958 الجاري به العمل ، فأين وجه الإصلاح في هذه المقتضيات الجديدة؟
n المثال الرابع
هو ما حملته المادة 7 التي قلبت كل الضوابط القانونية الجاري بها العمل سواء في المغرب أو خارجه، عندما اعتبرت الشخص ذاتي هو « مؤسسة «Etablissement
مع أن المؤسسة، هي شخص معنوي يخضع لقواعد قانونية مختلفة عن تلك التي يخضع لها الشخص الذاتي، فمثلا في العقوبات الجنائية، الشخص الذاتي، يمكن أن يعاقب بعقوبة سالبة للحرية، إما بمقتضى الحكم أو عند رفضه أداء الغرامة ، بينما الشخص المعنوي لا يحكم عليه إلا بالغرامة.
ومثلا ، كذلك ، في المادة التجارية المؤسسة الصحافية، هي مؤسسة تجارية بطبيعتها بمقتضى الفقرة رقم 11 من المادة 6 من مدونة التجارة بما يلزمها من الخضوع للقوانين التجارية، بما فيها عقوبة الافلاس وسقوط الأهلية ، بينما الصحافي الشخص الذاتي، قد يكون موظفا أو محاميا او طبيبا أوأستاذا جامعيا ، وهؤلاء يمنع عليهم ممارسة التجارة.
فقانون وزير الاتصال في المادة 6 لم يستحضر هذا التمايز بين المؤسسة والشخص الذاتي، و قام بجمعهما في تعريفه للعمل الصحافي.
بل كان من الارٍجح استعمال كلمة « مقاولة» بدل «مؤسسة» التي تنطبق على الشخص المعنوي و على الشخص الذاتي معا.
n المثال الخامس
وهو ما يتعلق بالمادة 12 التي تظهر أنها تمنع الصحافي من الحصول على تمويل خارجي. غير أن نفس المادة ستستثني كل ما له علاقة بما سمته ب « دعم القدرات والتدبير» وغيرها من العبارات العامة. وهي عبارة و صياغة أكثر من فضفاضة وعامة، ويمكن أن تحمل أكثر من تأويل، يجعلها تنفلت من تطبيق المنع المذكور. ومثل ذلك، ما تعلق بالتكوين والتأطير، والتي هي مجالات التي تمول، اليوم، بالأموال الأجنبية للجمعيات وغيرها.
فالمادة 12 إنما تعطي، في الحقيقة ، الشرعية للتمويل الخارجي لبعض الصحافيين، وليس تمنعه عنهم . وكان على الحكومة أن تسكت عن هذا الموضوع الحساس، أي التمويل الخارجي، بدل أن تدعي شيئا وتطبق عكسه.
n المثال السادس
وهو الذي يتبين من الفقرة 1 و 2 من المادة 22 من قانون وزير الاتصال، التي يقلب حق إصدار الصحف من مبدأ التصريح بإصدار الجريدة إلى مبدأ ضرورة الحصول على إذن بإصدارها لكن بطريقة مغلفة ، كيف ذلك ؟
بالرجوع إلى الفصل 6 من قانون الصحافة الجاري به العمل منذ 1958 وكذا التعديل الذي أدخل عليه في سنة 2002 نجده يتضمن ما يلي:
«يحرر التصريح كتابة ويمضيه مدير النشر ويسلم عنه فورا وصل مؤقت مختوم «ومؤرخ في الحال. ويسلم الوصل النهائي وجوبا داخل أجل 30 يوما وإلا جاز إصدار الجريدة.
فهذا الفصل أسس لمبدأ الاكتفاء بالتصريح بإصدار الجريدة يقدم إلى النيابة العامة، و بعد مرور أجل 30 يوما يمكن إصدار تلك الجريدة. ولم يعط للنيابة العامة أي حق في منع إصدارها أو الاعتراض على منعها . فالأصل، هو أن إصدار الجريدة مبني على التصريح بها.
لكن، عندما نعود إلى نص المادة 22 من قانون وزير الاتصال، سنلاحظ أنه استعان بالصياغة لإخفاء إلغاء هذه القاعدة، وسن قاعدة جديدة، جعلت إصدار الجرائد موقوفا على الإذن وليس على التصريح، إذ تنص الفقرة 1 و 2 من تلك المادة على ما يلي:
«يمكن إصدار المطبوع الدوري أو الصحيفة الالكترونية بعدأجل شهر من تاريخ تسليم «شهادة الإيداع، إن لم يتلق مدير النشر اعتراضا كتابيا، معللا من طرف وكيل الملك «المختص.
«»يحق للمعني بالأمر في حالة الاعتراض أن يرفع دعوى أمام المحكمة الإدارية «المختصة من أجل البتّ في مبررات الرفض المتضمنة في الاعتراض. ولا يجوز «إصدار المطبوع الدوري أو الصحيفة الالكترونية في حالة الطعن أمام المحكمة «الإدارية.
هذه المادة تعني:
أن اعتراض وكيل الملك يمنع من إصدار الجريدة .
أن الذي يجب أن عليه اللجوء للمحكمة ليست النيابة العامة وإنما من يريد إصدار الجريدة.
3- أن صاحب الصحيفة ممنوع عليه نشر جريدته مادام الدعوى التي قدمها لمحكمة لم يبتّ فيها القضاء بجميع درجاته ، وهو ما سيتطلب عدة سنوات.
ألسنا هنا أمام نظام الإذن بإصدار الجريدة بدل النظام الحالي المبني على التصريح بالإصدار فقط، وهل هذا التعديل هو إصلاح أم تراجع ؟
n المثال السابع
هو أن قانون وزير الاتصال، وهو يتراجع على المكتسبات ارتكب خللا كبيرا، عندما صاغ المادة 70 التي تتعلق بالإساءة للدين الإسلامي، أو النظام الملكي أو التحريض ضد الوحدة الترابية أو القذف والسب أو المس بالحياة الخاصة لشخص الملك، أو لشخص ولي العهد أو لأعضاء الأسرة المالكة أو الإخلال الواجب التوقير والاحترام لشخص الملك.
ويتمثل ذلك الخلل في أن المادة 70 لا تنص على أي عقوبة كيف ما كانت عند ارتكاب الأفعال المشار إليها.
قد يقال إن العقوبة نقلت إلى القانون الجنائي.
نرد أن المادة 70 حددت العقوبة بالإحالة على العقوبات المنصوص عليها في المادة 102 ، التي تتعلق بتوقيف المطبوع وحجب الصحيفة الالكترونية وعلى المادة 104 والتي تتكلم على حجز المطبوع أو حجب الصحيفة الالكترونية بينما ليس في المادة 70 أي إحالة على القانون الجنائي .
ومن المعلوم أن من مبادئ التشريع في القوانين الزجرية أن الفعل الواحد لا يعاقب صاحبه ، قانونا، إلا مرة واحدة وبقانون واحد . ولا يمكن معاقبة فعل واحد مرتين وبعدة قوانين زجرية .
والنتيجة التي أغفلها قانون وزير الاتصال، هي أن من ارتكب الأفعال المنصوص عليها في المادة 70 من المشروع لن يعاقب إلا بالعقوبات التي تنص عليها المادتين 102 و 104 من نفس المشروع. ولا يمكن معاقبته، قانونا، مرة ثانية بقانون آخر، وبالأحرى إذا كان القانون الجنائي للأسباب التالية:
1 - أن المادة 70 لا تحيل في العقوبة على القانون الجنائي.
2 - أن تلك المادة، حددت نوع العقوبة وحصرتها فيما هو منصوص عليه في المادة 102 و 104.
3-أن هذا الفراغ، حاولت الحكومة تداركه بعرضها، بشكل مستعجل، بعرض مشروع قانون 73.15 الذي يرمي إلى تغيير وتتميم الفصل 267 و 299 و 179 من القانون الجنائي لتحديد عقوبة جديدة في إطار القانون الجنائي على الافعال المذكورة في المادة 70، وهو المشروع الذي صادق عليه مجلس النواب 10/5/2015 بينما صادق عليه مجلس المستشارين في يونيو 2016 وهي فترة قياسية تترجم الارتباك الكبير في عملية التشريع.
4-أن الحكومة، وإن عدلت الفصل 179 من القانون الجنائي، إلا أنها نسيت أن تعدل الفصل 444 من القانون الجنائي، الذي ينص على أن جرائم القذف يطبق عليها قانون الصحافة، وليس القانون الجنائي، إذ ينص ذلك الفصل على ما يلي:
«القذف والسب العلني يعاقب عليها وفقا ظهير رقم 1.58.378 المؤرخ في 3 جمادى الأولى 1378 موافق 15/11/1958 المعتبر بمثابة قانون الصحافة.
فالحكومة وضعت القضاء في مأزق في حالة المس بالدين الاسلامي أو الاحترام الواجب الاحترام للملك أو الوحدة الترابية أو غيرها من الثوابت المذكورة في المادة 70 ، فهل سيطبق القاضي:
-الفصل 444 من القانون الجنائي الذي يحيل على قانون الصحافة الذي قدمه السيد وزير الاتصال أخيرا، والذي لا يعاقب على الافعال المذكورة في المادة 70 جنائيا ؟
-أم سيطبق الفصل 179 من القانون الجنائي، في الوقت الذي يلزم القانون الجنائي في الفصل 444 من نفس القانون عدم تطبيق القانون الجنائي ؟
هكذا يتضح الارتباك الذي توجد فيه الحكومة، عندما قدمت القانون المتعلق بجنح الصحافة.بينما كان عليها أن لا تنسى تعديل الفصل 444 من القانون، مادام إرادتها واضحة في كونها ستخضع الصحافيين للقانون الجنائي، وستخرجهم من حماية قانون الصحافة. وهو قرار يسجل عليها في تاريخ الصحافة ببلادنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.