الزفزافي يلتقي والده خارج أسوار السجن    تحليل اقتصادي: لماذا تستثمر الصين مليارات الدولارات في المصانع المغربية؟    "فيفا" يرفع عدد المنتخبات المشاركة في كأس العالم للسيدات إلى 48 منتخبا ابتداء من 2031    الملك محمد السادس يهنئ البابا الجديد: المغرب والكرسي البابوي شريكان في بناء السلام العالمي    تنويه حقوقي وشعبي بمبادرة السماح للزفزافي لعيادة والده    الأمن يوقف قاصراً قادما من الشمال بحوزته 90 صفيحة حشيش ويطيح ببارون مخدرات    الحرب في كاشمير: من المستفيد الأول؟    أخنوش يصدر منشورا لتفعيل الاتفاقات الاجتماعية والحث على انتظام الحوارات القطاعية    النجم المصري محمد صلاح يتوج بجائزة لاعب العام في الدوري الإنجليزي للمرة الثالثة في مسيرته    إسرائيل ألقت 100 ألف طن متفجرات وأبادت 2200 عائلة وارتكبت نحو 12 ألف مجزرة في غزة    رئيس موريتانيا يستقبل راشيد العلمي    تطورات فاجعة فاس.. الحصيلة ترتفع وخمسة ضحايا من أسرة واحدة    ليبيريا تسعى للاستفادة من تجربة ميناء طنجة المتوسط    مع اقتراب الصيف.. وكالة تحذر من السباحة في سدود جهة طنجة تطوان الحسيمة    لطيفة رأفت تدخل على خط قضية "إسكوبار الصحراء".. والناصري يواجه اتهامات بالوثائق    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    تراجع عجز السيولة البنكية ب 9,28 في المائة من 1 إلى 7 ماي    ضواحي طنجة.. رجل أعمال أجنبي يحصل على 2 مليار سنتيم لمفرخة أسماك لم ترَ النور    افتتاح الجناح المغربي في المعرض الدولي للعمارة بينالي البندقية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    مجموعة برلمانية تدعو إلى بلورة استراتيجية وطنية شاملة ومندمجة خاصة بالذكاء الاصطناعي    نواكشوط: المنتدى البرلماني الاقتصادي الموريتاني المغربي ينطلق برؤية تكاملية وتنموية جديدة    باير ليفركوزن يعلن رحيل تشابي ألونسو نهاية الموسم    ألونسو يعلن الرحيل عن ليفركوزن بعد موسم تاريخي بلا هزيمة    علاء اللامي يكتب: ردا على المقولة المتهافتة «فوز مرشح ترامب» لباباوية الفاتيكان    تحريض على القتل الممنهج والإعدام يورط هشام جيراندو في قانون الإرهاب    بنعلي: المغرب أحدث رسميا ثماني محميات بحرية موزعة على طول سواحله المتوسطية والأطلسية    السعودية تشارك في معرض الدوحة للكتاب ب 10 آلاف إصدار دعوي وتوعوي    الصويرة تحتضن الدورة الثالثة من المعرض الوطني للنزعة الخطوطية    بعد تتويجه بجائزة أحسن ممثل.. البخاري: المسار مستمر رغم المكائد    تنفيذا للتعليمات الملكية السامية.. لوديي يستقبل وزير الدفاع بجمهورية كوت ديفوار    مهرجان ربيع الشعر الدولي بآسفي في دورته الثالثة يكرم محمد الأشعري    ندوة وطنية تكريما لسعيد حجي: المثقف والوطني    "انبعاثات" تضيء ليالي مهرجان فاس    أسرة أم كلثوم تستنكر استخدام الذكاء الاصطناعي لتشويه صوت "كوكب الشرق"    "نقابة FNE" تكشف تفاصيل الحوار    نائبة أخنوش تعتذر عن إساءتها لساكنة أكادير.. وممثل ال "العدالة والتنمية" في أكادير يطالب "الرئيس الغائب" بتحمل مسؤليته    كوسومار تستهدف 600 ألف طن سكر    نصف قرن في محبة الموسيقار عبد الوهاب الدكالي..    أجواء معتدلة غدا السبت والحرارة تلامس 30 درجة في عدد من المدن    بدء منتدى برلماني موريتاني مغربي    سباق اللقب يشتعل في الكامب نو والكلاسيكو يحدد ملامح بطل الليغا    حكيم زياش يتصدر العناوين في قطر قبل نهائي الكأس    مباحثات حول هدنة في غزة جرت هذا الأسبوع مع الوسطاء    منتدى البحر 2025: رهانات حماية المحيطات والتنوع البيولوجي البحري محور نقاش بالجديدة    البطولة الاحترافية.. الجيش الملكي يتشبث بمركز الوصافة المؤهل إلى دوري أبطال إفريقيا    الذهب يصعد وسط عمليات شراء وترقب محادثات التجارة بين أمريكا والصين    "مؤثِّرات بلا حدود".. من نشر الخصومات الأسرية إلى الترويج للوهم تحت غطاء الشهرة!    عملة "البيتكوين" المشفرة تنتعش وسط العواصف الاقتصادية العالمية    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حينما يسقط لصوص الله

تابعنا جميعا خبر توقيف قياديين في التوحيد والإصلاح، وتابعنا بلاغ جماعتهما إلى أن باتت كل الأدلة تحيل على أن الواقعة ليست خبرا دسه «هاكر» في إحدى المواقع، أو أشاعه موقع ما للحصول على عدد وافر من الزائرين، كما لا ننكر أننا ضحكنا و»قشبنا» بما يكفي على صفحات «الفايس بوك»، ليس لأن الفعل غير عادي بل لأن الذين ارتكبوه وفعلوه غير عاديين كما قدموا أنفسهم للرأي العام، وذلك من خلال خطابهما الدعوي، وكما عرفناهما من خلال محاضراتهما في الفضائل الإسلامية على مقاس الإسلام السياسي الذي يخدم أجندات الحركة وامتدادها الحزبي داخليا متمثلا في العدالة والتنمية وخارجيا متمثلا في الإخوان المسلمين مع بعض التعديلات، لكن الخطير هو التباس موقف دعاة الحداثة أنفسهم الذي تسرعوا في إدراج ما وقع في خانة الحريات الفردية، وأنه حدث لا يجب التوقف عنده أو الكلام عليه لأنه لا يستحق كما لو كان هؤلاء يعترفون بالحريات الفردية وهم من يسمونها زنى وفاحشة وينعتون المطالبين لها بالفسق والفجور !.
ولكن اسمحوا لي، فالحدث مهما ظهر بسيطا مقارنة بملفات كبرى يبدوا لكم أنها تستحق الأولوية فإن له أهميته وقيمته القصوى، فإذا ما قارنا مرتكبيه بما فعله خدام الدولة، فإنني موقن أن الصراع داخل المجتمع قد يكون سهلا ويدار قانونيا وسياسيا مع خدام الدولة بكل الوسائل النضالية والمدنية المشروعة، أما حينما يتعلق الأمر بالمستعملين للدين في المجال العام فسيكون الصراع صعبا وقد يسحقك للعديد من الأسباب أجملها في ما يأتي:
المتاجرين بالدين -والسيدة والسيد الموقفين يمثلان أ؛د هؤلاء التجار- يصورون نقدك لهم ولقراراتهم بأنها نقد للدين نفسه، وبالتالي حين تصارعهم، وتناقشهم فإنهم يصورونك لدى المجتمع ولدى الرأي العام ولدى الفئات الهشة بأنك تحارب الله وتحارب من معه، وهم يعتقدون أن الله معهم وحدهم دون سائر الفاعلين السياسيين الآخرين، وهو القائل جل جلاله «وهو معكم أينما كنتم»، ولم يقل أنا مع التوحيد والإصلاح أو العدالة والتنمية، وهكذا يؤدي بهم احتكارهم للحديث باسم الله إلى توظيفه في إقصائك وفي تحريف الصراع وتأجيجه داخل المجتمع، ليتحول من السؤال من مع القانون وضد الفساد؟ إلى سؤال من مع الله ومن ضده؟، مع العلم أنه لا أحد ضد الله داخل المجتمع، لأن الله ليس بفاعل سياسي، بل جل جلاله متعال لايتدخل و لايفعل شيئا في السياسة، لأنها مجال صراع الإرادات والاختلاف بين البشر، والبشر أحرار، وكل تدخل لله في حريتهم يكون مناقضا لماهيته كإله لأن هذه الماهية في كليتها عدالة.
المتاجرين بالدين: يعرفون أن الخطاب العقلاني شاق ومضني، وإدراكه لايكون متاحا لأغلبية أفراد المجتمع لأنه خطاب حجاجي ومنطقي يستدعي الإستدلال والتدليل على الكلام المقول بالتجربة والاختبار والنسبية، وهو خطاب لا يتقنونه لأنه يناقض مشروعهم، ولأنه نقيض لما أوصى به أئمتهم في الفقه و»الفلسفة» (ابن تيمية والغزالي... مثلا رغم تعاملها الانتقائي مع هؤلاء الكبار)، ولأنه خطاب ينتج المختلفين والمخالفين، وهم همهم الإجماع و التطابق والتذويب للفرد داخل الجماعة، ضاربين كل تفرد في الفرد واختلافه، ساحبين منه هذا التفرد، و مدرجين له في عقل جمعي ينبني على الطاعة والولاء لشيوخهم وقادتهم، معتبرين أنه في ولاء الفرد داخل جماعتهم لشيخه ولاء لله، وكل نقد أو اختلاف معه هو اختلاف مع الله(وهنا يمكن الإشارة إلى التبريرات العمياء للمنظوين في الحركة أو الحزب لأخطاء بنكيران ولسياساته الخادمة للرأسمال العالمي أو للحدث الذي نحن بصدد تحليله- لأنه كما قلنا في المبرر الأول لخطورتهم أنهم يقدمون أنفسهم نوابا عن الله وجندا له، وحاملين لمشروعه السياسي، والله لايريد تأسيس دولة لأنه تكفيه مملكة السماء، أما مملكة الأرض فهي للبشر، ويجب أن تبقى للبشر، وإذا انمحت الفوارق بين العوالم (عالم السماء وعالم الأرض) كان ذلك هو العدم عينه.لذلك يعملون على استعمار وتملك المدرسة واختراقها، وقد نجحوا في ذلك حينما صرنا نرى أساتذة للفلسفة منخرطين في جماعاتهم أو حاضرين لجلساتهم أو بدون وعي يخدمون مشروعهم.
المتاجرين بالدين: هم في العمق أعداء للجسد يعرفون أن الجسد نافدة الإنسان على العالم لذلك يتقلونه بالنواهي ويصورونه على أنه مركز الخطايا، وهذا في كل الأديان وحتى التوحيدية منها، في حين أن هذا الجسد ليس سوى غرائز وانفعالات وعواطف منحتها الطبيعة لنا، ومهما حاولت البشرية وسعت إلى إيجاد المؤسسات الثقافية لهذه العواطف والغرائز والرغبات فهذا الجسد الحي الفاعل يثبت عبر تاريخنا أنه برمج بشكل يتنافر مع هذه المؤسسات، فكان أن وجدت البشرية الحل في القانون وفي الحريات الفردية، وهكذا صارت الدولة لنا جميعا، وكأنها مقاولة نملك فيها أسهما، بينما صارت حياتنا الخاصة ملك لنا وحدنا فقط وقد نعذل القواعد المؤطرة لها بعد نقاش حر لا لنضيقها بل لنوسع هامشها، هؤلاء المتاجرين بالدين من قبيل النجار وبنحماد وغيرهم هدفهم هو جعل هذا الجسد الحي جثة يحتقرها ويقمعها الفرد بدعوى أنه كلما أمعن في القمع كلما كان أكثر طهرانية، بينما العكس هو الحاصل، فكلما أمعن الإنسان في قمع هذا الجسد الحي كلما زاد عنفا وانطوائية واعتلالا نفسيا وصحيا وعقليا، وهو ما يؤدي إلى تفضيل الموت على الحياة فيأتيه من بين ظهرانيه قريب من الكهنة الجدد فيضع له حزاما ناسفا أو سيارة مفخخة فيجده طيعا لينا، فينفد ذلك بسهولة معتقدا أنه بذلك يتحرر مما يثقله في الدنيا متناسيا أن قتل النفس محرم دينيا ومجرم قانونيا. وهذا سبب رهانهم على استرخاص الفرد لجسده.
المتاجرين بالدين: هم أعداء للحرية، لأنهم يعرفون أن الحرية شرط التفكير وأساسه، لذلك يثقلون الفرد بالنواهي والأوامر فتصير كل سلوكاته مراقبة من النظر و شرب الماء إلى دخول الحمام....، وحين سمعنا لأشرطة النجار مثلا في محاضرتها المعنونة ب»لا تقتربي» كانت تتقل فتيات بريئات وغضّات في السن بمواعظها عن العفة والطهرانية وعن السلوك الحذر المتوجس من كل رجل ملفقة ذلك بالحياء، ومبررة له بالقصور الذي يجعل كل فتاة بمجرد ما تنظر تزني أو تندفع لذلك، وكأن الله لم يتحدث عن أولي الألباب القادرين على توظيف عقولهم لتوجيه رغباتهم واختياراتهم، وهي بذلك كانت تسعى إلى سرقة وسلب الإرادة منهم وإسنادها إلى جماعتها ولها، فعوض أن يصبح الكابح هو العقل والمدير للحياة، تصبح «النجار» من خلال صورة النموذج والقائد والمثال هي الكابح بمواعظها، وهنا يصبح الشاب تابع و الفتاة تابعة، خاضعين للنجار وللجماعة، معتبرين أنهما منقذين من الظلال، وأن ما يقولونه حق لا يأتيه الباطل من خلفه أو من بين يديه.
لكن ماذا الآن بعد أن وقع ما وقع؟ هل سأقول بأنها حياة خاصة وما يقوم به مجتمع الفايس بوك هو خرق لها، لا أعتقد ذلك ولنوضح بعض المسلمات،
1 – سنتحدث عن اختراق للحياة الخاصة لو قام الأمن بتصويرهما خلسة وتسريب شريط مثلا لوسائط التواصل الاجتماعي، ولكنه ليس اختراق لحياتهم الخاصة ولحريتهم الفردية التي لا يؤمنون بها أصلا، وكما قالوا لنا وسمعنا من «النجار» بعظمة لسانها تقول في شريط «عنداك من التقنات/أي الوقوف في زويا خالية'، بل ما قام به الأمن هو إجراء قانوني عادي جدا قد نختلف في شكلياته، لكنه قام بتجريعهم ما هم أنفسهم يدافعون على تحويله إلى قاعدة قانونية في كل خطاباتهم وتضمينها، وقد حصل في القانون الجنائي بدعوى الإخلال بالحياء العام، وحينما كانت القوى الحية في البلاد تعارض ذلك وتطالب بقانون جنائي يحترم الحريات الفردية وحق الناس في المعتقد وف دولة دنية كانت كتائب الحركة والحزب ومن يدورون في فلكهم يقصفونهم بالفجور والفسق والعملاء وكل النعوت.
2- سنتحدث عن اختراق للحياة الخاصة: لو ناقش شعب الفايس بوك وكل رواد الوسائط أبنائها وأسرتها ومنشئها الإجتماعي، وراتبها وأكلاتها المفضلة أي كل الأشياء التي لم تشاركها معنا يوما، ولكننا نحن لم نناقش أي من ذلك، بل فقط نناقش ما تقاسمته معنا «النجار» نفسها في أشرطة فيديو، والتي من خلالها صارت النجار شخصية عمومية يحق لأي كان أن يناقشها أو يعلق عليها، فلو أرادت حياة خاصة لأقفلت على نفسها في بيتها، لكنها حينما بدأت تتحدث عن «السفينة التي نسير فيها جميعا وهي الوطن، وعن قيمه ومواطنيه، والشكل الذي سيكونون عليه في المستقبل» فإنني وإننا كغاربة أصبحنا معنيين، من ومسؤوليتي كمواطن أولا وأب ثانيا، ومن مسؤولية الجميع أن يتدخلوا لأنني أنوب على ابني القاصر الآن في الصراع من أجل تحديد القيم التي ستؤطر المجتمع الذي سيعيش فيه مستقبلا، فالأب لا يوفر القوت والسكن والتعليم فقط، بل يدافع عن شروط العيش المشترك لأبنائه وهي الشروط التي تهددها النجار وجماعتها بمحاضراتهم ودعوتهم.
مع هذه الحادثة التي ليست الأولى ولا الأخيرة ينزل الواقع والطبيعة والغريزة والجسد والإنسان بماهيته المتعالية على كل ادعاء لتقول بالحرف « هذه الأرض، وهذا البشر» لا يمكنه أن يناقض ذاته، وأن يسعى لتأسيس مقاطعة أو ملحقة للسماء على الأرض، فللأرض نظامها وقوانينها وقواعدها وسننها، والتي على البشر أن يسعون جميعا لوضعها باختلاف مرجعياتهم، وأول هذه القواعد الحرية والاختلاف و آخرها النسبية والخطأ، فهذين المبدأين يسمحان لنا بتعديل كل شيء ومراجعته من القوانين إلى الأخلاق، ففي دائرتهما لايوجد الثابت ولا الساكن، لذلك فالفرصة تاريخية لكي تراجع كل فتاة وكل شاب وكل مغتر ومغرر به، ما لقن له من محاضرات «لاتقتربي» لأن هذا الخطاب لم يستطيع تهذيب أخلاق القادة داخل الحركة، وما بالك بالشبيبة وبالإخوة والأخوات في عرفهم.
كل هذا لا يمكن أن ينسينا ما ارتكبوه إلى جانب المخزن من تخريب لوعي المجتمع لكن ذلك لا يمثل فرصة للحقد أو الكراهية، لكن السخرية من الواقعة حاضرة، ومن ينكرها فهو يكذب علينا علنا وعلى نفسه، ورغم كل شيء نطالب مبدئيا:
بإسقاط المتابعة في حق النجار وبنحماد وإعادة النظر في القانون الجنائي، مع التنصيص بالصريح على أن حرية الأفراد في الجنس والحب والمعتقد مضمونة بالقانون، وكل اعتداء عليها بأي شكل من الأشكال ولو كتابة أو تعليقا أو تشهيرا في مواقع التواصل فهو جريمة.
بضرورة التفكير من طرف أعضاء جماعتهم وباقي الجماعات المتاجرة بالدين عن كل ما اعتقدوه يوما بعصمة قادتهم ونموذجيتهم في الحياة، بأنه آن الأوان للتخلي عن عن الأحلام الدينية التي زهقت فيها أرواح في التاريخ/تاريخنا وتاريخ أوروبا مال حي واعتبار التدين مسألة شخصية.
بضرورة التمييز بين الدين في ماهيته وهو اعتقاد بشيء ما مهما كان موضوع هذا الاعتقاد، والدين في ظاهره وهو تأويل بشري لجماعة أو فرد لنصوصها المقدسة، وتوجيهها بطقوس وسلطة لتكرس فهما معينا وممارسة دينية معينة، فالدين في ماهيته هو قدر البشرية جميعا، فكلنا مؤمنون باختلاف موضوع إيماننا، أما الدين في ظاهره فهو مسألة شخصية، ولا يجب إقحامها في السياسة لأن الاعتقاد الأرتودوكسي يولد العنف.
يجب التمييز بين النقد الذي وجه للنجار وبنحماد والدين، فالنجار وبنحماد لا يمثلان الدين، لأن الدين لا ينتدب من ينوب عنه، ولا تمثل الله، بل تعكس فهما بشريا محكوما بالمبدأين اللذين تحدث عنهما سابقا، وهما الحرية والاختلاف والنسبية والخطأ، ومن ينتقدهما لا ينتقد الدين، بل ينتقد فهمهما وتأويلهما وخطابهما العمومي حول الدين، وكل وصم أو اتهام لمن ينتقدونهم بكونهم ينتقدون الدين فهو منزلق خطير، لأن المطابقة بينهما وبين الدين هو ما يورثها العصمة والقداسة، ويؤدي إلى الدفاع عنهما حتى وإن خرقا القوانين التي كانوا يطالبون بها من خلال تصورهم للقانون الجنائي أو لماهية الدستور إبان الحراك الذي عرفه المغرب سنة 2011.
لذلك رجاء حرروا الدين من الكهنة والرهبان ولصوص الله ، فما يفعله اليوم الفقهاء وحراس اللاهوت والدعاة، هو ما فعله في الماضي رجال الكنيسة وكهنة المعابد وسحرة الفرعون، إنهم يصورون كل نقد لاستعمال الأسطورة/الدين في السياسة وهدمه باعتباره مهاجمة للدين في ماهيته، رغم أنه هناك فرق بينهما، فنحن (أقصد الحالمين بالمشروع الحداثي الإنساني) لا ننتقد الدين، بل ننتقد الاستعمال السياسي للدين، و استعمال الدين لتبرير ممارسات سياسية، وقرارات بشرية، والتغطية عليها بكونها أوامر شرعية من أجل غض الطرف على تدخل القانون لتحديد المسؤوليات وتحقيق العدالة، أما الدين في عمقه (ماهيته كاعتقاد في شيء ما) فلا توجد لنا مشكلات معه، لأننا جميعا متدينين باختلاف موضوعات تديننا وبينت ذلك سالفا.
لنبسط الفكرة كهنة آمون كانوا يصورون للمصريين أن كل امتناع عن دفع الضرائب والأعطيات أو انتقاد لإسراف الكهنة في الإنفاق والدعة والخمول على حساب استعباد وقهر الشعب هو انتقاد لآمون وكفر به، وهو ما يوجب العقاب الشديد على كل من يفكر في ذلك، في حين أن رفض وانتقاد الناس لم يكن لآمون نفسه، لأن آمون لم يكن يأكل أو يشرب أو يتزوج أو يحرث أو ينفق، كذلك في أوروبا انتقاد الناس لرغد العيش وبحبوحته الذي عاشت فيه الكنيسة وبيع صكوك الغفران واتخاذ نفسها مؤسسة وساطة بين الله وبين البشر كان يعتبر تجديفا على الله وعلى الدين، لذلك أقيمت له محاكم تفتيش للعقاب والقتل والتنكيل الشديد، وهو ما يقع اليوم رغم أنه لا رهبانية في الإسلام كما يدعون صوريا، ولا وساطة بين الله وعباده، فإن أناس كثرا من بينهم النجار وبنحماد وغيرهم نصبوا أنفسهم كهنة جددا ورهبانا جددا، وذلك بادعائهم الوساطة بيننا وبين الله وبيننا وبين كلامه الموحى، وبيننا وبين نبيه، فلايحق لنا الاجتهاد ولا التفكير ولا الفهم، فما يقرره هؤلاء هو ما يعتبر دينا أصيلا وطريقا قويما يجب أتباعه، لقد كانوا دائما يرددون على الشباب أن الحياة زائلة ولا حاجة للإنسان بها والأهم هو الآخرة، الدار الباقية، ومن ربحها فقد ربح فوزا عظيما، فإذا بنا نكتشف أنهم يحبون الدنيا حبا جما، ويحبون جمالها وتلبية نداء غرائزها وسياراتها الفخمة وأجورها الضخمة ....،بل حتى الحب الذي طالبت النجار بتأجيله في شريط بعنوان لينتظر الحب، صار مستعجلا ويأتي في السابعة صباحا قرب شاطئ جميل، ولا داعي لمناقشة محاولات التبرير لهذه الاختيارات البشرية التي فضحت بالملموس تهافت الخطاب الديني وتداعيه، و زلات الفتاوى للريسوني وغيره بأن ما وقع هو زواج عرفي أو تربص من قوى التحكم لأنهم هم في العمق جزء من هذه القوى، ومن هذه الكتائب التي تقصف وعي شعبنا وتشوش رؤيته للعالم. فإذا كان البيت التربوي/الدعوي حيث ينشأ قادة العدالة والتنمية ويتلقون أبجديات توظيف الدين في السياسة والمتاجرة به متداعيا فالحزب آيل للسقوط.
(*) أستاذ فلسفة سوق السبت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.