يختزن حي الملاح ذاكرة حاضرة موكادور الجماعية، التي اختزلت ولزمن طويل قيم التعايش والتسامح بين الأديان، غير أن تقاسيم الزمن التي زحفت على هذا الحي، جعلت من الضروري اتخاذ الإجراءات الضرورية لحفظ هذا الإرث الوطني من الضياع ورد الاعتبار لجزء هام من المدينة العتيقة للصويرة. فقد أضحى هذا الحي، الموجود بالجزء الشمالي من المدينة العتيقة للصويرة، الذي شكل قديما فضاء للعيش المتبادل بين المغاربة، مسلمين ويهود، عرضة لانهيار عدد من المنازل المهجورة، مما استلزم التدخل للحفاظ على الطابع العمراني المتميز والاستثنائي لهذا الجزء من المدينة العتيقة الذي يعد شاهدا على تاريخ حافل. حاضرة موكادور، التي شكلت بوابة مفتوحة على المحيط الأطلسي منذ القدم، كانت مشروعا هندسيا معماريا استثنائيا جعل من الميناء حلقة وصل تجاري بين هذه المدينة وباقي أنحاء العالم، مما ساهم في استقرار عدد من التمثيليات الديبلوماسية الأجنبية بالمدينة، وبالتالي ازدهار المعاملات التجارية داخل حي الملاح، القلب النابض للتجارة بالمدينة. خلال القرن الخامس عشر أطلق اسم الملاح بالمغرب، على الحي الذي كان يقطنه المغاربة من ديانة يهودية، نسبة إلى المهن التي كانوا يزاولونها والتي كان الملح يشكل جوهرها. محاطا بأسوار تفصله عن باقي أجزاء المدينة العتيقة، كان حي الملاح عبارة عن مركز تجاري نشيط فضلا عن كونه فضاء للسكن ومزاولة الطقوس العقائدية لسكانه. وقد كانت المدن العريقة تتوفر على حي الملاح، في كل من فاس ومكناس ومراكش والرباط والدارالبيضاء وغيرها، غير أن وجوده لم يقتصر على الحواضر، بل كانت البوادي المغربية تضم أيضا أحياء لليهود في جبال الأطلس، تميزت على الدوام بدينامية نشاطها التجاري، الذي كان يجعل منها قبلة للسكان، يهودا ومسلمين. وقد عرف حي الملاح بالصويرة، الذي تأسس في 1809 ثم الملاح الجديد في 1864، أوج ازدهاره، حيث كانت مدينة حاضرة موكادور آنذاك، وخلافا لباقي المدن العتيقة بالمغرب، تتوفر على هندسة معمارية متميزة على النمط العصري، بشوارع فسيحة إلى جانب الميناء التجاري والقاعدة العسكرية البحرية، مما جعلها تتحول آنذاك إلى مركز اقتصادي حيوي للمغرب وفضاء للتجارة الدولية، وظلت تضطلع بذلك الدور إلى حين قدوم الاستعمار الذي جعل الدارالبيضاء عاصمة اقتصادية.