في أحد المقاهي بمدينة الدارالبيضاء، التقينا نور عبد المطلب، نجل الفنان الشعبي المصري محمد عبد المطلب. المكان بالنسبة له فرصة للقاء الأصدقاء وكذلك فضاء للاسترخاء ومراجعة الذات التي تختزل ذكريات من نوع خاص، تجعل الانسان في غاية الفضول للنبش في ماضيه وحاضره ومستقبله. استقر بالمغرب سنة 1993 بعد مرور 13 سنة عن وفاة والده، استطاع خلال هذه الفترة أن ينسج لنفسه علاقات متميزة مع الوسط الفني المغربي، وذلك بفضل روحه المرحة والابتسامة التي لا تفارق محياه. بلهجة مصرية وبصوت رخيم، تحدث نور عن جزء مهم من حياته، كعلاقته بأبيه، سبب اختياره الإقامة بالمغرب، وعن الثورة في مصر، وكذلك عن انخراطه مؤخراً في العمل السينمائي. فكان الحوار التالي: { شاركت مؤخراً في بعض الأعمال الدرامية المغربية، ماذا عن هذه التجربة؟ بخصوص مشاركتي في الفيلمين المغربيين لم أكن أعتقد أنه في هذا السن سألعب أدواراً سينمائية، لكن بعد هاتين التجربتين، أصبحت شهيتي مفتوحة أكثر من أي وقت مضى، وإذا ما طلب مني المشاركة في أحد الأعمال الفنية، لن أتردد في إعادة نفس التجربة. { كيف ترى العمل السينمائي في المغرب؟ في السنين الأخيرة، ازدهر العمل السينمائي بشكل ملحوظ في المغرب، وذلك بفضل مجموعة من المخرجين والممثلين الذين راكموا تجارب مهمة في هذا الميدان، حيث نجحوا في إعطاء بلدهم مكانة محترمة بين الدول، رغم الإكراهات والمعيقات التي تعترض مسارهم الفني. { ما هي تلك الإكراهات؟ محدودية الدعم المادي، القرصنة، وإغلاق القاعات السينمائية. { تقمصت شخصية الوالد، عبد المطلب، في فيلم «الحياني» للمخرج كمال كمال، حيث التقى محمد الحياني الوالد في مصر، كيف حَصل ذلك؟ كانت للمرحوم الحياني علاقات متميزة مع المرحوم العندليب الأسمر، وعندما زار الحياني مصر التقى الوالد، فأحبه هذا الأخير كصوت وحضور، وعرض عليه الغناء في الكازينو الذي كنا نملكه في شارع الهرم، حيث غنى فيه، كما أشار إليه فيلم كمال كمال. { تحدث لنا قليلا عن الوالد؟ سوف لن تكون شهادتي أفضل من تلك للمرحومة أم كلثوم، سيدة الطرب العربي حين قالت: «عندما أسمع عبد المطلب، أسمع الحارة المصرية»، وكذلك شهادة المرحوم طه حسين، عميد الأدب العربي الذي قال عن الوالد «عبد المطلب هو قاعدة صلبة للأغنية الشعبية المصرية». فهو، فعلا، رمز للأغنية الشعبية ومدرسة للعديد من النجوم في مصر، والتي خرجت من تحت عباءة عبد المطلب، كمحمد عزبي، شفيق دلال، أحمد عدوية وآخرين، كما أن أغانيه التي تعدت المائتي قطعة، كانت متنفساً للمصريين، خاصة وأن الظروف التي كنا نعيشها آنذاك من حرب ومشاكل اقتصادية واجتماعية، جعلت من الفن عاملا أساسياً في حياة المصريين، بل وحتى عند الشعوب العربية. { حصل على وسام الجمهورية من طرف جمال عبد الناصر، كما تم توشيحه بوسام آخر من طرف أنور السادات، هل كانت للوالد علاقات مع الوسط السياسي؟ كان الوالد يحظى باحترام الجميع، وكان متتبعاً لما يجري في مصر وفي الوطن العربي من أحداث، وبما أنني كنت يده اليمنى وعلبته السوداء، كان يتحدث لي في بعض المناسبات عن شخصيات سياسية عُرفت بدفاعها عن الحقوق وبنضالاتها ضد الاستعمار، من بينهم: محمد بن بلة، المهدي بن بركة، والأستاذ عبد الرحمان اليوسفي الذي قال عنه الوالد ذات يوم: «إن ذلك الرجل، هو مجاهد كبير ومكسب ليس للمغرب فقط، بل للمغاربيين». { لماذا اخترت الإقامة بالمغرب بشكل رسمي؟ عندما كان أبي عبد المطلب يقوم بزيارة عمل بين الفينة والأخرى لبعض الدول العربية، كان يحكي أشياء جميلة عن المغرب، فتكوَّن لدي انطباعاً طيباً عن هذا القطر العربي، وبعد وفاة الوالد ولظروف شخصية لا أريد الغوص فيها الآن، قررت الاستقرار بشكل رسمي في المغرب. تلقيت الدعم من جميع فئات هذا المجتمع، بدءاً من السلطات التي سهلت كل الاجراءات الادارية والقانونية، وكذلك من فئات هذا الشعب التي بفضلها لم أجد أدنى مشكل في الاندماج والانصهار في مجتمع له خصوصيات ميزته عن باقي الشعوب العربية الأخرى، عندئذ تذكرت صدق ما كان يقوله أبي عن هذا القطر العربي الأصيل. حفظه الله من كل مكروه وأدام عليه الأمن والاستقرار. { كيف تقرأ الأحداث الأخيرة التي عرفتها مصر بسبب أزمة الدستور؟ الكل يعلم أن مصر في بداية المشوار الديمقراطي، ولكل بداية كبوات وتعثرات وأزمات. فالحاصل الآن في مصر هو مخاض سياسي سيعلن قريبا عن ميلاد مؤسسات قوية ومؤهلة لخدمة المواطن و الصالح العام بشكل عادل وديمقراطي. { هل حكم الإسلاميين يخيفكم في مصر؟ لماذا التخوف و المصريون هم أنفسهم من اختاروا الاسلاميين عبر انتخابات نزيهة وشفافة شهدها العالم. { أقصد بالخوف التراجع عن حرية التعبير في الإعلام، وفي الفن .. وحرمان الأقليات الدينية و العرقية من حقوقها أبدآ، الشعب المصري حريص كل الحرص على مكاسب الثورة، وغير مستعد تماما للتنازل عن تضحياته، وعلى النقيض من ذلك، فالثورة جاءت أساسا لتغيير وضع غير سليم في البلاد، وضع كرسته الديكتاتورية وحكم الحزب الواحد الدي اعتمد في بنائه على المظاهر و الشكليات في مجال الإعلام وحرية الرأي التي كانت في نهاية المطاف مسخرة لخدمة النظام. أما بالنسبة للديانات والأقليات ، فالدولة المصرية هي دولة مدنية منذ عهد الفراعنة، فليست هناك أي مشاكل بخصوص القوانين و التشريعات، أو حتى في مدونة الأحوال الشخصية، فالكل واع بأن التعايش هو الضامن الأساسي لاستقرار البلاد. والمواجهت الأخيرة بين المسلمين و الأقباط كانت من صنع النظام السابق لإثبات أهمية دوره في السلطة لاستتباب الأمن و الاستقرار.