استضاف المركز العلمي العربي بالرباط يوم السبت 9 الباحث الاجتماعي محمد الصغير جنجار لتقديم محاضرة في موضوع "التحولات الاجتماعية والثقافية في المغرب، التوجهات الوازنة والآفاق". وقد ترأس الجلسة المفكر محمد سبيلا الذي أكد في البداية أهمية باحث اجتماعي كجنجار الذي يعتبر من السوسيولوجيين القلائل الذين انفلتوا من سوسيولوجيا التقارير التي تتكلف بها وتنشرها المنظمات والمؤسسات الوطنية و الدولية. وقد كانت محاضرة جنجار، التي تندرج في سلسلة محاضرات شهرية ينظمها المركز، مناسبة علمية لتأمل تاريخ التحولات الاجتماعية والثقافية والتربوية بالمغرب. وقد ركز المحاضر على ثلاثة تحولات أو انتقالات طويلة و مرتبطة فيما بينها هي:1- التحولات الديموغرافية2- التحولات التربوية( انتشار التعليم).3- التحولات الحضرية. و ميزة هذه تحولات أنها لم تخضع لقرار سياسي، و لا ارتبطت بإرادات الفاعلين. بل هي تحولات كبرى تعيد تشكيل المجتمع المغربي. و لذلك، حسب جنجار، هي تحولات تشبه التحولات المناخية، إذ هي و لو أنها مجتمعية إلا أنها تنفلت من سلطة الأفراد. و من خلال التحليل بين جنجار أخطار هذه التحولات، أي مظاهر الخلل التي انتابتها، كما تنتاب أي تحول. وقد بين أن من مظاهر القلق أن هذه التحولات تواكبها سلوكات و إنتاج رموز تقلق الناس. أكد الباحث السوسيولوجي أن التحولات الكبرى لم تحدث إلا منذ 200 سنة. فالحضور البشري يعود إلى 500 ألف سنة. ولم لم يعرف الانسان الزراعة إلا منذ 12 ألف سنة. ولم تظهر الحضارات الكبرى إلا منذ 6 آلاف سنة. ومنذ مائتي ألف سنة فقط يمكن الحديث عن الثورة الصناعية. ليستخلص أن اللحظة الانسانية الراهنة هي جزء من تحول متأخر جدا في تاريخ البشرية. و نحن، يضيف، ننتمي إلى لحظة متأخرة، يقال عنها الدقائق المتأخرة في ليل التاريخ البشري. و لذلك فمسلسل التحديث في المجتمعات هو شيء جديد و أثره قوي في المجتمعات الحديثة. وفي سياق التأطير النظري، تحدث الأستاذ جنجار عن أن علماء الاجتماع عندما يتحدثون عن التحولات الاجتماعية يستعملون عدة مفاتيح لتحليل هذه الظاهرة. فليس للتحولات الاجتماعية نفس الإيقاعات و لا تسير في نفس الاتجاهات. فما يقرأه البعض على انه تقدم يراه البعض الآخر تقهقرا. ففي المغرب مثلا، وعندما أصبحت الحداثة لحظة جارفة، ساد خطاب الهوية الذي هو خطاب ماضوي. و لابد لعالم الاجتماع هنا أن يذكر مصطلح "الوعي الخاطئ" لكارل ماركس عندما تحدث عن الإيديولوجيا. و يقصد به النظر إلى المجتمع بمنظار لا ينتمي إلى ذلك الواقع. و انتقل الباحث إلى الوقوف عند حالة المغرب الذي اعتبره نسق على وشك الانهيار و لكنه لاينهار. وهذا عبر عنه بمصطلح "الهشاشة". و العلاقة بين المدينة والقرية هي وجه من وجوه المغرب، أو وجه من وجوه هشاشته طوال تاريخه. فالقبائل دائما كانت تخلق المدينة و تضبط إيقاعها. و لذلك ليست لنا مدن على النمط الإيطالي الذي يتطور بسرعة. ووقف المحاضر عند الإسلام الشعبي، الذي يميز اليوم الوجه المغربي للإسلام، الذي هو مختلف عن الإسلام المشرقي. كما ان للمرغب مؤسسات قوية: القبيلة، المخزن، الوالي، الزاوية، رجال الدين، الفقيه سواء المحلي أو فقيه القبيلة. هذا المغرب كانت له قبل الحماية، و بعيدها، له علامات رئيسية:10 في المائة من الساكنة في المدن. مغرب تطغى عليه الأمية، اللغة العربية تتكلمها فئة قليلة، سيادة و قوة و تجذر المخزن، سلطة الفقهاء و الزوايا. هذه الخارطة يمكن تلخيصها في العلاقة الهشة والمتوترة بين القرى والمدن. بعد هذه التاملات النظرية والتاريخية، انتقل المحاضر إلى الحديث عن التوجهات الكبرى للمغرب الحديث. ولخصها في: انتشار التعليم. وقارن هذه الظاهرة بأختها في أوروبا، التي اقترن فيها انتشار التعليم بانتشار الدين. ونبه إلى ضرورة عدم اعتبار التحول هو مجرد ارقام إحصائية فقط. فعندما نتحدث عن تحول ديموغرافي فنحن نتحدث عن تتويج لتحولات كبرى في الصحة و التعليم و السكن والتغذي. فديموغرافية مغرب ما قبل الحماية كانت تمشي في خط بياني، تصعد و تنزل، حسب المجاعات والجفاف والحروب و الصراعات. لكن متى بدأت الفورة الديموغرافية؟ هذه هي بداية الانتقال الذي سيعطي الانفجار الذي بدأ في الخمسينيات و السبعينيات و استمر إلى حدود 2007. فبين السنوات:80-95 بدأت الثورة الديموغرافية تنتج السباب. و في سنة 2000 بدأت الثورة الديموغرافية تنتج الشيوخ. وفي السنوات القادمة، حسب توقعات الديموغرافيين، سيعرف المغرب نقلة ديموغرافية سيطبعها الشيوخ، أي الأشخاص في عمر65 سنة سيكونون هم الفئة الغالبة. إذن سيصبح حجم الشيوخ في مجتمعنا هو الغالب. و قد ساهم في ذلك تراجع الوفيات و ارتفاع نسبة الحياة. حيث وصلنا اليوم في نسبة امل الحياة إلى 78 سنة. ولنا ان نلاحظ ان تمثلات الشخص الدي عاش 45 سنة تختلف عن تمثلات شخص يعيش 78 سنة. وانتقل الباحث لمقارنة المغرب ببعض الدول المغاربية خصوصا تونس ذات التاريخ الإصلاحي العريق. فالمغرب يتجاوز تونس من حيث عدد النساء العاملات خارج البيت. كما انتشرت ظاهرة العزوب. فالمغربي قديما كان يتزوج بشكل أو بآخر، لكن اليوم المرغب ي يتزوج كفرد وليس كجماعة. و تراجع الزواج أرجعه المحاضر إلى تراجع دور العشيرة. كما وقف عند ظاهرة مراقبة الغنجاب، وهو أيضا عنر ساهم بقوة في النقلة الديموغرافية، سواء في المدينة او في القرية التي وصل إليها التلفزيون. كما ظهر القيمة الرمزية للطفل، بعد ان كان مجرد استثمار. فالطفل أصبح بالنسبة للأرة الحديثة مشروعا مكلفا في تعليمه وصحته وترفيهه. و في الاخير جاء التحول التربوي الذي تاخر فيه المرغب كثيرا مقارنة مع العديد من الدول العربية. فانتقنا من مرغب تسوده الامية إلى مرغب متعلم.