طلبة الطب والصيدلة يتفاعلون بشكل إيجابي مع دعوة أخنوش    أسعار النفط تتجه لإنهاء سلسلة خسائر استمرت أسبوعين    نهضة بركان يطرح تذاكر مباراة اتحاد العاصمة الجزائري    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    البحرية الملكية تقدم المساعدة ل 85 مرشحا للهجرة غير النظامية    أخنوش معلقا على احتجاجات طلبة الطب: ليس هناك سنة بيضاء و3 آلاف طالب يدرسون كل يوم    محمد عشاتي: سيرة فنان مغربي نسج لوحات مفعمة بالحلم وعطر الطفولة..    واش غايسمعو ليه؟.. بركة خايف يتفركع المؤتمر وصيفط رسالة للمؤتمرين: استحضروا التوافقات البناءة وقيم حب الوطن – فيديو    تعليمات خاصة من الكاف لمراقبة الصغيرة والكبيرة فديبلاصمون اتحاد العاصمة للمغرب تفاديا لتزوير الحقائق وكذوب الكابرانات    نسبة انتشار التدخين بين التلاميذ اللي عمرهم بين 13 و15 عام وصلات ل6 % وبنموسى: الظاهرة من الأسباب المباشرة ديال ضعف التحصيل الدراسي    جرسيف.. مشروع بكلفة 20 مليون درهم لتقوية تزويد المدينة بالماء الشروب    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الجمعة على وقع الانخفاض    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    الملك يهنئ عاهليْ هولندا بالعيد الوطني    مجمع الفوسفاط ينجح في تعبئة ملياري دولار عبر سندات اقتراض دولية    المغرب يطرح مناقصة لبناء مزرعة رياح بقدرة 400 ميغاوات    السعودية قد تمثل للمرة الأولى في مسابقة ملكة جمال الكون    وانغ يي يتلقى مقابلة تحريرية مع شبكة الجزيرة الإعلامية القطرية    أخنوش: الأسرة في قلب معادلتنا التنموية وقطعنا أشواطاً مهمة في تنزيل البرامج الاجتماعية    أخنوش يحسم الجدل بخصوص التعديل الحكومي    من بينهم الرجاء والوداد.. "الفيفا" تمنع 12 فريقا مغربيا من التعاقدات    "IA Branding Factory"… استفادة 11 تعاونية من الخدمات التكنولوجية للذكاء الاصطناعي    رسميا.. بدر بانون يعود لأحضان فريقه الأم    بطولة إفريقيا للجيدو... المنتخب المغربي يفوز بميداليتين ذهبيتين ونحاسيتين في اليوم الأول من المنافسات    الأمير مولاي رشيد يترأس بمكناس مأدبة عشاء أقامها الملك على شرف المدعوين والمشاركين في المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب    طلبة الطب يقررون تعليق كل الخطوات الاحتجاجية وفسح المجال للحوار    درنا الرقمنة بكري.. الوزيرة مزور فتحات كونكور مدير التحول الرقمي ومن الشروط تجيب خمس نسخ ورقية من الضوسي باش دفع للمنصب    رغم القمع والاعتقالات.. التظاهرات الداعمة لفلسطين تتواصل في العالم    الصين تتعبأ لمواجهة حالات الطوارئ المرتبطة بالفيضانات    انطلاق أشغال مشروع تهيئة الغابة الحضرية "ليبيكا" بالعرائش    انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس "مولان روج"    مؤسسة (البيت العربي) بإسبانيا تفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ال18    "لمسات بألوان الحياة".. معرض تشكيلي بتطوان للفنان مصطفى اليسفي    عرض فيلم "أفضل" بالمعهد الفرنسي بتطوان    أخنوش.. هذا ما يمنع الزيادة في أسعار "البوطاغاز"    زلزال استقالات يضرب الخارجية الأمريكية بسبب دعم بايدن لحرب إسرائيل على غزة    تحت اشراف الجامعة الملكية المغربية للملاكمة عصبة جهة سوس ماسة للملاكمة تنظم بطولة الفئات السنية    الدكتور عبدالله بوصوف: قميص بركان وحدود " المغرب الحقة "    شاهد كيف عرض فيفا خريطة المغرب بمتحفه في زوريخ    القبض على مطلوب في بلجيكا أثناء محاولته الفرار إلى المغرب عبر إسبانيا    وزير دفاع إسرائيل: ما غنوقفوش القتال حتى نرجعو المحتجزين لعند حماس    تسليط الضوء بالدار البيضاء على مكانة الأطفال المتخلى عنهم والأيتام    هل دقت طبول الحرب الشاملة بين الجزائر والمغرب؟    طنجة تحتضن ندوة حول إزالة الكربون من التدفقات اللوجستية بين المغرب و أوروبا    البيرو..مشاركة مغربية في "معرض السفارات" بليما لإبراز الإشعاع الثقافي للمملكة    مؤتمر دولي بفاس يوصي بتشجيع الأبحاث المتعلقة بترجمة اللغات المحلية    التحريض على الفسق يجر إعلامية مشهورة للسجن    الأمثال العامية بتطوان... (582)    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مثير للجدل ... النساء ناقصات عقل ودين.. !
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 04 - 01 - 2014

هكذا قيل .. وهذا ما ورثناه عن آبائنا الذين ورثوه بدورهم عن فقهاء رفعوا هذا الحديث العجيب إلى الرسول الكريم. لكن، ما ينبغي أن نحسم فيه -منذ البدء- أن أحد مداخل العدالة الاجتماعية، والحرية، والديمقراطية، والإنخراط في العصر، هو الإقرار المبدئي، الحق، النهائي بالمساواة الجنسانية بين الذكر والأنثى، والاعتراف الكلي الصادق، النابع من العقل والقلب والضمير، بكينونة المرأة الكاملة المستقلة، الكفؤة، المقتدرة، ذات الرحابة والطاقة والتفكير، بتمكينها من ذاتها، أي بتركها لنفسها حرة، غير مجبرة، ولا شاعرة بامتنان أو بصدقة، أو دفاع كاذب، وتنفج مضحك، وادعاء باطل، من رجل هو نفسه في أمس الحاجة إلى توازن وعقل، وشخصية قوية، وطبع صاف، وحسم واع.
الإقرار بالمساواة ما دامت صروف الحياة، ونواتج المنجز البشري النسائي أعطى العطاء الثر في مختلف الميادين والمجالات، وعلى أكثر الصُّعُدِ، والمستويات. فمساواتها -لا مناصفتها- مع الرجل، ينبغي أن تعتبر بديهة نابعة من منطق الأشياء التي تقوم على الاختلاف الغني البديع التكاملي في البدء والمنتهى. لاَ مَنَّا، ولا عطاء، ولا تطاولا من قِبَلِ أيٍّ كان، ولو كان مؤسسة دينية، وذلك مربط الفرس.
بديهة أقول، وتحصيلا، وإعلاء لها.. لشخصها، لكرامتها، لجنسها ونوعها بوصفها أسا، وركنا ركينا، ومنبعا، وشرطا لا تقوم الكينونة والوجود العام الإنساني من دونه.
لم تحقق المرأة عنفوانها الكينوني، ولا إحساسها المشبع بالوجود والحياة من حيث هي قسيم للرجل، ولا إنسانيتها على رغم كونها كذلك، منذ البعيد، منذ تواريخ تنحدر إلى عجين البدايات النشوئية، وليل الحضارات. أحقاب متوالية، مُدَدٌ زمنية متتالية، وعصور متواترة مرت عليها وهي حجر مَلْموُمٌ، وصمت مطبق، أثاث وديكور، وزينة، سلعة وبضاعة ورقيق وقينات، وحريم.
لهذا الحيف، وهذا الظلم تاريخ مديد وعنيد. فهي تالية وثانية ومكملة. فكأن الرجل منذ أدرك قوته الفيزيقية، وعضلاته المفتولة، وجبروته الجسمي، استصغر الأنثى القسيم، معتبرا رقتها، وضعفها البيولوجي، ونعومتها الفسيولوجية، نقصانا يتوجب حمايته، والتنكيل به إذا طاول الجبل، واستباحته في كل الأحوال، متى شاء الذَّكَرُ، وأنى اتفق له ذلك.
ثمة ما عزز هذا النظر إلى المرأة، ليس أقله أنوثتها وحنانها، وتسامحها، والتنازل عن حقوقها المبدئية في التفكير والتعبير، والصدع بالرأي المخالف، في سياقات تاريخية، ومضامير اجتماعية، سادتها الخرافة والعرف البالي، والعادة المذمومة، والتقليد الظالم الذي صير به إلى القيد القانوني، بل الإلهي في فترات تاريخية مختلفة.
فجسدها الذي أودع الخالق فيه الجمال، وأنشأه إنشاء فاتنا، كسر النفوس الضعيفة للرجال، فأودعوه القوالب، والمشانق والأقفاص، خوفا من فتنة جارفة لا تُبْقِي ولا تذر، ومن شهوة جامحة تعمي البصائر قبل الأبصار.
ما يفضي إلى فهم استعمالها في المعابد الوثنية، بَغْيًا مقدسة يتناوب عليها الرجال، وفي الأساطير أفعى وَحَيَّةٌ رقطاء، وغَوَاية ما بعدها غواية، تصفر «السيرينات» في ظلام البحار، فيرمي صفيرهن الساحر العذب شباكه المحكمات على البحارة الأشداء، الرجال الزعماء، والربابنة المهولين، والقراصنة الأشراس.
كما أن الخطيئة الأزلية اعتبرت أنثى، والمتسبب فيها حواء التي أغرت آدم بالقطف.. ولم تكن تلك الشجرة الأسطورية سوى شجرة المعرفة في القراءة التأويلية للأسطورة والدين. ومع أن القرآن الحكيم لم يُسَمِّ مَنْ تَسَبَّبَ في السقوط أهو آدم أم حواء، فإن جوقة الفقهاء منذ القديم، أعلنوها واضحة فاضحة: إنها المرأة.. سليلة حواء من وسوس لها الشيطان، فأوقعها في أحابيله، ما دعاها لإقناع آدم بالقطف، أي بانتهاك الناموس، والسقوط المُدَوِّي إلى الأرض. علما أن القرآن يُحَمِّلُ آدم جريرة الفعلة، أو ما سمي بالخطيئة، إذ يقول : «فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما».
وَسْمُ المرأة بالغاوية، وَرَمْيُها بأشْنع النعوث من بَغْي وعاهرة، ومتهتكة، وباغية، وداعرة، وفاجرة وغيرها، جاء من المنظور أعلاه، من الخطيئة الأولى باعتبار مصدرها امرأة.
وسنفتح قوسا لنقول إن أغلب الميثولوجيات، والأديان التوحيدية الكبرى، والديانات الوضعية، تقاطعت حول تمجيد الحب الحسي، ورفعت المرأة إلى الذروة من مدخل جسدها، لا روحها وفكرها وثقافتها.
ففي طقوس الحب السومرية، شعر ملتهب ومكشوف، يذهب من غير مداورة، إلى الجسد. وفي البرديات المصرية على أيام العَرَامِسَة، صفحات من الحب الحسي، يتواثب فيها الخمر والجنس. وفي المعتقد البابلي والكنعاني، تأليه للمرأة، وعبادة لجسدها، وتطقيس له على وجه الإجمال.
وَتُمدُّنَا حفريات العصر الحجري بالتصور الديني لأهله، ففي العديد من المدن، وجدت تماثيل من الحجر أو العظام لنساء يلفت النظر إليها شيئان: إن الأعضاء الأنثوية قد بولغ في تضخيمها، وأن الوجه لا يحمل أي ملامح. وتسمى هذه التماثيل: فينوسات «لوسييل».
أغلق القوس لأعود إلى القول بأن المرأة تماهت مع جسدها، وأن الرجل من منطلق خوفه من هذا الجسد الذي فتنه، مكر به واحتال في الحِجْر على صاحبته. فهي - كما أسلفت- مَرَّةً ديكورا مؤثثا، ومَرَّةً قَيْنَةً وجارية.. وكتيبة من النساء سُمًينَ بالحريم ليتمتع بهن أولو الجاه، والعزم والشدة والسلطان.
ولأنها تَفْتِنُ كان يُلْقى بها في النيل لتخصيب الأرض. هكذا- في كامل زينتها وبهجتها، وَسَقْسَقَة الحلي يتقدمها، تنزل غصبا إلى الماء ليتلقفها تمساح متضور. ولأن جسدها عورة، وصوتها عورة، وشعرها عورة، كانت تُودَعُ في الهوادج عربيا، وفي القصور المنشآت كالأعلام فارسيا وهنديا. وفي العقيدة الهندوسية، تُحْرَقُ في احتفالية رائعة، إذا مات عنها زوجها، تأكيدا للوفاء العظيم، ودرءا للذئاب الناهشة بعده. وعندنا في الديار الإسلامية منذ تاريخ طويل ? تُرْغَمُ، أوْ تَتَطَوَّعُ بوضع الحجاب مخافة الفتنة والإفتتان. «مع أن الحجاب حُمِّلَ معياريا بعدد من الوظائف التي لم تخضع للتمحيص، كالحشمة، والحماية من التحرش الجنسي، وتوكيد الهوية الثقافية». لم يلتفت العلماء والفقهاء المسلمون، على غرار بعض اللاهوتيين الأرثودوكسيين، في الشرق والغرب، إلى ما به قوام الوجود الإنساني، الذي ينبني على الشراكة، والإشراك، والقسمة والتقاسم، من خلال المرأة والرجل سويا في تناغم واندغام وتساكن وَتَحَابٍّ، وتَمَاهٍ حتى كأنهما واحد، وَجْهٌ وَقَفَا، روح وجسد، دم وخلايا، تشابك أعصاب وعواطف وأحاسيس وانفعالات. لا مجال للفصل، ولا مكان للأحد المستبد، الغالب، الطاغي، والمعبود.
لقد خيض في المرأة بوصفها عورة، ودنسا، وخطيئة، بينما يتهافت الرجال عليها ذلا، وتضرعا، وخنوعا، وزلفى. ولنا في التاريخ البعيد والقريب، وعند مختلف الأمم والشعوب، ما يدل على ذلك.
ولسائل أن يسأل : وماذا يفعل الحديث «النبوي» الذي عَنْوَنَّا به المقالة؟ وكيف يستقيم الدفاع البدهي عن المرأة باعتبارها إنسانا كاملا غير منقوص، وأنت تورد ما يناقض ما تذهب إليه من كون «النساء ناقصات عقل ودين» فيما يروي الرواة. سأواجه هذا الحديث الذي أشك في صدوره عن نبينا الكريم على رغم وروده في الصحيحين، بالقرآن الكريم الذي سَاوَى بين الرجل والمرأة، وببعض الأحاديث التي تعلي من مكانة المرأة، وتعترف بفضلها العلمي، وقدرتها على الإفتاء، وكشف الغامض من معاني القرآن، وتآويله. ففي حديث نبوي، جاء : «خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء». والمراد بها عائشة، فإذا كانت عائشة فقيهة متفقهة، يأمر نبينا صحابته، وباقي المسملمين باستفسارها فيما عَسُرَ عليهم من الدين، وما أعياهم فهمه وشرحه، واستغلق على مداركهم؟. إذا كان الأمر كذلك، فكيف يأخذ الصحابة ?وَهُمْ مَنْ هُمْ في التقوى والصلاح ! عن عائشة، وهي المرأة التي ينطبق عليها ما ينطبق على بنات جنسها من نقص في العقل والدين؟
ثم، ألا يجدر بنا أن نتجاوز ونتخطى مسألية النقص الديني المرتبط بالحيض والنفاس، والنقص العقلي المرتبط بضعف شهادتها، أو هي نصف شهادة الرجل !؟ هل نقصانها من حيضها ونفاسها؟ وهل لها يد في خلقها وتكوينها وتنشئتها، وإختلافها البيولوجي؟ وهل هذا الاختلاف منقصة ومذلة ومذمة ،أم هو غنى وثراء وخاصية وبناء؟
ألا تقوم الكينونة البشرية على الثنائية التكاملية : مذكر / مؤنث من دون التفكير لحظة في التمييز المغرض المسخر بين الجنسين؟ «فتحليل البُنَى النفسية لكلا الجنسين، يشير إلى أن خصائص كل منهما، تكمل نواقصهما. فمن الطبيعي أن يكون هناك فروق، ولكن على كلا الجنسين أن يستفيد من خصائص الآخر، ويتمثلها لكي يستكمل نواقصه».
وإذا علمنا -من جهة أخرى- أن القرآن الكريم نزل بحسب حاجيات القوم في القرن السابع الميلادي، مع ما ساد المرحلة التاريخية عالميا، في تلك الأثناء، من غلبة للذكورة، والفحولة، ومغلوبية للأنوثة المستعملة والمسخرة في الأسمار، والليالي الحمراء الصاخبة، أو المضمخة بالعبير والحرير، والبخور، أدركنا -من غير جهد- كيف نظر العربي - المسلم إلى المرأة، وكيف رأى إليها سلعة تدخل في ملكه الخاص والعام، من ملك اليمين، إلى التسري، إلى الزواج المتكثر، وإلى الصحابة والتابعين المزواجين، إلى زواج المتعة الذي حُلِّلَ ثم حُرِّمَ عند فتح مكة، والذي لازالت الشيعة تعتبره حلالا فيما تحرمه السُّنَّة، وهما فصيلان إسلاميان. ففي القرآن الكريم: مصدرالغواية هو :المرأة، مُشْعِلُها هي، والمبادرة بالإغواء والإغراء بنات حواء، وليس أبناء آدم. ورد هذا في الحكم الشرعي، كما ورد في القصص والاعتبار. «الزانية والزاني، فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة...». «ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه...». إلخ، [ فالبدء بالمؤنث صريح الدلالة على مبادأة المرأة ومبادرتها ] .
وفي الأحاديث المنسوبة إلى الرسول الكريم، ما يسيء إلى كرامة المرأة، ومن ثم يتخلع سنده إلى خير الورى الذي كَرَّمَ المرأة، وَحَدَبَ عليها، واستشارها، واعتبر من يعنفها امرؤا فيه جاهلية، وقلة مروءة. فكيف نقدم للناس ولشبابنا مثل هذا الحديث: «استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء»؟
لقد تفنن الفقهاء في إيراد مثل هذه الأحاديث، وبسطها شرحا، وتفسيرا، وتوسيعا للعوام، لأنها تخدم البنية الذهنية المتحجرة عامة. وهي البنية المنتجة لثقافة التمييز، المشبعة- من ناحية أخرى- بالثقافة الشعبية، والأمثال الخرافية التي تحصلت من عصور الانحطاط والظلام والانكفاء، والمتموقفة -سلبا- من المرأة، كأشعار عبد الرحمن المجدوب الذي أبلى البلاء الحسن في تعيير النساء، وتحذير العامة، والأميين من الثقة فيهن، ومن مغبة اتباع طريقهن لأنهن لعاب الشيطان، وسليلات الحيات المتبدلات. هذه الأمثال، والأزجال انْسَرَبَتْ إلى ثقافة الشعب، وتغلغلت في رؤيته ورؤياه للعلاقة بين الرجال والنساء، إلى درجة اعتبار النساء «حشومة» : ففي بلادنا ?في المداشر والقرى- لا يصرح الرجل باسم زوجته للحضور، والضيوف، والجيران، ظنا منه أن في كشفه عن اسمها، إذلالا لرجولته، وإخصاء لفحولته، وهتكا لشرفه. وفي جلسات الرجال، يُقْرَنُ ذِكْرُ المرأة ولو نكرة منكورة ب : «حَشَاكْ»، كأنها عيب ودنس، ووسخ، وَفُضْلَة.
استمر الوضع القاتم على المنوال إياه، والنظرة التبخيسية والتنقيصية من المرأة، واصلت حضورها ورسوخها لدى الذكور عبر آماد طَالَتْ، ولم ينفع معها، ظهور شاعرات وأديبات عربيات هنا وهناك.
وسننتظر حلول القرن التاسع عشر الميلادي، في أواخره، وبدايات القرن العشرين، نتيجة الاحتكاك بأوروبا- ليقع التململ، ويتحرك الماء الراكد، والبركة الآسنة، وتَتَخْلخل تلك البنى الثقافية البالية، والفقهية المتزمنة، وذلك عبر كتابات الشيخ المستنير الطهطاوي، وقاسم أمين، وطاهر الحداد، وعلال الفاسي، وبعض شعراء الإحياء المشارقة. صحيح، أن تك الكتابات قَعَدَ بِها ظَرْفُها، وشرطها التاريخي، وهيمنة الخطاب الديني المعادي لتحرير المرأة بإطلاق، فلم تَغُصْ عَمِيقًا في الدفاع عن حق المرأة في الاستقلال، والحرية، والعدالة الاجتماعية، والعلم والعمل. ومع ذلك كانت دِيمَةً تبعتها زَخّاتٌ ثم ما عتمت أن أمطرت فكرا رائدا، وكتابات ناضجة تمتح من مدونات النسوية الغربية طبعا، ومن العودة إلى المظان الفقهية، والأصول التشريعية، تحليلا وتأويلا، من أجل إبراز تهافت القراءة الفقهية الرجولية التي احتكرت الأحادية التأويلية، ليتسنى لها التحكم في مصير النوع الآدمي، والجنس البشري القسيم الذي هو المرأة.
سيتخلل هذا المكتوب النسوي المنافح عن حق المرأة في المبادرة والحياة، والكينونة الكاملة، مساهمات ناضجة، بالغة الأهمية في التوقيت والمكان إن مصريا، أو سوريا، أو لبنانيا، أو تونسيا ، أو فلسطينيا . وسنقرأ باهتمام خاص كتابات نوال السعداوي، وفاطمة المرنيسي، وفريدة النقاش، وأخريات ، وقبلهن : عائشة تيمور، وملك خفني ناصف، ومي زيادة، ونظيرة زين الدين، هؤلاء جميعهن خضن في الحجاب والسفور، وفي القوامة والولاية والنشوز وغيرها. وإن لم يذهبن بعيدا في مقارعة رجال الدين لضآلة أدوات التحليل العلمي، وللخوف من رميهن بالمروق والبغي، والكفر، الذي قاسين منه، وأصابهن بعض رذاذه.
وسيعقب هؤلاء النسوة الرائدات، نساء مثقفات رائعات، حظين بتعليم جامعي وأكاديمي عال، عَوَّلْنَ على إبراز الخصائص الخلافية التي تصنع الإنسان في ثنائيته الموحدة، وواحديتة المشطورة والمَّتَضَامَّة في الآن عينه، حيث أسَّسْنَ ما أَسْمَيْنَهُ بالنسوية الإسلامية، وهي نسوية أخذت من النسوية الغربية، كما من النسوية العربية الأولى عبر الرائدات اللاتي ذكرناهن قبل قليل.
نما وعيهن بشكل كبير، وطفقن يخضن في ما صنع قوة الرجال الثقافية التي استندت إلى قراءة «مخدومة»، وآثمة للنصوص التأسيسية، والعقائد والأحكام. وهذا التيار الذي ظهر قبل عقد من الزمان، يعتبر إنجازا هاما، وفتحا قويما إذ يكرس خطابا جديدا مداره على المشروع التحريري للمرأة المسلمة.
وربما أن الخطاب إياه يجادل بطريقته، خطاب الحداثة العلمانية التي رأت أن الإسلام عقبة كؤود في وجه تحرير المرأة. من منظور أنه مصدر رئيس لعدم المساواة في الطلاق، والإرث، والحضانة، والشهادة... إلخ. من هنا، يكتسي خطاب وطرح النسوية الإسلامية الجديدة ?في نظر الكثيرين- جدارة وصدقية وقوة إذ يحاول الفصل ?بنجاح- بين الإسلام، وتفسيرات الرجال له عبر التاريخ. وهكذا، قامت منظرات هذه الحركة بتقديم تفسيرات، وتأويلات جديدة لآي القرآن الكريم، ومتون الأحاديث، والتاريخ الإسلامي، بطريقة ترد الإعتبار إلى الإسلام الحنيف التأسيسي الذي ساوى بين المرأة والرجل بما لا يحتاج إلى تأويل مغرض، أو ادعاء تعالمي. فأميمة أبو بكر ? وهي واحدة من منظرات هذه الحركة النسوية، تقدم مثالا حيا على قوة وتنامي هذا المشروع.
ويمكن أن نسمي بعض نساء هذه الحركة، اللواتي عَوَلْن على أصواتهن الخاصة من دون الحاجة إلى رجال، في إظهار أن الإسلام حفظ للمرأة حقوقها، وَصَانَها من عبث العابثين. ومنهن: زينب رضوان، وأماني صالح، وهند مصطفى (من مصر). وفاطمة لمرنيسي، وأسماء لمرابط، ورشيدة آية حميش، وفاطمة الزهراء أزرويل ، وفريدة بناني: (المغرب)، وأمينة ودود محسن، وليلى أحمد، وعزيزة الهبري (أمريكا).
علما أن النسوية العلمانية لازالت تنشط، ولها طروحاتها القوية التي تجاوزت الكلام عن الحجاب والسفور، إلى الكلام عن التساوي في الإرث، والزواج الواحد، والتساوي في الشهادة، وإسقاط مجموع النظر الفقهي التشريعي حيال مدونة المرأة المدنية، التي هي مدونة وحاجة إنسانية أزلية وأبدية: [ رجاء بن سلامة نموذجا ] .
لن نُحَاجِجَ هذا التيار بذلك، ونقطع بالغلبة لهذا على حساب ذاك.
لكن بالإمكان القول إن الخوف كل الخوف يأتي من «الدُّوغْما»، أيْ من ادّعاء احتكار الحقيقة، والمنظور الفكري الأنجع. وهذا ما بدأت تسقط في أحابيله، النسوية الإسلامية، بدعوى تمثيلها الواحدي، الأوحد لمشروع التحرير الشامل للمرأة من ربقة العبودية والدونية، انطلاقا من منهجها المتبنى، والتي تقرأ في ضوئه المتون الدينية ذات الصلة بالمرأة، وبقضاياها، وحقوقها. وفي ذلك ما يذكر ?أيضا- بتعالم النسوية العلمانية، التي أقصت دور النساء المسلمات، واحتكرت ?من ثم- الكلام الأحادي بلسان الجميع.
بينما الحال يقتضي، والسياق العولمي، يتطلبان المصاقبة والتقارب، والإغناء المتبادل من أجل تحقيق الأهداف المسطرة، وإنجاح الغايات المعلنة، والمرامي المنشودة.
ومع كل هذا، ألا تعد الحركتان كلاهما، نخبويتين، بعيدتين عن هموم السواد الأعظم من النساء، أولئك اللواتي لم يسعفهن الحظ في نيل قسط من العلم والتعليم؟ وأولئك القرويات، البدويات المحشورات في خواصر الجبال، والمحبوسات بين الشعاب والوديان، الغائصات في الفقر والأوحال؟
فكيف نوصل هذه الأفكار على أهميتها، وجدتها، وصدقيتها، إلى هؤلاء النساء المظلومات، المغبونات وهن بالملايين لا بالمئات؟
ثم ألا يفضي كل هذا الحراك الثقافي النسوي، التنويري إلى الإنكماش في واقع عربي لا يقرأ؟ زد على ذلك أن النبش العميق في الدين بغاية إحقاق حق المرأة في الكينونة الشاملة، والحياة الكريمة الكاملة، يتم على حساب العوامل الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية، والثقافية، والقضايا المتصلة بالجنساينة وغيرها؟
ثم ألا «يساير تنزيل القضية النسائية في إطار ديني صرف، الطرح السائد من أن الإسلام هو الحل، ويجعل المسؤول عن معالجة ما تعانيه النساء، هو المؤسسة الدينية، وليس دولة القانون؟» .
وفي واقع الأمية الكاسحة، والمعششة في وسط النساء بخاصة، وفي العالم القروي، وواقع الفقر والإملاق، هل يسلس الحديث عن هذه التيارات، والحركات التحديثية والتنويرية، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون ترفا فكريا وتزجية للوقت، وَأُلْهِية، وجعجعة بدون طحن؟ .
لكن التاريخ، تاريخ الإنسانية عَلّمنا أن صانعي الحضارة والتقدم، كانوا أفرادا، قادة فكريين،عباقرة، التمع نجم السعد في أيامهم ، وأثناء حيواتهم، ومساراتهم، فاهْتَبَلُوا الشروط، والظروف، وحققوا ما فكروا فيه، وما خططوا له، وما سطروه. ومن ثمة، فَعِوَلُنا كبير على النسوية إن في وجهها العلماني، أو وجهها الإسلامي المتنور، في تحقيق المراد والمبتغى، بهدم البنى العتيقة المتجذرة في الذاكرة، والوعي الذكوري، والنسائي حتى، وتهشيم الأباريق المعبودة، و»التماثيل» المكرسة، وبعج الجمود الفقهي، والتكلس الثقافي الشعبي الذي زينوا له خَلْطَةَ الديني بالخرافي، حتى سمعنا من يذود عن أزجال عبد الرحمن المجدوب، وآراء بعض «ألأولياء» والصالحين، بحسبانها دينا، وشرعا إلهيا، وأمرا ربانيا، من لم يؤته فقد ضل ضلالا مبينا.
في الختام، تحية اعتزاز وإكبار لنساء الكون أيا كانت ديانتهن أو لغتهن أو لونهن، أو سلالتهن أو بلدانهن. تحية للفلاحات، العاملات، للقرويات وهن ينجلن الليل بيد الفجر والبهاء على رغم الشقاء والحرمان.
تحية للرائدات، والناشطات الحقوقيات، والمناضلات السياسيات، والمفكرات، والأديبات والشاعرات، والممثلات في المسرح والسينما، والفنانات التشكيليات، والمغنيات والراقصات اللواتي ينسجن على نول الفتنة، ولغة الجسد، إيقاع العصور والقبائل والسلالات، محافظات ?هكذا- على لسان لا يتبلبل أبدا، إذ هو نداء الدواخل يتلولب، ويصهل إلى الخارج، محتدما، يُوَقّْعُ أجمل قصيد صائتٍ، وَضَاجٍّ بالجمال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.